تربية وطفولة

الأهل وتربية الأولاد
إعداد: ماري الاشقر
اختصاصية في علم النفس

الحدس أصدق إنباءً من الكتبِ...

كثيرًا ما تواجه الأهل تساؤلات حول نظرة أبنائهم إليهم، وحول كيفية التعامل مع هؤلاء الأبناء في مواقف مختلفة تواجهم.
والأم اليوم قد تجد نفسها حائرة بين متطلبات دورها كأم يجب أن تهتم بأولادها، وبين متطلبات عملها. أكثر من ذلك، ثمة أمهات يشعرن بالقلق أو حتى بالذنب، لأنهن يضطررن للغياب عن المنزل والأولاد، بسبب العمل أو الحياة الاجتماعية. في المقابل قد تواجه الآباء أيضًا تساؤلات حول ما ينتظره أولادهم منهم...

 

الأهل في نظر الأولاد
أجريت أبحاث كثيرة لمعرفة الصورة المثالية التي يرسمها الأبناء لأهلهم، وتبيّن بنتيجتها أن هذه الصورة تختلف بين الأطفال الصغار والأولاد الأكبر سنًا. فلدى الصغار صورة رومنطيقية وخيالية عن الأهل، أمّا الكبار الذين يرون الأشياء بوضوح أكبر، فقد يحاكمون أهلهم حتى على أتفه الأسباب.
إضافة إلى ذلك، إن نظرة أبناء هذا الجيل إلى أهلهم ليست نفسها النظرة التي كانت في الماضي. مثلًا في الماضي كان عمل المرأة خارج المنزل يتعارض مع صورة المرأة والأم المثالية. فالأم المثالية كانت تلك التي تتفرغ لشؤون زوجها وأولادها. اليوم يؤكد الاختصاصيون في علم النفس، أن الطفل لا يهمه فقط أن يأكل ويشرب ويلعب ويذهب إلى المدرسة، فهو أيضًا يحبّ أن تكون أمه جميلة، مرتبة المظهر، وتعتني بنفسها. كما أنه يحبّ أن يراها حيوية، وفرحة، وهو لا يتوانى عن انتقادها إذا كانت منطوية على نفسها وتمضي معظم أوقاتها في المطبخ.
كذلك لا يريدها أن تصبح امرأة لعبة لا تهتم إلا بجمالها، إنه يحبها طبيعية، ترتدي الثياب البسيطة وتركض معه وتشاركه قراءاته وألعابه، وفي المقابل هو يعاملها برقّة وحنان عندما تكون تعبة أو مريضة، ويريد أن يساعدها في الأعمال المنزلية ويرتاح لمشاركة والده في بعض هذه الأعباء. باختصار، صورة الأم المثالية في نظر الأولاد اليوم تتطابق مع صورة المرأة العصرية العاملة، شرط أن لا تهمل أولادها.

 

الواقعية والتفّهم
يرى الطفل عادةً العالم من خلال والديه، لا مجال للضحك عليه أو التظاهر بالوفاق والصبر والشجاعة. إنه يلاحظ أدقّ الأشياء والتصرفات، وهو يكون سعيدًا بين والديه المتحدين، وحزينًا في عائلة مفكّكة يكثر فيها الشجار، والصراخ، ومظاهر العنف. ومع ذلك، من المهم أن يرى الطفل الكبير والدته ووالده على حقيقتهما فيدرك حسنات وسيئات كل منهما، ويتفهم مشاكلهما المادية والاجتماعية، لكن من دون إرهاقه واغراقه في هذه المشاكل.
وعلى الأم أن تكون منفتحة على الحياة، تتعاطى بإيجابية مع المواقف الصعبة، فلا تتذمر لأتفه الأسباب، وفي الوقت نفسه لا تدّعي السعادة طوال الوقت. كذلك بالنسبة إلى الأب، ليس المهم، أن يتظاهر بالشجاعة والإرادة، بل أن يعيش هذه الصفات أمام ولده، ويجابه المصاعب اليومية ويكون سعيدًا بانتصاره عليها. هنا لا بدّ من التركيز على أهمية وجود الفرح في العائلة، لأنه خبزها اليومي.
وثمة نقطة هامة تتعلق بالزوجين المتّحدين، إلى حدّ فصل حياتهما واهتماماتهما وأسرارهما عن أولادهما، مما يؤدي إلى شعور الأولاد بالكبت والحرمان. وعندما يكبرون ويصبحون في عمر المراهقة، سوف يوجّهون سهامهم الحادة نحو أهلهم، تعبيرًا عن شعورهم بالكبت من جهة وإثباتًا لوجودهم من جهة أخرى.

 

الحدس والاهتمام والحنان
المال، الهدايا والراحة المادية، أمور لا تكفي لإسعاد الطفولة، فهي بحاجة أكثر إلى انتباه الوالد واهتمام الوالدة وإجابتهما عن الأسئلة التي تطرح، حول الحياة اليومية، والأشياء التي يراها الأولاد في طريقهم إلى المدرسة، والقصص التلفزيونية التي لا يجدون تفسيرًا لبعض مواقفها... أما عمل الأم فلا يطرح مشكلة. فبعد تجارب وأبحاث عديدة أجريت على مجموعة من الأطفال، تبيّن أن اهتمام الأم بأطفالها لا يمنعها من العمل خارج البيت، بل على العكس من ذلك، فإن الأم العاملة تشعر بمقدار من الرضى وتتمتع بالاتزان، وهذا ما يؤثّر بشكل إيجابي على علاقتها بأولادها.
أخيرًا نتساءل، ما هو دليل الأم والأب إلى تربية أطفالهما؟ هل تشكل الكتب دليلاً لهما؟ ليس من دليل لمعرفة الطفولة، على الأم والأب اعتماد حدسهما بالدرجة الأولى لمعرفة أطفالها. لكل أم دليلها وحدسها الخاص في تربية أطفالها. قد تجد في الكتب وآراء الاختصاصين ما يفيدها، لكن الحنان والابتسام وإسعاد الآخرين، أمور لا نتعلّمها، إنها أفعال تنبع من ذات الأم.