طفولة

الإبن صورة أبيه
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

من الأب يستمدّ الأولاد زادهم لمواجهة الحياة

 

الأبوّة كنز لا يفنى، فمن الأب يستمدّ الأولاد زادهم لمواجهة الحياة. وكما يحتاج الإبن لأبيه ليصبح رجلًا، يحتاج الوالد ابنًا يُشعره بأنّه رجل. فالرجل يتمنّى أن ينجب ولدًا يشعره بالاستمرارية والنجاح. وبالرغم من أن جميع الرجال عندما يُسألون إذا كانوا يفرّقون بين أبنائهم الذكور وبناتهم الإناث ينكرون ذلك، إلا أنّهم غالبًا ما يسعدون بحصولهم على ابن ذكر يعتبرونه امتدادًا لهم، كما يظنّون أن تنشئة الولد أسهل عليهم من تنشئة فتاة.


أهمية حضور الأب
إذا كان من الصعب أن يعيش الوالد من دون ابنه، فالأصعب أن يعيش الإبن من دون أبيه. وفي دراسات أجريت على عدة أسر تعاني غياب الأب، ثبُت أنّ متغيّرات كثيرة تنتج عن هذا الوضع. وقد تكررت بعض الثوابت التي أكّدت أن وجود الأب عامل مهم، ليس فقط للنمو النفسي للولد، بل أيضًا لنموّه الجسدي، وخصوصًا التطوّر العضلي للأطفال الذكور؛ وعمومًا فإنّ غياب الأب ينتج عنه أحد الوضعين: إما أن يُظهر الطفل نعومة لا تتناسب مع كونه ذكرًا ويميل إلى عدم الاستقلالية والأنوثة، وإما أن يُظهر تصرفات عدوانية وكأنه يعوّض التأثير الأنثوي القوي عليه. وعرّفت الدراسات كلمة غياب الأب، ليس بعدم وجوده في الأسرة، بل مجرد عدم وجوده في مواقف معيّنة يحتاجها ابنه فيها، بالرغم من أنه يعيش معه في المنزل نفسه.


معنى الرجولة
إن تنشئة صبي ليصبح رجلًا هو أمر سهل ولكنّه معقّد في الوقت نفسه؛ فماذا يحتاج الصبي من والده، وما معنى أن يصبح رجلًا؟
يتلقّى الإبن أول درس في الرجولة من والده، في طفولته المبكرة ومن دون أي كلمة، بل لمجرد تقليد الأب. وتشرح نظرية التحليل النفسي سبب تقليد الطفل لأبيه، باعتباره نزاعًا على الأم.
فالطفل في بداية الثالثة من عمره يزداد تعلقًا بأمّه ويشعر بالغيرة عليها من والده، فينافسه على نيل اهتمامها. ولكن لشعوره أنّ أمّه هي ملك لأبيه، ذلك الرجل القوي الكبير، يبدأ في سنته الرابعة تقليد أبيه ومحاكاة تصرفاته، مبتعدًا شيئًا فشيئًا عن أمّه. فهو يقلّد أباه في حركاته وصوته وتصرفاته، ويصبح صورة مصغّرة عنه. لقد تعلّم وحده أن عليه أن يصبج رجلًا مثل أبيه. وبقرار من اللاوعي، قرر أن يقلّد أباه وتعلّم كيف يصبح رجلًا.


عالم الرجال
يلجأ الآباء منذ القدم إلى تعليم أبنائهم الأدوار الخاصة بالرجال، فيأخذونهم معهم إلى أعمالهم إذا كانوا يعملون في الحقل، أو في محل تجاري مثلًا. أما الآن فمعظم الآباء يستغلّون أوقات الفراغ ليكونوا مع أولادهم. فمشاركتهم الرياضة والرحلات أو بعض التصليحات المنزلية، أو الهوايات كالنجارة وإصلاح السيارة... هي الأوقات التعليمية التي يمارس خلالها الأب دوره في نقل الخبرات والأهداف إلى أبنائه الذكور. ولكن بعض الأحيان، قد ينجم عن ذلك الأسلوب نتيجة عكسية إذا كان الأب يعامل إبنه بأسلوب الآمر الناهي. إذ يكره الإبن هذه الأوقات التعليمية لأنّه يشعر أن ما يطلبه منه والده أكبر من طاقاته وقدراته.
إنّ العلاقة القوية بين الأب وابنه، والتي تسهم في أن يصبح الإبن رجلًا حقًا، تعتمد بالضرورة على الاحترام المتبادل. أما عندما يكره الإبن أباه، فإنه يصبح في نظره مثلًا سيئًا يحاول أن يبتعد عن صفاته قدر الإمكان، وهذا ما لا تُحمد عقابه لمستقبل الولد.


صفاتٍ «أنثويّة»
فظّ، قوي، ذكي، ولا بأس أن يكون خطرًا بعض الشيء، ولديه القدرة على تحمّل المسؤولية بصبر. هذا ما نحاول أن يتّصف به أبناؤنا، فنغرس فيهم الميل إلى القوّة والشدّة. ولكن هل هذا سليم تربويًا؟
بعض الخبراء يجيبون أنّ السعي نحو تربية ولد قوي، يجب أن يواكبه إدخال بعض ما يطلق عليه صفات «أنثوية» لئلا يصبح الشاب عندما يكبر مجرد شخص يجهد فقط لأداء واجباته وتحمّل مسؤولياته. وعلى الوالدين أن يفسحا مجالًا في حياته للمتعة الشخصية، وليكوِّن ذاته، ولا بأس أن يدرّباه على التعامــل بحــب وحنــان ودفء مــع مــن حوله.