مؤتمر

الإتفاقية التي دخلت حيّز التنفيذ العام الماضي دمّرت 50% من الذخائر العنقودية في العالم
إعداد: باسكال معوض بو مارون

كان لبنان أحد رواد التحرّك العالمي لوضع حد للذخائر العنقوديّة، مما أدّى إلى إقرار إتفاقية استطاعت خلال سنة من دخولها حيّز التنفيذ (العام الماضي) تدمير نحو 50 في المئة من هذه الذخائر في العالم، وتخفيف أوجاع الكثير من الناس.
لبنان استضاف خلال أيلول المنصرم الاجتماع الثاني للدول الأطراف في الإتفاقية (الاجتماع الأول كان في لاوس)، حيث التقى ممثلو 131 دولة وتوصّلوا بعد نقاشات استمرّت أربعة أيام، إلى توصيات صدرت تحت عنوان: «إعلان بيروت».


الإفتتاح
حفل افتتاح الإجتماع الثاني لاتفاقية الذخائر العنقودية، الذي نظّمته وزارة الخارجية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمركز اللبناني للأعمال المتعلّقة بالألغام، أقيم في قصر الأونيسكو، برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وحضوره. وحضر أيضًا رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور وممثل الامين العام للامم المتحدة سيرجيو دوارتي وعدد من الوزراء والنواب وسفراء الدول العربية والاجنبية المعتمدين في لبنان وسفراء من وزارة الخارجية، إلى ممثلين عن 131 دولة وشخصيات ممثّلة لمنظمات الأمم المتحدة والمجتمع المدني، وعدد من ضحايا القنابل العنقودية.
استهل الحفل بالنشيد الوطني الذي أنشدته فرقة «كورال الفيحاء»، ثم كلمة ترحيب من ملكة جمال لبنان السابقة دينا عـازار، بعدها ألقى الوزير منصور كلمـة حول «اتفاقية القنابل العنقودية، الفريدة والرؤيوية التي كان للبنان بصمات جليّة ورائدة في تبلورها، وتحققها كصكّ دولي يحظر هذا السلاح الرهيب».
ونوّه برعاية الرئيس سليمان «هذا الحدث الكبير، تدلـيلاً على الاهتمام الخاص الذي يوليه لهذه الاتفاقية والمبادىء الانسانية التي تختزن، وتجسيدًا لتماهيه مع معاناة ضحايا الذخائر العنقوديـة ووقوفـه المستمر بجانبهم».
وقال: «منذ بداية عهده، قاد فخامة الرئيس المبادرة تلو المبادرة ليعكس صورة لبنان الحقيقية في العالم، لبنان المتنوِّع بغنى، والمنفتح بأصالة. فكان حريصًا على إسماع صوت لبنان في المنتديات الدولية على اختلافها وضمان مشاركته الفاعلة في كل جهد عالمي هادف إلى تعزيز القيم الإنسانية المشتركة وصونها».


كلمة رئيس الجمهوريّة
كلمة رئيس الجمهورية استهلها بتوجيه التحية إلى «الشهداء الأحياء ضحايا القنابل العنقودية، وإلى المشاركين في الإجتماع»، مرحّبًا بهم في لبنان «البلد المتجذّر في الشرق، والذي اضطلع منذ القدم، بدور رائد في مجال التواصل والتكامل والانفتاح. وقد انطلقت من شواطئه إلى العالم منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، عناصر أبجدية متقدمة، شكّلت مساهمة أساسية من قبل شعبه في حركة التقدم الإنساني. وهو ما زال يدعو بثبات، إلى تعزيز حوار الحضارات والثقافات والديانات، كبديل عن التصادم والاحتراب، بعيداً من أي شكلٍ من أشكال التطرّف والظلم والإرهاب، على قاعدة العدالة والتضامن والإخاء».
وقال: «نلتقي هنا اليوم، ممثلين لأكثر من مئة دولة، ولعددٍ كبير من المنظمات غير الحكومية، لغرضٍ شديد النبل، من ضمن مبادئ وسياسات توافق عليها المجتمع الدولي، ألا وهي السعي إلى وضع حدٍ لسلاح آثم وفتّاك، وهو القنابل العنقودية. إن انعقاد الاجتماع الثاني للدول الأطراف في اتفاقية القنابل العنقودية تعبير عن إرادتنا السياسية الجامعة بمواجهة الآثار المأسوية لهذا السلاح، الذي لا يميز مدنيًا عن عسكري، ولا يفرق بين رجل أو امرأة، أو شاب أو كهل أو طفل، ويستمر لسنوات وعقود بصورة صامتة ودنيئة، بعد انتهاء الحروب والنزاعات، في عمليات القتل والإعاقة المبرمجة. وهذا ما يستوجب منا، تجديد التزامنا مساعدة ضحايا هذا السلاح الرهيب وتأهيلهم، وإيماننا المشترك بضرورة تجنيب شعوب العالم ويلاته في المستقبل».
وأكّد أن «مقاربتنا لموضوع القنابل العنقودية، إنتاجًا واستخدامًا وتخزينًا ونقلاً، تنطلق من اعتبارات إنسانية، إذ ندرك، في ضوء تجارب شديدة القسوة، في العديد من دول العالم، تداعيات استخدامه الكارثية على الإنسان، كما والتحديات التنموية الباهظة التي يفرضها على الشعوب بعد انتهاء النزاعات. إلاّ أن الواجب والمنطق يفرضان كذلك تسجيل إدانتنا السياسية لمستعمليه، والتأكيد على ضرورة إلزامهم التعويض المناسب عن الأذى والأضرار الفادحة التي تسببوا بها». وشرح الرئيس أنه «لأمر منطقي أن ينعقد مؤتمركم في لبنان بالذات، بعد سابقه، الذي انعقد العام الفائت في لاوس، أكثر الدول تضررًا من القنابل العنقودية ومن سائر مخلّفات الحرب القابلة للإنفجار. ولا يخفى على أي منكم ما خلّفته آلة الحرب التي استخدمتها إسرائيل في عدوانها المستمر ضد لبنان، وبخاصة خلال تموز من العام 2006، من كمٍ هائل من الخراب والدمار والأذى، وقد أزهقت مئات الأرواح البريئة، وألحقت الأذى الجسدي والمعنوي بآلاف الجرحى والمعوقين. ولم يكن صدفة عدم تورّع إسرائيل وتباهيها، بإطلاق تسمية «عناقيد الغضب» على حربها المدمّرة ضد لبنان العام 1996، كاشفة نياتها المبيتة بإيذاء أكبر عدد ممكن من المواطنين. وإذا كان لبنان ما زال في حاجة إلى الكثير من الوقت والجهد للتعافي من آثار تلك الحروب العدوانية، فإن أبشع فصولها، وأشدها طرحاً للتحديات، قد تمثّل في إمطار أراضي جنوبنا السكنية والزراعية بالذخائر العنقودية. وقد تسنّى لكم، خلال الزيارة الميدانية لجنوب لبنان، ومن خلال الصور التي عاينتموها، أن تلمسوا جسامة الخسائر والتضحيات البشرية والمادية، وأن تقدّروا حجم الجهد المطلوب لمحو آثار الجريمة وانعكاساتها التنموية. فالتقارير تشير إلى أن إسرائيل ألقت خلال عدوانها على لبنان العام 2006، 4 ملايين قنبلة على مساحة 54 كلم مربع، حيث تم تنظيف مساحة 67 في المئة منها، ولا يزال أمامنا العمل على تنظيف 17 كلم مربع من الأراضي الزراعية والحرجية، من أجل إعادتها إلى الدورة الاقتصادية».
وأعلن فخامة الرئيس أن «القنابل العنقودية ما زالت إلى اليوم تطال المدنيين في لبنان، وخصوصًا الأطفال الأبرياء في مجالات لهوهم الرحبة، والمزارعين الطيبين في حقولهم ومساحات رزقهم وجدهم، وقد تسبّبت هذه القنابل لغاية تاريخه بإعاقة أو قتل أكثر من 400 ضحية. وهي تمثّل بالتالي شكلاً من أشكال الاحتلال، ما دامت تتربص يوميًا بحياة المواطنين، ولم نتمكن بعد من إزالتها بالكامل والتخلّص من مفاعيلها. لطالما تعالت الأصوات للتنديد بالقنابل العنقودية، إلا أن استعمال إسرائيل هذا السلاح بشكل سافر ومشين في حربها الأخيرة ضد لبنان هزَّ وعي العالم وشكّل محطة تاريخية بالفعل، في مسيرة الحرب على هذا النوع من القنابل، فكانت مبادرة النروج، وكان مسار الاتفاقية التي أبصرت النور في مدينة «دبلن» في أيار 2008، واحتفلنا بمراسم إطلاقها في أوسلو في كانون الأول 2008».
وأشار إلى «أن إيمان لبنان الثابت بضرورة حظر الأسلحة التي تتسبب في أذى مفرط، والعشوائية الأثر، وعلى رأسها القنابل العنقودية، وجد ترجمته في انخراطه منذ البدايات الأولى، في المسار التفاوضي الذي أوصل إلى اجتراح هذه الاتفاقية المهمة. ومع دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ في لبنان في الأول من أيار 2011، باتت الحكومة اللبنانية ملتزمة بشكل تام أحكامها، لا سيما لجهة مساعدة ضحايا الذخائر العنقودية، وتنظيف أراضيها من مخلّفاتها».
وشكر باسم لبنان «كل الجهات المانحة والداعمة، من دول صديقة وشقيقة، وهيئات دولية تابعة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية، ولا سيما قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب في إطار القرار 1701، على المساعدات والمعونات المادية والتقنية الكبيرة التي وفرتها لنا، كي نضطلع بواجباتنا، ونتمنّى أن يظل التعاون بيننا وبينها مستمرًا وثابتًا حتى الانتهاء من تبعات تركة القنابل العنقودية الثقيلة التي خلّفها الاحتلال على أرضنا. وإني أغتنم هذه المناسبة لأعلن استعداد لبنان للمشاركة في الخبرات التي اكتسبها في عمليات تنظيف الأراضي الملوّثة بالذخائر العنقودية ومساعدة الجرحى والمصابين، من خلال أنظمة التعاون الدولي».
وختم الرئيس قائلاً: «لقد حرصت على أن أشارك شخصيًا في مؤتمركم للتأكيد على الأهمية التي نعلّقها على أعمالكم، ولدعم جهودكم المخلصة في إطار تعزيز القانون الدولي الإنساني. وأود أن أعرب في هذه المناسبة عن رغبتي في رؤية «إعلان بيروت»، الذي سيصدر في نهاية الاجتماع، محطة فاصلة في مسار الاتفاقية، ومساهمة لا تمحى في الإطار القانوني لنزع هذا السلاح، انطلاقاً من المدينة التي تعرف منذ العهد الروماني «بأم الشرائع»، بيروت. أكرر ترحيبي بكم مع أخلص تمنياتي لكم في جهودكم النبيلة في خدمة رسالة سامية، وصولاً إلى تحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط على قاعدة العدالة وقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام».

 

فيلم وثائقي
بعد ذلك، تمّ عرض فيلم وثائقي استهلّ بموّال غنّاه الفتى محمد عبد العال (12 عامًا) الذي فقد رجله بسبب انفجار قنبلة عنقودية. وتحدّث الفيلم أيضًا عن 425 شخصًا وقعوا حتى الآن ضحية القنابل العنقودية التي رمتها إسرائيل على ارض الجنوب، وفكرة توعية الناس على نوعية هذه القنابل وتركيب الاطراف الاصطناعية للمصابين. كما تحدّث عن تنظيف 67 في المئة من الأراضي الملوّثة بالقنابل العنقودية، مشيرًا إلى أن الخطر ما زال قائمًا، خصوصًا في المساحات الزراعية والتي تصيب المزارعين. وفي نهاية الشريط عاد موّال الأرض بصوت عبد العال يصدح معلنًا التمسّّك بالوطن مهما كان الثمن.
في الختام، قدمت فرقة «فهد العبدالله للفنون الشعبية» رقصات من الدبكة اللبنانية والفولكلور اللبناني، نالت إعجاب الحضور، تلاها دخول المنشدين الأربعين  لفرقة «كورال الفيحاء» بقيادة المايسترو بركيف تسالاكيان الذين قدّموا باقة من الأغاني الوطنية. وبعد حفل تبادل الأنخاب جال الحضور على معرض صور فوتوغرافية لمصابي الألغام والقنابل العنقودية من مختلف أنحاء العالم.

 

اليوم الأوّل: لينتهِ هذا... يكفي!
في اليوم التالي بدأ المؤتمرالذي جرت أعماله في فندقي «فينيسيا» و«مونرو»، فاستهلت الجلسة الأولى بكلمة لرئيس الاجتماع الأول للدول الأطراف تونغلون سيسوليت الذي نوّه بـ«اتفاقية الذخائر العنقودية وبزيادة عدد الدول المنضمّة اليها ولا سيما تلك التي ستلتزم معالجة الآثار الناجمة عن الذخائر العنقودية»، معتبرًا أن «الاتفاقية تهدف الى تنفيذ أحكامها بشكل عملاني وفوري لضمان عدم انتشار هذه الأسلحة ومنع استخدامها ولضمان تنظيف المناطق الملوّثة من الذخائر العنقودية ومخلّفات الحرب».
وناشد سيسوليت «الدول المتبقية الانضمام إلى الاتفاقية في أسرع وقت من أجل إزالة الذخائر العنقودية في العالم أجمع»، معلنًا أنه تمّ «الاتفاق على زيادة الخدمات الموفّرة للضحايا والموارد المخصّصة لعمليات التنظيف».
بعدها سلم سيسوليت رئاسة المؤتمر لوزير الخارجية اللبناني عدنان منصور، وعاونته الممثلة الدائمة للبنان لدى الأمم المتحدة في جنيف نجلا عساكر.
وقال منصور: «كان لبنان أحد رواد التحرك العالمي لوضع حد للقنابل العنقودية، وإن استخدام هذا السلاح اللاإنساني ضد لبنان في صيف العام 2006 كان بمثابة الشرارة التي أدت إلى إطلاق ما عرف بـ«مسار أوسلو» والذي أفضى بعد قرابة السنتين الى اعتماد إتفاقية القنابل العنقودية».
وقال: «نحن هنا اليوم للمضي قدمًا في مسيرة وضع حدٍ نهائي لهذا السلاح وآثاره المروعة. وما زال أمامنا الكثير من الخطوات التي تنتظر الإنجاز، ما دام خطر القنابل العنقودية ماثلاً ويتهدد حياة الكثيرين حول العالم».
وألقى الممثل الاعلى لشؤون نزع السلاح في الأمم المتحدة سيرجيو دوراتي كلمة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومما قال: «هذا الاجتماع في بيروت سيساهم في تعزيز التعاون والمساعدة بين الأطراف من أجل القضاء على الذخائر العنقودية التي لها أثر سلبي كبير على المواطنين».
وتحدثت السيدة رندة بري قائلة: «حوالى مليوني قنبلة عنقودية هي كمية الموت التي وزّعتها أسلحة العدوان الإسرائيلي على 185 بلدة خلال آخر يومين من حرب العام 2006 أي بمعدل قنبلة عنقودية لكل اثنين من مواطني لبنان، وعلى مساحة جغرافية تمثّل ما يوازي ربع مساحة الجمهورية اللبنانية... «إننا نتطلع لهذا إلى بلوغ المرحلة التي نقفل فيه سويًا بابًا من أبواب الجحيم الذي يودي سنويًا بأرواح الآلاف من المدنيين الأبرياء».
وكان السفير البريطاني طوم فليتشر أمل «أن يكون هدف الجميع واحدًا: أن نخلص العالم من القنابل العنقودية ويجب أن نفتخر باللحظات التي تجمعنا، ومؤتمر القنابل العنقودية هو إحدى هذه اللحظات. لقد تمّ سحب ما يفوق 38 مليون قنبلة عنقودية من التداول ونقوم بالتخلّص منها تدريجًا، متخطّين البرنامج المحدد. هذا الأسبوع فرصة مهمة لدمج جهودنا المشتركة وتطويرها... بيان بيروت يجب أن يكون اللحظة التي نقول فيها: لينته هذا، هذا يكفي».
ثم كانت كلمة لنائبة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر كريستين بيرلي التي تحدثت عن تجربتَي لبنان ولاوس في التعامل مع التأثير القاتل للقنابل العنقودية على شعبيهما؛ وقد أتت تجربة لبنان لتغير كل شيء، وتظهر للعالم، التلوّث الذي تسببه ملايين القنابل العنقودية لمناطق شاسعة خلال بضعة أيام فقط، وقد لفتت التغطية الإعلامية الكبيرة انتباه العالم. فخلال أشهر، طالبت نحو 25 دولة بإقرار بند جديد في القانون الدولي، من أجل معالجة هذه المسألة.
 وتحدث باسم الإئتلاف العالمي ضد القنابل العنقودية برانسيلوف كابيتينوفيك، وهو أحد ضحايا الحرب الصربية، فأشاد بالتزام 109 دول الإتفاقية وبانضمام 61 دولة كأطراف في العام الماضي، داعيًا الدول التي وقعت ولم تصادق بعد الى القيام بذلك في أقرب وقت ممكن.
فى القاعة الأخرى، وفي مؤتمر صحافي قال ممثلو ائتلاف مكافحة الذخائر العنقودية، إن المجتمع الدولي أحرز تقدمًا هائلاً في تنفيذ الإتفاقية بشأن الذخائر العنقودية العام المنصرم أي منذ دخولها حيّز التنفيذ، لأن الدول الموقّعة اتخذت عدة خطوات فعّالة تظهر التزامها الإتفاقية حيث أنشأت صناديق خاصة لتدمير مخزون القنابل العنقودية، نتيجة لذلك تم تدمير حوالى 50 في المئة من القنابل العنقودية في جميع أنحاء العالم.
وتطرّق المؤتمرون إلى ضرورة أن تأخذ الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة موقفًا استباقيًا لمساعدة ضحايا الذخائر العنقودية والوفاء بالتزامها تدمير مخزونات هذه الذخائر، وذلك في مناقشة بعنوان «التغلّب على الكارثة: إعادة إعمار ما بعد الحرب والتنمية في لبنان»، بحضور ممثلين عن اللجان التوجيهية اللبنانية في التوعية من المخاطر ومساعدة الضحايا، واليونيسيف، و«آلام بلا حدود» والناجين من الذخائر العنقودية .
لاوس أحرزت تقدمًا كبيرًا فـي عمليـات نـزع الذخائـر العنقوديـة، أوضح الخبراء في حلقة نقاش «نهج موحـد لتنفيـذ آليـة التنسيـق فـي الإتفاقيـة»، فقد زادت حكومتها الموارد المالية لأعمال التخلّص من الذخائر من حوالـى 8470 كيلومترًا مربعًا من الأراضـي الملوّثة. وتمّـت مناقشـة خطـة تنفيذ الإتفاقية من العام 2010 وحتى العام 2020، ووضعت ثلاثة أهداف رئيسة، أولها تحديد أكثر المناطـق تلوثًا من خلال مسـح المنطقة، الثانـي هـو الحـد مـن عـدد ضحايـا الذخائـر العنقوديـة وتوفيـر المساعـدة لهـم، أمـا الثالــث فهـو توفيـرالتوعيـة المستدامـة من مخاطـر الألغـام.

 

اليوم الثاني: نقاشات قانونية وتقنية
واصل المؤتمر أعماله في اليوم التالي وجرى تبادل الآراء بين الدول المشاركة حول وضع الاتفاقية وتنفيذها والتقديمات الديناميكية لتدمير مخزونات الذخائر العنقودية.
وأشار سفير إسبانيا في لبنان خوان كارلوس غافو إلى «أن بلاده كانت من أوائل الدول التي تبنّت الإتفاقية وسارعت إلى تدمير القنابل العنقودية في ترسانتها»، كما عمدت الى تأسيس مراكز في باريس من أجل تدريب الخبراء الدوليين والمحليين على إجراءات نزع الألغام ومن ضمنهم 100 خبير لبناني. وعلّقت الدول المشاركة على التقرير متحدّثة عن الخطوات التي ستعتمدها لتدمير مخزونها من القنابل العنقودية.
وضمن مؤتمر المنظمات الأهلية والدولية والمجتمع المدني، ناقش خبراء حقوق الانسان سبل تشجيع الدول الأطراف على تطبيق التشريع الوطني حول الذخائر العنقودية وتوضيح كيفية تفسير المواد الرئيسة للإتفاقية، مؤكدين أن التشريع الوطني هو الوسيلة الأقوى لتنفيذ الإتفاقية وأنه يجب أن يترافق مع عقوبات جزائية على الأفراد والشركات المخالفين أحكام الاتفاقية، مشدّدين على ضرورة تأمين المساعدات اللازمة للضحايا.
وناقش مندوبو برامج مساعدة الضحايا «التعاون بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي لتنفيذ آلية التنسيق»، الذي ينبغي أن يشمل الضحايا الذين أصيبوا أو تضرروا أو فقدوا واحدًا أو أكثر من أفراد أسرتهم، لأن مساعدة الضحايا من النواحي كافة مهمة جدًا فهم سيقضون حياتهم مع تداعيات إصابتهم.
أما ممثلو جمعية المساعدات الشعبية النروجية ومركز جنيف الدولي للعمليات الإنسانية لنزع الألغام في لبنان، فحددوا المراحل الرئيسة للمندوبين في التعامل مع الذخائر العنقودية وهي: تقييم المعاملات المكتبية ، عمليات المسح التقني وغير التقني، وإزالة الألغام.

 

اليوم الثالث: تعزيز الطابع العلمي وصياغة قوانين وطنية
في اليوم الثالث وفي موضوع «العمل في المجتمع المدني العالمي»، دعا ائتلاف الدول الأطراف في الاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة (CCW) لإسقاط بروتوكول إعادة الشرعية لفئة من الأسلحة التي تمّ حظرها وكيفية تعارضه مع الهدف والغرض من إتفاقية الذخائر العنقودية، وتداعيات الموافقة عليه، لأن ذلك سوف يعيق انتشار الاتفاقية عالميًا.
شدد المشاركون في موضوع ثانٍ على الحاجة إلى مزيد من إدماج الجنس الاجتماعي (Gender) في برامج إزالة الألغام في مختلف أنحاء العالم، لأن خطة عمل فينتيان (لاوس) أتت على ذكر ضرورة المساواة بين الجنسين في المجالات كافة، لذا ينبغي على منظمات الأعمال المتعلقة بالألغام مراعاة الجنسين في عمليات البرمجة الخاصة بهم، والتوظيف، ووضع الميزانيات والتدريب.
وعن «عناصر التعاون بين البرلمانات لتعزيز آلية التنسيق»، أوضح هيكتور غيرا ممثل الإئتلاف في المكسيك أنه ينبغي الاّ يقتصر التعاون على الحكومات فحسب بل أن ليؤدي البرلمان دورًا أكبر من تصديق القوانين، لأن التعاون يمكن أن يأتي في عدة أشكال، بما في ذلك تعزيز الطابع العالمي وصياغة القوانين الوطنية  بالنسبة إلى الاتفاقية.


الختام: الإتفاقية بدأت تخفف آلام الناس
في اليوم الأخير ناقش المؤتمرون في جلساتهم عدة مواضيع منها «العمل عالميًا بتحالف المجتمعات المدنية» و«مساعدة الضحايا: الرعاية الصحية في خطر» و«معاهدة تجارة الأسلحة» و«مستقبل الإتفاقية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». واختتمت أعمال الاجتماع ، بمؤتمر صحافي عقد في فندق «مونرو»، استهل بكلمة لرئيسة بعثة لبنان الدائمة في جنيف السفيرة نجلا عساكر أكّدت فيها «أن ردود الفعل التي جاءتنا من الدول الأعضاء وسائر الشركاء كانت ايجابية جدًا، إن لجهة التنظيم او الحصيلة. لقد شكلت نسبة الاقبال العالية على المشاركة في المؤتمر، ولا سيما من دول غير موقّعة على الاتفاقية، وتحديدًا من دول المنطقة، دفعًا قويًا لهدف تحقيق عالمية الاتفاقية، حيث يمكن تلمّس ذلك بوضوح من خلال المعطيات الإحصائية.
أضافت السفيرة: «اعتمد الاجتماع «إعلان بيروت» بالإجمــاع، وهـو يعيد التأكيد على أهداف الاتفاقية، ويشير الى ضرورة تدعيم بنيانها المؤسساتي وآليات تطبيقهـا. ورحب الاجتماع بـ«تقرير بيروت حول التقدم المحرز في تطبيق الإتفاقية خلال السنـة المنصرمــة، وتبنّى عددًا من القرارات المهمة التي من شأنها تدعيمها».
وتابعت: «تبنّـت الدول الأطـراف بالإجمـاع مبـدأ عقد اجتماعــات ما بيــن الدورات بصـورة سنويـة، فـي جنيـف وتعيين أشخــاص يتولـون عمليـة تنسيـق المشاورات في شـأن المسائـل الموضوعيـة المختلفــة. واتخـــذ الاجتمـاع قرارًا بإنشاء وحـدة دعــم التنفيذ الخاصـة بالاتفاقية، وكلـف الرئاســة اللبنانيـة مهمــة إجـراء مفاوضـات بغيــة التوصـل الـى اقتراح متكامـل ومحدد حول بنية وحدة دعم التنفيذ العتيدة ووظيفتهـا وآلية تمويلهـا لاتخــاذ قــرار فـي شأنهـا مــن قبـل الاجتمـاع الثالـث للـدول الأطــراف».
وأردفت: «قرر الاجتماع أن تستضيف النروج الاجتماع الثالث للدول الأطراف في أيلول 2012، وتسمية مندوب النروج الدائم في جنيف ستيفن كونغستاد رئيسًا للإتفاقية للعام المقبل».
وفي الختام شكرت عساكر «كل من تعاون لانعقاد هذا الحدث المهم وعمل على إنجاحه، وخصوصًا فريق وزارة الخارجية والمغتربين برئاسة السفير منصور عبد الله ، المركز الوطني للأعمال المتعلقة بالألغام برئاسة العميد محمد فهمي ومن خلاله قيادة الجيش اللبناني وأفراده، المديرية العامة للأمن العام في وزارة الداخلية والبلديات وهيئات المجتمع المدني في لبنان».
وتحدّث الممثل المقيم لبرنامج الامم المتحدة في لبنان روبرت واتكنز، شاكرًا لبنان على تنظيم هذا المؤتمر، مبديًا إعجابه بـ«الإحتراف الكبير الذي أظهره للإعداد لهذا الاجتماع»، وقال: «إن برنامج العمل المطروح كبير ومتشعب، ونحن مستعدون لمساعدتكم، ونتمنى ان يتخلّص لبنان نهائيًا من القنابل العنقودية العام 2015».
وقـال رئيـس وفــد اللجنـــة الدوليـة للصليـب الاحمــر جورج مونتانيـه «إن ضحايــا القنابـــل العنقوديــة هــم الذيـن يلهموننــا فـي مهمتنـا، لقـد رأينا معانــاة النـاس فـي لبنـان، وهـذا شكـل منحًـى مختلفًـا لنــا فـي عملنـا.. وإننـا واثقـون بـأن هـذه الاتفاقيـة ستعـود بالخيـر على شعـوب العالـم».
من جهته، قال رئيس إئتلاف الذخائر العنقودية ستيف غوس: «هذا الاجتماع برهن على أن الاتفاقية ناجحة، بالرغم من أنها تبلغ من العمر سنة واحدة، إلا أنها بدأت تخفف أوجاع الناس... إن الاجتماع ناجح على كل المستويات، خصوصًا لجهة عدد الدول التي تريـد الإنضمـام الـى الاتفاقيـة وعدد الذخائر التي أتلفت وأيضًا على صعيد تنظيف الأراضي».