الإدارة ... الإدارة

الإدارة ... الإدارة
إعداد: العميد الركن الياس فرحات
مديـر التـوجيـه

في التاريخ العربي الوسيط، وتحديداً عند انهيار الدولة الأموية وولادة الخلافة العباسية، قيل إن الدور الأساسي في إسقاط الأمويين كان لأبي العباس الملقب بالسفّاح وشقيقه عبدالله بن عباس والقائد أبو مسلم الخراساني.  أولئك أمنّوا حكم دولة من المحيط الأطلسي إلى حدود الهند. لكن التاريخ يذكر أن من وضع أسس هذه الدولة وإدارتها كان الخليفة أبو جعفر المنصور، وان الإدارة التي بناها المنصور ووضع أسسها كان لها الفضل في استمرار حياة الدولة لخمسة قرون، رغم الثورات والهجمات التي تعرضت لها، خصوصاً في العاصمة بغداد.
إن دور الإدارة في تثبيت الأوضاع السياسية والاقتصادية حاسم، وفي أيامنا هذه تعاظم دورها أكثر وأكثر لتصبح تقريباً كل شيء: كيف تدير مصرفاً ؟ كيف تدير مصنعاً؟ كيف تدير مجموعة أشخاص ؟ كيف تدير تنظيماً؟ كيف تدير مزرعة ؟ ... أسئلة تكمن أجوبتها في النجاح أو في الفشل اللذين يتحققان.
لقد طغت الإدارة على الاقتصاد وباتت هي العنصر الحَكَم في كل المجالات، ومن ضمنها السياسة. لم تعد هذه الأخيرة مواقف ارتجالية انفعالية أو »مبدئية« كما يقال، إنما أصبحت إدارة »براغماتية« لأوضاع قائمة. ففي الولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأقوى في العالم، لا تسمع كلمة الحكومة، بل كلمة الإدارة الأميركية، أو إدارة بوش، أو إدارة كلينتون. غاب زمن الارتجال السياسي والاقتصادي في العمل لصالح زمن الإدارة، حتى الاستراتيجية بدأت تتراجع ليحل محلها ما يعرف باسم إدارة الأزمات.
الإدارة ليست موهبة القيادة، ولا إرث الزعامة، ولا قدسية الدين، إنها اكتساب مبرمج يهّيء لنا أن نعرف من أين نبدأ، وإلى أين نصل، والمسلك المتّبع والعقبات المواجهة، إنها تكريس جهود والتزام وبذل، وهي دراسة الجدوى واتخاذ القرارات المعللة.
نحن بحاجة دائمة إلى تفعيل الإدارة، وما يستتبع ذلك من تطوير لأنظمة المعلوماتية والاتصال والمحاسبة والتنظيم والتشريعات المتصلة بكل ذلك، إن الإدارة هي استعداد دائم للتطوير ... فلننتبه!