الأمن السيبراني

الإرهاب الإلكتروني وتحدّيات مواجهته
إعداد: النقيب روني حداد

أدّى تطوّر وسائل الاتصال وانتشارها بشكل كبير، إلى سهولة تبادل المعلومات، وتقديم الخدمات بشكل سريع ومريح للمؤسسات والأفراد. في موازاة ذلك، ظهر «الإرهاب الإلكتروني»، وبات من أخطر أنواع الجرائم التي ترتكب عبر شبكة الإنترنت. وتتّضح خطورة هذا الإرهاب من خلال النظر إلى فداحة الخسائر التي يُمكن أن تُسبّبها عملية واحدة ناجحة من عملياته.

 

مواقع التواصل الاجتماعي واستقطاب المتطوّعين للإرهاب
قدّم التطور الحاصل في استخدام الإنترنت وبخاصة شبكات التواصل الاجتماعي، خدمة غير مقصودة للتنظيمات الإرهابية التي قامت باستغلالها في إتمام عمليّاتها ضد أمن الشعوب والمجتمعات. فقد وفّرت تلك الشبكات طريقة سهلة لنقل الأفكار والبيانات والمعلومات إلى عناصر الجماعات الإرهابية في غفلة من أجهزة الأمن في بداية الأمر، وهو ما حقّق لها نموًا كبيرًا وقدرة على تجنيد أعداد كبيرة من الشباب لخدمة أهدافها الإرهابية. كما أنّ هذه المواقع حقّقت لتلك التنظيمات تدفّقًا غير محدود للمعلومات والبيانات التي يمكن أن تستخدمها لتجنيد الإرهابيين ولتنفيذ عملياتها الإرهابية.
تُشير الإحصاءات إلى تزايد كبير في عدد المواقع الخاصة بالتنظيمات الإرهابية، وخصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يستخدمها الإرهابيون لجذب عامة الناس من ذوي المستويات التعليمية المحدودة، عن طريق شعارات عاطفية وحماسية، كما أنّهم يستخدمون هذه المواقع في الاتصالات ونقل التعليمات والأوامر نظرًا إلى صعوبة تحديد هوياتهم، وبالتالي صعوبة الوصول إليهم، وهو ما يجعلهم يعملون بحرية كبيرة. كما يستخدم الإرهابيون مواقع التواصل الاجتماعي لنشر نجاحاتهم أو لنشر الفظائع التي يُتهم الخصم المفترَض بارتكابها، وكذلك لنشر صور الانتحاريين والتعليق عليها، بما يجعلهم أبطالًا في عيون البسطاء، ويغذي الحقد والضغينة بين أبناء المجتمع الواحد.
استرعت هذه المواقع اهتمام الجميع شعوبًا وحكومات، نظرًا إلى قدرتها على تهديد الأمن والاستقرار الاجتماعيّين، والتأثير في الأوضاع السياسية والاقتصادية، وخلق حالة من الذعر والفوضى في المجتمعات المستهدفة.

 

تحدّيات مواجهة مواقع التطرّف والعنف الإلكتروني
• التحديات بشكل عام:

تبذل الدول جهودًا أمنية وفكرية وقانونية للحد من سوء استغلال شبكة المعلومات والخدمات الإلكترونية المصاحبة. ولكن يبدو واضحًا أن هذه الجهود تواجه العديد من العوائق، ومن أبرز تحديات المواجهة:

 

- التحديات الأمنية:
نقص الخبرات الفنّية في مجالات تحديد أركان الجريمة الإلكترونية وتقديمها كقضية مكتملة أمام المؤسسات العدلية، بالإضافة إلى صعوبة الرصد والتحقيق، ورفع الأدلّة الرقمية في كل زمان ومكان، تشكّل كلّها عوامل تحدًّ من فاعلية المواجهة. ويضاف إلى ذلك، الحدود الفنيّة، والعلاقات بين أطراف أي قضية عبر الإنترنت، والتي تتجاوز حدود الدولة الوطنيّة، والعدد الهائل من المخالفات والمخالفين على مدار الساعة، ما يجعل الضبط والملاحقة من الأمور الصعبة.


- التحديات الفكرية والثقافية:
إنّ ما يُعدّ جريمة في تشريع معين قد لا يكون بالضرورة كذلك في دول أخرى، وهذا ما يعقّد القضايا ذات الارتباطات المختلفة، كما وإن التشابك بين بعض المفاهيم الاجتماعية المحافظة وبعض التفسيرات المتطرفة للنصوص، يصعّب المعالجة الفكرية الشرعيّة.

 

- التحديات القانونية والتشريعية:
تتمثّل التحديات القانونية والتشريعية في عدم استيعاب التشريعات والأنظمة للجرائم الفكرية المستحدثة عبر شبكات المعلومات والوسائط الإلكترونية، بالإضافة إلى تنازع القوانين وعدم وضوح الاختصاص القضائي في هذه الجرائم، وصعوبة وضع معايير واضحة لتحديد الموقع المتطرف والمحرض على العنف، والتباس الكثير من المفاهيم، وعدم القدرة على تحديد المسؤول المباشر عن المحتوى التحريضي أمام القضاء، وضعف الثقافة العدلية في المسائل الإلكترونية، مما يعقّد النظر في بعض القضايا.
 

• التحديات على المستوى العربي:
إذا أخذنا طبيعة المخاطر والتهديدات وأبعاد الأمن السيبراني بعين الاعتبار، نرى أنَّ العالم العربي يواجه مجموعة من الصعوبات، التي تعوّق جهود مكافحة الإرهاب الإلكتروني. ويمكن ترتيب هذه الصعوبات تحت عناوين أبرزها:
 

- عدم وضوح البيئة التنظيمية والتشريعية:
يشهد العالم العربي حركة تنظيمية وتشريعية في مجال مكافحة الإرهاب الإلكتروني، لكن هذه الحركة ما زالت في طور التشكُّل. ولا بد من الإشارة إلى أنَّ فاعلية البيئة التنظيمية والتشريعية تُقاس بمدى انسجامها مع المجتمع، ومدى احتوائها لطبيعة الموضوع الذي تُنظِّمُه. بناءً عليه، يُفترض بواضعي القوانين الهادفة إلى ضمان الأمن في الفضاء السيبراني، أن يأخذوا بعين الاعتبار طبيعة الفضاء السيبراني العالمية، التقنية والدينامية. ما يعني أن الإطار القانوني لا بُدَّ وأن يتجاوب مع النزعة التقنية، بحيث يكون خاضعًا للمراجعة والتطور بصورة مستمرة، ومع النزعة العالمية، بحيث تتشكَّل مصادره من اتفاقيات دولية أو إقليمية متعددة الأطراف، تُحدِّد موجبات الدول وحقوقها وأصول التعامل والتعاون بينها، ومجالاته، على أن يتم تعديلها وتيويمها بشكلٍ متواصل لتنسجم مع المستجدات، والإرشادات والتوصيات الصادرة عن الهيئات الدولية المُتخصِّصَة والعاملة في المجال.
 

- عدم ملاءمة البيئة التنفيذية:
يواجه العالم العربي صعوباتٍ عديدةً على مستوى البيئة التنفيذية للتشريعات الخاصة بالفضاء السيبراني، وذلك بسبب تقاعس الجهات المعنية عن إصدار المراسيم التنفيذية والآليات الضرورية لتطبيق التشريعات. وتعود الأسباب بشكلٍ أساس، إلى بُنية الإدارة وطبيعة عملها، والتي تتّسم غالبًا ببطء العمل أو تعتمد اللجوء إلى أصول إدارية لم ينصّ عليها القانون، كطلب ترخيص من وزارة معينة والتسجيل في إدارات مُشرفة، أو إسناد مهمة إعطاء الإذن إلى إدارات غير معنية.

 

الجهود اللبنانية لحماية الفضاء السيبراني
إن أبرز ما تحقق في لبنان على هذا الصعيد هو:
- إنشاء الهيئة الناظمة للاتصالات في العام 2007، والتي أصبحت عضوًا فاعلًا في الشراكة الدولية المتعددة الأطراف لمكافحة التهديدات والهجمات السيبرانية.
- إقرار قانون التنصُّت الرقم 140، وقانون حقوق الملكية الفكرية الرقم 75، إضافة إلى إنشاء مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية التابع لقسم المباحث الجنائية الخاصة، ضمن وحدة الشرطة القضائية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وهو يُعنى بمكافحة الجرائم التي تُستخدم فيها التقنيات المعلوماتية العالية، وجرائم التعدّي على المُلكية الفكرية.


توصيات ومقترحات
في ضوء ما تقدّم، ينبغي العمل على:
- تفعيل المكافحة الوقائية التي تسبق وقوع الجريمة الإلكترونية، وذلك من خلال تفعيل دَور المؤسسات التوعويَّة (مؤسسات دينية، الأسرة، دُور التعليم، أجهزة الإعلام).
- إنشاء مدارس ومعاهد وأقسام في الجامعات، ومراكز بحثية، تعنى بالأمن المعلوماتي وبتدريب كوادر، لمواكبة كل ما هو حديث في هذا المجال.
- سَنّ القوانين والأنظمة الخاصَّة التي تسدُّ الثغرات التي تُستغلّ لارتكاب الجرائم الإلكترونية، مثل القوانين المتعلقة بكيفية اكتشاف الأدلة الإلكترونية، وحفظها، والنصِّ على طرق ثبوتها.
- التنسيق وتوحيد الجهود بين الجهات المختلفة، التشريعيّة، والقضائيّة، والفنية، والعسكرية، من أجل سدّ منافذ الجريمة الإلكترونية قدر المستطاع، والعمل على ضبطها وإثباتها بالطرق القانونية والفنيّة.
- إنشاء هيئة رسميّة واحدة معنية بحماية الفضاء السيبراني، لتحدّ من التشتُّت القائم حاليًا بين الإدارات والمؤسسات اللبنانية، بالإضافة إلى وضع استراتيجية سياسية وطنية شاملة تُعنى بالأمن السيبراني.
- إصدار قانون دولي مُوَحَّد، ومحاكم خاصَّة دوليَّة محايدة تتولَّى التحقيق في الجرائم الإلكترونية، ويكون لها سلطة الأمر بضبط المجرم الإلكتروني وإحضاره للتحقيق معه، أيًّا كان موقعه وأيًا كان بلده.
- عقد الاتفاقيات بين الدول بخصوص الجرائم الإلكترونية وقايةً، وعلاجًا، وتبادلًا للمعلومات والأدلة.
- التعاون الدولي من خلال مراقبة كل دولة للأعمال الإجرامية التخريبية الإلكترونية الواقعة في أراضيها ضدّ دول أو جهات أخرى خارج هذه الأراضي.
- تفعيل اتفاقيات تسليم المجرمين الإلكترونيّين.