ملف العدد

الإرهاب الصهيوني جرائم بلا عقاب
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الاسرائيلية

شيّد الكيان الصهيوني على الإرهاب والعنف والإجرام, وهو مدين بوجوده إلى منظمات إرهابية قاتلة منها تكوّن الجيش الإسرائيلي في ما بعد. أمّا دولة إسرائيل فقد أثبتت خلال مختلف المراحل أنها دولة إرهابية بامتياز.

 

لقد تأسست الحركة الصهيونية في القرن الماضي على ايدي «تيودور هرتسل» في المؤتمر الصهيوني العالمي المنعقد في بازل بسويسرا العام 1897، وأضحت حقيقة سياسية على قاعدة الأطماع الاستعمارية المتمثلة في وعد بلفور العام 1917. والصهيونية تجمع تطلعات اليهود في كل أنحاء العالم لكسب إقليم يمكنهم من خلاله استكمال الشخصية القانونية والسياسية لدولة يهودية. وهم يؤسسون مطالبتهم بأرض فلسطين على وجه التحديد، على فكرة الاتصال غير المنقطع مع ما يسمونه «أرض إسرائيل»، وهي الفكرة التي مكّنتهم من الإبقاء على نوع من الشخصية القومية الجامعة.
 أما مطالبتهم بإقليم على وجه العموم (اوغندا، كندا، قبرص، الارجنتين...)، فمؤسسة على حاجة اليهود الملحة لأن يجتمعوا في دولة أو أن ينهوا فترة تشرّدهم كمجرد أتباع دين مشتتين في بلاد عديدة وحسب، حيث يؤمنون أن غياب الدولة كان السبب الرئيس لما حدث لهم من اضطهاد في الدول الغربية وخصوصًا في ألمانيا النازية في اثناء الحرب العالمية الثانية.
والصهيونية كذلك هي حركة ذات ابعاد دينية هدفها تأسيس أو إعادة تأسيس «أمة يهودية» في فلسطين لإحياء حكم ملوك صهيون وأنبياء بني إسرائيل. الا ان الكيان الصهيوني في فلسطين قد شيد كما يعلم الجميع على الإرهاب والعنف والإجرام وهو مدين بوجوده إلى منظمات إرهابية قاتلة مثل: الهاجاناه، والأتسل، وليحي، وشتيرن، وهاشومير... ومنها تكوّن الجيش إلاسرائيلي في ما بعد. ولذا فإن العقيدة العسكرية الإسرائيلية انما قامت على الإرهاب و«الحقد المقدس» ضد العرب والمسلمين، أكثر مما قامت على غيره من أساليب العمل العسكري والامني.
وفي هذا الصدد نتذكر مجزرة دير ياسين واغتيال وسيط الأمم المتحدة الكونت برنادوت العام 1948، ومذابح قبية واللد والرملة، وصبرا وشاتيلا في بيروت العام 1984، ومجزرتي قانا في جنوب لبنان ومجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، وانتهاء بحوادث القتل والاغتيال والهدم وتجريف الأراضي، والحفريات تحت المسجد الأقصى بقصد هدمه وبناء هيكل سليمان المزعوم، وقصف غزة بالفوسفور الاأيض المحرم دوليًا... هذه الجرائم كلها انما تشكل شواهد يومية شاخصة ودامغة امام الملأ، وهي مصداق لمقولة يجال ألون: «إن لكل دولة جيشًا يحميها، ولكن إسرائيل عبارة عن جيش له دولة». ويقول جابوتنسكي مخاطبًا الصهيوني: «كل إنسان آخر على خطأ، وأنت وحدك على صواب. لا تحاول أن تجد أعذارًا من أجل ذلك، فهي غير ضرورية، وهي غير صحيحة. وليس بوسعك أن تعتقد بأي شيء في العالم إذا اعترفت، ولو لمرة واحدة، أن خصومك قد يكونون على صواب لا أنت، فهذه ليست الطريقة لتحقيق أي أمر. لاتوجد في العالم إلا حقيقة واحدة، وهي بكاملها ملكك أنت».
على ضوء ما تقدم نؤكد ان تاريخ البشرية لم يشهد قط إرهابًا يشبه الإرهاب الصهيوني ضد الشعب العربي عمومًا والفلسطيني خصوصًا، حيث فاق في وحشيته وفظاعته، جميع الجرائم والمذابح التي جرت في مسار تاريخ الحروب والصراعات القديمة والحديثة. في هذا السياق يقول ابراهام رابينوفيتش سفير إسرائيل الاسبق لدى واشنطن: «إن إسرائيل التي لا يوجد فيها أي قوانين ضد اغتيال الزعماء الأجانب حققت معظم نجاحاتها في ملاحقة الإرهابيين بالاقتراب منهم بما يكفي لضمان قتلهم» ومن العمليات التي قامت بها إسرائيل واعتبرتها ناجحة، عملية اغتيال أبو جهاد القائد العسكري الفلسطيني العام 1988. والمعروف ان وزير الدفاع الأسبق أيهود باراك كغيره من كبار العسكريين الإسرائيليين (شارون، رابين، ديان، ايتان، بيغن...)، قد شارك شخصيًا في العديد من عمليات التصفية والاغتيال ضد الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمصريين. وعلى هذا الصعيد نذكر عملية فردان في بيروت، واغتيال الشيخ احمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والسيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والقائد عماد مغنية وغيرهم من قادة الجهاد والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.

 

في سياق ما تقدم قد يتساءل أي إنسان محايد وموضوعي: ما الذي يدفع اليهود إلى سلوك طريق الإرهاب والعنف؟ والجواب على ذلك في ثلاث مرجعيات فكرية وعملية هي الآتية:

 

1- النصوص الدينية المزعومة حيث نجد أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية تتميز عن معظم العقائد الأخرى بتبنّيها الدين اليهودي ودروس التاريخ العسكري لليهود كمرجع ونبراس جنبًا الى جنب مع الدروس الحربية المستفادة من التاريخ العالمي القديم والحديث. ففي أسفار التوارة التي يتداولها اليهود ويفسرها التلمود، تقرير لشريعة الحرب والقتل في أبشع صورة من صور التخريب والتدمير والإهلاك والسبي الجماعي. فقد جاء في سفر التثنية في الإصحاح العشرين عدد 10 وما بعده: «حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك بالتسخير، ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا، فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم، وكل ما في المدينة، كل غنيمتها فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاها الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًا التي ليست في مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا، فلا تبق منها نسمه ما، بل تحرمها تحريمًا».

 

2- الغايات والأهداف القومية الاستراتيجية لإسرائيل، إذ جاء في النظرية الإسرائيلية الأمنية الجديدة، أن الغاية القومية العليا لإسرائيل لم تتغير منذ نشأتها (إقامة إسرائيل الكبرى اليهودية النقية كقوة إقليمية عظمى مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط). ولتحقيق ذلك في المرحلة المقبلة فإن على اسرائيل أن تستعين بعملية السلام المزعومة وبالمعاهدات وعمليات ترسيم الحدود من اجل ضم ما تستطيعه من المناطق التي احتلتها العام 1967، والتي يمكن أن تحقق متطلبات أمنها من وجهة نظرها الجيواستراتيجية، وتكفل لها الحصول على مصادر مياه إضافية، وفرض شرعيتها على الأراضي التي سيتم ضمها إليها مع إخلائها من السكان العرب حفاظًا على الهوية اليهودية، على أن تعمل الاستراتيجية العسكرية على تحقيق ذلك من خلال الارهاب أو ما يسمى الردع الوقائي والانتقامي الجسيم، وتأمين عمليات الضم والاستيطان وتهويد الأراضي والتحكم في المنطقة سياسيًا وإقتصاديًا وثقافيًا.

 

3- إحياء الحضارة اليهودية بإعادة بعث الروح اليهودية الدينية في المجتمع الإسرائيلي وتقوية التقاليد اليهودية بين الشباب وإثراء فكرة الصهيونية كمبدأ أساسي عنصري، وذلك من خلال تنشيط الثقافة والتاريخ اليهوديين في نفوس الشبيبة اليهودية، واحراز التقدم والرقي في جميع المجالات العلمية، وزيادة نفوذ اللوبيات وجماعات الضغط الصهيونية في الدول الكبرى وتقوية النفوذ اليهودي في روسيا وباقي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وبلدان أوروبا الشرقية، مع العمل في الوقت نفسه، وهنا بيت القصيد، على زرع ونشر عوامل التعصب والتفرقة المذهبية والطائفية والتشتت والتحزب الفكري والعرقي في البلدان العربية والاسلامية، بما يؤدي الى زيادة التطرف الديني التكفيري وتفاقم الصراعات البينية والقضاء على فكرتي القومية العربية، والتضامن الإسلامي الحضاري، على أن تستبدل بهما فكرة التعاون الإقليمي الشرق أوسطي وتوظيف الأصولية الإسلامية وايديولوجيات الأقليات لصالح إسرائيل، وذلك بالتعاون الوثيق مع قوى الاستعمار العالمي القديم والحديث.

 

ويتجلى الإرهاب الإسرائيلي تجاه الشعوب العربية عمومًا والفلسطينيين خصوصًا في الممارسات الآتية:

 

1- القوانين العنصرية في دولة إسرائيل، حيث تعتبر وثيقة إعلان الدولة العام 1948 خير ما يعبر عن هذه العنصرية إذ ورد فيها حرفيًا «إن إسرائيل هي دولة اليهود» وليست دولة كل مواطنيها كما هو مألوف في الدول الطبيعية، ومن هذه الوثيقة انبثق العديد من القوانين الأساسية في إسرائيل التي تعتبر جوهر العنصرية والارهاب، ومن أهمها «قانون العودة وأملاك الغائبين» الذي يحرم الفلسطينيين من ارضهم وممتلكاتهم. ويمكن الاستدلال أيضًا بشكل عملي على الارهاب والتمييز العنصري الصهيوني في التمييز الصارخ بين اليهود والفلسطينيين أمام المحاكم اليهودية، فاليهودي الذي يقتل فلسطينيًا بدون أي مبرر لا يحكم عليه بالعقوبة نفسها التي يحكم بها على الفلسطيني الذي يقتل يهوديًا، وغالبًا ما تتم تبرئة اليهودي ومعاقبة العربي وفق مبدأ «العربي الجيد هو العربي الميت» في نظرهم.

 

2- اعتماد مصطلح «الإرهاب الوقائي» كذريعة سياسية خرجت به توصيات المؤتمر اليهودي المعقود في بازل بسويسرا منذ العام 1897.

 

3- الإمكانات التكنولوجية المسخرة لخدمة الأجهزة الأمنية والعسكرية الاسرائيلية التي سهلت القدرة على الاختراق وحرية الحركة لشبكات الموساد الإسرائيلي في العديد من البلدان العربية، مما جعل الحكومة الإسرائيلية تمارس سياسة التصفية والاغتيالات وزرع الفتن كهدف استراتيجي في الفكر العسكري والأمني الاسرائيلي، ومبررة ذلك بذريعة الردع ومكافحة «الإرهاب» - المقاومة - أينما كان.

 

4- استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقيات الثنائية والدولية، الأمر الذي أدى إلى عجز فلسطيني وعربي واضح في مقاومة الاحتلال والغطرسة الإسرائيلية، ما عدا لبنان الذي استطاع بتضامن جيشه وشعبه ومقاومته أن يدحر العدوان والاحتلال بقدر واضح من الاذلال للعدو لم تشهد له المنطقة مثيلًا من قبل.

 

5- الصمت الدولي تجاه إرهاب الدولة الصهيونية حيث نجد أن المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي تطبق سياسة المعايير المزدوجة والنفاق السياسي خصوصًا في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، كذلك نجد «حق الفيتو» الأميركي الذي يعطل أي مشروع عربي لإدانة العدوان أو أي شكوى عربية من شانها أن تمس بأمن أو سمعة إسرائيل حتى لو كانت مجرد إدانة شكلية فقط. وهذا الواقع يشكل حافزًا للاسرائيليين للاستمرار في إرهابهم المنفلت من عقاله ضد الشعوب العربية وارتكاب المجازر بلا وازع قانوني او ديني او اخلاقي.