صحة أطفالنا

الإسهال الحاد والتجفاف
إعداد: الدكتور زياد أبي عكر- طبيب أطفال

“درهم وقاية خير من قنطار علاج”, تلك الحكمة القديمة التي أثبتت صحتها عبر العصور, نراها تعود اليوم لتطرح نفسها وبقوة على العلوم الطبية بعد أن أهملت لسنوات طوال. ولكن ما هي الوقاية وكيف يمكننا الإستفادة منها, لتكون الدرع الذي يخفف آلامنا واستهلاكنا للأدوية المختلفة؟
للتعرف على الوقاية لا بد من معرفة الأمراض وأسبابها, فالمعرفة كانت وستبقى طريق اليقين. في هذه السلسلة من المقالات سنحاول التعرف على مجموعة من أمراض الطفولة محاولين تعريفها, وشرح أسبابها وسبل الوقاية منها.

 

الإسهال الحاد (Diarrhée Aigue)

- تعريف الإسهال الحاد:
كل تغيّر فجائي في كمية ونوع البراز يعتبر إسهالاً حاداً. ويمكن عموماً إعتبار التبرز ثلاث مرات أو أكثر, في اليوم, ببراز سائب (رخو) أو مائي إسهالاً.
يعتبر الإسهال الحاد السبب الأول لوفاة الأطفال في الدول النامية وفي بعض الدول المتقدمة صناعياً كفرنسا والولايات المتحدة الأميركية (في حال تأخر التشخيص والعلاج خاصة عند الرضع).
يختلف عدد مرات التبرز في اليوم باختلاف الطعام, الشخص والعمر. ولا ينطبق هذا التعريف على براز الطفل الرضيع (كثيراً ما يكون أقل صلابة من البراز المعتاد), فهؤلاء يتبرزون وبشكل طبيعي عدة مرات يومياً (7­- 8 مرات عند الذين يتغذون بحليب أمهاتهم, و2­-3 عند الذين يتغذون بالحليب المجفف), وهذا لا يعتبر إسهالاً.

 

- أسباب الإسهال:
غالباً ما يرتبط الإسهال الحاد بعدوى تصيب الأمعاء:

عدوى جرثومية: فيروس 50­-80 في المئة, أو بكتيريا 20 بالمائة.
أو بسبب الديدان والطفيليات الأخرى (يكون عادة هذا الإسهال مزمناً).
تدخل هذه الجراثيم والطفيليات وبيض الديدان الى الجسم عن طريق الدم, تستعمر الأمعاء الدقيقة أو الغليظة, ثم تتركها عن طريق البراز. وتصل الى الفم عن طريق الأيدي الوسخة أو الطعام أو الماء أو أواني الطبخ والشرب... وبهذه الطريقة ينتقل الإسهال من شخص الى آخر.
من الملاحظ أن إستعمال الزجاجة للإرضاع يزيد حوالى 30 مرة إمكانية إصابة الطفل بالإسهال, وذلك عائد الى عدم تنظيف الزجاجات جيداً, وعدم تعقيمها أو الى تلوث المياه.
أما الإسهال عند الرضع بعد عمر الستة أشهر, فينتشر لأسباب أهمها, وضع أشياء ملوثة في أفواههم, أو تناولهم لمأكولات غير محفوظة بالشكل المطلوب (تبريد وإعادة تسخين) مما يؤدي لتوالد الجراثيم وتكاثرها أو بواسطة الذباب والحشرات الأخرى.

 

- أنواع الإسهال:
1­- الإسهال المائي: ينتج عن زيادة في إفراز الأمعاء الدقيقة للسوائل و/أو من نقص
في قدرة الأمعاء على إعادة الإمتصاص.
يمكن أن يصاحب فقدان السوائل تفاعل التهابي كالقيح والحمى والمغص...
خطـورة هذا النوع من الإسهال تكمن في التجفاف الناتج عن فقدان الماء والأملاح من الجسم.

2­- الإسهال الإلتهابي: يسببه غزو بعض الجراثيم للأمعاء الدقيقة أو الغليظة مما يؤدي لوجود خلايا قيحية في البراز. أما الزحار الباسيلي ­ الزنطاري, فيتميز بإخراج متكرر لكميات قليلة من البراز مع دم أو قيح, مصحوباً بمغص وحمى وإحساس بالملوحة عند التبرز.
يحدث في الإسهال الإلتهابي تجفاف ولكن بنسبة أقل مما يحدث في الإسهال المائي.

 

- مخاطر الإسهال:
يتسبب الإسهال بخطرين أساسيين هما: الموت بسبب التجفـاف, وسوء التـغذية.
كيف يسـبب الإسهـال الوفاة؟
إن ما نراه إسهالاً مائياً, سائباً ما هو إلا مجموعة من الأملاح المعدنية, الأساسية والضرورية للجسم, يتسبب فقدانها بنوع من التجفاف (Dé-shydratation)

داخل الخلايا وخارجـها ما يـؤدي الى الوفاة.
أما سـوء التغذية فسبـبه فقدان الجسـم للغذاء بسبـب عدم الشـعور بالجـوع وبعـض العادات السيئة, ومنها عدم إطعـام الأمهات للأطفال عندما يصابون بالإسهال.

 

- علاج الإسهال:
العلاج الأساسي والأهـم للإسـهال يكـمن في التشـخيص المبـكر وفي الوقاية من التجفاف بواسـطة الأمصال التي تعطـى بواسطـة الفم
(Oral Rehydration Salt) وهي متوفـرة في الأسواق تحـت أسماء مختلفة. ويهمنا أن نشـدد على أهمية العودة الى الرضاعة المبكرة للطفل, وعدم حرمانه من حليب أمه تحاشـياً لحصول سوء تغذية, ونادراً ما يحتاج الطفل المصاب بالإسهال لأدوية الإلتهابات.

التجفاف (Déshydratation)

يأخذ الجسم الماء والأملاح التي يحتاج إليها عن طريق الفم من خلال المشروبات والطعام, بعد أن يتم إمتصاصها من الأمعاء الى الدم.
في حالة الإسهال تعجز الأمعاء عن العمل بشكل طبيعي فتخرج كمية أكبر من المعتاد من الماء والأملاح في البراز ما يؤدي الى التجفاف. وكلما زاد الإسهال زادت كمية الماء والأملاح التي يفقدها المريض. إضافة للإسهال هناك عوامل أخرى تساعد في سرعة حدوث التجفاف منها الإستفراغ والتقيوء, الحرارة المرتفعة, التعرّق, الطقس الحار (التجفاف يتم بسرعة أكبر عند الرضع).

 

- مؤشرات التجفاف:
يحدث التجفاف تدريجياً (خلال أيام قليلة), وإذا كان الإسهال شديداً فإن التجفاف يمكن أن يحدث خلال ساعات. وهناك 3 درجات للتجفاف تقدر تبعاً لبعض العلامات السريرية.
- ­ تجفاف خفيف: يعني فقدان الطفل أقل من 5 بالمائة من وزنه.
 - ­ تجفاف معتدل: يعني فقدان الطفل بين 5 و10 بالمائة من وزنه.
- ­ تجفاف شديد: يعني فقدان أكثر من 10 بالمائة من وزن الطفل.

 

- علامات التجفاف الخفيف:
عطش, ضجر, لكن الطفل يبقى محافظاً على نشاطه والجلد على مرونته (عند قرصه ينحسر الجلد فوراً), كذلك الحال بالنسبة للأغشية المخاطية والدموع, وتحافظ العينان على طبيعتهما, أما كمية البول فعادية, والتنفس طبيعي.
العلاج: إعطاء الأمصال في المنزل...

 

- علامات التجفاف المعتدل:
عطـش, ضجـر, وقـد يصـبح الطفــل مائـلاً للنعـاس, ولكـنه سريـع الإنفعـال. يصـاب الطفل بالعطـش, ويزداد الحاحاً في طـلب المـاء, ولكـنه نشيط مع نوبـات من الدوار يرافقه تغيّر في حالـته النفسية (كآبة, حزن...). ويصاب جـلده بالجفـاف (عنـد قرصه ينحسر الجلد ببـطء), كذلـك الحال بالنسـبة للأغشية المخاطية والدموع حيث تخف “رطوبتها” وتجـف. أما العينان فغـائرتان, وكمـية البول قليلة ولونه غامق. والتنفس يصبح سريعاً وضعيفاً.
العلاج: إعطاء الأمصال في المنــزل مـع المراقبـة الشديـدة.

 

- علامات التجفاف الشديد:
يصاب الطفل بالنعاس والدوار, ويصبح جلده بارداً ومبلـلاً بالعرق, وقد يصاب بفقــدان للوعي. ويصاب جـلده بالجفـاف الشديد (عنـد قرصه ينحسر الجلد ببـطء كبير جداً ­- أكثر من ثانيتين), كذلـك الحال بالنسبـة للأغـشيـة المخاطيـة والدمـوع حيـث تجـف تمـاماً. أما العينـان فغائرتـان بعمـق, وكميـة البـول قليـلة جداً لا بل نادرة. التـنفـس يصبح سريعـاً, عميقـاً وضعـيفـاً.
العلاج: في المستشفى.

 

الأمصال الضرورية لمحاربة الإسهال

في الصيدلـيات أنواع كثـيرة من الأمصـال الممـكن إعطاؤها للطـفل بواسطـة الفـم, ولها فعالية المصل الوريدي. تركيب هذه الأمصال متشابه جداً ولكنـها تختلـف من حيث المذاق مع بعـض الإضافـات الخاصة كالجزر والأرز. من هذه الأمصال ما توزعه وزارة الصحة العامة بالتعاون مع منـظمة اليونيسف وهـو متوفـر فـي كـل المستوصفـات واسمه ORS, ومنها ما نجده فـي الصيدليات.

 

طريقة تحضير حساء الأرز في حال الإسهال

­ نصف كيلو من الجزر مقشرة ومقطعة جيداً.
­ ليتر وربع من الماء.
يسلق الجزر بالماء حتى ينضج, ثم يطحن جيداً في المطحنة. يعاد بعدها الجزر المطحون الى الماء المغلي ويضاف اليه إذا دعت الحاجة, المزيد من الماء حتى يصبح حجم السائل كله لتراً واحداً, مع كمية 3 غرامات من ملح الطعام (حوالى 2/3 ملعقة صغيرة). يعطى هذا الحساء مكان الحليب وبنفس الكميات (6­-10 مرات يومياً). في حال الإستفراغ يستحسن إعطاء هذا الحساء على دفعات على أن يكون بارداً وإذا رفضه الطفل يمكن إضافة القليل من السكر.