تربية وطفولة

الإفراط في تدليل الطفل يعرّضه للفشل مستقبلًا
إعداد: إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

عليكِ التمييز بين حاجاته ورغباته
 

التدليل نهج يتّبعه العديد من الناس في علاقاتهم مع أولادهم، رافعين شعار الحنان الزائد لمن يحبون، ناسين أو متناسين أنّ الإفراط في هذا الأمر يؤدي إلى نتائج سلبية تتعدى مرحلة الطفولة إلى مرحلتي المراهقة والنضج.

 

التربية في مراحلها الأولى
التربية في مراحلها الأولى عبارة عن تدريب سلوكي عملي يتلقاه الطفل من والديه فيكتسب منهما السلوك، والأخلاق، والعادات وطريقة التعامل. لذا فإن السلوك العائلي، ومحيط الأسرة الثقافي يؤثّران تأثيرًا كبيرًا في تكوين الشخصية واتجاهاتها المستقبلية. إنّ سنوات الطفولة الأولى هي مرحلة تكوين الشخصية الإنسانية، وتنمية المواهب الفردية، فمن خلال احتكاك الطفل بمحيطه، تتشكل ردود فعله على المثيرات الخارجية، ونصف ردود فعله الثابتة تكتمل في سنوات عمره الأولى. لذا فإن الإفراط في تدليل الأطفال يتسبب بسلوكيات سلبية يتجاوز تأثيرها محيطه الأسري، إلى المدرسة وغيرها. وهنا سؤال يطرح نفسه: من هو الطفل المدلّل؟


الطفل المدلّل
تنوعت الآراء في هذا السياق، ولكنها في مجموعها تدور حول معنى واحد، مفاده أنّ الطفل المدلّل هو الذي يثور عندما لا تُلبّى احتياجاته، ويفرض على أبويه رغباته بغضّ النظر عن رأيهما في مدى إيجابية أو سلبية هذه الرغبات. مثلًا: طفل ووالدته في أحد المتاجر، الطفل يريد بعض الحلوى، ولكن الأم ترى أنه يجب أن ينتظر إلى ما بعد تناول وجبة الغداء. الطفل لا يستسلم، ويعترض بالصراخ والبكاء إلى حد إلقاء نفسه على الأرض، فترضخ الأم لرغبته وتشتري له ما يريد. وعليه، فإنّ هذا الطفل مدلّل لأنه لم يلتزم القواعد التي وضعتها والدته، وقد استسلمت هي لسلوكه السيّئ، إذ عرف أنه يستطيع الحصول على ما يريد عن طريق الصراخ ولفت الأنظار إليه. هنا كان على الأم أن تصرّ على رأيها متحلّية بالهدوء، حتى يتعوّد ابنها أنّ هناك قواعد لا يمكن اختراقها بمثل هذا السلوك.


سلوك الطفل المدلّل
يتّصف سلوك الطفل المدلّل بالآتي:
- عدم اتّباع قواعد التهذيب أو الاستماع إلى توجيهات الأهل.
- الاحتجاج على كل شيء، والإصرار على تنفيذ رغباته.
- عدم التمييز بين احتياجاته ورغباته.
- طلب أشياء كثيرة أو غير مقبولة من الآخرين.
- دائم التململ والشكوى.
- يفرض رأيه ولا يحترم حقوق الآخرين.
- يبكي ويغضب باستمرار.
- لا يتحمل الضغوط.

 

الاهتمام والدلال الزائد
من مظاهر التدليل أن بعض الآباء يشعرون بالسرور والدعابة عندما لا يحترمهم أبناؤهم بدلًا من توجيههم. إن عدم تعريف الطفل بخطئه عندما يتلف الأشياء للآخرين، أو عندما يضرب زملاءه، من الأسباب الرئيسية لإفساده. ومن هذه الأسباب أيضًا، تساهل الوالدين وعدم تحكّمهما برغبات أطفالهما مع عدم تمييزهما بين احتياجات كل طفل (كطلبه للطعام) وبين أهوائه (مثل البكاء لأتفه الأسباب)، فيلجأون إلى أسرع الحلول وأقربها، ويفعلون أي شيء لمنع الطفل من البكاء، من دون أن يدركوا أنّ منحه قدرًا كبيرًا من الحرية والسلطة يجعله أكثر أنانية.
في بعض الأحيان قد تفسد الخادمة الطفل بتدليله وتلبية طلباته بصفة مستمرة، حتى وإن كانت غير معقولة، وذلك تجنّبًا للمشاكل التي تواجهها مع الطفل، وكسبًا لرضا الوالدين عن عملها.
يخلط الكثيرون بين الاهتمام بالطفل والإفراط في تدليله، وبوجه عام فإنّ الاعتناء بالطفل شيء جيد وضروري لنموّه، غير أنّ هذا الاهتمام إذا زاد عن الحد أو جاء في وقت غير مناسب، فله أضرار كبيرة.

 

مشاكل تواجه الطفل المدلّل
يواجه الطفل المدلّل مشاكل كثيرة وصعوبات جمّة إذا بلغ السن الدراسية من دون أن يتغير أسلوب تربيته. إن الأطفال المدلّلين غالبًا ما يكونون غير محبوبين في المدرسة لفرط أنانيتهم وتسلّطهم، كما أنهم قد يكونون غير محبوبين من الكبار أيضًا، بسبب سلوكهم وتصرفاتهم، ومن ثم يصبحون غير سعداء، الأمر الذي يجعلهم أقل اهتمامًا بالواجبات المدرسية. ونظرًا لافتقارهم إلى السيطرة على أنفسهم فقد يتورطون في السلوكيات الخطرة، كتعاطي المخدرات والانحراف والجريمة، إذ إن الطفل المدلّل عندما يشبّ ويكبر، يريد أن تكون طلباته مجابة سواء من والديه أو ممن هم حوله من الأقرباء والأصدقاء، لكنه يصطدم بالواقع العملي للحياة عندما يحتك به، في مراحل حياته المختلفة. فالكثير من الأمور تحتاج من الوقت والجهد ما لا يستطيع الإنسان المدلّل تحمّله.

 

مسؤولية الوالدين
انطلاقًا مما تقدّم، على الوالدين وضع قواعد تهذيب السلوك الخاصة بطفلهما. يبدأ تهذيب الطفل منذ السن التي يحبو فيها، ورفض طلبه بكلمة «لا»، قد يكون ضروريًا. فالطفل بحاجة إلى مؤثر خارجي يسيطر عليه حتى يتعلم كيف يسيطر على نفسه ويكون مهذبًا، وهو سيظل يحب والديه وإن رفضا طلبه.
من المهم أن يعتاد الطفل الاستجابة بصورة لائقة لتوجيهات والديه قبل دخوله المدرسة بفترة طويلة، ومن هذه التوجيهات: جلوسه في المقعد المخصص له في السيارة، عدم ضرب الأطفال الآخرين، الاستعداد لمغادرة المنزل في الوقت المحدد صباحًا من دون مماطلة، وكذلك، التزام الوقت المحدّد للذهاب إلى الفراش... هذه النظم التي يضعها الكبار ليست محل نقاش مع الطفل... غير أنّ هناك بعض الأمور التي يمكن أن يؤخذ فيها رأيه، ومنها: أي من الأطعمة يأكل؟ وأي قصة يُحب أن يسمع؟ وماذا يريد أن يلعب؟ وماذا يرتدي من الملابس؟... من الضروري توجيه الطفل ليستطيع التمييز بين الأشياء التي يكون مخيّرًا فيها، وبين قواعد السلوك المحددة التي ليس فيها مجال للاختيار.

 

التمييز بين احتياجات الطفل ورغباته
قد يبكي الطفل نتيجة إحساسه بالألم أو الجوع أو الخوف، في هذه الحال يجب الاستجابة له مباشرة خلافًا لبكائه لأسباب أخرى لن تسبب أي أضرار له. في العادة يرتبط بكاء الطفل برغباته وأهوائه، وقد يكون جزءًا من نوبات الغضب الحادة، فتجاهليها ولا تعاقبيه، بل أخبريه أنه طفل كثير البكاء، وعليه أن يكفّ عن ذلك. وعلى الرغم من أنّه لا يجوز تجاهل مشاعر الطفل، لكن يجب ألّا يتأثر الأهل ببكائه إلى درجة تجعلهم يستجيبون لرغباته تلقائيًا. ولكي تعوّضي الطفل تجاهلك له عند بكائه ضميه وعانقيه ووفري له الأنشطة الممتعة في الوقت الذي لا يبكي فيه ولا يكون غاضبًا. هناك أيضًا بعض الأوقات التي يجب أن تتجنبي فيها الاهتمام بالطفل أو ملاعبته مؤقتًا، كي تساعديه على تعلم شيء مهم (مثل توقفه عن عادة سيئة).

 

لا تسمحي لنوبات غضبه بالتأثير عليك
تنتاب الطفل أحيانًا نوبات غضب حادة هدفها جذب انتباهك أو ثنيك عن عزيمتك وتغيير رأيك، وإعطاؤه ما يريد. وقد تكون نوبات الغضب على شكل نُواح أو تذمّر أو شكوى أو بكاء، وقد تصل إلى حدِّ إيذاء النفس. إذا ظل الطفل في أثناء هذه النوبة في مكانه ولم يكن في وضع يعرّضه للأذى، فأهمليه، ولا تستسلمي لنوبات غضبه.

 

ممنوع خرق القواعد حتى في الأوقات الممتعة
إذا كان الوالدان يعملان لوقت طويل، فقد يرغبان في قضاء جزء من المساء بصحبة الطفل للتعويض عن غيابهما. هذا الوقت الخاص يجب أن يكون ممتعًا، ولكن ليس معنى هذا أن يتهاونا في تطبيق قواعد التهذيب، فإذا أساء الطفل السلوك يجب تذكيره بالحدود التي عليه التزامها.
بيّنت أبحاث أُجريت في الولايات المتحدة الأميركية أن وباء تدليل الأطفال منتشر نوعًا ما، بسبب شعور بعض الأهل بالذنب لعدم إمضائهم وقتًا كافيًا مع أطفالهم، لذا يمضون وقت فراغهم القصير مع الطفل ويلبّون له رغباته من دون مراعاة القواعد والحدود. إذا كنت تتحدّثين إلى طفلك وتمضين معه ساعاتٍ كل يوم، فَلَسْتِ مضطرة دائمًا لمشاركته اللعب، أو لإحضار صديق يلعب معه، وعندما تكونين مشغولة، توقّعي منه أن يتسلّى بمفرده. فالطفل البالغ من العمر سنة واحدة يستطيع أن يشغل نفسه لخمس عشرة دقيقة متواصلة، أما في الثالثة من العمر، فمعظم الأطفال يستطيعون تسلية أنفسهم نصف الوقت.

 

الانتظار يعلّم أشياء مهمة
يعلّم الانتظار الطفل كيف يتعامل مع الضغوط والمعاناة بصورة أفضل، وهو سوف يحتاج كثيرًا إلى هذه المهارة عندما يصبح كبيرًا. لذلك فإن تأخير تلبية الرغبات سِمَة يجب أن يكتسبها تدريجًا بالممارسة. فلا تشعري بالذنب إذا جعلت طفلك ينتظر قليلًا من حين إلى آخر، فالانتظار لن يصيبه بضرر مادام لا وجود لأمر يسبب ضيقًا أو إزعاجًا، بل على العكس من ذلك. سوف يقوي مثابرته وتوازنه العاطفي.
حدوث التغيرات، مثل الخروج من المنزل وبدء الحياة المدرسية، يُعَدَّان من ضغوط الحياة العادية التي تعلّم الطفل، وتجعله قادرًا على حل مشاكله، لذا كوني دائمًا قريبة ومستعدة لمساعدته عند اللزوم، لكن لا تساعديه إذا كان يستطيع التحمل.

 

هل المديح ضروري؟
يحتاج الطفل بطبيعته إلى المديح، ولكن قد يُسرف الوالدان في ذلك، فتأتي النتائج عكس ما هو متوقّع. امدحي الطفل لسلوكه الحسن والتزامه طاعة والديه، كذلك شجعيه على القيام بأشياء جديدة وخوض مهمات صعبة، ولكن عوّديه القيام بعمل الأشياء لأسباب يدركها هو بنفسه أيضًا. فالثقة بالنفس والإحساس بالإنجاز يأتيان من القيام بالأعمال التي يفخر بها الطفل، أما المديح الدائم فقد يجعله يتوقف عند كل مرحلة من مراحل عمل ما لتلبية رغبته في تلقّي المزيد من المديـح والإطـراء.

 

النوعية أفضل من الكمية
تأتي احتياجات الأطفال من حب وطعام وملبس وأمن وطمأنينة في المقام الأول، ثم تأتي احتياجاتك أنتِ في المقام الثاني، أما رغبات الطفل أو نزواته مثل الرغبة بمزيد من القصص عند النوم أو الرغبة في الخروج، فيجب أن تأتي في المقام الثالث، ووفق ما يسمح به وقتك. ويزداد هذا الأمر أهمية بالنسبة إلى الوالدين العاملين اللذين يكون وقتهما الذي يمضيانه مع أطفالهما محدودًا. والشيء المهم هنا نوعية الوقت الذي تمضينه مع أطفالك أكثر من كميته. فالوقت المثمر هو الذي تتفاعلين فيه مع طفلك بأسلوب ممتع، ويحتاج الأطفال إلى مثل هذا النوع من الوقت مع والديهم يوميًا.