قضايا ساخنة

الإلتهاب الرئوي الحاد
إعداد: ريما سليم ضومط

مرض الإلتهاب الرئوي الحاد الذي انتشر في الصين منذ أوائل تشرين الثاني من العام 2002, اتسعت دائرته ليجتاح دولاً عدة مهدداً بوقوع مزيد من الضحايا.
وفي حين تنتشر حالة الذعر بين المواطنين في غير دولة, تعمل منظمة الصحة العالمية بالتنسيق مع المنظمات الصحية في الدول المعنية بغية إيجاد العلاج الشافي أو اللقاح المناسب للمرض الخطير. وبانتظار أن تكلل جهودها بالنجاح, يبقى الحل الوحيد, اتخاذ التدابير الوقائية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية, والتعرّف أكثر الى المرض القاتل.

 

مرض مجهول الهوية

يؤكد الأطباء والمعنيون في الأبحاث الدائرة حول “الإلتهاب الرئوي الحاد” أن ما يجعل المرض بهذه الخطورة هو الكم الهائل من المعلومات المتعلقة به التي لا تزال مجهولة بالنسبة الى الباحثين والإختصاصيين, بما في ذلك المصدر الأساسي للمرض, وكيفية إنتشاره بالتحديد, وفترة حضانته, وبالتالي مدى إمكانية انتقال العدوى قبل ظهور أعراض المرض لدى المصاب, إضافة الى حظوظ توفر اللقاح له.
ويؤكد باحثون في منظمة الصحة العالمية, أنه لولا تكتّم الحكومة الصينية عن المرض لدى بداية ظهوره, لكان المسؤولون في مجال الصحة تحركوا في وقت مبكر, وبالتالي فإن النتائج كانت لتظهر أفضل مما هي عليه الآن.
الجدير ذكره أن انتشار المرض بدأ في تشرين الثاني من العام 2002 في المقاطعة الجنوبية من مدينة غانغ دونغ, الصينية, وحرص المسؤولون على عدم تعميم الخبر منعاً لنشر الذعر بين المواطنين. ومع قدوم شهر شباط من العام 2003 كان عدد الإصابات في المدينة نفسها قد تجاوز الثلاثمئة وذلك بحسب مسؤولين صينيين.
في هذه الأثناء, ظهرت إصابات في بكين ومدن صينية أخرى. وعندما قررت الصين أخيراً إرسال تقرير مختصر الى منظمة الصحة العالمية في أوائل آذار الماضي, كان المرض قد حط رحاله في هونغ كونغ. أعلمت سلطات المدينة بدورها منظمة الصحة العالمية, وباشرت في الوقت نفسه البحث عن كيفية وصول المرض إليها. ولم يطل البحث قبل أن تكشف أولى الخيوط, وذلك بعد أن تبيّن أن الجزء الأكبر من المصابين الخمسة والأربعين الأوائل كانوا على اتصال مباشر مع موظفين في مستشفى “أمير ويلز” في هونغ كونغ, الذي كان يعالج شاباً في السادسة والعشرين من عمره مصاباً بمرض الإلتهاب الرئوي الحاد. وفي مزيد من التفاصيل, تبيّن أن الشاب المصاب كان قد أقام خلال شهر شباط في الطابق التاسع من فندق “متروبول” في هونغ كونغ, وقد ظهر أن ستة من الأشخاص الذين أقاموا في الطابق نفسه أصيبوا بالمرض المذكور, من بين هؤلاء طبيب في الرابعة والستين كان قادماً من غانغ دونغ التي انطلق منها المرض أصلاً, ما دفع الباحثين الى الشك أنه الناقل الأساسي للإصابات التي حدثت في هونغ كونغ.
وأشارت التقارير الى أن رجلاً آخر من غانغ دونغ نقل المرض الى إسبانيا, في حين أن معظم ضحايا فندق “متروبول” نقلوا المرض الى سنغافورة, وفيتنام, وكندا, ومن تلك الدول اتسعت رقعة الإنتشار أكثر فأكثر. وقد أحصت منظمة الصحة العالمية عدد المصابين في منتصف شهر نيسان الماضي بما يقارب 3500 اصابة في نحو ثلاثين دولة.

 

التحاليل والفحوصات المخبرية

في هذه المرحلة, كان المسؤولون في المنظمة المذكورة يواصلون حملة أبحاث مخبرية دقيقة ومعمقة بالتنسيق مع مراكز الوقاية من الأمراض ومختبرات طبيـة أخرى بغية فهم طبيعة المرض بأسرع وقـت ممـكن. وبعد مراقبة سوائل تم استخراجها من أجساد المصابين, رجّح الاختصاصيون في مدينة هونغ كونغ أن يكون المسؤول عن المرض فيروس تاجي متحوّل. وبدأت جامعة هونغ كونغ بالتنسيق مع مراكز الوقاية من الأمراض, إجراء فحوصات مخبرية للفيروس والأجسام المضادة له.
في الوقت نفسه, باشر الخبراء في المجال الطبي البحث في كيفية انتشار المرض بشكل دقيق, فكانت أولى الملاحظات أنه يصيب الشحمة السفلى من الرئة في حين أن فيروسات الزكام العادية تهاجم عادة الحلق والممرات الأنفية. وظهر أيضاً خلال البحث وجود ما سمي بـ”ناقلين خارقين” للمرض إذ تبين أن بعض الأشخاص ينقلون الفيروس بسهولة أكبر من سواهم, وردّت الترجيحات ذلك الى طريقة سعالهم أو نوع اتصالهم بالآخرين أو الى حملهم كمية كبيرة من الفيروسات. في الإطـار نفسه, رجـح الإختصاصيون أن تكـون كوان سي شو كوان, المرأة التي نقـلت المرض من هونـغ كونغ الى كنـدا, قد تسببت بإصابة 155 شخـصاً. أما المفارقة, فهي أن وجـود “ناقلـين خارقين” قد يكون خـبراً ساراً, فإذا كان عدد قليل من المصابين مسؤولاً عن الإنتشار الضخـم للفيـروس, فهذا يعـني أنه سيـكون من السهل ضـبط المرض لدى اتخـاذ إجـراءات بحجـر صحـي صـارم.

 

إجراءات وقائية

في الوقت الذي يسعى فيه الأطباء والباحثون لإيجاد العلاج واللقاح الشافي, تعمل المستشفيات على الحد من انتشار المرض وذلك بعزل المصابين واستخدام قناعات وقفازات ونظارات طبية واقعية, وهي تقنيات قد اثبتت فعالية كبيرة في الحد من انتشار المرض.
واتخذت خطوط الطيران بدورها إجراءات وقائية لمنع تفشي المرض, لا سيما بعد أن أصدرت منظمة الصحة العالمية إرشادات سفر نادرة بشأن المرض الذي أصبح يشكل خطراً صحياً عالمياً, وطالبت كل من يشعر بأعراضه المسارعة للحصول على مساعدة طبية عاجلة.
وأمرت المطارات وبعض الخطوط الجوية في دول عدة العاملين فيها بعدم السماح للركاب الذين لديهم أعراض المرض بالدخول الى البلاد. كما حذرت منظمة الصحة العالمية من السفر في مهام غير ضرورية الى الدول التي انتشر فيها الإلتهاب الرئوي الحاد.

 

ذعر في الصين

يبقى الوضع الأسوأ في الصين, الدولة التي تعاني بشكل خاص من الإنتشار السريع للمرض المميت, حيث يعيش المواطنون حالة ذعر كبيرة, فيظهرون متوترين في الحافلات وقطارات المترو, وكذلك في مجمعات التسوّق والمنتزهات العامة, حيث يضعون الأقنعة الواقية ويستعينون بالمطهرات التي يقول الأطباء أنها تستطيع قتل الفيروس, وقد احتلت المركز الثاني في قائمة أكثر البضائع مبيعاً بعد الأقنعة الواقية. وفي إطار طرق الوقاية المتبعة, يلجأ سكان العاصمة الصينية بكين الى تناول اللفت يومياً إذ يعتقدون أنه كفيل بحمايتهم من الفيروس القاتل. كذلك ارتفع الإقبال على الجزر والكرات والتوم والزنجبيل بعد أن نشرت صحيفة "ستار" وصفة لمكافحة الفيروس شملت اللفت والأطعمة الأخرى المذكورة. ويجرّب الصينيون كل العلاجات المتاحة من المضادات الحيوية وأدوية البرد الى الخل المغلي وأكل الثوم النيء لمكافحة المرض الغامض, وقد ذهبت صحيفة صحية رسمية الى حد التوصية بتناول ديدان القز الميتة في وصفة أخرى للوقاية من المرض!

 

أعراض المرض

تظهر أولى أعراض مرض الـ"SARS" بحمى في جسم المصاب تتجاوز الـ38 درجة مئوية وقد تصحبها أحياناً قشعريرة أو آلام في الرأس وفي مختلف أنحاء الجسم إضافة الى شعور عام بعدم الإرتياح.
خلال فترة يومين الى سبعة أيام من الإصابة, يتعرض المرضى لسعال حاد يمكن أن يصل الى درجة عدم وصول كمية كافية من الأوكسيجين الى الدم, مؤدياً الى صعوبة كبيرة في التنفس.
تستمر حضانة المرض عادة من يومين الى سبعة أيام, إلا أنه تم تسجيل بعض الحالات التي استمرت فيها الحضانة مدة عشرة أيام.
أما بالنسبة الى العدوى, فقد بيّنت المعلومات الموجودة لغاية الآن أنها تنتقل خلال فترة ظهور الأعراض كالحمى والسعال, غير أنه لم يتم معرفة ما إذا كانت هناك فترة سابقة أو لاحقة لهذه الأعراض يمكن أن تسبب العدوى أيضاً.
وينتشر المرض عادة عبر تنشق الهواء الناتج عن سعال أحد المصابين, لذلك نجد أن معظم حالات العدوى تنتقل بين الأشخاص الذين هم على إتصال مباشر مع المرضى كذويهم وأقاربهم والعاملين في الحقل الطبي.
وتشـير بعـض التقارير الى أن الـ"SARS" يمكـن أن ينتـقل عبر أحد الأغـراض الملوثة بالمـرض. وكان سبـق للخـبراء أن اكتشـفوا أن "الفيـروس التاجي" المسـؤول عن مرض الإلتهاب الرئوي الحاد يمـكن أن يعيش في محيـطه مدة ثلاثة أيـام. وبغية تخفـيف خطر العـدوى من الأشياء المحيـطة, ينصح الإختصاصيون جميـع العاملين في الحقل الطبي والمحيطين بالمرضى غسـل أيديـهم باستمرار بالمـاء والصابون.

 

المراجع: www.who.int/crs/sar/en
 www.timeeruope.com
 www.cdc.gov