تسلح وتكنولوجيا

الإنترنت التكتيكية والعسكرية وقيادة الحرب الجديدة
إعداد: كمال مساعد

اختبرت القوات الأميركية في معاركها شمال بغداد، ولأول مرة، نظاماً كومبيوترياً يرصد القوات الحليفة الصديقة والقوات المعادية، إضافة إلى رصده للألغام  الأرضية. ويعرض النظام الذي يشابه جهاز ألعاب الفيديو، بياناته على شاشات صغيرة كانت قد زودت بها فرقة المشاة الرابعة للجيش الأميركي، وهو يندرج في إطار شبكة من الأجهزة الكومبيوترية الجديدة التي سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى تطويرها منذ بداية الثمانينات في القرن الماضي. وقد أدى ذلك إلى إحداث نقلة تكنولوجية في نظم التسليح عمقت التفوق النسبي العسكري.

 

مشروع RMA

من المارقات الجديرة بالانتباه، أن وزير الدفاع الأميركي في إدارة الرئيس الأسبق ريجان، هو نفسه وزير الدفاع في إدارة الرئيس جورج بوش الابن – دونالد رامسفيلد – وهو المسؤول عن تحقيق الأهداف الإستراتيجية العليا للولايات المتحدة الأميركية والمتعلقة بتوظيف منجزات الثورة التكنولوجية عسكرياً. وهو أعلن فور وصوله إلى  البنتاغون للمرة الثانية، عن مشروع أطلق عليه اسم ثورة في الشؤون العسكرية (Revolution in military affairs R. M A. ) الذي يتضمن إنشاء جيش المستقبل والاستفادة من الثورة التكنولوجية لإعادة تحديد الوسائل التي تخاض بها الحروب في القرن 21.

ويعرف النظام الكومبيوتري الجديد باسم  (Force 21 Battle command Brigade and Below) وهو يعمل كشبكة إنترنت قتالية تقوم بالرصد السريع للآليات القتالية السريعة الحركة. كما ترسل نظم التحديد العالمي للمواقع الجغرافية الملحقة بالنظام، إشاراتها إلى مراكز القيادة لإعلامها بمخاطر خروج أي من الآلات عن مساراتها، أو ضياعها. ويؤكد الخبراء أن هذه النظم الكومبيوترية الجديدة تمنع حدوث عمليات من نوع تلك التي وقعت أثناء الحرب في جنوب العراق، عند أسر مجموعة من العاملين في الصيانة العسكرية،حين حادت آلياتها عن مسارها الصحيح. فالشبكة الإلكترونية توفر مستويات رفيعة لا مثيل لها من الإطلاع على الوضع القتالي.

تنصب النظم على كل آلية بما فيها الدبابات وآليات "برادلي" القتالية والمدافع الذاتية الحركة وسيارات همر. ويستطيع النظام أن يتعرف أيضاً على الأهداف الصديقة التي تلون باللون الأزرق، أيضاً، يمكنه التعرف على الألغام ومواقع خزن أو رش الغازات السامة بوضع أيقونات معادية لها. ويستطيع القادة، سواء كانوا قادة فصائل، أو, دبابات، الحصول على بيانات مفصلة عن المواقع والآليات وحركتها وسرعتها، بلمس الأيقونات على شاشة الكومبيوتر لديهم. وإن حدث أن وقعت إحدى الآليات المزودة بالنظام في أيدي الأعداء، فإن النظام يدمر بإشارة توجه إليه من بعد. كما يستطيع  الجنود تبادل رسائل بالنصوص القصيرة المختصرة بينهم.

 

نظم انترنت المعارك

نظراً أهمية هذا الموضوع، بدأت الولايات المتحدة درس انعكاسات اتساع العمل بالشبكة وصعوبة ضبطها في الأمور العسكرية (وغير العسكرية)، من خلال لجنة في وزارة الدفاع، أعطت هذا الأمر أهمية قصوى، فشبكة الإنترنت تعني لها أكثر من ساعي بريد إلكتروني للولايات المتحدة كما يؤكد أحد الخبراء. فهي تستعمل كمسلك لنشر الخطط العسكرية بين مختلف قطاعات الجيوش، كما أنها تمكن القيادات من إيصال أوامرها خلال فترة وجيزة من إرسال كافة الخرائط  والرسوم  التفصيلية لها. كما أن عمليات  تحديد الأهداف ترسل إلى الطائرات القاذفة والمقاتلة عبر خطوط خاصة على شبكة الإنترنت، وكذلك تصل الصور المأخوذة خلال القتال أو عمليات  التجسس، ليتم تحليلها في المراكز المخصصة. كما أن بعض أوامر التحكم بمراكز حساسية مثل محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه أو حتى المفاعلات النووية تمر عبر شبكة إنترنت، وهذا يفسر الاهتمام البالغ بحامية الشبكة من عمليات القرصنة.

ولكن حماية الشبكة لا تعني أن الخبراء في مختلف الدول، لا يسعون لإيجاد حل لأي توقف عملي للشبكة في حال اندلاع نزاع شامل أو محدود، وبالطبع فإن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبشكل أقل روسيا، نظمت شبكتها العسكرية للاتصالات بشكل يسمح لها بفصلها عن شبكة إنترنت "spliale system"  ويسمى بـ "إنترنت". وهو نظام شبيه بنظام انترنيت المعروف لكنه يعمل وفق حلقة مغلقة  (closed system) ويشبه النظام الذي تستعمله المصارف في مراسلاتها، ولا يسمح لأي زائر خارج النظام بزيارة مواقعه. ويمكن لهذا النظام أن يشبك بوصلة على شبكة الإنترنت فيستعمل تسهيلاتها في الاتصالات، ولكن في حال الضرورة يتم فصله عن الشبكة ليعمل مستقلا ويؤمن الخدمات نفسها.

 

الانترنت التكتيكية

تعتبر حرب العراق الأخيرة، الحرب الأولى في التاريخ المعاصر التي اختبرت فيها الإنترنت التكتيكية "Tactical Internet".

وتقوم فكرتها على تزويد الدبابات والمروحيات وقطع المدفعية الثقيلة بكومبيوتر صغير يضم رقاقة إلكترونية خاص للاتصالات. وتبث الرقاقة معلومات إلى كومبيوتر خاص في القيادة مباشرة، وتعطى كل قطعة هوية خاصة بها،(IP)، تماما كما هي الحال في الإنترنت العادية. وتظهر كل قطعة حربية ممثلة برمز خاص على شاشة الكومبيوتر الحساسة، وللاتصال بدبابة "ابرامز ان بي سي" أو "برادلي" أو مروحية "أباتشي بلاك هوك" في فرقة معينة، يكفي النقر على الصورة، ثم فتح الاتصال لاسلكياً مع الطاقم.

وفي المستوى الثاني، تتصل كومبيوترات القادة المباشرة بكومبيوترات في القيادة الأعلى. وتمثل في كل فرقة أو فيلق برمز خاص على الشاشة. وإذا أراد قائد في أعلى مستوى معرفة ما يجري على الأرض، يكفي أن يضرب على أيقونة الفرقة، ثم على الرسم الخاص بالدبابة أو المروحية التي يريد معرفة وضعها، ثم يتصل بها.

ويشكل كل ما تقدم الشق الأول من الإنترنت التكتيكية. ويتمثل الشق الثاني في المعلومات التي ترد بالأقمار الصناعية وطائرات للاستطلاع من دون طيار وأجهزة المخابرات. وقواعد المعلومات الإلكترونية لكل أقسام الاستخبارات والتحليل وغيرها المتاحة للجيش الأميركي. وقد زودت الدبابات وقطع المدفعية والمروحيات بأجهزة إلكترونية متصلة مع الأقمار الاصطناعية. ويحدد كومبيوتر في القمر الصناعي موقع كل قطعة محاربة باستخدام معلومات نظام تحديد المواقع الشامل
( Global Positioning Systems) "GPS". وهكذا تستفيد الطواقم المحاربة من كل المعلومات التي تتوافر من كل أجهزة الرصد والاستطلاع والمخابرات. وبصورة مباشرة ومستمرة. وتتولى كومبيوترات القيادة مهمة والربط بين معلومات المعركة وبين كل المعلومات المتوافرة لدى مختلف مستويات القيادة. ومع اخذ العنصر البشري في عين للاعتبار، لأنه المركز الفعلي لكل هذه العملية، فإن معركة العراق يمكن وصفها ب"أول معارك الإنترنت"، وهي أول معركة يتشارك فيها الذكاء البشري والاصطناعي. وتكمن أهمية هذه التكنولوجيا في إنها تؤمن وعيا دقيقا للحالة التي تتواجد فيها الآليات وتحديداً لمواقع العدو وتأمين الاتصال السريع بين مختلف الآليات وأنظمة الأقمار الصناعية. غير أن أسئلة كثيرة ما زالت تطرح حول اختيار الموجات الأفضل لتشغيلها من أجل الحصول على أفضل النتائج، مع تامين حماية للمعلومات السرية المنقولة عبرها ومنع أي من الأعداء أو الأصدقاء من تعقبها والحصول عليها.

 

المراجع

- مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية - االاهرام مصر - شباط 2003.

- مركز العمليات التكتكية - معسكر بنسلفانيا - الشرق الاسط 22 / 4 / 2003.

- الانترنت التكتيكية - تقرير - نشرة الحياة 24 / 3 / 2003.

- غرافيك نيوز 24 / 3 / 2003.

- خدمة TodaY - USA خاص الشرق الأوسط 15 / 3 / 2003.