ضيف العدد

الإنسان حياة وطبيعة

من يُرخي العنـان لخيالـه في أغوار الطبيعـة، يكشف فيها على ما يسبي العقـول والنفـوس والأفئدة، ويسحر الأبصار. تقع في الطبيعة على أجمل الفنون، وأنـواع الهندسة، وأروع الجمالات، وأسمى الإبداع. وهي الحقيقة في مكـان، لأن الطبيعـة صنيعـة اللـه، لا صنيعـة الإنسـان. كلّ قلم، وحرف، وكتاب لا يُستوحى من الحياة، يبقى عقيماً، ولا يكتب له البقاء. كل من لا يكتسب من مدرسة الطبيعة، يظلّ بعيداً عن المعرفة، ولو تعلّم معظم اللغات الحية في الدنيا. من الطبيعي أن يستفيد المرء من الطبيعة وعناصرها، ومن الطبيعي أيضاً أن تفوته أشياء كثيرة. اكتشف المرء مخترعات سهّلت سبيل عيشه. اكتشف الكهرباء، والكومبيوتر، والإنترنيت وغيرها. عرف الجاذبية، وقوة الجذب والدّفع بين اللحظة واللحظة. أدرك أن الهواء غاز يشمل الأرض، وأن النور ليس بمادة وإنما اختلاجات في الأثير. سلك أجواز الفضاء والكواكب، ووصل الى المريخ بوساطة "سبيريت"، تاركاً وراءه الأنانية، والحقد، والحسد وما إليها... لو علم الإنسان عظمة الطبيعة وما فيها من قدرات، لخجل من الصغائر التي في قلوب البشر كالرجس والبغض والشر. لو فهم أن الجاذبية التي تشد الأجسام والأجرام، تجسّد هذا الكون، بما يحمل من الروائع، لاقتنع أنها مثال للتضحية والمحبة. وهل المحبة غير ذلك؟ المحبة تخلق التعاون المثمر. ألا ترى تعاوناً ومحبة بين الزهرة والأريج؟ بين دموع السماء وتراب الأرض؟ بين الليل والنهار؟ إن الله فرض المحبة على البشر، والتعاون، والتواصل، والطبيعة أوصت بالتآلف. فلماذا نحن البشر لا نشبه الطبيعة؟ لماذا لا نقبل بما يرضاه الله، ونحن المحور الذي يدور عليه الكون. الكون بما يمثل يجعل من الفوضى انتظاماً، ومن الموت بعثاً. أليس السماد الكيماوي يبعث وردة فوّاحة؟ والبشر يحوّلون الصلاح الى فساد؟ فالضمير الإنساني هو روح الخالق الذي لا يموت. إذن، لماذا؟ لماذا المرء يفسد الضمير ويقيم البغض مكانه، والرشوة، والنفاق، وما شابه؟ أما أعطي هذا الكائن العاقل روح الله؟ بلى إذن، ما أعطي الحياة إلا ليعطي الآخرين من دون حدود. فما له يكره من دون حدود؟ ويبغض من دون حدود؟ لا يحسبنّ أحد، أن في البغض انتصاراً. فليس أدلّ على السقوط مثل سقوط الإنسان أمام الأنانية والكراهية، ولا أدلّ على العظمة كالعظمة على سوء النوايا. فالبغيض عبد البعض، ولو ربح مال الأرض. لقد أصاب أبو العلاء حيث قال:

 

ولو أني حبيت الخلود فرداً        

لما أحببت في الدنيا انفراداً

 

إنني أعذر الجاهل أو لا أعذره، إذا تغلّبت عليه الآفات، ولكن لا عذر إطلاقاً للمدرك والعارف. ومما لا شك فيه، إذا حقد الإنسان على إنسان ما، أو حسد أمرأً ما، فإنما يحكم على نفسه بالهلاك. الآفات الاجتماعية التي ذكرت لا يقبلها الخالق، فالمطلوب من الفرد، والكائنات البشرية أن تعمل بإخلاص، وتنفّذ الوصايا الأخلاقية، وأن تأخذ بقوانين الطبيعة. ألا نرى أن الشمس وهي أشرف وأعظم الكواكب، كيف تشرق على موجودات الأرض والجبال والفضاء من دون منّة؟ والأرض كيف تغذي النبات مفيدها ومضرّها بالسواء؟ أما رأيت أيها البشري كيف الزهرة تخلّت للخلية المعسال عما في ذاتها من حلاوة الشهد بلذة تفوق أضعافاً لذة النحلة بدليل ذبولها في جني العسل من الزهرة ذاتها؟ فما للكبير من الناس يستعمر الصغير، والقوي يبطش بالضعيف؟ أما قرأت يا ابن آدم، ما جاء في سياق قصيدة "الطين" للشاعر الكبير إيليا أبي ماضي؟ أما قرأت ما قاله شيخ الأئمة عليّ بن أبي طالب: الإنسان أخو الإنسان أحبّ أم كره؟ أما عرفت أن أعلى حجر في الأبنية الشاهقة، لا قيمة له من دون أسفل حجر في الأساس؟ فالعالي مدين بعلوّه للأدنى. أيها الإنسان تخلّ عن جميع الآفات، واستبدل الحقد بالمحبة، والأنانية بالابتسامة والعطاء، تعش مرتاح الضمير وقريباً من الله.