قضايا بيئية

الإنسان يدفع ضريبة ما صنعته يداه
إعداد: ليال صقر الفحل

13 مليون حالة وفاة سنوياً سببها عوامل بيئية

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية الى أن 13 مليون حالة وفاة سنوياً مردّها الى عوامل بيئية كان بالإمكان الوقاية منها وتجنّب حدوثها مع مزيد من الدراية بأمور البيئة وأنواع التلوّث ومضارها...
المعادلة واضحة، فالإنسان يحصد ما زرعته يداه من دمار في البيئة، وهو يدفع ضريبة التطوّر التكنولوجي والسعي الى مزيد من الرفاه، من دون إهتمام كبير باستمرارية البيئة التي حضنته وبسلامتها وتوازن عناصرها.
وإذا كان وعي القضايا البيئية قد أدى خلال العقود الأخيرة الى دق ناقوس الخطر وإقرار المواثيق والإتفاقيات الدولية التي تؤكد حق الإنسان في الحياة في بيئة سليمة، فإن أمام البشرية الكثير من العوامل لتحقيق هذا الهدف.
يشكّل التلوّث بمختلف أشكاله واحدة من أكبر المشاكل البيئية التي تنعكس على صحة الإنسان وسلامته. في ما يلي محاولة للإضاءة على حدّة المشكلة التي ترتبط مباشرة بالنشاط الإنساني وخصوصاً النشاط الإقتصادي والإجتماعي.

 

تلوّث الهواء
يعدّ من أخطر أنواع التلوّث إذ يؤثر مباشرة في صحة الإنسان والمناخ، وأهم ملوّثات الهواء هي:
- ثاني أوكسيد الكبريت الذي يتأتّى عن حرق النفط والفحم ذي المحتوى الكبريتي العالي خصوصاً في محطات الطاقة الكهربائية.
- الجسيمات الدقيقة المتأتية عن الحرق المنزلي والوحدات الصناعية والمحركات العاملة على الديزل.
- أول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد النيتروجين (NO2) المتأتي من أبخرة البنزين المنبعثة من المركبات.
- الضباب والدخان الذي يتولّد عن إنبعاثات المركبات.
- الرصاص الناجم عن إحتراق البنزين الذي يحتوي على رصاص أو عن إحتراق الفحم.
يتعرّض لهذا النوع من التلوّث غالبية سكان المدن الضخمة ذات الكثافة السكانية المرتفعة وحيث نسبة التلوّث في الهواء هائلة.
لا يتوقف تلوّث الهواء على البيئة الخارجية، إنما يتعداها الى البيئة الداخلية التي يعيش فيها الإنسان، نتيجة أنشطة مَن يشغلونها واستخدامهم الأجهزة والمعدات الكيميائية التي تضاف الى الملوّثات الخارجية.
أهم هذه الملوّثات: الدخان، التبغ، منتجات الإحتراق، الزئبق، الزرنيخ، أملاح الكبريت، والمبيدات الحشرية...
ويعتبر تلوّث البيئة الداخلية أكثر خطورة من تلوّث البيئة الخارجية، إذ يقضي الناس معظم وقتهم في الداخل.
فتلوّث الهواء الداخلي يؤثر على حوالى 2.5 مليون نسمة، وهو قادر على قتل 2.2 مليون شخص سنوياً بسبب الأمراض التي يمكن أن يؤدي اليها من التهابات الجهاز التنفسي (تصل نسبة هذا المرض في البلدان النامية الى 90٪)، والإنسداد الرئوي المزمن (1.3 مليون وفاة سنوياً) الذي يتّسم بالفقدان المرحلي لوظيفة الرئة وينجم عن التعرّض للدخان والغبار.
تضاف الى ذلك الأمراض السرطانية المتأتية عن إستنشاق هذه المواد الضارة...
يتجاوز أثر تلوّث الهواء التأثيرات الصحية المباشرة ليشمل البيئة العامة، فالأمطار الحمضية الناتجة عن تلوّث الهواء كحامض الكبريت والنيتروجين تؤثر على المباني وتجعل الأراضي ومجاري المياه التي تستقبلها أقل إنتاجية.
كما أنها تؤدي الى تغيرات في التوازن الكيميائي للمياه والتربة، وتؤثر بالتالي على حياة النباتات والحيوانات فيفقد بعض الأنواع أو حتى ينقرض، ومن هنا خسارة التنوّع البيولوجي.
إن التغيير في التوازن الكيميائي أدى الى مشاكل بيئية خطيرة، أهمها الفجوة الحاصلة في طبقة الأوزون التي تحمي الأرض من الأشعة ما فوق البنفسجية، وسببها المركبات الهالوجينية (الكلورين والفلورين) ومصدرها مواد التبريد والمواد البخّاخة.
تضاف الى هذه المشكلة العالمية مشكلة أخرى لا تقل أهمية هي مشكلة الإحتباس الحراري، أي ارتفاع المعدل الوسطي لحرارة الأرض بسبب تراكم الغازات الدفيئة مثل ثاني أوكسيد الكربون الذي يؤدي الى تغيّر المناخ العالمي.

 

تلوّث الموارد المائية
يؤدي عدم مراعاة التوازن بين تغذية طبقات المياه الجوفية وبين كمية المياه المستخرجة من هذه الطبقات الى إنخفاض مستوى سطح هذه المياه وزيادة التسرّب الى مياه البحر في آبار بعض المناطق الساحلية، حيث ترتفع درجة الملوحة لدرجة تمنع الإستفادة من هذه المياه للإستعمالات اليومية.
أهم ما يضرّ بالثروة المائية هو الإستعمال العشوائي للأدوية الزراعية والمبيدات الحشرية والأسمدة والمخصبات ما يؤدي الى تسرّب هذه المواد السامة الى مصادر المياه. تساهم في تلوّث المياه النشاطات الصناعية التي تطلق أنواعاً مختلفة من النفايات السائلة الكيميائية في مجاري المياه الجوفية والساحلية، وهي ما يسمى بالمواد السامة العضوية.
يضاف الى ذلك سوء صرف المياه المستعملة، وعدم الإدارة السليمة لأماكن الطمر الصحي حيث تُعالَج النفايات الصلبة بشكل خاطئ، ومن دون متابعة، وهو السبب الأساسي في تلوّث المياه السطحية والجوفية على حدٍ سواء.
أهم أنواع النفايات الصلبة: النفايات المنزلية والنفايات المتأتية عن الإدارات العامة من ورق وكرتون، النفايات المتأتية عن النشاطات التجارية السياحية (مطاعم، متاجر...)، النفايات المتأتية عن نشاطات المصانع، فضلات المستشفيات، نفايات البناء والأشغال العامة (ركام، حجارة...).
المشكلة الأخطر في هذا الصدد تبرز خصوصاً في دول العالم الثاني والثالث، حيث تترك هذه النفايات لتتراكم في الشوارع وبين المنازل والأحياء السكنية فتخلق البيئات القاتلة، الناقلة للأمراض.
وتشمل الملوّثات الجراثيم والفضلات العضوية والمخصبات النباتية والمعادن الثقيلة والرواسب والأجسام الصلبة. أخطر أنواع هذه المعادن الزئبق والرصاص والزنك والنحاس وهي مواد سامة ذات إرتباط مباشر بالأمراض السرطانية والأضرار التي تلحق بالجينات والمخ والعظام، إضافة الى الأمراض التي تنتقل عبر المياه كالديزنتاريا وغيرها من أمراض الكبد والطفيليات وأمراض الجهاز الهضمي والتيفوئيد.  
 

التلوّث الإشعاعي
الإشعاعات التي تصدر عن نوى الذرات تختلف في قدرتها على إختراق الأجسام، وبالتالي فإن خطرها على الكائنات الحية متفاوت، وينتج بفعل أنشطة بشرية، خصوصاً التفجيرات النووية التي تبقى عدة أشهر بعد أن تسقط على الأرض والنباتات، فتدخل الى السلاسل الغذائية وتنتقل الى أجسام الكائنات الحيّة وتصيب جهاز التنفس والعظام، وتسبّب السرطانات المختلفة والعقم والشيخوخة المبكرة.

 

التلوّث الضوضائي
يرتبط هذا النوع من التلوّث بالأصوات ذات الإستمرارية، وتكون عادة أصوات غير مرغوب فيها تحدث بسبب التقدّم والتطوّر الصناعيين.
مصدر هذا النوع من التلوّث هو المدن ذات التضخم السكاني العمراني، حيث تتداخل الأصوات، أصوات السيارات بمركبات النقل والسكان، والأصوات المتأتية عن آلات العمران والمقالع والكسارات، ما يزعج الإنسان ويسبب له ضغوطاً نفسية تؤثر في صحته عبر رفع مستوى ضغط الدم، وزيادة العدوانية، الى إضعاف السمع وإتلاف خلايا الجهاز السمعي.
إشارة الى أن هذا التحقيق إستند الى كتاب «السكان والبيئة»، العام 2004 تأليف: إيمان نويهض، مي مسعود وريم فياض.

 

مسبّبات تلوّث الهواء في لبنان
يرتبط تقرير واقع البيئة في لبنان عن تلوّث الهواء بالأنشطة التالية:
- إزدحام السير والإعتماد الشديد على السيارات السياحية الخصوصية للنقل.
- الفعالية المنخفضة للوقود في المركبات القديمة أو تلك التي لا تلقى عناية.
- إنتشار إستعمال المركبات العاملة على الديزل الرديء النوعية.
- إستعمال البنزين المحتوي على الرصاص (حتى منعه العام 2002).
- عدم خضوع السيارات للمعاينة الميكانيكية.
- الورش القائمة.
- مناخ لبنان (لا سيما صيفاً) الذي يتسبّب بمستويات مرتفعة من الغبار في الجو.
- فقدان المراقبة المستمرة لنوعية الهواء على المستوى الوطني.

 

الرصاص في الهواء
مع ازدياد إستعمال السيارات للبنزين مع رصاص زادت نسبة الرصاص في الهواء خصوصاً في المدن ذات الكثافة السكانية، ما رفع نسبة الرصاص في الدم عند السكان، والرصاص مادة سامة تؤثر على الجهاز العصبي بشكل خاص.

 

الأغنياء يلوّثون أكثر
يرتبط النمو الإقتصادي في المجتمعات الغنية بنظام خدماتي يشجع الأنماط الإستهلاكية بهدف الربح وعلى حساب سلامة البيئة وتوازنها. فسكان أعلى البلدان دخلاً الذين لا يمثّلون سوى 20٪ من إجمالي سكان العالم يستهلكون 86٪ من إجمالي نفقات الإستهلاك الخاص. بينما يستهلك سكان البلدان الأشد فقراً ونسبتهم 20٪ من إجمالي سكان العالم، حوالى 1.3٪. والطفل الذي يولد حالياً في بلد من البلدان المصنعة، سيضيف الى الإستهلاك والتلوّث على امتداد عمره أكثر مما يضيفه آخر يولد في بلد نامٍ بما يراوح بين 30 و50 ضعفاً.

 

المقالع والكسّارات في لبنان
العام 1996 كان عدد المقالع في لبنان يبلغ 710 مقلعاً تتضمّن 464 مقلعاً للأحجار الكلسية و246 مقلعاً رملياً.
معظم المقالع غير مرخص له، كما أنها لا تحترم المعايير الأساسية ومقاييس العمل. وتتوزّع المقالع على نحو عشوائي في جميع المناطق اللبنانية. معظمها متمركز قرب المناطق السكنية وفي أجمل المواقع الطبيعية.
وتمارس المقالع ضغوطاً مهمة على البيئة فهي تشوّه المناظر الطبيعية وقد تحدث ضرراً بالمنازل القريبة نتيجة التفجيرات. كما وأنها تسبب إزعاجاً للسكان الذين يعيشون على مقربة من هذه المقالع بسبب الضجة والغبار. إضافة الى ذلك تضر المقالع بالمَواطن الطبيعية للحيوانات والنبات فضلاً عن تغيير التكوينات الجيولوجية.

 

سيارة أو إثنتان أو أكثر
في لبنان واستناداً الى إحصاء حول الأوضاع المعيشية للأسر، يملك 62.4٪ من الأسر سيارة واحدة على الأقل. بالمقابل يملك 28٪ من العائلات سيارتين في جبل لبنان بينما تنخفض هذه النسبة في كل من الشمال والجنوب والنبطية والبقاع. وفي بيروت يملك 20.6٪ من العائلات سيارتين أو أكثر.