أرقام

الإنفاق العسكري والإنفاق على التنمية في المنطقة العربية
إعداد: الدكتور علي عودة
أستاذ في الجامعة اللبنانية

على الرغم من امتلاك المنطقة العربية ثروات وإمكانات ضخمة، إلا أنّها ما زالت تُسجل أدنى معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية بين أقاليم العالم. وفي الوقت عينه، تُنفق الدول العربية على التسليح أموالًا طائلة تفوق بكثيرٍ مستويات الإنفاق العسكري في معظم دول العالم، وحتى تلك الأكثر غنى. نستعرض في هذه الدراسة مقارنة بين ضخامة الإنفاق العسكري وانخفاض الإنفاق على الصحة والتعليم وغيرهما في المنطقة العربية، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات التنمية.

 

الإنفاق العسكري في المنطقة العربية
تُعد المنطقة العربية من أكثر أقاليم العالم إنفاقًا على التسليح. فبحسب بيانات البنك الدولي، بلغ الإنفاق العسكري في مجمل الدول العربية خلال السنوات العشرة الماضية (٢٠٠٩-٢٠١٨) حوالى ١٤٧٧ مليار دولار، ووصل خلال السنوات العشرين الماضية (١٩٩٩-٢٠١٨) إلى نحو ٢٠٢٨ مليار دولار. وقد تزايد هذا الإنفاق في الدول العربية بشكلٍ خاص خلال الفترة الواقعة بين ٢٠٠٥ و٢٠١٣، وشكّل متوسط ٥.٦٪ من حجم اقتصادها (الناتج المحلي الإجمالي) خلال الفترة ١٩٩٩ - ٢٠١٨. وتُعد هذه النسبة مرتفعة مقارنة بمتوسط الإنفاق العسكري السنوي العالمي والبالغ نحو ٢.٣٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ومقارنةً بالنسبة التي سجلها الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD» والتي تضم مجموعة الدول المتقدمة اقتصاديًا، إذ بلغ متوسط نسبة إنفاقها إلى حجم اقتصادها حوالى ٢.٢٩٪ بين ١٩٩٩ و٢٠١٨.
ولمزيدٍ من المقارنة، نشير إلى أنّه وفيما شكّل الاقتصاد العربي نسبة ٣.٢٪ من حجم الاقتصاد العالمي في العام ٢٠١٨، فقد بلغ الإنفاق على التسليح في المنطقة العربية نسبة ٨.٥٪ من حجم الإنفاق العسكري العالمي. وتجدر الإشارة إلى التفاوت بين الدول العربية في ما خص الإنفاق العسكري نسبة إلى حجم اقتصادها. ففي العام ٢٠١٨، راوحت النسبة المذكورة بين ٨.٨٪ في المملكة العربية السعودية، و٨.٢٪ في سلطنة عُمان، و٥.٣٪ في الجزائر، و٥.١٪ في الكويت، و٥.٠٪ في لبنان، و٢.٧٪ في العراق، و٢.٣٪ في السودان، و٢.١٪ في تونس، و١.٢٪ في مصر. فيما شكل الإنفاق العسكري نسبة ٥.٦٪ من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات العربية المتحدة في العام ٢٠١٤، وفق أحدث البيانات المتوافرة عنها.
أما الإنفاق على التسليح نسبةً إلى مجمل الإنفاق الحكومي، فهو كذلك مرتفع جدًا في الدول العربية مقارنة بالمتوسط العالمي. فعلى سبيل المثال، بلغ متوسط الإنفاق العسكري في الدول العربية في العام ٢٠١٧ نسبة ٢٠.٨٪ من مجمل الإنفاق الحكومي، مقابل متوسط عالمي بلغ ٦.٣٪، و٥.٤٪ في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

 

السنة

المنطقة العربية (مليار دولار)

العالم (مليار دولار)

المنطقة العربية/العالم (%)

1999

42.0

709.6

5.9

2000

47.2

727.2

6.5

2001

46.4

734.3

6.3

2002

42.9

798.1

5.4

2003

45.0

918.6

4.9

2004

49.0

1034.1

4.7

2005

54.9

1121.2

4.9

2006

61.6

1197.5

5.2

2007

74.1

1329.0

5.6

2008

87.3

1500.7

5.8

2009

95.7

1561.3

6.1

2010

106.4

1645.3

6.5

2011

122.9

1756.5

7.0

2012

139.5

1764.5

7.9

2013

165.1

1767.0

9.3

2014

184.5

1777.1

10.4

2015

188.4

1683.9

11.2

2016

152.7

1676.2

9.1

2017

165.3

1748.4

9.5

2018

156.8

1836.3

8.5

المجموع

2027.9

27286.7

7.4

 الجدول رقم 1: الإنفاق العسكري السنوي في المنطقة العربية مقابل الإنفاق العسكري في العالم 1999 - 2018 / المصدر: البنك الدولي

الإنفاق على التنمية في المنطقة العربية
مقابل الإنفاق الكبير على التسليح، فإنّ الإنفاق التنموي في المنطقة العربية يُعتبر متواضعًا مقارنة بالمعدلات العالمية. فعلى سبيل المثال، بلغ متوسط الإنفاق على الصحة كنسبةٍ من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية في العام ٢٠١٦ (أحدث البيانات المتوافرة) أقل من نصف المتوسط العالمي، وحصة الفرد العربي من الإنفاق على الصحة أقل من ثلث المتوسط العالمي. ومن المفارقات أنّ الإنفاق الصحي في المنطقة العربية لا يرتبط مباشرة بمدى غنى البلد، إذ تشير البيانات إلى أنّ لبنان خصّص في العام ٢٠١٦ نسبة ٨٪ من ناتجه المحلي الإجمالي لقطاع الصحة، تبعته تونس بنسبة ٧٪، فالجزائر بنسبة ٦.٦٪، فالمغرب بنسبة ٥.٨٪، ومن ثم السعودية والسودان بنسبة ٥.٧٪ لكل منهما. وخصّصت باقي الدول العربية أقل من ٥٪ من ناتجها للإنفاق على الصحة في العام المذكور.
وبشكلٍ مماثل، تُنفق معظم الدول العربية على التعليم أقل من متوسط الإنفاق العالمي. فعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط الإنفاق العالمي على التعليم كنسبةٍ من حجم الاقتصاد حوالى ٤.٨٪. ومقابل ذلك، بلغت هذه النسبة ٢.٣٪ في البحرين، و٣.٦٪ في الأردن، و٢.٩٪ في قطر، و٢.٦٪ في موريتانيا، و٢.٥٪ في لبنان. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ معدل الإنفاق على التعليم يزيد في عدد من الدول العربية عن المعدل العالمي كما في سلطنة عُمان وتونس والمغرب. وفي مجال الأبحاث والتطوير أيضًا، تُعد الدول العربية من أقل الدول إنفاقًا على الأبحاث والتطوير.

 

 

الإنفاق على الصحة كنسبة

من الناتج المحلي الإجمالي (%)

حصة الفرد

من الإنفاق على الصحة (دولار)

 

متوسط المنطقة العربية

المتوسط العالمي

متوسط المنطقة العربية

المتوسط العالمي

2007

3.6

9.0

188.5

788.8

2008

3.4

9.1

220.0

855.3

2009

4.5

9.8

243.8

868.2

2010

4.0

9.6

248.8

912.7

2011

3.9

9.5

283.7

988.7

2012

4.0

9.5

305.8

998.8

2013

4.2

9.5

338.9

1021.7

2014

4.6

9.6

366.9

1046.5

2015

5.0

9.9

344.6

1007.4

2016

4.9

10.0

339.6

1026.2

الجدول رقم 2: الإنفاق على الصحة في المنطقة العربية مقابل متوسط الإنفاق العالمي 2007 - 2016 / المصدر: البنك الدولي

مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية
تؤكد مؤشرات التنمية التي تُصدرها الجهات الدولية، مثل منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرهما، تدنّي مستويات المعيشة والتنمية في عدد كبير من الدول العربية. وعلى سبيل المثال، بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية في العام ٢٠١٨ حوالى ٦٦٢٦ دولارًا أميركيًا، مقابل متوسط عالمي بلغ ١١٢٩٧ دولارًا. ويُشار إلى التفاوت الكبير في هذا المؤشر بين الدول العربية، (٦٩٠٢٦ دولارًا في قطر و٤٣٠٠٥ دولارات في الإمارات العربية المتحدة، و٩٧٧ دولارًا في السودان و٩٤٤ دولارًا في اليمن). وانخفاض الدخل في المنطقة العربية يؤدي طبعًا إلى زيادة الفقر فيها، إذ تُسجل بعض الدول العربية أعلى معدلات الفقر حول العالم.
كما تعاني المنطقة العربية عمومًا معدلات بطالة مرتفعة جدًا، تفوق بشكلٍ كبير المعدلات العالمية. ففي العام ٢٠١٨، بلغ متوسط معدل البطالة في المنطقة العربية ٩.٩٪ من مجمل القوى العاملة، مقابل متوسط عالمي بلغ ٥٪ فقط.
ولا شك أنّ مشكلة البطالة والمشاكل الاجتماعية المرتبطة بها (خاصة الفقر واحتمال التحاق الشباب بمنظماتٍ إجرامية وإرهابية) سوف تتفاقم لاحقًا نتيجةً لاستشراء الأمية والتسرّب المدرسي في عدد كبير من الدول العربية. وفي هذا المجال، تشير بيانات البنك الدولي إلى أنّ حوالى ٣ ملايين و٧١٩ ألف طفل عربي لم يلتحقوا بالمدرسة الابتدائية في العام ٢٠١٨ (١٢.٥٪ من مجمل الأطفال خارج المدرسة الابتدائية حول العالم)، يُضاف إلى هؤلاء نحو ٤ ملايين و٢٩ ألف طفلة عربية لم يلتحقن بالمدرسة الابتدائية (١١.٩٪ من المجمل العالمي). وما يمكن أن يفاقم مشكلة البطالة في المستقبل هو دخول أعداد متزايدة من المواطنين العرب إلى سوق العمل، إذ إنّ نسبة كبيرة من السكان في عدد من الدول العربية هم دون الرابعة عشرة، وهؤلاء «من المفترض» دخولهم تباعًا سوق العمل.
أخيرًا وليس آخرًا، وبنتيجة كل ما سبق، انخفض مستوى التنمية في المنطقة العربية بشكلٍ كبير. وللدلالة على ذلك، يمكن الركون إلى مؤشر التنمية البشرية Human Development Index والذي يستند إلى مجموعة من المتغيرات (كالتعليم والصحة ومستوى الدخل) لقياس مستوى التنمية البشرية للبلدان، وتصنيفها بحسب هذا المستوى. وليس مستغربًا في ضوء ما أشرنا إليه أعلاه أن تحتل معظم الدول العربية مراتب متدنية جدًا بالنسبة إلى هذا المؤشر، كما يظهر في الجدول رقم ٣.

 

البلد

المرتبة العالمية

البلد

المرتبة العالمية

الإمارات العربية المتحدة

34

تونس

95

قطر

37

ليبيا

108

السعودية

39

مصر

115

البحرين

43

العراق

120

سلطنة عُمان

48

المغرب

123

الكويت

56

سوريا

155

لبنان

80

موريتانيا

159

الجزائر

85

السودان

167

الأردن

95

اليمن

178

الجدول رقم 3: المرتبة العالمية للدول العربية في مؤشر التنمية البشرية – 2017 / المصدر: برنامج الأمم المتحدة للتنمية

خلاصة
تحتاج المنطقة العربية إلى أموال طائلة لسدّ فجوة التنمية فيها، ولا شك أنّ هذه الأموال متوافرة، ولكن لا يتمّ إنفاقها في المكان الصحيح. وعدا عن ضرورة جلب جزء من الأموال العربية الضخمة المستثمرة خارج المنطقة العربية واستثمارها فيها، وضرورة ترشيد الإنفاق في الدول العربية، سوف يسهم تخفيض الإنفاق العسكري وتحويل الوفورات الناجمة عنها إلى الصحة والتعليم والإنفاق الاستثماري والبحث العلمي وغيرها، في تعزيز التنمية البشرية في المنطقة العربية ورفع مستوى معيشة المواطن العربي.