اقتصاد ومال

الاستثمار العقاري في لبنان مؤشرات نمو ونهضة
إعداد: تريز منصور
تصوير: شربل طوبيا

الاستثمارات العربية في بيروت بلغت ارقاماً قياسية
«الركود الاقتصادي» عنوان طبع بصماته على مختلف القطاعات اللبنانية، وكان للقطاع العقاري نصيبه الوافي. إلا أن ميزة هذا القطاع انه تمكن من المحافظة على حجمه في الاقتصاد، وكذلك على جاذبية استقطاب المستثمرين من مختلف دول العالم. اما اسعار العقارات والاراضي، فقد استمرت في ثباتها تنتظر اول فرصة لتستعيد دورها الطبيعي صعوداً وهبوطاً وفق حجم السوق وحاجاته.
واليوم تشير الدراسات والمؤشرات كلها الى ان «طائر الفينيق يستفيق»، ولقد اختير لبنان بين سبع دول عربية، اعتبرت نموراً عربية مرشحة للولادة هذه السنة في مجال الاستثمار العقاري. الى ذلك، فإن الاحصاءات تدل على ان اسعار العقارات سوف ترتفع بنسب عالية.
ما هو واقع القطاع العقاري اللبناني والاستثمار فيه في ظل الظروف السياسية الراهنة؟ هل لهذا القطاع مستقبل كبير كما يتوقعه معظم القيّمين والمراقبين؟ لماذا حجم استقطاب المستثمرين الاجانب والعرب والمغتربين كبير جداً، في هذا البلد الصغير؟
اسئلة عديدة حملتها مجلة «الجيش» الى بعض شركات دراسات واستشارات وتطوير عقاري، وعادت بإجابات وافية عنها.

 

مكارم: المناخ الاستثماري في لبنان جاذب
مدير عام شركة رامكو العقارية (للخدمات العقارية والوساطة والاستشارات والدراسات) السيد رجا مكارم قال: يستقطب لبنان العديد من المستثمرين والطامحين الى التملك فيه، بدءاً من اللبنانيين المقيمين الى المغتربين، اضافة الى المستثمرين العرب والاجانب. ولقد بدأنا نلمس هذه السنة تحديداً، رغبة كبيرة من قبل شركات عقارية عالمية (أميركية وأوروبية)، في التملك في لبنان والاستثمار فيه.
واعتقد ان السبب يعود الى ان المناخ الاستثماري في لبنان جاذب، في ظل مغريات متعددة اهمها:

 

- القانون الاقتصادي الليبرالي.

 

- حماية الملكية العقارية، فعلى الرغم من ظروف الحرب القاسية التي مرّ بها لبنان زهاء سبعة عشر عاماً، بقيت الملكية العقارية على حالها، واستعاد كل صاحب حق حقه، من عرب واجانب. ولم تحصل أية نكسة عقارية على الاطلاق، ولكن الذي حصل وحسب هو انتقال تسعير الملكية العقارية من الليرة اللبنانية الى الدولار الاميركي، وذلك من جراء انهيار الليرة اللبنانية وارتفاع سعر صرفها مقابل الدولار الاميركي.

• ان الضرائب على الملكية العقارية والارباح مقبولة نسبياً.
• تدفق اموال طائلة من جراء الطفرة النفطية في الخليج العربي، ما ادى الى زيادة الطلب على العقارات اللبنانية.
ولا بد من الاشارة هنا الى ان الطلب قد خفّت وتيرته نسبياً بعد الحرب في الصيف الماضي، من جراء انعدام الثقة، الا ان اسعار العقارات في بيروت لم تتراجع على الرغم من الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد، فمعظم مالكي العقارات لاحظ ارتفاع اسعار عقاراتهم باستمرار قبل هذه الحرب، وهم لا يعتقدون ان الاتجاه تغير، بل هو تجمّد مؤقتاً. لذلك لم نرَ أية حسومات تعرض على اسعار العقارات، بل حصل العكس. اذ ان المالكين يطلبون زيادة على اسعار ما قبل تموز في بعض العمليات المحدودة التي تم التفاوض عليها فعلياً.
• طبيعة لبنان ومناخه المعتدل، ودوره الثقافي والحضاري والاستشفائي في المنطقة.
• العقارات اللبنانية هي الارخص نسبياً، فمثلاً سعر المتر العقاري السكني الفخم في بيروت يراوح  بين 5000 و7000 دولار اميركي، بينما في باريس مثلاً يبلغ نحو 15000 دولار وفي لندن 60،000 دولار.
وعن الاستثمار اللبناني في السوق العقارية قال السيد مكارم: «لقد تبين لنا من خلال دراسة اجريناها للعام 2006، وجود نشاط واضح لشركات التطوير اللبنانية العاملة في قطاع الابنية الفخمة، والتي يقودها فريق من نحو 15 شخصاً رئيساً؛ هؤلاء كانوا ناشطين في شراء الاراضي المخصصة للبناء خصوصاً في بيروت، ويمكن القول ان الواحد منهم كان ينفذ عدة مشاريع في آن واحد. وفي ضوء المعلومات المتوافرة لدينا، فإن قطاع البناء السكني في بيروت وحده يدخل الى السوق من الشقق السكنية ما يقدر بنحو 300،000 متر مربع من المباني الجديدة كل سنة، وذلك في غربي بيروت والاشرفية ومنطقة سوليدير وحدها، ومن دون احتساب الضواحي او بقية المناطق اللبنانية. ويقدر المعدل الوسطي للاستثمار بالمتر المربع المبني بنحو 1300 الى 1400 دولار اميركي (يشمل سعر الارض وتكلفة البناء ولا يشمل الربح). على هذا الاساس فإن الاستثمارات الاجمالية التي تذهب الى قطاع البناء السكني وحده في مناطق بيروت الرئيسة يمكن تقديرها وبصورة محافظة بنحو 400 الى 420 مليون دولار سنوياً. وتجدر الاشارة الى ان هذا التقدير يستند الى حركة التوظيف المحلية في العقارات الفخمة فقط، والتي تعتمد بالدرجة الاولى على المشتري المحلي، وفي درجة ثانية على اللبنانيين العاملين في الخليج والمغتربات الاخرى، ومن ثم المشترين العرب والاجانب. وفي تقديرنا ان استثمارات بمبالغ مماثلة تأخذ طريقها الى القطاع السكني في بيروت الكبرى وجبل لبنان.
واضاف مكارم: استثمر اللبنانيون بقوة في القطاع التجاري (قطاع التجزئة ومراكز التسوق) وقطاعات الفنادق والمطاعم والملاهي استعداداً للموسم الذي كان يبدو واعداً. وهناك استثمارات شبه سنوية في مراكز التسوق والصناعات والخدمة المتفرعة عن قطاع البناء، مثل الاستثمار في مواد البناء والمفروشات والسجاد والانارة والمعدات الثقيلة والمصاعد وصناعة التدفئة والتبريد وغيره، او تلك المتصلة بقطاع السياحة، مثل نشاطات النقل وتأجير السيارات وغيرها...
وكل بناية تنشأ تُوجِدُ طلباً فورياً في قطاعات اخرى تموّن صناعة الانشاءات. ونحن نقدر الاستثمارات السنوية المباشرة في قطاعات العقارات غير السكنية (مثل ابنية المكاتب والمحلات التجارية والفنادق والملاهي، وغيرها من الانشطة المتصلة بالقطاع السياحي) بما بين 400 و500 مليون دولار. ما يعني ان الاستثمارات المباشرة من المستثمرين اللبنانيين او المقيمين في لبنان في قطاع الابنية الفخمة والقطاع السياحي تفوق الـ800 -900 مليون دولار في السنة، وقد ترتفع الى 104 مليار دولار اذا اضيفت الاستثمارات في قطاعات البناء غير الفخم في المناطق الواقعة خارج العاصمة، خصوصاً في مناطق جبل لبنان.

 

الاستثمارات العربية في بيروت: ارقام قياسية
اما عن الاستثمار العربي في العقارات اللبنانية، فقد اكد السيد مكارم وبناءً على الدراسة التي اعدتها شركة «رامكو» ان الاستثمارات العربية ثلاثة انواع:


• الاستثمار للسكن المباشر في الفلل وقطع الارض الكبيرة، وهذه الاستثمارات التي تتجاوز فيها مساحة الارض الـ3000 متر مربع، تخضع لموافقة مجلس الوزراء وتصدر بقرارات تنشر في الجريدة الرسمية. وحسب المعلومات المتوافرة للشركة، فإن مشتريات الاراضي الكبيرة من هذه الفئة بلغت في بيروت وجبل لبنان، ارقاماً قياسية تجاوزت المليوني متر مربع العام 2005 بزيادة بلغت 18 في المئة عن مجموع المشتريات المحققة العام 2004. وزادت هذه المشتريات بنسبة 180 في المئة عن تلك المسجلة العام 2003، عندما بلغت نحو 0،8 مليون متر مربع. وعلى اساس سعر افتراضي وسطي قدره 300 دولار للمتر المربع، فإن القيمة الاجمالية للاستثمار العربي في هذا القطاع يمكن تقديرها بنحو 900 مليون دولار، وهذه لا تشمل بالطبع، الاستثمارات اللاحقة في مرحلة البناء والتجهيز والتأثيث والتي يمكن بسهولة ان توازي هذا المبلغ او تفوقه.

• الاستثمارات التي تقوم بها المصارف والمؤسسات المالية وشركات التطوير المعروفة في المشاريع الكبرى السكنية او السياحية او التجارية، والتي يرتكز معظمها في منطقة سوليدير. وكانت هذه الاستثمارات قد شهدت قفزة كبيرة العام 2005 وفي النصف الاول من العام 2006، وقدرت بأكثر من 1،6 مليار دولار للارض فقط. واذا اخذ في الاعتبار امكان انفاق مبالغ مماثلة على التشييد وربما نصف هذه المبالغ على التجهيز والتأثيث، فإن الاستثمارات التي تمت او التزمت في فترة الـ18 شهراً المنتهية في حزيران 2006، يمكن تقديرها بنحو 5 مليارات دولار. ولوحظ ان مشتريات المساحات في سوليدير تحولت من الصفقات الصغيرة الى صفقات الحملة الكبيرة، فمن اصل المليون متر مربع التي تم شراؤها من قبل المستثمرين الخليجيين، ذهب نحو 400،000 متر مربع الى مجموعتين فقط، واحدة اماراتية والثانية كويتية. بينما توزعت المساحات الباقية (600،000 متر مربع) على نحو 13 مجموعة ومؤسسة استثمارية، وادى التهافت على مساحات سوليدير الى رفع الاسعار، نظراً الى محدودية المخزون، فقفز سعر المتر المربع على الواجهة البحرية الى 2500 دولار ثم 3000 دولار من معدلات سابقة، لم تتجاوز قبل سنوات الـ1500 دولار. ويعني هذا التطور، ان شركات التطوير عليها ان تبيع المتر المربع المبني بما لا يقل عن 7000 دولار وربما اكثر. وهذه الاسعار بدأت تسجل فعلاً في الابنية المواجهة للمارينا في سوليدير مثل بلاتينوم تاور وبيروت تاور.
يبقى ان من اهم مؤشرات الفورة العقارية والسياحية التي كان يشهدها لبنان قبيل حرب تموز الاخيرة، النمو المفاجئ  في عدد رخص البناء الصادرة عن نقابتي المهندسين في كل من بيروت وطرابلس، وكذلك النمو الكبير في حجم المساحات التي يتم الترخيص ببنائها.
ويجدر بالاشارة ان الاستثمارات المباشرة في بناء الفلل والاراضي السكنية الكبيرة (خارج منطقة سوليدير) كانت تسجل ارتفاعاً سنوياً، وكان من المتوقع بالتالي ان تستمر الصفقات بالتزايد سنوياً ما لم تقرر الدولة اللبنانية ولاغراض الحفاظ على التوازن، وضع قيود على تلك المشتريات.

• اخيراً، هناك الاستثمارات الصغيرة التي يقوم بها الزوار العرب عند شرائهم شقة سكنية او بيت للعطلة لكن بأحجام صغيرة لا تستوجب النشر في الجريدة الرسمية، وهذه الاستثمارات تظهر في الاحصاءات اللبنانية في بيانات السجل العقاري وتراوح قيمتها في المتوسط، بين 150 و200 مليون دولار سنوياً.
وحول اسعار الاراضي، اكد السيد مكارم «ان اسعار الاراضي المعدة للبيع قفزت بمعدلات متفاوتة وذلك حسب المناطق، فقد سجلت اعلى الزيادات في اسعار الاراضي مثلاً في منطقة الجناح وبئر حسن، بينما سجلت زيادات مهمة راوحت بين 30 و40 في المئة في سعر المتر المبني في معظم مناطق بيروت بين مطلع 2005 وبداية صيف 2006.
وفي الوقت عينه، ارتفعت اسعار الشقق المنتهية في المشاريع العقارية بنسب تراوح بين 15 و20 في المئة في المناطق المميزة مثل الاشرفية ورأس بيروت ومنطقة سوليدير وغيرها..».
وختم مكارم بالقول: «إن لبنان مؤهل لاستقطاب الاستثمارات والتوظيف العقاري، فهو يتمتع بعدة مميزات في مجالات الاستثمار والخدمات. المطلوب اليوم هو الاستقرار السياسي والامني، باستثناء ذلك لدينا كل المقومات، والطفرة العقارية قادمة إن شاء الله، والمستقبل الزاهر ينتظر اللبنانيين لا محالة».
 

حايك: الاستثمار العقاري من انجح الاستثمارات واثبتها على الاطلاق
بدوره اعرب مدير عام شركة «حايك غروب» الهندسية السيد عبد الله حايك، عن تفاؤله بمستقبل القطاع العقاري في لبنان وقال: «لم نفقد الامل ولا مرة بقدرة لبنان على جذب الاستثمارات في مختلف القطاعات وخصوصاً في القطاع العقاري. ولقد اثبتت التجارب ان للبنان قدرة مميزة في المحافظة على قيمة الاراضي والعقارات، على الرغم من كل الازمات المصيرية والحروب المدمرة التي مرّ بها. وهذا الانطباع يستند الى ارقام وجداول واحصاءات دقيقة اعتمدتها «حايك غروب» من خلال ممارستها التطوير العقاري منذ العام 1982. فمساحات البناء المرخصة وكميات الاسمنت العائدة لقطاع البناء، وعقود بيع العقارات، جميعها تدل على نشاط عقاري، ولو كان فاتراً حالياً، نظراً الى الظروف السياسية التي يمر بها لبنان. كما وان مختلف الدلالات تشير الى ان هناك ثورة عقارية تنتظر على ابواب الوفاق الوطني، لتطل على هذا البلد وتنعش اقتصاده وتعيده الى المسار الطبيعي بين دول المنطقة. واننا ننظر الى الاحداث السياسية، التي تعصف في لبنان حالياً، من الناحية الايجابية، بحيث ان للديموقراطية في هذا الشرق مدرسة في لبنان».
واضاف قائلاً: «ان الاجواء السوداوية التي نراها في وسائل الاعلام العالمية والمحلية، لا تعكس حقيقة الواقع الاستثماري لناحية جذب الاستثمارات الخليجية، والفائض من مداخيل النفط، الى جانب الثقة الدولية بنظام النقد الذي ظهر جلياً من خلال مؤتمر «باريس 3».
هذا بالاضافة الى القدرات المالية الضخمة التي يتمتع بها القطاع المصرفي اللبناني، وتدفق اموال المغتربين التي تجاوزت الـ 4 مليارات دولار في 2006.
ولقد اثبتت الخسارة التي منيت بها بورصة السعودية (482 مليار دولار) وبورصة الامارات (100 مليار دولار) العام 2006، ان الاستثمار في العقارات هو من انجح الاستثمارات واكثرها ثباتاً واماناً».
وعن توقعاته للمستقبل العقاري، اكد السيد حايك ان هناك استثمارات لعدة شركات تطوير عقاري خليجية، في مجالات السكن والسياحة والتجارة، في المناطق اللبنانية كافة، لا سيما على ارتفاع 500 -600 متر عن سطح البحر. ولقد بدأت طلائع هذه الاستثمارات بمشاريع في منطقة ضهور العبادية وبيت مري وضهر الصوان. وهذا التدفق الاستثماري الخليجي عائد الى طبيعة لبنان وطابعه الحضاري والمنفتح، الى جانب الامكانات الفنية والهندسية المتوافرة في السوق المحلي والتي توازي ارقى مكاتب الدراسات في العالم، كما ان لبنان هو البلد الامثل للعائلات الخليجية لتمضية ايام العطل».
في المقابل ثمة محاذير تقيّد هذا التفاؤل بحسب حايك، فلبنان يحتاج الى:


• تطوير العمل الاداري.
•  الشفافية في التعاطي مع المستثمرين وفي المشاريع الضخمة.
•  تحضير ملفات مشاريع للمستثمرين وفق المعايير الدولية.
•  إبعاد الاستثمار عن التجاذبات السياسية والمناطقية.
•  إيجاد حوافز استثمارية اسوة بدول المنطقة وخصوصاً الخليج وشمال افريقيا.
واشار حايك الى ان من اهم عوامل جذب الاستثمارات الى لبنان قلة المساحات المعروضة للبيع، وخصوصاً في منطقة بيروت وضواحيها. فمساحة بيروت هي نحو 18 كلم مربع، بينما مساحة مدينة الرياض في السعودية هي مثلاً نحو 1554 كلم مربع ومساحة القاهرة نحو 300 كلم مربع.
وختم السيد حايك اخيراً بالقول: «لا مجال لأية توقعات ايجابية في ظل التشنج السياسي السلبي القائم. ولكن المستقبل واعد، ومجالات الاستثمارات ما تزال في الناحية الايجابية، وحجمها الخجول حاليًا لا يعكس القدرة الاقتصادية المربحة في قطاع التطوير العقاري. أما الاسعار فثابتة وصامدة وهي في طور الارتفاع».