دراسات وأبحاث

الاستراتيجية الأميركية الجديدة للأمن القومي: دفع السلام من خلال القوة
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

روسيا والصين منافستان تزعزعان الأمن والرخاء الأميركيين وإيران وكوريا الشمالية «مارقتان»

 

يوم الإثنين في 18 كانــون الأول الماضـي، وبعد أقل من سنة على تولّيــه منصبـه، كشـف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن رؤيته الجديــدة لاستراتيجيــة الأمن القومي الأميركي، وذلك في خطاب ألقاه في واشنطن، تحت عنوان «أميركا أولاً».
 

التحديات
تناولت هذه الاستراتيجية التحديات الرئيسة التي تواجهها الولايات المتحدة في العالم، وفي مقدّمها الصين وروسيا كقوتين منافستين، والدول التي تسعى إلى امتلاك أسلحة دمار شامل مثل كوريا الشمالية وإيران، بالإضافة إلى تهديد الجماعات الجهادية الإرهابية. وقد ركز الرئيس ترامب الاستراتيجية الجديدة على أربعة محاور اساسية هي: حماية أرض الولايات المتحدة والشعب الأميركي ومصالحه، دعم الازدهار، الحفاظ على السلام من خلال إظهار القوة، وتوسيع النفوذ الأميركي لتبقى أميركا قائدة العالم.

 

مبادئ وإجراءات
أبرز ملامح الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها ترامب هي وفق الآتي:


1– حماية أرض الولايات المتحدة والشعب الأميركي: Protect The American People; The Homeland And The American Way Of Life.
وهذا يعني ملاحقة التهديدات والأخطار إلى منابعها من خلال:
- تعزيز السيطرة على الحدود وإصلاح نظام الهجرة لحماية الوطن واستعادة السيادة. فأكبر التهديدات العابرة للحدود الوطنية هي: الإرهابيون الذين يستخدمون القسوة الوحشية لارتكاب القتل والقمع والرقّ، والمنظمات الإجرامية غير الوطنية التي تمزّق المجتمعات بالمخدرات والعنف.
- استهداف التهديدات في مصدرها قبل أن تصل إلى الحدود أو تسبب ضررًا للشعب الأميركي.
- مضاعفة الجهود لحماية البنية التحتية الحيوية والشبكات الرقمية والسيبيرية.
- نشر نظام دفاع صاروخي متعدد الطبقات للدفاع عن الولايات المتحدة ضد الهجمات الصاروخية.


2- تعزيز الرخاء الأميركي Promote American Prosperity.
وللوصول إلى هذا الهدف ينبغي:
- تجديد الاقتصاد الأميركي حفاظًا على مصلحة العمال والشركات في أميركا.
- عدم التسامح مع الانتهاكات التجارية المزمنة، والسعي إلى علاقات اقتصادية حرة وعادلة ومتبادلة.
- تحقيق النجاح في المنافسة الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين.
- الريادة في مجال البحوث والتكنولوجيا والابتكار.
- حماية قاعدة الابتكارات الأمنية الوطنية ممن يسرقون الملكية الفكرية ويستغلّون ابتكار المجتمعات الحرة.
- ضمان بقاء أسواق الطاقة العالمية مفتوحة، وتعزيز فوائد التنويع والوصول السلس إلى موارد الطاقة لتحفيز الأمن الاقتصادي والوطني.


3- الحفاظ على السلام من خلال القوة Preserve Peace Through Strength.
وهذا يعني:
- إعادة بناء القوة العسكرية الأميركية لضمان بقائها في المرتبة الأولى وتفوّقها.
- استخدام الولايات المتحدة جميع الأدوات الدبلــومـاسيــة والمعلومــاتيــــة والعسكريــة والاقتـصــاديـــة لحمايـــة مصالحها.
- تعزيز قدرات الولايات المتحدة في عدة مجالات -بما في ذلك الفضاء والإنترنت- وتنشيط القدرات التي أهملت.
- اضطلاع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها بدور في تعظيم قوتها وفي حماية المصالح المشتركة، وتحمّلهم مسؤولية أكبر في التصدي للتهديدات المشتركة.
- الحفاظ على توازن القوى لمصلحة الولايات المتحدة في المناطق الرئيسة من العالم: الهند والمحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط.
 

4- تعزيز النفوذ الأميركي Advance American Influence.
ولتحقيق هذا الهدف يجب:
- مواصلة تعزيز النفوذ الأميركي في الخارج لحماية الشعب وتعزيز الازدهار.
- استخدام جهود الولايات المتحدة الدبلوماسية والتنموية لتحقيق نتائج أفضل في مختلف المجالات- الثنائية والمتعددة الأطراف وفي مجال المعلومات- لحماية المصالح الأميركية، وإيجاد فرص اقتصادية جديدة للأميركيين.
- السعي إلي إقامة شراكات مع الدول ذات التوجهات المماثلة من أجل تعزيز اقتصادات السوق الحرة ونمو القطاع الخاص والاستقرار السياسي والسلام.
- مناصرة قيم سيادة القانون وحقوق الفرد التي تعزز الدول القوية والمستقرة والمزدهرة وذات السيادة.
- عمل السياسية الخارجية الأميركية على إبراز نفوذ الولايات المتحدة في العالم كقوة إيجابية، يمكن أن تساعد في تحديد ظروف السلام والازدهار وتنمية المجتمعات الناجحة.

 

المواقف من إيران والصين وروسيا
اعتبر الرئيس الأميركي أن النظام الإيراني يطوّر وينشر صواريخ تهدد القوات الأميركية وحلفاءها، ويضايق السفن الأميركية ويهدد حرية الملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر، ويسجن أميركيين بتهم مزوّرة، ويدعم منظمات عسكرية «إرهابية» تزعزع أمن الدول المجاورة.
كما اعتبر أن الاتفاق النووي هو أحد أسوأ الاتفاقات في تاريخ الولايات المتحدة، إذ أنه فقط يؤجل قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي، متسائلًا عن الفائدة من مثل هذا الاتفاق. وأعلن أنه بعد التشاور المكثف مع حلفائه، يتبنى استراتيجية جديدة للتعامل مع كل الأنشطة الإيرانية المدمرة -كما وصفها- وذلك وفق الآتي:
أولًا: العمل مع الحلفاء من أجل مواجهة أنشطة النظام الإيراني المزعزعة للاستقرار والداعمة للإرهاب في المنطقة.
ثانيًا: فرض عقوبات إضافية على هذا النظام لوضع حدّ لتمويله الإرهاب.
ثالثًا: التعامل مع إقدام النظام على نشر الصواريخ والأسلحة التي تهدد جيرانه والتجارة الدولية وحرية الملاحة العالمية.
رابعًا: منع النظام الإيراني من الوصول إلى كل ما يمكن أن يجعله يمتلك سلاحًا نوويًا.
في المقابل اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن نظيره الأميركي «سيفشل» في إلغاء الاتفاق النووي المُبرم بين طهران والدول الست، رافضًا اتهاماته بحق إيران.
في ما يتعلق بالموقف من روسيا والصين، وَرَدَ في الوثيقة الاستراتيجية أنهما «تتحديان قوة أميركا ونفوذها ومصالحها، وتسعيان إلى تقويض الأمن والازدهار الأميركيَين، كما تريدان صوغ عالم يمثل نقيض قيم أميركا ومصالحها».
كذلك ورد أن موسكو «تحاول إضعاف النفوذ الأميركي في العالم وإثارة الشقاق مع حلفائنا وشركائنا، وتتدخل في الشؤون السياسية الداخلية لدول في العالم، عبر أشكال حديثة من أساليب التخريب».
أمّا الصين فقد اتهمت بـ«تقويض أمن» الولايات المتحدة و«ازدهارها»، وبالسعي إلى «إزاحتها» من آسيا- المحيط الهادئ ونشرها «ملامح نظامها الاستبدادي».

 

كيف ردت روسيا وماذا قالت الصين؟
ندّد ناطق باسم الكرملين بالطابـع «الإمبريالي للوثيقة» وبـ«رفضها التخلّي عن عالم أحادي القطب»، مشيرًا إلى أن روسيا «لا يمكن أن تقبل بأن تُعامَل على أنها تهديد لأمن الولايات المتحدة».
وبثّت قنــاة «روسيـا اليـوم»، بيانًا صادرًا عن الخارجية الروسيــة جاء فيه، إن استخدام «لغــة التهديد» في العلاقات الدولية أمر غير مقبول، ويعتبــر من مخلفــات الماضـي، ولا يتّـفق مع مبادئ الحوار الحضاري بين الدول.
وصرّحت الناطقة باسم الخارجية الصينية أن على الولايات المتحدة «وقف تحريف متعمّد للنيات الاستراتيجية للصين، والتخلّي عن مفاهيم عفا عليها الزمن، مثل ذهنية الحرب الباردة».
ورأت السفــارة الصينيــة في واشنطن «أنانيـــة» في أن تضـــع دولــة «مصـالحـهــا الوطنيـة فوق مصالــح الدول الأخرى والمصلحة المشتركة للمجتمع الدولي».

 

ماذا يقولون في الولايات المتحدة الأميركية؟
رأى خبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة يمكن أن تدفع الولايات المتحدة إلى صراعات دولية جديدة.
وقال فيليب جيرالدي المدير التنفيذي لمجلس المصالح الوطنية في الولايات المتحدة في تصريح لوكالة «ريـا نوفوستي» الروسية: «إنّ منح العسكريين المزيد من الأموال، وهي في الأصل كثيرة جدًا، غباء، خصوصًا أنّ ذلك يخلق أداة قوة، تجعل أي رئيس معرضًا لإغراء استخدامها في حلّ المشكلات خارج الحدود».
واستطرد الخبير قائلًا إن ترامب وهو يتحدث عن استراتيجية الأمن القومي الجديدة، استخدم مصطلحات وعبارات قومية من أجل إرضاء ناخبيه ومنح فرصة «لمؤيديه بأن يسمعوا ما يرغبون في سماعه».
ولفـت جيرالدي إلى أن الرئيس الأميركــي دونالد ترامب في هذه المرة لم يدرج الصين وروسيــا في خانة الخصــوم، مضيفًا «لقد كــان لطيفًا عــدم سماع وصف الصين وروسيا بالأعداء، وفي بعض المجالات هما بالفعــل منافستان ومزاحمــتان، لكن في حقيقة الأمر لا تهددان الولايات المتحدة».


المراجع:
• https://www.whitehouse.gov
• https://www.csis.org/analysis/president-trumps-new-national-security-strategy
• https://www.alhurra.com/a/us-national-security-strategy
• https://www.skynewsarabia.com/web/article
• https://arabic.rt.com/world
• https://www.defense.gov/News/Article
• http://www.aljazeera.com/news/2017/12/china-russia-slam-national-security-strategy.