الاستراتيجية الأميركية وعقيدة ترامب في الشرق الأوسط

الاستراتيجية الأميركية وعقيدة ترامب في الشرق الأوسط
إعداد: العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر
ضابط متقاعد في الجيش اللبناني

المقدّمة

أكّدت الناطقة باسم البيت الأبيض سارة هوكبي ساندرز لوسائل الإعلام قرار سحب القوات الأميركية من سوريا، وكان قد اتّخذه الرئيس دونالد ترامب يوم الثلاثاء في 18 كانون الأول 2018، وأعلنه في تغريدة له على تويتر صباح الأربعاء في 19 كانون الأول[1]. قال ترامب في تغريدته "هزمنا الدولة الإسلامية في سوريا، وهذا هو سبب وجودنا هناك في عهد إدارة ترامب"[2]. وشكّل قرار الانسحاب تطوّرًا صادمًا، لم يقتصر على أركان الإدارة وأعضاء الكونغرس من الجمهوريين، وامتدت مفاعيل الصدمة لتشمل الحلفاء الأوروبيين وإسرائيل والأكراد في سوريا، الذين رأوا أنّ هذا الانسحاب المفاجئ يشكّل اهتزازًا للاستراتيجية الأميركية المعتمدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، كما يشكّل تراجعًا عن كل التعهّدات الأميركية تجاه الحلفاء الإقليميين.

لم يقتصر في رأي الحلفاء الأوروبيين والإقليميين سبب الوجود الأميركي في سوريا والعراق على محاربة الدولة الإسلامية، بل يشمل وظيفة أساسية أخرى وهي مواجهة التمدّد الإيراني في سوريا والمنطقة.

شرحت الناطقة باسم البيت الأبيض حيثيّات قرار الانسحاب بالقول "قبل خمس سنوات شكّلت الدولة الإسلامية في العراق والشام قوة كبيرة وخطرة في الشرق الأوسط، والآن فقد هزمت الولايات المتحدة دولة الخلافة. واعتبرت ساندرز بأنّ هذه الانتصارات لا تشكّل نهاية التحالف الدولي أو انتهاء عملياته في سوريا. نحن بدأنا بإعادة قواتنا في الوقت الذي ننتقل فيه إلى المرحلة الثانية من هذه الحرب". ولم تحدّد ساندرز مضمون هذا الانتقال لمرحلةٍ جديدة، حيث اكتفت بالقول "نقف على أهبة الاستعداد لمعاودة عملياتنا على كل المستويات للدفاع عن المصالح الأميركية إذا لزم الأمر"[3].

جاء رد الفعل الروسي على قرار الانسحاب الأميركي على لسان الرئيس فلاديمير بوتين الذي قال بأنّه يوافق نظيره دونالد ترامب على "سحب قواته من سوريا بعد الانتصار على جهاديّي الدولة الإسلامية"، في الواقع قرار أميركا بسحب القوات هو قرار صائب، مكررًا بأنّ الوجود الأميركي في سوريا هو غير قانوني[4].

 

شـرح ترامب في تغريدة لاحقة قرار الانسحاب بالتساؤل "هل تريد الولايات المتحدة أن تكون شُرطي الشرق الأوسط؟ وألا تحصل على شيء غير خسارة أرواح غالية وإنفاق تريليونات الدولارات لحماية أشخاص لا يثمّنون في مطلق الأحوال ما نقوم به؟ هل نريد أن نبقى هناك إلى الأبد؟ حان الوقت أخيرًا لكي يقاتل الآخرون". وكان يعني بالآخرين روسيا وإيران وسوريا، الذين بات عليهم قتال تنظيم داعش وغيره ممّن يكرهونهم.

كان من الطبيعي أن يترك قرار ترامب المفاجئ بسحب كل القوات الأميركية في سوريا مفاعيله على حلفاء أميركا، والذي سيُحدث تغييرًا عميقًا في موازين القوى على مسرح العمليات السوري وفي المنطقة، حيث لروسيا وزن عسكري كبير ولإيران وميليشياتها وجود كثيف على الأرض، في الوقت الذي تحشد فيه تركيا قواتها على الحدود للانقضاض على القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة ضد داعش في شرقي الفرات ومنبج وغيرها من المناطق. أكّدت وزارة الخارجية الفرنسية استمرار التزام فرنسا عسكريًا في سوريا، معترفة بأنّ الحرب على الإرهاب قد "حققت تقدمًا كبيرًا... لكن هذه المعركة مستمرة وسنتابع خوضها". صرّحت وزارة الخارجية البريطانية أنّ تنظيم داعش لم يُهزم بعد في سوريا، وأنّ المملكة "ستبقى مشاركة في التحالف الدولي وحملته لضمان هزيمة داعش الكاملة"[5].

من جهة ثانية عبّرت إسرائيل عن هواجسها من تداعيات هذا الانسحاب على أمنها، حيث وعد بنيامين نتانياهو بتصعيد معركتها ضد الوجود الإيراني في سوريا والقوى المتحالفة معه بعد انسحاب القوات الأميركية. وناقش نتانياهو هاتفيًا مع ترامب القرار وتداعياته، كما صرّح للتلفزيون الإسرائيلي بالقول "سنواصل التحرك بنشاطٍ قوي ضد مساعي إيران لترسيخ وجودها في سوريا"[6].

في الواقع، رغم الضجة التي أثارها قرار ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا، والذي أدى بمفاعيله المباشرة إلى استقالة وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، وإلى توجيه انتقادات لاذعة لترامب من قِبل قادة جمهوريين في الكونغرس ،ومن قِبل وسائل الإعلام الأميركية التي وصفته بأنّه يعيش في عزلة كاملة عن مجريات الأحداث، لم يكن هذا القرار مفاجئًا لأركان البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية ومختلف وكالات الأمن والاستعلام، والتي تعرّضت لضغوطٍ مباشرة من ترامب حول ضرورة الانسحاب من سوريا وأفغانستان منذ شهر تموز 2018.

شهد شهر تموز اجتماعات مكثفة حضر بعضها الرئيس ترامب من أجل بحث مستفيض للوجود العسكري الأميركي في سوريا وأفغانستان، حيث شكك ترامب بجدوى كل الخطط التي قدّمها جنرالاته (ماتيس وماكماستر ودانفورد) وكان لاذعًا في انتقاداته لهم، انطلاقًا من مقولته بأنّ الجنرالات لا يفهمون لغة الأعمال والمال، وحسابات الربح والخسارة. ويبدو أنّ انتقاداته اللاذعة قد أثارت سخط وزير خارجيته ريكس تيلرسون، الذي أزعجه الأسلوب الناقد والساخر لموقف الجنرالات الداعم للبقاء عسكريًا في أفغانستان وسوريا، وعدم التخلي عن التزامات أميركا في منطقة الشرق الأوسط[7].

بدأ الرئيس ترامب عهده بتوجيه تهديدات متكررة ضد الدولة الإسلامية وإيران، ولكنّها كانت فارغة من أي التزامات لمعالجة الأزمة السورية، إلّا أنّه أرفقها بوعودٍ بدعم الحلفاء الإقليميين كإسرائيل والمملكة العربية السعودية.

وفى ترامب بوعده بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ولكن من دون إظهار أي رغبة في الدخول في صراع مع الجمهورية الإسلامية في أي من مسارح العمليات التي تنشط فيها بواسطة الحرس الثوري أو الميليشيات التابعة لها. واتّسمت مواقفه من الصراع السوري بالتناقض والاهتزاز، ما زاد من غموض مهمة القوات الأميركية العاملة على دعم وحدات الشعب الكردي، أما عن الحرب في اليمن، فقد اتّبع ترامب نفس المواقف التي اعتمدها الرئيس باراك أوباما بدعم المملكة العربية السعودية، ولكن مع رفض كل الدعوات للمشاركة في الحرب بصورةٍ مباشرة.

عمدت وزارة الدفاع إلى سحب بعض القدرات العسكرية من منطقة الشرق الأوسط من أجل إرسالها لمواجهة التهديدات التي باتت تشكّلها الصين وروسيا، وأثار انسحاب هذه القدرات من الشرق الأوسط تساؤلات حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج حول مدى جديّة الالتزام الأميركي بأمن دولهم، وخصوصًا لجهة مواجهة التهديدات الإيرانية.

على الرغم من تغريدات ترامب النارية وسلوكيته الخارجة عن التقليد المتبع في الإدارة الأميركية وفي البيت الأبيض، إلّا أنّ سياسته تجاه الشرق الأوسط لم تخرج عمّا كان مألوفًا في الإدارة التي سبقته. وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة والحادة في بعض الأحيان التي وجّهها ترامب لأوباما، فإنّه قد التقى مع أوباما في نظرته للشرق الأوسط، حيث رأى أنّ الولايات المتحدة عالقة في أزمات المنطقة وأنّه بات من الضروري أن تخصّص لها أقل قدر من الوقت ومن القدرات العسكرية والمالية.

هذه النظرة الجديدة للدور الأميركي في الأزمات والمتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط لا تستند إلى رؤية أيديولوجية، بل تنطلق من قراءة واقعية للمتغيرات الكبرى التي تشهدها المنطقة، ولاعتبارات تتعلق بالمصالح الأميركية في المنطقة. صحيح أنّه ما زالت هناك مصالح أساسية في المنطقة، ولكنّها تراجعت في حيويّتها وأهميتها عمّا كانت عليه في العقود الماضية، وهذا يفرض النظر إليها من ميزان الربح والخسارة.

يبدو من التناقضات التي اتّسمت بها استراتيجية أوباما تجاه المنطقة، أنّ على إدارة ترامب الاختيار بين حزم أمرها وتخصيص الإمكانات الإضافية اللازمة لتصحيح موازين القوى المختلّة منذ الانسحاب الأميركي من العراق في العام 2011، وبين خفض مستوى تدخّلها في أحداث ومتغيرات المنطقة، وبالتالي تركيز اهتمامها على مواجهة الطموحات الروسية والصينية في آسيا وأوروبا، ومناطق أخرى.

سنحاول من خلال هذه الدراسة عرض أسباب تراجع الاهتمام الأميركي في أزمات المنطقة مع إلقاء الضوء على الأخطار المترتّبة على ذلك، لنصل إلى استعراض البدائل الاستراتيجية الممكنة للسياسات التي اتّبعها أوباما ويتّبعها ترامب، ولكن بأسلوبٍ مثير وصادم. تبقى مسألة المواجهة مع إيران من أهم التحديات التي تواجهها أميركا وحلفاؤها، وخصوصًا إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وهنا لا بد من التساؤل عن الخيارات والطرائق التي يمكن أن تُعتمد لضبط سياسة التفلّت الإيرانية، وبالتالي الحد من هيمنتها على العديد من دول المنطقة. ولا بد في نهاية البحث من محاولة تقييم توجّهات ترامب الجديدة مع الاحتفاظ بخيار "إسرائيل أولًا".

 

تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة

في رد فعل على النتائج الصادمة للحرب في العراق، كان من الطبيعي أن تقرر الولايات المتحدة مراجعة استراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، وأن تتوجّه لتخفيض دورها في المنطقة. لقد أظهرت نتائج الحرب والأثمان الباهظة التي تكبّدتها الولايات المتحدة تجاه عدم جدية إدارة جورج دبليو بوش في دراسة عامة للحرب وتقدير تكاليفها قبل دخولها، كما أنّها لم تدرس الصلة التي يفترض أن تربط ما بين القوى والوسائل المستعملة وبين الاستراتيجية المعتمدة، ومدى ملاءمتها للأهداف المنوي تحقيقها في نهاية الحرب. لم تُجرِ الإدارة الأميركية لعدّة عقود أي بحث معمّق حول تكاليف العمليات العسكرية، أو كلفة التعهّدات الأمنية والوجود العسكري اللازم للوفاء بتعهدات أميركا لحماية أمن حلفائها، والتكاليف المرتقب تكبّدها إذا ما دعت التطوّرات إلى الدخول في عمل عسكري فعلي تنفيذًا لهذه التعهّدات.

أهملت الإدارات الأميركية المتعاقبة إعادة النظر في البرامج الخاصة بتقدير نفقات العمليات العسكرية، والتي جرى وضعها في عهدَي الرئيسَين أيزنهاور وكيندي، والتي تعدّاها الزمن. وتقع مسؤولية هذا التقصير على السلطة التنفيذية والكونغرس على حد سواء[8].

كانت تكاليف الحرب في العراق صادمة للرأي العام الأميركي، حيث قُدّرت بتريليون وسبعمائة مليار دولار، يضاف إليها 490 مليار كتعويضاتٍ ومساعدات لقدامى المشاركين في الحرب. وبلغت نفقات الحرب وتكاليفها في العراق وأفغانستان وسوريا مؤخرًا ما يقارب أربعة تريليونات دولار، وفق تقديرات معهد واتسون للدراسات، بالإضافة إلى مقتل ما يزيد على 189000 مواطن عراقي[9].

لا بدّ في إطار مراجعة نتائج الحرب في العراق، من الحديث عن الخسائر السياسية والاستراتيجية التي نتجت عن الحرب بعد إسقاط نظام صدام حسين، سواء لجهة هيمنة إيران على العراق وتقوية نفوذها في عدّة دول عربية، أو لجهة تقوية التيارات الإسلامية المتطرفة، ونشوء الدولة الإسلامية وسيطرتها على مناطق واسعة من سوريا والعراق، ممّا استدعى الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين والإقليميين إلى خوض حرب جديدة لدحر الدولة الإسلامية في سوريا والعراق[10].

لا يمكن في معرض تقييم نتائج الحرب في العراق وأفغانستان إهمال عامل الوقت الذي استغرقته الحرب، والتي كان يُعتقد قبل اندلاعها بأنّها ستكون قصيرة ولا تتعدّى السنتين، في الوقت الذي استمرّ فيه وجود القوات في العراق ما يقارب 9 سنوات، وفي أفغانستان مدة تزيد عن 15 سنة، وهي مازالت مستمرة من دون وجود أفق زمني لنهايتها. ويؤكّد مساعد وزير الدفاع ستيفن بوتشي بأنّ الاعتقاد السائد قبل اندلاع الحرب، بأنّها ستكون حربًا قصيرة "لو علمنا مسبقًا طول فترة الحرب ومستوى كلفتها بالأرواح والمال لما ذهبنا إليها". ويضيف مساعد الوزير دونالد رامسفيلد "كان يمكن لعامل الوقت نفسه أن يثنينا عن شن الحرب، لقد اعتقد الجميع بأنّها ستكون حربًا قصيرة"[11].

أجرى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن مقارنة بين كلفة الحروب في العراق وأفغانستان وسوريا، وبين كلفة الحروب السابقة التي خاضتها الولايات المتحدة في القرن العشرين وجاءت النتيجة كالآتي: 5 مرات أعلى من كلفة الحرب العالمية الأولى، 5 مرات أعلى من الحرب الكورية، مرتين ونصف أعلى من كلفة حرب فيتنام، 18 مرة أعلى من حرب الخليج الأولى في العام 1991 [12].

هناك مجموعة من الأسباب الجيوستراتيجية التي دفعت الولايات المتحدة إلى خفض مستوى اهتماماتها الاستراتيجية تجاه الشرق الأوسط وهي:

أولًا: تراجع الصراعات والحروب بين دول المنطقة والتي كانت تهدّد المصالح الأميركية، حيث تحوّلت هذه الصراعات إلى تهديدات أمنية داخل الدول نفسها، على غرار ما حدث في دول الربيع العربي.

ثانيًا: نشوء قوى كبرى منافسة للاستراتيجية الأميركية الشاملة في آسيا (الصين)، مع عودة ناشطة لروسيا ممّا استدعى تخصيص كمية من الموارد الأميركية لمواجهة التهديدات الجديدة.

ثالثًا: تنويع المصادر لأسواق الطاقة الدولية، وزيادة الإنتاج الأميركي بالإضافة إلى زيادة الواردات الأميركية من كندا والمكسيك، ما يفتح الباب أمام أميركا لتجاوز أي نقص في واردات النفط الشرق أوسطي. يضاف إلى ذلك، انحسار أخطار تمدّد الشيوعية بعد انتهاء الحرب الباردة، وتراجع إمكانية حصول حرب إقليمية واسعة بين الدول العربية وإسرائيل، بعد توقيع اتفاقيتَي كامب دافيد ووادي عربة بين إسرائيل وكل من مصر والأردن.

بدا واضحًا في مطلع سبعينيات القرن الماضي أنّ الولايات المتحدة تسعى لفرض هيمنتها شبه الكاملة على الشرق الأوسط، وتبلورت هذه النزعة من خلال العمل على كسر الترابط الاستراتيجي القائم بين مصر والاتحاد السوفياتي، انطلاقًا من إدراكها لأهمية الدور المصري على الصعيدَين العربي والإقليمي. وبالفعل فقد قرّر الرئيس السادات التجاوب مع الرغبة الأميركية، فعمد وبشكلٍ مفاجئ إلى طرد كل الخبراء الروس من مصر. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي رفعتها الثورة الإيرانية في وجه الولايات المتحدة، والتحديات اللاحقة التي فرضها نظام صدام حسين في التسعينيات والتي بلغت ذروتها باحتلاله دولة الكويت، فقد تراجعت الهيمنة الأميركية على المنطقة. وردّت الولايات المتحدة على التحديات الإيرانية من خلال دعم المجهود العسكري العراقي في الحرب، وواجهت التحديات العراقية بتشكيل تحالف دولي واسع، نجح في تحرير الكويت من خلال هجوم صاعق. ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى نجاح الديبلوماسية الأميركية في احتواء تداعيات حرب 1973 بين العرب وإسرائيل، والتحضير بعد حرب الكويت لانعقاد مؤتمر مدريد للسلام.

فتحت الحرب من أجل تحرير الكويت الباب على مصراعَيْه لعقد اتفاقات أمنية أميركية مع دول الخليج، حيث أسهم الانتشار العسكري الأميركي في خنق العديد من الخلافات، وتجاوز كل التناقضات التي كانت قائمة بين دول المنطقة.

من المؤكّد أنّه مع استمرار الوجود العسكري الأميركي في منطقة الخليج، تراجعت الخلافات العربية، كما جرى احتواء الخطرَين الإيراني والعراقي على الدول الخليجية. ويمكن الاستنتاج أنّ احتمالات الحرب بين دول الشرق الأوسط قد تراجعت كثيرًا عمّا كانت عليه قبل عقود. يسود الاعتقاد اليوم بأنّ الصراعات بين الدول لم تعُد تشكّل التهديد الفعلي لأمن المنطقة واستقرارها، فالتهديد الآن يتمثّل بالعنف المتفجر داخل الدول، وهو مرشح لعبور الحدود إلى الدول المجاورة، الأمر الذي تصعب معالجته من الخارج. وأسهم ضعف الدول الشرق أوسطية في بنيتها السياسية، والفجوة القائمة بين الحكام وشعوبهم في سرعة اندلاع الحروب الأهلية وسهولتها، وانتشار الحركات الإرهابية. وكانت الحرب على العراق وفشل القوات الأميركية في تأمين الاستقرار وبناء الدولة الجديدة، قد شكّلت البيئة المناسبة لاندلاع أحداث الربيع العربي ما بين العامين 2010 و 2012، وما رافقها من حروب داخلية[13].

تحوّلت الدول التي قرّر فيها النظام مواجهة الشعوب المطالبة بالإصلاح أو التغيير إلى ساحة حرب داخلية مدمّرة، سرعان ما استغلتها القوى الخارجية الإقليمية والدولية للتدخّل في مجريات الحروب الأهلية. وكان من نتيجة ذلك تصعيد العنف وتعقيد الأزمات وتغييب المبادرات الدولية، لإيجاد حل سياسي لإنهائها واستمرار عمليات القتل والتهجير والتجويع. إنّ أسوأ التجارب في هذه الحروب المدمّرة ما يجري في ليبيا وسوريا واليمن.

لم تتدخّل الولايات المتحدة عسكريًا أو تمارس ضغوطًا سياسية فعلية للسيطرة على أي من ثورات الربيع العربي، بل نفضت يدَيْها من كل هذه الأزمات والحروب. ويبدو أنّها قد خافت من الغرق في الرمال المتحركة لهذه النزاعات المعقّدة، وذلك لاعتباراتٍ سياسية اعتمدتها في الأصل إدارة أوباما، وأيضًا انطلاقًا من إدراكها بأنّ الرأي العام الأميركي لم يعُد يرغب في الغرق في مشاكل الشرق الأوسط انطلاقًا من التجربة السيئة في العراق، وتكاليف الحرب الباهظة في العراق وأفغانستان. وهكذا كان الخيار الأميركي بعدم التدخّل، وبذريعةٍ أنّ المنطقة يجب أن تحلّ مشاكلها بوسائلها الذاتية[14].

هدّدت الحروب الداخلية وحالة الفوضى التي عمّت المنطقة بعض حلفاء الولايات المتحدة، حيث شكّل لجوء ما يزيد عن خمسة ملايين مواطن سوري إلى الأردن ولبنان وتركيا معضلة أمنية واجتماعية واقتصادية، تطلّبت من أميركا وأوروبا تقديم مساعدات مالية كبيرة للتخفيف عن كاهل الدول والمجتمعات المضيفة. يضاف إلى معضلة النازحين السوريين مخاطر انتشار العمليات الإرهابية عبر الحدود إلى هذه الدول وإلى العراق، وامتدادًا إلى فرنسا وبلجيكا ودول أوروبية أخرى.

لم تقتصر التهديدات على الأخطار العابرة للحدود، بل تعدّتها لتشمل مجموعة من التهديدات الداخلية ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية، حيث فشلت معظم هذه الدول في تحقيق ما يصبو الشباب لتحقيقه في إيجاد فرص العمل المناسبة وفي إصلاحات سياسية واجتماعية ملحّة[15].

من المؤكّد أنّه لم يكن من المتوقّع أن تضغط الولايات المتحدة على الأنظمة في المنطقة، من أجل دفعها إلى تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة، بل كان من المفترض أن تأتي نتيجة مبادرات داخلية تقوم بها حكومات هذه الدول. لا يمكن في الواقع تكرار التجربة الفاشلة التي جرى التسويق لها في زمن رئاسة جورج دبليو بوش من خلال الدعوة إلى قيام شرق أوسط جديد[16] حيث أكّدت تلك التجربة بأنّ العملية الإصلاحية يجب أن تأتي بمبادراتٍ داخلية عربية، مع دعوة الولايات المتحدة وأوروبا إلى تقديم  الدعم اللازم لإنجاحها.

لكن تعتقد عدة جهات داخل الدول العربية، وفي الغرب، بأنّ الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة قادرة على تقديم مبادرات إصلاحية والضغط على الأنظمة لتنفيذها. صحيح أنّ الولايات المتحدة قد نجحت في قيادة تحالفٍ عسكري لإسقاط نظام صدام حسين، وكَسْب الحرب على الإرهاب، وتفكيك الدولة الإسلامية في سوريا والعراق والمجموعات الإرهابية الأخرى، وفي تقديم المساعدات والأموال اللازمة لإعادة البناء، ولكنّها فشلت فشلًا ذريعًا في قيادة بناء أنظمة بديلة سواء في العراق أو سوريا أو ليبيا[17].

في الوقت الذي زادت فيه مشاكل الشرق الأوسط سوءًا، حيث لم يعد من السهل القيام بأي مبادرات لاحتوائها من قبل أي قوة خارجية، فإنّ المصالح الأميركية الشاملة كانت قد تغيّرت أيضًا، وخصوصًا في ما يعود للأخطار في آسيا.

كانت الأوساط الديبلوماسية والسياسية في الولايات المتحدة قد ناقشت خلال عدة عقود إمكانية صعود الصين إلى مرتبة القوة الكبرى بطريقةٍ سلمية، حيث ظهرت بوادر لاعتمادها سلوكيات تؤشّر بأنّها تعدّ العدة لكي تفرض على جيرانها وخصوصًا تايوان واليابان الاعتراف بطموحاتها للتوسع في بحر الصين. واعترف أوباما وترامب بأنّ آسيا قد اكتسبت المزيد من الأهمية في الاستراتيجية الأميركية الكبرى. اقتنع أوباما بأنّ على الولايات المتحدة أن تتحوّل إلى آسيا، والعمل على تصحيح موازين القوى في تلك المنطقة. ضمن خطة تهدف إلى الاستفادة القصوى من المصالح التي توفّرها منطقة آسيا – المحيط الهادئ. في الوقت نفسه، رأى أوباما بأنّ روسيا بدأت تثير الهواجس والمتاعب لدى الولايات المتحدة وأوروبا منذ غزوها لشبه جزيرة القرم في العام 2014، وشكّلت الأخطار الناتجة من ضم شبه الجزيرة إلى روسيا مخاوف جديدة حول مستقبل الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، وفرضت بالتالي تراجعًا في موقع الشرق الأوسط على سلم الأولويات الاستراتيجية الأميركية. لكن رأى عدد من الكتّاب والمعلّقين الأميركيين أنّ المشكلة الحقيقية التي كان يواجهها أوباما في الشرق الأوسط، تعود إلى افتقار إدارته إلى اعتماد استراتيجية كبرى متماسكة، وهو الأمر الذي أثار العديد من الهواجس لدى عدد كبير من خبراء صنع السياسة الخارجية[18].

جاء التعليق الأقسى حول الخيارات التي اعتمدها أوباما لمواجهة أزمات الشرق الأوسط، وأزمة احتلال شبه جزيرة القرم من قبل روسيا من خلال ما كتبه مايكل هيرش في "ناشيونال جورنال" أنّ العقيدة الحقيقية لدى أوباما هي "أن لا عقيدة لديه البتة، ويبدو أنّ ذلك مرشّح للاستمرار"[19].

 

إذا كان النفط قد شكّل مصلحة حيوية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنّه من الطبيعي مع تراجع الحاجة لهذا النفط توقّع تراجع الاهتمام الأميركي باستقرار المنطقة وأمنها، يضاف إلى ذلك عدة مسوّغات لهذا التراجع أبرزها:

-  تطوّر في تقنيات استخراج النفط الصخري.

-  زيادة الإنتاج الأميركي الداخلي، ومن مصادر قريبة مثل كندا والمكسيك.

-  توقّع تراجع الطلب العام على النفط، لمراعاة الاتفاقات المتعلقة بالبيئة، وتخفيض مستوى الغازات المنبعثة من استهلاك النفط والفحم الحجري.

من هنا، فإنّ تراجع أهمية نفط الشرق الأوسط لن يقتصر على الولايات المتحدة، بل سيشمل في المستقبل المنظور الدول الأوروبية والهند والصين.

لكن تراجع أهمية النفط لا يبرّر فعليًا الانسحاب الأميركي من المنطقة، على غرار ما فعله أوباما بانسحابه من العراق، حيث سبّب ذلك إخلالًا كبيرًا في ميزان القوى الإقليمي، يضاف إلى ذلك حاجة الولايات المتحدة إلى حماية الطرق البحرية وخصوصًا الممرات الاستراتيجية، والتي تستوجب حضورًا عسكريًا أميركيًا لمنع قوى معادية من احتلالها أو السيطرة عليها.

يسجّل أيضًا في هذا السياق، استمرار اهتمام الولايات المتحدة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، وخصوصًا لجهة امتلاك التكنولوجيا النووية وإمكانية الحصول على سلاح نووي، وهذا ما يفسّر سعي أوباما لتوقيع الاتفاقية النووية مع إيران، وقبل ذلك العمل على تعطيل البرنامجَيْن النوويَيْن في العراق وليبيا.

 

وهم الانتصار على الإرهاب

قال القيادي في القاعدة خالد الشيخ محمد، والذي يُتّهم بأنّه العقل المدبّر لهجمات 11 أيلول في أثناء التحقيق معه من قبل وكالة المخابرات المركزية، يمكن للولايات المتحدة أن تحقّق بعض الانتصارات الميدانية العابرة، ولكن في النهاية "نحن سننتصر في الحرب معكم.. الأميركيون لا يدركون بأنّنا لسنا بحاجةٍ لدحركم عسكريًا، كل ما نحتاجه أن نصمد في القتال إلى حين أن تدحروا أنفسكم وتوقفوا الحرب".

بالفعل صدقت نبوءة خالد الشيخ محمد في عهد أوباما، عندما قرّر الانسحاب كليًا من العراق في العام 2011، قبل أن تُنهي أميركا المهمة التي انتدبت جيوشها لتحقيقها في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط.

كان يُفترض أن يقرأ ترامب هذه النبوءة التي نطق بها قيادي القاعدة قبل إعلان قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا، أنّ بإمكان ترامب أن يدرك بسهولةٍ النتائج الدراماتيكية التي يمكن أن يُحدثها انسحاب مفاجئ من سوريا، وذلك قياسًا مع نتائج الانسحاب المفاجئ الذي قرّره أوباما من العراق. لقد ترك الانسحاب المفاجئ من العراق في العام 2011 فراغًا كبيرًا، كما أحدث خللًا لا يمكن إصلاحه في موازين القوى بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي. واللافت أنّ ترامب يكرّر الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه سلفه على الرغم من الانتقادات التي وجّهها إليه في إحدى المناظرات الانتخابية التي جرت في العام 2016 حيث قال "كان يجب أن لا نذهب أبدًا إلى العراق، لكن طالما أنّنا وُجِدنا هناك، فإنّه كان ينبغي أن لا نخرج كما فعلوا"[20].

مع بدء ولايته الرئاسية، قرّر ترامب رفع الضوابط التي فرضها أوباما على التدخّل عسكريًا في نزاعات الشرق الأوسط، بأن سمح للقيادة العسكرية باستعمال الوسائل اللازمة لدحر الدولة الإسلامية وإخراجها من المناطق التي احتلتها في سوريا والعراق. استحق ترامب الثناء على هذا القرار، ولكنّه يعود اليوم ليرتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبه أوباما في العام 2011 بإعلانه الانتصار على الدولة الإسلامية بعد خسارتها لمعظم أراضي الخلافة، متناسيًا بأنّ ذلك لا يعني الانتصار على الإرهاب بأيٍ من المقاييس. عندما قرّر أوباما سحب القوات الأميركية من العراق لم تكن تحتل القاعدة أو أي من الجماعات الإرهابية مساحات من العراق، ولكنّها سرعان ما نظّمت نفسها وانتقلت للانتشار في سوريا، ومن ثم عادت لتحتل عدة محافظات عراقية بدءًا من مدينة الموصل[21].

إنّ الدولة الإسلامية، وعلى الرغم من خسارتها الحرب في سوريا والعراق ما زالت موجودة في عدة دول في الشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا، كما توجد خلاياها النائمة في الدول الغربية والآسيوية.

في الواقع وعلى الرغم من تفكيك الخلافة الإسلامية التي أعلنها أبو بكر البغدادي بعد احتلال الموصل، والخسائر والانحسار على الأرض التي مُنيت بها في سوريا، ما زالت داعش أقوى في العراق وسوريا من الوقت الذي قرّر فيه أوباما سحب القوات الأميركية من العراق. تتحدّث بعض الدراسات عن وجود عشرات الآلاف من المقاتلين الموزّعين في المناطق الصحراوية على الحدود العراقية - السورية، وهذا يعني بأنّها أقوى أضعاف المرات مما كان عليه تنظيم القاعدة في نهاية 2011، حيث قُدّرت أعداد خلاياه بـ 700 مقاتل[22]. وتؤكّد معلومات وزارة الدفاع الأميركية في تقرير لها في آب 2018، بأنّ الدولة الإسلامية ما زالت تمتلك قدرات حتى تاريخه، تتفوّق على ما كانت تمتلكه القاعدة في أوج قوتها في الفترة الممتدة ما بين العامين 2006 و2007. ويمكن للدولة الإسلامية مع ما يتوافر لديها من قوى الاستمرار في شن حرب ثورية في سوريا والعراق. وأنّ التنظيم قد اعتمد خطة انتشار جديدة، ووزّع قياداته على عدة مناطق، بما يمكّنه من شن حرب ثورية ضمن معركة لا مركزية تتوزّع بين سوريا والعراق. ويقول مركز دراسات الحرب (ISW) بأنّ داعش قد نجحت في تهريب 400 مليون دولار إلى خارج الولايات، من أجل استثمارها في مشاريع قانونية، بالإضافة إلى أنّه ما زال يستفيد ماليًا من عمليات التهريب والسرقة وتبييض الأموال[23].

في الوقت الذي تعلن فيه قوات سوريا الديمقراطية بأنّها ستنهي قريبًا آخر جيب للدولة الإسلامية شرقي دير الزور على مقربة من الحدود العراقية، تركّز القيادة العسكرية الأميركية على مسألة سحب العسكريين الأميركيين بالتنسيق مع تركيا. وأكّد وزير الخارجية التركي أنّ وفدًا تركيًا قد زار واشنطن لبحث مسألة تشكيل قوة مهمات مشتركة لتنسيق الانسحاب الأميركي من سوريا، على أن يبدأ في آذار وينتهي نهاية نيسان 2019. ووعدت تركيا الولايات المتحدة بأنّها لن تسمح للإرهابيين أو للموالين للدولة السورية بملء الفراغ الذي سيحدث جرّاء خروج القوات الأميركية من الشمال السوري[24].

ستعمل تركيا في نفس الوقت، من خلال تعبئتها الفراغ في الشمال السوري، على تدمير القوات الكردية التي سلّحتها ودرّبتها الولايات المتحدة، واستعملتها في حرب طويلة وقاسية لدحر الدولة الإسلامية .

أخيرًا، عندما يحدث الانسحاب الأميركي من شرق الفرات، من الممكن أن تعمد قوات النظام إلى شن هجوم لاحتلال جزء من منطقة الشمال الشرقي، وسيتسبّب ذلك بموجات نزوح جديدة، بالإضافة إلى إمكانية مقتل عشرات الآلاف من سكان هذه المناطق. إذا كانت قد تسبّبت سلبية أوباما تجاه النزاع السوري ورفضه التدخّل عسكريًا بنزوح ملايين من السوريين، فإنّ قرار ترامب بالانسحاب سيتسبّب بنزوح مئات الآلاف من سكان شمالي- شرقي سوريا.

يتحدّث بعض المحلّلين عن النتائج الكارثية التي نتجت عن اعتماد أميركا استراتيجية سيئة، ويأخذون مثالًا على ذلك، الحرب التي شنّها الرئيس جورج دبليو بوش على العراق. كما يمكن وضع غياب وجود استراتيجية في عهد أوباما لمواجهة تداعيات الأزمة السورية المدمّرة، ومواجهة انتشار الجماعات الإرهابية، وإقامة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، والتي كان سبقها فتح الباب أمام إيران للسيطرة على العراق بعد انسحاب القوات الأميركية في العام 2011، في الخانة نفسها للاستراتيجية السيئة التي اعتمدها بوش.

وهنا لا بد من طرح السؤال حول إمكانية نجاح الخيارات التي يعتمدها ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط، وعن النتائج التي يمكن أن يؤدّي لها فشله في احتواء النفوذ الإيراني في سوريا والعراق واليمن ومنطقة الخليج[25]؟ تستدعي الإجابة على هذا السؤال تحليل الاستراتيجية التي يعتمدها ترامب، وإمكانية تطوير الخيارات المعتمدة من قبله من خلال النتائج التي سيتمخّض عنها المؤتمر الدولي الذي دعت إليه الولايات المتحدة وبولونيا في وارسو خلال شهر شباط 2019.

 

الشرق الأوسط بين أوباما وترامب

اعتمد أوباما خلال فترة رئاسته استراتيجية جديدة، تركّزت أهدافها على وقف الخسائر الكبيرة التي تسبّبت بها استراتيجية جورج دبليو بوش، والتي اعتمدت على استعمال القدرات العسكرية الأميركية المتفوّقة لمواجهة أعداء أميركا في الشرق الأوسط وجنوبي غربي آسيا. رأى أوباما بأنّ المصلحة الأميركية تقضي بأخذ استراحة بعدما أنهكتها الحرب في العراق وأفغانستان، وبأنّه يمكن للولايات المتحدة أن تستبدل القوة العسكرية بتعبئة قدراتها الديبلوماسية والاقتصادية والعمل على إيجاد الفرصة السياسية المؤاتية لمواجهة التحديات التي تعترض مصالحها في منطقة الشرق الأوسط. قضت هذه الاستراتيجية بتخفيض القوات الأميركية العاملة في العراق، تمهيدًا لسحبها بالكامل في نهاية العام 2011، وبتجنّب القيام بأي عمليات عسكرية جديدة، بالإضافة إلى الطلب من الحلفاء تحمّل مسؤولياتهم لتحقيق أمنهم والحفاظ على استقرار المنطقة، واعتمد أوباما الديبلوماسية والعقوبات الاقتصادية لدفع إيران للتخلي عن برنامجها النووي، كما سعى إلى فتح مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، لحلّ النزاع بينهما من خلال تحقيق حلّ الدولتَين، مع البحث عن حلول مرنة لحلّ مسألة القدس، مع التشديد على ضرورة وقف بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. وذهب أوباما إلى إغضاب بعض الحلفاء في المنطقة وتشجيعه لهم لاعتماد إصلاحات ديمقراطية في أنظمتهم. وهكذا نرى بأنّ أوباما قد اعتمد استراتيجية جديدة تتناقض كليًا مع استراتيجية سلَفه، ومع التزامات أميركا حماية حلفائها في الشرق الأوسط. من هنا كان من الطبيعي أن تهتز قاعدة الثقة في العلاقات الأميركية مع دول الخليج وخصوصًا مع المملكة العربية السعودية[26].

في المقابل عمل الرئيس ترامب منذ بداية رئاسته على تنفيذ الوعود التي قطعها في أثناء معركته الانتخابية في العام 2016، وسلك بالتالي مسارًا مغايرًا لسلَفه، والذي وجّه إليه انتقادات متكرّرة على السياسات التي اتّبعها في الشرق الأوسط. عمل ترامب على إقناع حلفاء أميركا في المنطقة للقبول بتحمّل المزيد من أعباء تحقيق الأمن الإقليمي، كما قاوم فكرة التدخّل بقوًى عسكرية كبيرة في أزمات المنطقة، وخصوصًا في العراق وسوريا. وتميّزت استراتيجيته بالتعبير عن دعمه الكبير للمملكة العربية وإسرائيل، وهذا ما فتح الباب لتصحيح العلاقات مع هاتَين الدولَتين، وبالتالي تصحيح الخلل الذي كانت قد تسبّبت به سياسات أوباما. وكان اللافت أيضًا التأييد الذي لقيَته السعودية في حربها مع اليمن، وتعهّد ترامب الاستمرار بدعمها ومدّها بكل الأسلحة والذخائر اللازمة[27]. يبدو بوضوح أنّ هناك قاسمًا مشتركًا بين المقاربَتْين، ويتلخّص بوجود توجّه لديهما للانسحاب من أزمات الشرق الأوسط، تماشيًا مع مشاعر الشعب الأميركي على ضوء الخسائر والتكاليف الباهظة للحرب في العراق. أراد كل من أوباما وترامب توجيه رسالة إلى حلفاء أميركا، بأنّه في حال حدوث أزمة أو نزاع في المنطقة، لن يكون بإمكانكم توقّع تدخّل القوات الأميركية لنصرتكم[28].

تتعارض هذه الرسالة في مضمونها ومفاعيلها مع الضغوط التي كانت تشعر بها الإدارة الأميركية في كل مرة تتوتّر فيها الأوضاع في الشرق الأوسط، وخصوصًا عند بداية أي عدوان إسرائيلي على دولة عربية، حيث كانت تجد واشنطن نفسها مجبرة على القيام بتحرّكٍ سريع لمنع تدهور الأوضاع نحو الأسوأ.

لكن يبقى من الأهمية بمكانٍ الخلاف الكبير في استراتيجية كل من أوباما وترامب مع إيران، ففي الوقت الذي سعى فيه أوباما لتحقيق انفراج في العلاقات مع إيران، في محاولة لإيجاد ميزان قوى جديد في المنطقة، من خلال العمل ديبلوماسيًا على وقف برنامج إيران النووي وتغيير سلوكيتها تجاه دول الخليج، من خلال رفع كل العقوبات الاقتصادية عنها؛ فقد رفض ترامب سياسة الانفتاح هذه، وألغى الاتفاقية النووية الموقّعة مع إيران وأعاد فرض نظام عقوبات مشدّد عليها، مع العمل بجدٍّ لإنشاء تحالف إقليمي ودولي لإخراج إيران من سوريا والعراق، وتغيير سلوكيتها تجاه الدول المجاورة.[29]

بتاريخ 6 شباط، دخل مستشار الأمن القومي جون بولتون على خط شرح مضمون قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، في مسعى لاحتواء الأزمة التي رافقت استقالة وزير الدفاع. حيث رأى أنّ تنفيذ هذا القرار قد يتأخر لأشهرٍ أو لسنواتٍ. وكان القرار قد ترك تساؤلات حول مدى التطابق بين استراتيجية ترامب مع استراتيجية أوباما في سوريا والمنطقة، إذ تخلّت أميركا عن حلفائها وتركتهم لمصيرهم، يردّدون ما سبق وقاله هنري كيسنجر في تقييمه لعلاقة أميركا بحلفائها "من الخطورة بمكانٍ أن تكون عدوًا للولايات المتحدة، ولكن أن تكون صديقًا لها فإنّه خيار مميت". وتجدر هنا الإشارة إلى أنّ ترامب قد تخلّى عن حلفائه الأكراد في سوريا، كما تخلّى من سبقوه عن حلفائهم في فيتنام، وعن آلاف المترجمين والمخبرين في العراق في العام 2011 [30]. كان قد سبق إعلان ترامب قرار الانسحاب من سوريا إعطاؤه توجيهات إلى وزارة الدفاع لتحضير انسحاب نصف القوات الأميركية من أفغانستان، وهذا ما دفع رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس للقول "يبدو أنّ هناك تواصلًا ما بين ترامب وأوباما وبما يدفع الإدارتين إلى الشعور بالراحة والاستقرار"[31].

من أجل احتواء الاتهامات الموجّهة إلى ترامب بأنّه لا يملك استراتيجية في المنطقة، ألقى وزير الخارجية بومبيو بتاريخ 9 كانون الثاني محاضرة في جامعة القاهرة من أجل التجريح بسياسة أوباما قائلًا بأنّها "مضلّلة ومبنية على رغباته من دون وجود أي علاقة لها بالواقع أو بحقيقة ما يجري".

وأضاف بومبيو بأنّ أوباما قد زرع الفوضى في الشرق الأوسط من خلال عدم مواجهة الدولة الإسلامية بقوةٍ وفعالية، كما تصرّف بسذاجةٍ وجبن تجاه أحداث الربيع العربي. وانتهى بومبيو معلقًا بأنّ "عصر تسبّب أميركا بالعار لنفسها قد انتهى إلى غير رجعة"[32].

 

هل لدى ترامب استراتيجية للمنطقة؟

اتّهم ترامب بعد ثلاثة أشهر من بداية عهده  النظام السوري باستعمال غاز السارين في خان شيخون والتسبّب بموت عشرات المدنيين. التقط ترامب هذه الفرصة الذهبية ليؤكّد بأنّه جاهز للاقتصاص من النظام، وعلى عكس أوباما الذي حنث بوعده الاقتصاص من النظام إذا تجاوز الخطوط الحمر باستعمال السلاح الكيماوي . ليل 7 نيسان 2017 أطلقت البحرية الأميركية 60 صاروخ توماهوك ضد قاعدة الشعيرات الجوية، بعد أن تراجع ترامب عن شنّ غارة سرية لاغتيال الرئيس الأسد[33]. وشنّ ترامب غارة ثانية بعد تعرّض الغوطة لهجومٍ كيماوي. كانت هذه التجربة الأولى التي قدّم فيها ترامب الدليل على أنّه يختلف في استراتيجيته في سوريا وفي منطقة الشرق الأوسط مع أوباما. أظهرت أجندة ترامب بأنّه يفضّل بناء استراتيجية على مراحل بدل تقديمها كمشروعٍ شامل ومتماسك[34]. وظهر هذا الأمر بصورة لا لبس فيها من خلال اتّخاذه لقراراتٍ مهمة تتعلّق بالإدارة أو بالسياسة الدولية من خلال تغريداته على تويتر أو من خلال مخابرات هاتفية يجريها مع رؤساء دول أو مع آخرين، ومن دون العودة إلى الإدارة، استنادًا إلى تجربته المباشرة كرجل أعمال، أو انطلاقًا من حواسه، أو تنفيذًا لوعدٍ قطعه في أثناء معركته الانتخابية.

كانت هذه هي المقاربة التي اعتمدها ترامب، وغالبًا ما كان يتجاهل أفكار مساعديه من طاقم الأمن القومي، ويهزأ من جنرالاته، وهذا ما أثار احتجاج وزير الخارجية ريكس تيليرسون الذي أقاله ترامب من منصبه من خلال تغريدة على تويتر. في مراجعة سريعة للقرارات المهمة أو المؤثرة التي اتّخذها ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض نجد أنّها تنطلق من الوعود التي قدّمها في أثناء معركته الانتخابية في العام 2016، ومن أبرزها: إلغاء الاتفاقية النووية مع إيران، وهو قرار اتّخذه رغم المعارضة القوية التي واجهه بها الكونغرس والحلفاء وبعض أركان إدارته. وهذا ما دفعه إلى إعطاء مهلة 90 يومًا لكي توافق إيران والدول الموقّعة للاتفاقية على ضرورة تعديلها.

من الواضح أيضًا أنّ قرار ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالمدينة كعاصمةٍ لدولة إسرائيل، قد جاء تنفيذًا لوعوده الانتخابية من دون إعارة أي اهتمام للإدارة أو الكونغرس أو الحلفاء وخصوصًا الدول العربية والإسلامية.

كان اللافت أيضًا طريقته المباشرة في المواجهة التي حصلت بينه وبين زعيم كوريا الشمالية كيم أون جونغ، وما رافقها من تهديدات متبادلة باستعمال السلاح النووي، والتي تابعها إلى حين تراجع الزعيم الكوري وقبوله بفتح مفاوضات، وعقد قمة مع الرئيس الأميركي، حيث قام وزير الخارجية بومبيو بالتحضير للمفاوضات والقمة.

درج ترامب على العمل منفردًا، ولم تكن اجتماعاته مع أركان البيت الأبيض أو مع وزيرَي الخارجية والدفاع مثمرة في عملية صنع القرار الرئاسي، وبدا أنّ وزير الخارجية تيليرسون لم ينجح في العمل عن قرب مع الرئيس، ولم يحصل على أذن مصغية لديه. في الوقت الذي بدا أنّه ينصت لآراء وزير الدفاع جايمس ماتيس، إلى أن استقال من منصبه على خلفية تفرّد ترامب في صنع قراراته العسكرية، وكان قرار الانسحاب من سوريا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

يبدو أنّ وزير الخارجية ما يكل بومبيو حظي بثقة ترامب، الكيمياء بينهما تعمل بانتظامٍ، وهذا ما رأيناه من خلال التحرك الديبلوماسي الواسع الذي يقوم به بومبيو، والذي ترجمه مؤخرًا بانعقاد مؤتمر وارسو بحضور 60 دولة، من أجل بحث شؤون الشرق الأوسط والمواجهة مع إيران.

يبدو أنّ ترامب قد استقر رأيه على منح ثقته إلى بومبيو، بعد أن كان قد عُرف بانقلابه على معاونيه في البيت الأبيض وفي الإدارة، ودفعهم للاستقالة أو إقالتهم بشكلٍ مفاجئ، حتى بلغ عدد الخارجين من إدارته 66 ركنًا بارزًا.

هذه الثقة القائمة بين ترامب وبومبيو قد دفعت هذا الأخير على وضع ورقة حول استراتيجية إدارة ترامب، والمواجهة مع إيران والتي نُشرت في مجلة فورين أفير في عدد تشرين الثاني /كانون الأول لعام 2018. وتضمّنت فقرة عن التهديدات التي تواجهها أميركا بعد انتهاء الحرب الباردة، والحرب على العراق، وفقرة عن عقيدة ترامب بالإضافة إلى التهديد الإيراني، والمقاربة المعتمدة لمواجهته[35].

يعدّد بومبيو مصادر التهديد التي تواجهها أميركا بأنّها تتمثّل بتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية المتفرّعة عنها، والجرائم السيبرانية، والدول المارقة التي تتحدّى القوانين الدولية وتشجّع الإرهاب وتسعى إلى امتلاك السلاح النووي مثل كوريا الشمالية وإيران، بالإضافة إلى الجماعات المسلحة غير الحكومية.

في مواجهة كل هذه التهديدات، دخل ترامب البيت الأبيض مع أسلوبه الخاص في التعاطي مع الأمور الدولية، ما زرع الاضطراب في مؤسسات الدولة الأميركية، ومع ديبلوماسيته المباشرة، والتي أربكت الأصدقاء والخصوم[36].

 

عقيدة ترامب

عبّر ترامب في أثناء معركته الانتخابية وبعد استلامه لمقاليد الرئاسة بوضوحٍ وحزم عن حاجة الولايات المتحدة لقيادة جريئة، تضع المصالح الأمنية الأميركية في رأس أولوياتها[37].

يتناقض أسلوب ترامب القائم على المنطق المبسّط والمواجهة المباشرة مع أسلوب أوباما الذي اعتمد مقاربة القيادة من الخلف، والتي تسبّبت بإضعاف نفوذ أميركا وموقعها في العالم، وخصوصًا في ما يعود لمواجهة كل من كوريا الشمالية وإيران وسعيهما لامتلاك قوة نووية.

يعتقد ترامب اليوم أنّ تحذيراته وضغوطه المباشرة على كوريا الشمالية قد شكّلت رسالة واضحة بأنّ الولايات المتحدة يمكن أن تلجأ إلى استعمال القوة للدفاع عن مصالحها إذا اقتضى الأمر، وأدّت هذه المقاربة إلى إيجاد الظروف المؤاتية للحوار، وعقد قمّتَيْن مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة وفيتنام. ما يريده ترامب هو دفع كوريا الشمالية إلى التخلي عن ترسانتها النووية، وبالتالي حلّ مشكلة معقّدة تتعلّق بالأمن الوطني الأميركي من خلال الحوار.

يعدّد بومبيو المنظمات التي يدعمها ويموّلها الحرس الثوري: الميليشيات العراقية، الحوثيون في اليمن، الميليشيات العاملة مع النظام السوري، حماس، وحزب اللـه، بالإضافة إلى الخلايا المنتشرة حول العالم[38].

يقول بومبيو "إنّ الولايات المتحدة في عهد ترامب لا تسعى إلى الدخول في مغامرة عسكرية طويلة في الشرق الأوسط أو أي منطقة أخرى، ولكن ذلك لن يمنعه من اتّخاذ قرار بالتدخّل عسكريًا ضد داعش أو طالبان أو النظام السوري إذا دعت الحاجة لذلك. ويؤكّد على حرص ترامب على عدم الانزلاق إلى حرب لا يريدها الشعب الأميركي. ويتميّز ترامب عن غيره من الرؤساء الأميركيين بقدرته على فتح قنوات حوار مع ألدّ خصومه، حيث يؤكّد أنّ الديبلوماسية والحوار هما أفضل من الصراع والعداء، وهذا ما أثبتته قمة سنغافورة مع كيم جونغ أون.

مع توافر الإرادة لدى ترامب للتوصل إلى اتفاق مع خصومه، فإنّ ذلك لا يمنعه من قطع المفاوضات إذا شعر بأنّها لن تحقق المصالح الوطنية، وهذا ما فعله في قمة فيتنام. ويتعارض ترامب كليًا في مقاربته مع أوباما حول المحادثات مع إيران حيث تحوّل الاتفاق النووي لدى أوباما إلى هدف يجب تحقيقه بأي ثمن.

من هنا، إنّ ترامب لا يسعى إلى تحقيق أي اتفاق مع كوريا الشمالية لا يراعي المصالح الحيوية الأميركية، ومع وجود ضوابط صارمة لجهة تنفيذه.

في ظل هذه العقيدة، لا يبدو أنّ لدى ترامب أي نية لتغيير الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة، سواء في الخليج أو العراق، والذي يمثّل من وجهة نظره قوة رادعة. وأظهرت زيارته الأولى إلى السعودية مدى الدعم غير المحدود الذي يقدّمه لها ولدولة الإمارات المتحدة، بالإضافة إلى زيادة دعمه لإسرائيل. ويؤيّد ترامب إقامة تحالف عربي (ناتو عربي) يضم إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي، كل من مصر والأردن. ويبدو أنّ المملكة العربية السعودية تؤيّد هذا التوجّه. ويهدف الحلف إلى دعم الأمن في الخليج وإنشاء درع صاروخي إقليمي، والتصدي لجهود إيران للهيمنة على المنطقة، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي بين الحلفاء[39].

ضمن هذه التوجّهات الاستراتيجية، فإنّ ترامب يعير أهمية خاصة لإزالة كل الشوائب عن العلاقات مع كل من تركيا ومصر، نظرًا لأهمية دورهما في سياسة منطقة الشرق الأوسط وأمنها[40].

اللافت أنّ ترامب مع هذه العقيدة، لا يرى أنّ هناك ضرورة أو مصلحة للولايات المتحدة لتسويق خطط للإصلاح السياسي أو التحوّل نحو الديمقراطية في دول الشرق الأوسط، كما أنّه قد تخلّى عن السياسات الداعية لمواجهة التطرّف الشيعي– السني، واستبدله بتقديم دعم أميركا غير المحدود للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، واستطرادًا رفع مستوى دعمه لإسرائيل في مواجهة الوجود العسكري الإيراني في سوريا.

 

مواجهة التهديد الإيراني

يرى بومبيو أنّ التزام الرئيس ترامب بأمن الشعب الأميركي، معطوفًا على تفاديه استعمال القوة العسكرية في الحالات غير الضرورية، واستعداده لمحاورة الخصوم، كلها قد أمّنت له إطارًا عمليًا لمواجهة الأنظمة الخارجة على القانون الدولي. والآن لا يوجد أي نظام يعمل خارج إطار القانون الدولي أكثر من إيران[41].

ويضيف بومبيو أنّه منذ بداية تشكيل الحرس الثوري، وإنشاء فيلق القدس كوحدة نخبة مكلّفة تصدير الثورة الإسلامية، فقد سخّرت لها القيادة الإيرانية قدراتها الداخلية والخارجية جميعها، وقدّمت هذا الهدف على مصلحة الشعب الإيراني وازدهاره[42].

أدّت هذه السياسات الإيرانية خلال أربعة عقود إلى زرع حالة من عدم الاستقرار في عدد من دول الجوار، وإلى حرب طاحنة في اليمن وسوريا. كان اللافت أنّ توقيع الاتفاق النووي مع القوى الدولية (خمسة زائد واحد) لم يغيّر في سلوكية إيران مع دول الجوار، رغم مراهنة الرئيس أوباما والدول الأوروبية على ذلك.

ردًا على استمرار إيران في سلوكيتها تجاه دول المنطقة، وعدائها للولايات المتحدة وإسرائيل، فقد نفّذ ترامب الوعد الذي كان قد قطعه على نفسه في أثناء حملته الانتخابية بانسحاب أميركا من الاتفاقية النووية، على الرغم من معارضة الشركاء الأوروبيين، في أيار 2018.

بعد إلغاء الاتفاق النووي، بدأ ترامب حملة ضغوط متنوعة ضد إيران، تأتي في صدارتها العقوبات الاقتصادية، إدراكًا منه لمفاعيل العقوبات الباهظة على النظام في طهران، وتكاليفها المتدنّية على الولايات المتحدة. وقد فرضت مجموعة كبيرة من العقوبات خلال 17 جولة وقد استهدفت 147 كيانًا وشخصًا إيرانيًا[43].

يبدو أنّ ترامب يسعى من خلال هذه العقوبات القاسية لإجبار إيران على تغيير سلوكيتها تجاه دول المنطقة، وإقناعها بالقبول بفتح مفاوضات جديدة تؤدّي إلى اتفاق نووي جديد، يحقّق الرؤية الأميركية لجهة تفكيك البرنامج الإيراني.

وتذهب إدارة ترامب في رؤيتها إلى تأثير عامل العقوبات للعمل على إضعاف تدخّل الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني، من باب وضع اليد على كل المشاريع الكبرى من خلال الزعم بأنّها عملية خصخصة، والتي تضع شركات الاستثمار في حالة من الشك ما بين العمل التجاري ودعم الإرهاب. وتتّهم إدارة ترامب النظام الإيراني باستعمال مليارات الدولارات التي حرّرها بعد توقيع الاتفاق النووي في دعم الثورات والميليشيات التي تزرع الإرهاب والقتل في العراق وسوريا واليمن وغيرها من الدول، بدل استعمالها لدعم الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة الإيرانيين، الذين عبّروا عن سخطهم، بطلب وقف تبذير هذه الأموال من خلال صرفها على جماعات ومنظمات خارجية، تعمل تحت أوامر الحرس الثوري. يشعر الشعب الإيراني بحالةٍ من الإحباط، بعدما اكتشف بأنّ الأموال العامة تُحوَّل إلى حساب شخصيات حكومية ورجال دين، حيث نشرت معلومات في صحيفة "كيان" المعارضة بأنّ ثروة أحد رجال الدين قد بلغت 300 مليون دولار[44].

تسعى الاستراتيجية الأميركية إلى تجفيف عائدات النفط الإيراني، ولكنّها تواجه بعض الصعوبات، ما دفعها إلى السماح باستيراد كميات من هذا النفط من بعض الدول بخاصةٍ الصين والهند، كما تعاونت مع دولة الإمارات المتحدة، لمنع تحويل ملايين الدولارات إلى حساب فيلق القدس لاستعمالها في عملياته الخارجية من خلال شبكات الصيرفة الإماراتية.

تعتمد استراتيجية ترامب الجديدة لمواجهة إيران، إلى جانب العقوبات الاقتصادية، على عامل الردع العسكري، حيث تتوعّد الإدارة الأميركية إيران بأنّها ستكون جاهزة للقيام بردّ الفعل المناسب على كل تهديد لأميركا ومصالحها. في هذا السياق وجّه ترامب في تموز 2018 تغريدة إلى الرئيس روحاني بعدم اللعب بالنار من خلال تهديد الولايات المتحدة. وبعد الهجوم الذي تعرّضت له القنصلية الأميركية في البصرة في شهر أيلول 2018، وجّهت الإدارة الأميركية تهديدًا بالردّ على أي تهديد لحياة مواطنين أميركيين، وأضافت: "أميركا لا تسعى للحرب"، ولكن يجب أن نوضح بأنّ الجمهورية الإسلامية لا يمكنها مواجهة القوة العسكرية الأميركية[45].

بالفعل تمتلك الولايات المتحدة قواعد عسكرية في العديد من دول الشرق الأوسط، وخصوصًا في دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وتركيا، وهي تطوّق إيران من كل الجهات الأخرى. وزاد الانتشار الأميركي بفعل التدخّل ضد الدولة الإسلامية، كما زاد وجود قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة للحرب على الإرهاب. ويوجد على الأرض في المنطقة ما يقارب 50 ألف جندي، بالإضافة إلى 20 ألفًا على المراكب. وتتركّز قيادة الأسطول الخامس في البحرين، وتعمل على متن هذا الأسطول حاملتان للطائرات، تُبحر إحداها في بحر العرب، والثانية في الخليج، بالإضافة إلى قوة جوية ضاربة موزعة على ما يزيد على خمس عشرة قاعدة جوية موزّعة بين دول المنطقة[46].

في أيار 2018، عدّدت إدارة ترامب 12 موضوعًا يفترض بإيران أن تحسّن أداءها فيها إذا كانت ترغب في تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، في رأس القائمة حلّ موضوع وقف تخصيب اليورانيوم، والكشف بالكامل عن كل برنامجها النووي، مع ضرورة وقف برنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية، وإطلاق سراح الأميركيين الموجودين في سجونها، وإنهاء دعمها للإرهاب.

لا يرغب ترامب بأن يخوض هذه المواجهة مع إيران منفردًا، بل يسعى جاهدًا لكي يضم إليها الأصدقاء والحلفاء الإقليميين والدوليين. وعلى الرغم من عدم موافقة الشركاء الأوروبيين على الانسحاب من الاتفاق النووي، وبحثهم عن آليات خاصة للإفلات من نظام العقوبات الأميركي، فقد عبّر بعضهم عن هواجسه تجاه المشروع النووي والبرنامج الصاروخي الإيراني. يقول الرئيس ماكرون: "من المهم أن نبقى حازمين مع إيران حول تصرفاتها الإقليمية وحول برنامجها الصاروخي". وتقول رئيسة الوزراء البريطانية ماي: إنّها ستبقى مفتوحة العينين على التهديد الذي تمثّله إيران للخليج والشرق الأوسط".

هناك توافق دولي حول التهديد الذي باتت تمثّله سياسات إيران، وهذا ما شجّع الولايات المتحدة على عقد مؤتمر وارسو في 13 و 14 شباط 2019، والذي لم يخرج عنه بيان ختامي بسبب الخلافات بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين. ولكن يمكن القول أنّ القمة أظهرت إلى حد كبير توافقًا بين 60 دولة شاركت في المؤتمر على ضرورة التصدي للتهديدات الإيرانية. ووصف بومبيو الاجتماع بالتاريخي، وبأنّ العالم لا يستطيع تحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط من دون مواجهة إيران، ويضيف بومبيو: "نريد أن يتوحّد العالم في مواجهة العدوان الإيراني في المنطقة، والذي هو خطر حقيقي"[47].

حضر مؤتمر وارسو نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إذ اتّهم دولًا أوروبية بارزة بتقويض الحملة الأميركية ضد إيران ومحاولة كسر نظام العقوبات ضدها.

استمر التحريض الأميركي ضد طهران في المؤتمر الأمني السنوي في مدينة ميونيخ، حيث دعا مايك بنس مجددًا لانسحاب الأوروبيين من الاتفاق النووي "ندعو الأوروبيين إلى عدم تقويض العقوبات ضد إيران". كما أكّد نائب الرئيس على أنّ أميركا ستحتفظ بوجودٍ عسكري قوي في منطقة الشرق الأوسط[48].

يحاول ترامب في المواجهة مع إيران، تكرار تجربته مع كوريا الشمالية، بحيث يُبقي الباب مفتوحًا أمام طهران للتراجع عن مواقفها وتغيير سلوكيتها، ودعوتها للحوار وحلّ مشاكلها عن طريق الديبلوماسية، والاهتمام باقتصادها، ومعالجة الأزمات المعيشية ومسألة الحريات التي يطالب بها الشعب الإيراني.

 

الاستنتاجات

أعطى ترامب بعد الأشهر الأولى من بداية عهده، مؤشرات للتهديدات بأنّه يبحث عن مقاربة استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، تستعيد الولايات المتحدة من خلالها دورها في المنطقة، وتتصدى للتهديدات المتفاقمة، بعد سنوات على غياب كلي عن المسرحَين، الدولي والشرق أوسطي. كان المؤشر الأول للمقاربة قد ظهر من الأهمية التي أعطاها ترامب لزيارته إلى المملكة العربية السعودية، كما أكّد دعمه والتزامه بأمن المملكة ودول الخليج. كما أكدّ دعمه للمملكة ودولة الإمارات المتحدة في حربهما على اليمن، وأعاد التأكيد على ضرورة الانتصار على الإرهاب المتمثّل بالدولة الإسلامية. لكن، تمثّلت الانعطافة الأساسية للسياسة الأميركية في المنطقة بإلغاء ترامب الاتفاق النووي مع إيران، والذي كان قد وقّعه أوباما على أساس أنّه إنجاز تاريخي، يُكتب من خلاله دوره في تاريخ الديبلوماسية الأميركية. وكان ترامب حاسمًا باتخاذه قرارَين بالتدخّل عسكريًا ضد النظام السوري، ردًا على هجومَين بالسلاح الكيماوي ضد المدنيين في خان شيخون والغوطة. ومع إعادة نظام العقوبات ضد إيران، والتشدّد في تنفيذها على الرغم من معارضة حلفائه الأوروبيين، ظهر بما لا يقبل الشك أنّ ترامب يبحث عن استراتيجية متكاملة، يستعيد فيها دور أميركا في الشرق الأوسط، خصوصًا بعد المشاركة العسكرية الفاعلة في الحرب على الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.

بالفعل، بدا ذلك واضحًا منذ تعيين مايكل بومبيو وزيرًا للخارجية، فقد ظهر جليًا أنّ ترامب ووزيره يسعيان، لا بل يستعجلان وضع استراتيجية متكاملة لاستعادة الدور الأميركي، ولكن على أسس جديدة تقوم على إنشاء أحلاف، ويتحمّل الحلفاء حصصهم من النفقات.

يبدو أنّ ترامب يحاول تركيز استراتيجيته على نظرية الواقعية السياسية بمبادئها الستة التي تحدّث عنها هانز مورغنتاو، وأبرزها مبدأ تبادل المصالح بين الحلفاء. وينصّ هذا المبدأ على ضرورة أن تشكّل المصالح المتبادلة بين الدول الجوهر الفعلي للسياسة، والذي لا يتأثّر بظروف الزمان والمكان، ويقول ثوسيديدس عنه، انطلاقًا من التجارب اليونانية القديمة، بأنّ تلاقي المصالح يشكّل أفضل وثاق يجمع بين الدول أو الأفراد[49].

يبدو بوضوحٍ أنّ ترامب يعمل على بناء استراتيجية قائمة على تبادل المصالح بينه وبين الحلفاء، الذين يدعوهم إلى المشاركة في المسؤولية وفي تبادل الغرم والغنم، كما يريد ألّا يقتصر العمل على الوجود والقوة الأميركية وحدهما، بل أن يشمل تحالفًا واسعًا لا ينحصر فقط بدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، بل أن يتوسّع ليشمل الدول الأوروبية والعديد من الدول الأخرى التي يهمّها الحفاظ على استقرار الشرق الأوسط وأمنه، كمصدرٍ أساسي لتأمين تدفّق النفط إليها، كما يهمها المشاركة في منع انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الحرب على الإرهاب، ووقف المحاولات الإيرانية للهيمنة على المنطقة وزعزعة استقرارها[50].

وكانت الدعوة التي وجّهتها الخارجية الأميركية لانعقاد مؤتمر وارسو آخر مقاربة اعتمدتها الولايات المتحدة لإنشاء تحالف واسع، يشارك بدورٍ فعّال في تنفيذ الاستراتيجية الجديدة التي تعمل على بلورتها، والتي تستند إلى نظام العقوبات ضد إيران، والاحتفاظ بقدراتٍ عسكرية رادعة.

تمارس الولايات المتحدة ضغوطها على الدول الأوروبية لإقناعها بالانضمام إلى نظام العقوبات ضد إيران، من أجل خلق صعوبات حياتية للشعب الإيراني، ودفعه لرفع مستوى الضغوط على قياداته من خلال المزيد من المظاهرات.

يدرك ترامب أهمية أن يُبقي باب الحوار مفتوحًا مع إيران إذا ما اتعبتها العقوبات القاسية، من أجل البحث عن حلول جديدة لبرنامجها النووي، ودفعها للتخلّي عن سلوكيتها المزعزعة لأمن المنطقة، وهو يحاول بذلك الاستفادة من نجاح تجربته مع كوريا الشمالية. في النهاية يبدو بوضوحٍ بأنّ ترامب قد قرّر إخراج الولايات المتحدة من المطهر الذي أدخلها إليه أوباما[51]، وأنّه ينطلق في ذلك من اعتماد استراتيجية ترتكز على الواقعية السياسية كبديلٍ لدورها السابق كشرطي العالم.

 

Referencesbooks

1- Hans Morganthau, “politics Among Nations: the struggle for power and Peace” sixth editions. Megraw – Hill. Inc New York. 1985

2-  Bob wood ward, “Fear: Trump in the white house”, Simon and Schuster New York, 2018.

3-  Bob woodward. “state of denial Bush at war, part III”. Simon and Schuster New York, 2006.

4-  Condoleezza rice, “No Higher Honor”. Crown polisher New York, 2011.

5-  Lawrence freedman, “a choice of enemies” public affairs New York, 2008.

6-  Henry Kissinger, “does America need a Foreign policy”. New York, Simon and Schuster, New York 2001.

7-  Zbigniew brezinshi, “strategic vision: America and the crisis of Global power”, Basic books, New York, 2012

8-  Dennis ross, “Obama II and the Middle East: strategic objective for U.S. the Washington institute. March 2013.

9-  The Brookings institute and the Council of Foreign Affairs, publish book “Restoring the Balance: A Middle East Strategy for the New President”.

10- Leon Panetta, “Worth Fights”, New York. Penguin press, 2014

11- George w Bush, “Decision Points”, Crown publisher New York, 2010.

12- Ronald Reagan, “Dutch: a memoir of Ronald Reagan”, Edmond Morris, Random House, New York, 1999.

13-  العميد الركن نزار عبد القادر، "العصر الإيراني: حكم الجغرافيا والتاريخ"، مطبعة شمص، بيروت، 2016

 


[1]-     نقلت تأكيدات ساندرز مختلف وكالات الأخبار وعلى رأسها وكالتا "رويترز" و"أ أف ب". يمكن مراجعة ذلك كما نقلته الوكالتان على الإنترنت.

[2]-     .Donald Trump@ real Donald Trump 11/19/2018

[3]-     نفس المصدر في المرجع رقم 1 في الصفحة 1.

[4]-     راجع وكالتَي "رويترز" و"أ ف ب" بتاريخ 20 كانون الأول 2018.

[5]-     راجع وكالتَي "رويترز" و"أ أف ب" في عدد 20 كانون الأول 2018.

[6]-     راجع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في عدد 20 كانون الأول 2018.

[7]-     Bob woodward, "Fear: Trump in the White House: Simon and Schuster", 2018, see all details about opinions

.and discussions about the withdrawal from Afghanistan and Syria in pages: 229-30, 314-15, 115-16, 120-314

[8]-     Anthony Cordesman, "U.S Military Spending coast at war". SCIS, July 10,2017. www.csis.org/analysis/U.S

.military-spending-at-wars

[9]-     /Report published by reuters about the cost of the wars. March 14,2013. www.reuters.com/article/U.S-iraq

.war-annivessary

[10]-    Ibid

[11]-    Ibid

[12]-    .Anthony cordesman– same reference in annotation on page 5

[13]-    Mara Karlin and Tamara Cofman witts. "America Middle East purgatory: the case for doing less". Foreign

.affairs. January/February 2019

[14]-    Ibid

[15]-    نزار عبد القادر، "الربيع العربي والبركان السوري: نحو سايكس بيكو جديد" دار شمص – بيروت – كانون الأول 2012 – المقدمة.

[16]-    ,Condoleezza Rice, "No higher honor in memoir of my years in Washington", New York, croron publishers

.2011. P. 374

[17]-    .Mara Katrlin and Tamara Cofman witts, "America’s Middle East purgatory" cited page 14

[18]-    Nial Ferguson, "Why Barak Obama Needs to Go". Newsweek www.newsweek.com/mail-fesguson-why

.barak-obama-needs-to-go/64419

[19]-    .Micheal Hersh, "Obama: the No-Doctrine President", www.nationaljournalsecurity/obama-the-no-doctrine-president

[20]-    .Trump Repeating Obama Mistake in the Middle East. www.bostonherald.com/2018/12/23/trump.repeating...obama

[21]-    .Ibid

[22]-    The second reissuance of ISIS is Syria and Iraq, established Map by the Institute the study of war. For war

.information see: https:/www.is today, 45/subject-matter-areas/terrorisms-study

[23]-    .Ibid, see also: https://www.chothemhouse.org<expertss>eupestcoutrens

[24]-    الوكالات الأناضول، أ ف ب، رويترز – 6 شباط 2019.

[25]-    نزارعبد القادر، "العصر الإيراني: حكم الجغرافيا والتاريخ" دار شمص-ص504.

[26]-    Jack Thompson. "trump’s Middle East policy". CSS. Eth. Zurich. www.css.ethz.ch/content/dam/ethz/special

.interest/gess/.../essanalyse233.cn

[27]-    .Ibid

[28]-    Leon Hadar, "Trump’s strategy for the Middle East is Working the National Interest", may 17, 2018

.https://nationalinterest. Org/feature/tramps-strategy-the-middle-east

[29]-    .Ibid

[30]-    .Myron Magnet, "trump’s Middle East strategy and the kurds". National review, January 17,2019

[31]-    Richard Haas,"a strategy of retreats in Syria, with Echoes’ of Obama", New York Times, January 10,2019.www.theconrerstation.com/no-trump-is-not-like-Obama

[32]-    Mike Pompeo delivers blistering critique of Barak Obama’s middle east policies

 http’s://www.abcnet.au/news/2019-01-11/mike-Pompeo-blistering

[33]-    .Bob Woodward, "Fear: Trump in the white House". Simon and Schuster New York. 2018-p.146-149

[34]-    .Jack Thompson, "Trump’s Middle East policy" css.eth.zurich

[35]-    Michael Pompeo, "confronting Iran: the trump administration strategy", Foreign Affairs, November/December

.2018 issue. www.state.gov/secretary/remarks/2018/10/286757.htm

[36]-    .Ibid

[37]-    .Ibid

[38]-    .Michael Pompeo – confronting Iran

[39]-    ."Jack Thompson, "Trump’s Middle East Policy

[40]-    .Ibid

[41]-    .Micheal Pompeo, "confronting Iran: the trump’s administration strategy". Foreign affairs

[42]-    .Ibid

[43]-    .Ibid

[44]-    راجع صحيفة "كيان" المعارضة التي تصدر في لندن في تشرين الثاني 2018.

[45]-    .Pompeo, and Official spokesperson of the state department, sept 2018

[46]-    Assessing the Global Operating Environment: Middle East https://heritageiorg/military-strength/assessing

the-global

[47]-    .Sky news – February 15/2019

[48]-    .Ibid

[49]-    Hans Morgonthau, "Politics Among NationsT the Struggle for Power and Peace". Mcgraw – Hill, Inc New

.York, 1985. p. 3-17

[50]-    ."Michael Pompeo, "confronting Iran: the trump administration strategy

[51]-    Mara Karlin and Tamara witts :"America’s Middle east purgatory they ended their article" It is time for the

."U.S. to legion the difficult work of getting out of purgatory

The U.S. Strategy and Trump Doctrine for the Middle East

The United States will withdraw its troops from Syria after President Donald Trump said America has " defeated ISIS"  in the ravaged country.

The U.S. administration did not provide a time table for the withdrawal of 2000 soldiers deployed in Syria. However, White House spokesperson Sarah Huckabee Sanders said," We have started returning United States troops home as we transition to the next phase of this campaign." However, she did not precise what the nature of the "  next phase"  is.

Barak Obama as President formulated a Middle East strategy designed to repair the damage done during the George W. Bush presidency through the declaration of two wars in Pakistan and Iraq. The United States was exhausted and needed to rest and create political space for addressing long standing challenges.  To this end he reduced troop levels in Afghanistan and withdrew totally from Iraq, asking allies to take more responsibility for regional security. He used sanctions and diplomacy to halt Iran's nuclear program.

Just as Trump promised during the 2016 campaign, he has taken a different approach; he has changed Obama's restrictive rules of engagement and freed up the U.S. military to drive the Islamic State from the territory it had seized.  He deserves credit for this achievement, even though the " declared victory" does not mean ISIS is defeated based on what happened in the past in Iraq.


The U.S. withdrawal from Syria will not only remove the pressure on the Islamic State, it will create a vacuum in Syria that will be filled by the other "  hostile"  actors such as Al-Qaeda and Iran and its proxies. Turkey will go after the Kurdish fighters of Syrian Demactratic Forces (SDF) which the U.S. trained to fight ISIS.

If Turkey eliminates the SDF, there will be no one left on the ground in Syria to fight any resurrection of the Islamic State.

Trump has made clear that the pressure will only increase" if Iran does not live up to the standards of the United States and its partners and allies – and the Iranian people themselves – want to see.""

Trump is seeking a new comprehensive agreement on Iran's nuclear program, which is why he has consistently said he remains open to talks, but he will continue the pressure until Iran demonstrates tangible and sustained shifts in its policies.

With all the efforts deployed by the Secretary of State Mike Pompeo to formulate a new clear strategy  towards the Middle East, the U.S. vision and strategy for the region merely mentions vague goals such as promoting stability and a favorable balance of power – but it bears little relativity to President Trump's other priorities and foreign policy pronouncements.

La stratégie américaine et la doctrine de Trump pour le Moyen-Orient

Les Etats-Unis vont retirer leurs troupes de la Syrie après que le Président Donald Trump avait déclaré que les Etats-Unis ont écrasé l’Etat Islamique dans le pays ravagé par la guerre.

L’administration américaine n’a annoncé aucun calendrier quant au retrait de 2000 soldats déployés en Syrie. Or la porte-parole de la Maison Blanche Sarah Huckabee Sanders avait déclaré que «les troupes des Etats-Unis ont commencé à rentrer dans le pays en passant à la deuxième phase de cette campagne». Mais elle n’a pas précisé la nature de cette «phase prochaine».

Lors de son mandat en tant que président, Barak Obama avait formulé une stratégie pour corriger les dégâts commis lors du mandat de Georges W. Bush et qui a connu deux guerres au Pakistan et en Iraq. Les Etats-Unis étaient épuisés et avait besoin d’un temps de repos et d’un espace politique pour établir les défis à long terme. Pour ce but, il a réduit le nombre des troupes en Afghanistan et s’est retiré complètement de l’Iraq, demandant à ses alliés d’assumer des responsabilités davantage quant à la sécurité régionale. Il a eu recours aux sanctions et à la diplomatie pour freiner le programme nucléaire de l’Iran.

Conformément à la promesse lancée lors de la campagne de 2016, l’approche de Trump était différente; il a modifié les règles strictes d’engagement émises par Obama et a donné à l’armée américaine la liberté d’agir contre l’Etat Islamique pour le chasser du territoire qu’il a occupé. Son exploit mérite d’être reconnu, malgré que la «victoire déclarée» ne veuille pas dire que l’Etat Islamique a subi la défaite, en se basant à ce qui s’est passé auparavant en Iraq.

Le retrait américain de la Syrie ne va pas seulement alléger la pression sur l’Etat Islamique, mais créera un vide en Syrie et qui sera rempli par d’autre acteurs «hostiles», comme «al-Qaeda», l’Iran et ses alliés. La Turquie attaquera les combattants kurdes des Forces de la Syrie Démocratique (SDF) que les Etats-Unis ont entraînés pour combattre Daech. Si la Turquie éliminera la SDF, personne d’autre ne se trouvera sur scène en Syrie pour combattre toute résurrection de l’Etat Islamique.

Trump fut clair en disant que la pression augmentera seulement «si l’Iran n’obéira pas aux critères posés par les Etats-Unis et leurs partenaires et alliés et que le peuple iranien lui-même – veut sentir leur application». Trump cherche un nouvel accord compréhensif quant au programme nucléaire iranien, et c’est pour cela il a tellement déclaré qu’il restera ouvert au dialogue mais il continuera d’exercer la pression jusqu’à ce que l’Iran se montre tangible et adoptera un changement quant à ses politiques.

Avec tout l’effort consenti par le ministre des Affaires étrangères Mike Pompeo pour formuler une nouvelle stratégie claire envers le Moyen-Orient, la vision et la stratégie des Etats-Unis envers cette région est toujours ambigüe  et ses buts sont vagues: cette stratégie invite à promouvoir la stabilité et créer une balance au niveau des forces – mais ces buts sont peu relatifs quant aux autres priorités du Président Trump et sa politique étrangère.