عبارة

الاستقلال
إعداد: العميد علي قانصو
مدير التوجيه

لم يكن الطقس العاصف الذي رافق عيد الاستقلال، ليحول دون مسارعة العماد قائد الجيش إلى الوقوف أمام نصب الشهداء في جوار مبنى القيادة، معدّدًا مآثرهم في نفسه، مفتخرًا ببطولاتهم، مقدّرًا تضحياتهم، معلنًا في صمته، الذي هو من صمت مؤسسته، أنه لولا اندفاعاتهم في ساحات الوغى، لتبدّل حال الوطن، وانهارت أعمدة هيكله واحدًا تلو الآخر، فضاع ماضيه، واهتز حاضره، وغمر الضباب مستقبله، بشرًا وحجرًا ومؤسّسات.

بدا القائد أكثر تمهّلًا، وهو يتأمل النصب الذي تغمره الصور والدلالات والمعاني، كانت اللحظات معبّرة، وكان الموقف جللًا. سيول المطر ليست بغزارة انهمار الدم الذي فاض من أجساد الشهداء، وعمق الذّكرى في النفس لن يكون بطول بقائها في التاريخ، هذا التاريخ الذي ولدت حقيقته المعاصرة في العام 1943 مع رجال ضحّوا في سبيل الانتقال بالكيان اللبناني إلى وطنٍ مستقل، يتولّى أبناؤه من دون غيرهم إدارة شؤونه وتحمّل مسؤولياته، يعترف به العالم ويشرّع الأبواب أمام التبادل الحضاري معه في السياسة والاقتصاد وشؤون المعرفة كاملةً شاملة. ولمّا كان الاستقلال مرتبطًا بالحياة، حياة الوطن وحياة المواطنين، فهو إذًا موكب متحرّك في الزّمان والمكان، يخضع لسنّة التطوّر ويتطلب الكفاح في سبيل بقائه وتقدمه، ولا بدّ من حمايته والدفاع عنه. هنا تظهر رسالة الجيش ودوره، ومَن غير الشهداء للتعبير عن مقتضيات تلك الرّسالة وحتميات ذلك الدّور؟
صحيح أنّ الظروف هذا العام وعلى اختلافها، لم تسمح باستقبال الاستقلال وفق الأصول الاحتفالية المعروفة، إلّا أنّ وحداتنا العسكريّة هيأت لهذه المناسبة الوطنية، بتكثيفها الجهود الفعّالة، وتحقيقها الإنجازات الباهرة في مواجهة الإرهاب، وتوقيف المخلّين بالأمن، وإفشال المخططات التخريبية في أكثر من مكان، الأمر الذي أشاع الأثر الطيب في نفوس المواطنين القلقين على مصيرهم ومصير وطنهم، فما كان منهم إلّا أن انطلقوا لتنفيذ الاحتفالات المتفرّقة على طريقتهم، في المدارس والأندية والسّاحات، وقد امتدت هذه النشاطات إلى خارج الوطن، فلبنان المغترب يحنّ إلى الجذور ويخلص للمبادئ، ومواطنونا الذين يعملون ويحيون في أوطان بعيدة مستقلة مستقرّة، يحرصون على استقلالهم الأم، ويجدّدون الثقة بأن تبقى عيون جيشهم ساهرة عليه، دائمة اليقظة على ما يتهدّده من أخطار.