علوم وافاق

الاستنساخ
إعداد: ريما سليم ضومط

في الثالث والعشرين من شباط 1997, أعلنت مجموعة من علماء الوراثة البريطانيين بقيادة إيان يلموت في معهد “روزلين” في اسكتلندا عن نجاح أول تجربة للإستنساخ الجسدي وذلك بولادة النعجة “دوللي”, التي نفذت في حقها عملية القتل الرحيم أخيراً بعد إصابتها بمرض عضال.

بعد خمس سنوات من ولادة “دوللي” فاجأت العالم الفرنسية بريجيت بواسولين وهي عالمة وعضو في طائفة الرائيليين, بإعلانها عن ولادة أول طفلة عبر تقنية الإستنساخ البشري في ميامي بالولايات المتحدة في السادس والعشرين من كانون الأول 2002. وأكدت العالمة الفرنسية التي تدير مؤسسة “كلويند” لأبحاث الإستنساخ أن الطفلة ولدت عن طريق عملية قيصرية تمت بسلام.
وفيما لا تزال ولادة الطفلة التي أطلق عليها إسم “إيف” مشككاً بها, خاصة وأنه لم يتم تأكيدها علمياً, فإن خبر إستنساخ كائن بشري أثار عاصفة رفض على المستوى العالمي نظراً لما يثيره الموضوع من جدل حول جدواه الإنسانية والأخلاقية. كذلك أدى الخبر الى احتدام الخلاف بين مؤيدي الفكرة ومعارضيها, فتسلحت الفئة الأولى في دفاعها عن موقفها بخدمة الطب والبشرية من خلاله, لتواجهها الفئة المعارضة بسلاح المبادئ والقيم الإنسانية.

 

ما هو الإستنساخ؟

الإستنساخ, علمياً, هو إحدى وسائل التكاثر اللاجنسي التي يستخدمها عدد من الكائنات الحية بما فيها البكتيريا والخميرة وبعض أنواع الحلزون والقريدس التي تتكاثر عبر الإستنساخ فقط.
بالنسبة الى الكائنات الحية التي تتكاثر عن طريق الإستنساخ, ليس هناك من مشكلة طالما أن هذا الوضع جزء من طبيعتها. أما على الصعيد البشري, فالمعروف أن الوضع الطبيعي للتكاثر يتم عن طريق العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة, لذلك فإن عملية الإستنساخ البشري هي أمر مخالف لقواعد الطبيعة البشرية وقوانينها.
في الأوساط العلمية, يتم تداول عبارتي “الإستنساخ التوالدي” و”الإستنساخ العلاجي” وكلاهما يستخدم الآلية نفسها, وهي ما يعرف بالنقل النووي, الذي يؤدي الى إنتاج كائنات مماثلة لكائن موجود. أما الفارق بينهما فهو أن الأول لا جدوى إنسانية منه, بل على العكس فهو مناف لقانون الطبيعة, في حين يؤكد مؤيدو الإستنساخ أن النوع الثاني (العلاجي) يمتاز بفوائد طبية علاجية.

 

كيف تتم عملية الإستنساخ البشري؟

تعتمد آلية التخصيب على نزع النواة من البويضة البشرية وإعادة زرعها مع الخصائص الوراثية للشخص الذي يتم إستنساخه. بعدها تعطى الخلية الناتجة عن النقل النووي شحنة كهربائية فيكون ذلك بمثابة تخصيب البويضة, ويعتبر عمل الإستنساخ قد أنجز في هذه المرحلة. عندها يمكن استخدام طريقتين, إما زرع البويضة المخصبة داخل الرحم (الإستنساخ التوالدي) أو تركها لإجراء الأبحاث الطبية (الإستنساخ العلاجي).

 

الإستنساخ وعاصفة الرفض التي أثارها

أثيرت عاصفة الرفض في الأساس حول موضوع الإستنساخ التوالدي, والسبب واضح, فهذا النوع من الإستنساخ يتعارض مع القيم الأخلاقية والدينية والإنسانية في المجتمع. إذ لكل إنسان الحق في كيان مستقل ومتمايز وذي طابع خاص به, لا أن يكون نسخة مطابقة لسواه فيفقد بذلك فرادته وتميزه.
أما فـي ما خـص الإستنساخ العلاجي, فهو لا يزال موضع جدل بين مؤيد ومعارض, ولكل من الطرفين الحجج الدفاعية التي تدعم موقفه. فالمؤيدون مثلاً يطرحون أهمية هذا النوع من الإستنساخ في الحصول على خلايا منشأ جنينية يمكن إستخدامها يوماً بمثابة “قطع غيار” للمرضى لا ترفضها أجسامهم كما هي الحال بالنسبة الى الأعضاء الخارجية, كما يرون أن لخلايا المنشأ هذه أن تستخدم في إصلاح وترميم جميع أنواع أنسجة الجسم البشري الدموية والعصبية والقلبية, إضافة الى الإستفادة من الإستنساخ في معالجة العقم.
أما المعارضون فيرفضون المزاعم القائلة بأن الجنين المستنسخ ليس سوى مجموعة خلايا منقسمة, مؤكدين أنه كائن بشري له الحق في الحياة والنمو, وبالتالي فإن تحويله الى موضوع للإختبارات الطبية أو الى قطع غيار بشرية يعني قتل نفس بشرية وهي جريمة يعاقب عليها القانون وترفضها جميع الأديان السماوية.
وتقريباً, ثمة إجماع عالمي على رفض الإستنساخ التوالدي, بالرغم من أن الإجتماعات المتكررة التي عقدت في الأمم المتحدة لم تسفر حتى الآن عن إصدار قانون منع بهذا الشأن. ولا تزال المباحثات قائمة للبت في الموضوع, علماً أن فرنسا وألمانيا كانتا قد تقدمتا بمشروع مؤلف من مرحلتين, تقضي الأولى بالمنع التام للإستنساخ التوالدي, ومن ثم البحث في المرحلة الثانية في مسألة الإستنساخ العلاجي.

 

الى أين؟

هل يمكن لعالم مهووس أن يستنسخ “هتلر” في حال تطورت عمليات الإستنساخ؟
ربما يحاول أحدهم ذلك, إلا أن النتائج لن تكون كما يتوقعها على الأرجح. والسبب أن عملية الإستنساخ تتطلب استخراج خلايا حية من الشخص المطلوب إستنساخه وهو أمر مستحيل تحقيقه في حالة “هتلر” ما لم يكن قد تم إستخراج الخلايا المذكورة وتجميدها قبل حدوث الوفاة.

 

الرائيليون رواد الإستنساخ

ارتبطت عملية الإستنساخ البشري بمجموعة تعرف بطائفة الرائيليين, فمن هم هؤلاء وما هدفهم من الإستنساخ؟
تأسست الطائفة الرائيلية في فرنسا عام 1973 على يد “كلود فوريلهون” الذي اتخذ لنفسه إسم رائيل. وتقول الطائفة المذكورة أن كل أنواع الحياة على الأرض تم خلقها على يد علماء جاؤوا من كوكب آخر مستخدمين الحامض النووي DNA)) في عملية الخلق.
ومنذ نحو ست سنوات, أنشأ “رائيل” مؤسسة “كلويند” وهي الأولى في مجال الإستنساخ البشري. وقد أوضح في كتاب أصدره تحت عنوان “الرسالة الأخيرة”, أن تقنية الإستنساخ سوف تؤدي الى تحقيق الحياة الأبدية, مؤكداً أنه حين يتمكن المرء من خلق “نسخة أصلية” عنه, سيصبح بإمكانه في مرحلة لاحقة نقل ذكرياته وشخصيته الى “دماغه الجديد” ما يسمح له بالخلود الفعلي!