قضايا إقليمية

الاستيطان والمستوطنون عقبة كبيرة بوجه السلام
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الاسرائيلية

إسرائيل تسعى الى ضمّ الأراضي الفلسطينية التي احتلتها العام 1967، بما يحقّق لها متطلبات أمنها من وجهة النظر الجيوستراتيجية، ويكفل لها الحصول على مصادر مياه إضافية وفرض شرعيتها عليها حفاظاً على الهوية اليهودية.

الدولة العبرية تسعى الى البقاء داخل حدود آمنة معترف بها دولياً، في ظل تفوّق حضاري وتكنولوجي وعلاقات متينة مع دول الجيران بما يضمن السيادة الإسرائيلية المطلقة ويمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة وفاعلة في الجوار.

 

تحدّد دراسة بعنوان «إسرائيل على مشارف القرن الواحد والعشرين» صادرة عن معهد فان لير الإسرائيلي في القدس، والمتخصص في الدراسات الاستراتيجية، الأهداف والغايات القومية لكيان العدو على أنها: السعي لإقامة إسرائيل الكبرى ذات الهوية اليهودية النقية، كقوة إقليمية عظمى مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط. ولتحقيق ذلك وفي ظل ما يسمى «عملية السلام»، التي قبِلها العرب، من دون وجود أي مَعلم حقيقي من معالم السلام المتعارف عليها عالمياً، فإن إسرائيل تسعى الى ضمّ أقصى ما تستطيع ضمّه من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها العام 1967، بما يحقّق لها متطلبات أمنها من وجهة النظر الجيوستراتيجية، ويكفل لها الحصول على مصادر مياه إضافية وفرض شرعيتها على تلك الأراضي باستيطانها وإخلائها من السكان العرب حفاظاً على الهوية اليهودية، على أن تعمل الاستراتيجية العسكرية على تحقيق ذلك من خلال ما تسميه الردع الوقائي أو الانتقامي الجسيم لتأمين عمليات الضمّ والتهويد والتحكّم بالمناطق المحتلة سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.
وتفيد الدراسة ايضاً أن الدولة العبرية تسعى الى البقاء داخل حدود آمنة معترف بها دولياً، في ظل تفوّق حضاري وتكنولوجي وعلاقات متينة مع دول الجيران العرب ودول الجوار الجغرافي الأخرى بما يضمن السيادة الإسرائيلية المطلقة ويمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة وفاعلة في جوار إسرائيل. ومن المفروغ منه أنه لا يمكن تحقيق كل هذه الغايات والأهداف القومية والاستراتيجية من دون تركيز الاستيطان اليهودي وتكثيفه وتقليص الحضور العربي الى أدنى حد ممكن وصولاً الى منابع نهر الأردن في جنوب لبنان وجبل الشيخ مع السعي الى الحصول على حصة تصل الى نحو مليار م3 من مياه النيل في إطار ما يسمى التعاون الاقليمي مع مصر أولاً وتركيا ثانياً.
في سياق هذا الواقع الموضوعي تسعى حكومة إسرائيل الإئتلافية الحالية الى استمرار البقاء القومي الصهيوني بدرجة عالية من الصلابة ونقاء الجنس، على غرار أطروحات النظريات النازية والفاشية، وذلك عبر السعي الدؤوب الى زيادة حجم القوة البشرية وتحسين نوعيتها (جلب يهود العالم الى الكيان العبري). ويجري الحديث حالياً عن هجرة نحو عشرة ملايين يهودي من الشتات وعن تشجيع زيادة النسل اليهودي وتقليص الانتشار العربي داخل ما يسمى «أرض إسرائيل»، مع السعي الى تقوية روابط التماسك الاجتماعي والتخفيف من حدة الصراعات والتناقضات العرقية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تعتري المجتمع اليهودي في إسرائيل، ومن ثم العمل على رفع المستويات الثقافية والخدماتية في مجالات الصحة والتعليم والإسكان والتأمين، بما يحقّق أهداف التنمية الاقتصادية والبشرية في الدولة. وهذا كله في ظل هدف ايديولوجي بعيد المدى يعيد إحياء الحضارة اليهودية وإثراء فكرة الصهيونية كمبدأ أساسي عنصري، وإعادة بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى باعتباره الهدف الأسمى ليهود العالم ومناصريهم. ومثل هذه الأهداف جميعاً لا يمكن بلوغها من دون نشر وترسيخ عوامل الفرقة والتشتت والتعصب الفكري والديني في البلدان العربية، بما يؤدي الى زيادة التطرّف الطائفي والعرقي والمذهبي ويقضي على عوامل التضامن والأمن الداخلي.
بالرغم من كل ما تقدّم ثمة من بين العرب من لا يزال يتحدث عن السلام المشروط بإزالة الاستيطان السرطاني المتفشّي داخل الأراضي المحتلة العام 1967، إلا أن إسرائيل كما يعلم الجميع تضرب بهذه المطالب المحقّة عرض الحائط وتواصل استيطانها وسعيها للسيطرة على القدس بما فيها من أماكن مقدسة للمسلمين والمسيحيين بالاضافة الى الجولان السوري وبعض الأراضي اللبنانية غير المحررة في الجنوب.
لقد مرّ على عملية الاستيطان اليهودي في أراضي العام 1967 ما يزيد عن أربعة عقود من الزمن، بينما لا يزيد العمر الاستيطاني لمستوطنين آخرين على سنوات قليلة أو ربما بضعة شهور. وينتمي هؤلاء الوافدون الى جماعات يهودية إثنية مختلفة، فمنهم يهود أميركيون ويهود قادمون من جنوب افريقيا وآخرون من الاتحاد السوفياتي السابق، أي أن غالبيتهم من الاشكيناز الغربيين والبقية من السفاراديم من أصول شرقية.
لقد شكّل هؤلاء شريحة اجتماعية مميزة في المجتمع الإسرائيلي، بحيث حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1967 وحتى الآن الاحتفاظ بعلاقة حميمة معهم، الى حدّ أنهم باتوا يشكّلون الفئة الوحيدة من سكان إسرائيل المدللة والمحتفظة بتسهيلات ومميزات خاصة. فهم الوحيدون الذين لا يوجد في صفوفهم فقراء أو تحت خط الفقر ولا توجد بينهم أسرة من دون مسكن مريح، ولا يوجد طفل من أطفالهم من دون مدرسة أو مدرّسين أو كتب دراسية مهما كانت المستوطنة التي يعيشون فيها صغيرة أو نائية. ويحصل هؤلاء على حسم قدره 7٪ من الضرائب المفروضة على عموم الإسرائيليين، وإذا أرادوا استثمار أموالهم في الضفة الغربية وقطاع غزة سابقاً، فإن حوافز وتسهيلات إضافية تُعطى لهم.
لقد تجاوز عدد المستوطنين اليهود في أراضي الضفة الغربية النصف مليون مستوطن، طبقاً لإحصاء دائرة الإحصاء المركزية. وهم يشكّلون 9٪ من مجمل سكان إسرائيل اليهود ويقيمون في نحو 125 مستوطنة معترف بها من قبل وزارة الداخلية، هذا بالاضافة الى مستوطنات اخرى كبيرة وصغيرة داخل أراضٍ تمّ ضمّها وإلحاقها ببلدية القدس، وايضاً بؤر استيطانية غير معترف بها رسمياً. والفارق الأهم بين هذه المستوطنات هو الفارق بين مستوطنات دينية وأخرى علمانية. وضمن كلا الكتلتين توجد مجموعات متطرفة ذات نزعات قومية وشوفينية ودينية تتبنّى الايديولوجيا الصهيونية المصبوغة بصبغة توراتية ما ورائية وخلاصية. ولا شك بأن لهؤلاء تأثيرات كبيرة جداً على مسار عملية الصراع والتفاوض والتسوية لجهة العرقلة وإدخال المنطقة في المستحيل. ومن ضمن هؤلاء ما يسمى «مجلس المستوطنين» الذي تأسس العام 1980 ويضم في عضويته مستوطنين من مختلف الاتجاهات الحزبية السياسية السائدة في أوساط المستوطنين. ويعلن هذا المجلس أن أهدافه تتمحور حول تطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق ما يسمونه «يهودا والسامرة» الى الضفة الغربية المحتلة، واعتبارها جزءاً لا يتجزأ مما يسمى «أرض إسرائيل الكاملة». كذلك هناك «غوش ايمونيم» (اي كتلة الإيمان) ورابطة «يشاع» (أي الضفة الغربية) التي تمثّل حركات استيطانية ايديولوجية متطرفة تشجع على الإرهاب ضد الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً، بل وحتى ضد أي يهودي يفكر بالتنازل عن شبر من الأراضي المحتلة كما حصل مع اسحق رابين رئيس الحكومة الصهيونية الذي اغتاله أحد المنتمين الى هذه التيارات الشوفينية التي تمثل الأصولية اليهودية الإرهابية المانعة السلام والاستقرار في المنطقة.