في كل بيت

الافراط في الدلال غير الافراط في الحب
إعداد: ريما سليم ضومط

من منّا يرغب في تنشئة أطفال مدلّلين، اتكاليين، أنانيين، لا يملكون الحسّ بالمسؤولية؟ لا أحد بالطبع. ومع ذلك، فإن عدداً كبيراً من الأهالي يتذمرون من أنهم أفرطوا في تدليل أولادهم عن غير قصد بالرغم من حرصهم الشديد على تربيتهم على أفضل وجه.
ما السبب في ذلك؟ وما الذي يؤدي إلى الإفراط في تدليل الأطفال وإفسادهم؟ هل هو الحب الكبير، أم العطاء الزائد، أم الإهمال من قبل الأهل؟

 

بين الصح والخطأ

ما هو الصح وما هو الخطأ في الأساليب المعتمدة لتنشئة الأطفال؟ الدكتورة مارغريت بول، المؤلفة لعدد من الكتب التربوية الأكثر رواجاً، تتحدث في مقالات لها عما يفسد الطفل وما يساعده على النمو السليم، فتشجع الأهل على إحاطة أطفالهم بكثير من الحب والرعاية من دون خوف من الإفراط في تدليلهم، مؤكدة أن الحب لا يمكن أن يفسد الطفل، فهو يحتاج إليه بقدر حاجته إلى الطعام والماء. أما المشكلة برأيها، فتكمن في تحديد مفهومنا للحب. وهي تؤكد في هذا الإطار أننا لا نمنح أطفالنا الحب عندما نزوّدهم بكل ما يطلبونه على الصعيد المادي، وإنما نحبّهم حين نعطيهم الاهتمام اللازم، ونقضي معهم الأوقات الكافية، ونستمع إلى مشاكلهم وتطلعاتهم وطموحهم، والأهم أن نحترم ونقدّر ما هم عليه من الداخل. فالحب، تفهّم وتعاطف ورعاية.
وتضيف أن الحب هو أن نعطي، ونعلّم أطفالنا بدورهم على العطاء. وقد تكون فترة الإجازات المدرسية والأعياد الفرصة المناسبة لذلك. فبدلاً من أن نبذر أموالنا في تكديس الهدايا لأطفالنا، يمكن أن نستعيض عن ذلك بهدية واحدة لكل طفل، واصطحاب العائلة بأسرها لشراء الملابس والطعام للفقراء والمحتاجين. وهنا تكمن الهدية الحقيقية لأطفالنا بحيث نمنحهم الفرصة ليتعلموا العطاء والتضحية بدلاً من أن نفسدهم بالهدايا التي قد لا يحتاجون إلى معظمها.

 

تأثير العطاء المادي الزائد

تؤكد الدكتورة بول أن العطاء المادي الزائد هو المدخل إلى الدلال المفرط، مشيرة إلى ثلاثة أفخاخ يقع فيها الأهل عندما يبالغون في هذا النوع من العطاء، وتلخصها على الشكل الآتي:

  • أولاً: عندما نمنح أطفالنا فائضاً من الهدايا والألعاب أو الملابس أو أي من الممتلكات المادية، وعندما نسمح لهم بالجلوس طويلاً أمام شاشة التلفـزيـــون والكمبيوتر، فإننا نشجعهم بذلك على السلوك الإدماني. أي أنهم سيعتادون حالة «الرخاء» التي يعيشونها وسيطلبون المزيد باستمرار من دون اكتفاء، فنكون بذلك قد أعطيناهم «الامتلاء الخارجي» فقط، بينما يبقون فارغين من الداخل من المبادئ والقيم والمهارات التي يجب غرسها في نفوسهم منذ سنوات الطفولة الأولى.
  • ثانياً: حين نحرم أنفسنا من حاجات أساسية كي نتمكن من تزويد أولادنا بكل ما يطلبونه من أمور غير ضرورية بمعظمها، فإننا بذلك لا نمنحهم الحب وإنما ننمّي لديهم روح الأنانية، فإن استمرارنا في العطاء مقابل تجاهل حاجاتنا الشخصية يعلّم أولادنا على تجاهل حاجات الآخرين والاهتمام بأنفسهم فقط.
  • ثالثاً: من المشاكل الناتجة عن تحوّل معظم المجتمعات إلى مجتمعات مادية، أن قيمة الإنسان باتت تحدّد بما يمتلكه (من سيارة أو منزل أو رصيد في البنك، الخ...)، والأسوأ أن المشكلة نفسها باتت تغزو عالم الصغار بتشجيع من الكبار. فعندما نغدق على أطفالنا الهدايا الثمينة والملابس ذات الماركات المشهورة والألعاب بمختلف أنواعها، فإننا نشجعهم على تقييم أنفسهم والآخرين من خلال ممتلكاتهم المادية بدلاً من النظر إلى قيمتهم الإنسانية وما تتضمنه من مزايا وصفات ومواهب خاصة بكل منهم.

 

أهمية وضع حدود

إلى جانب العطاء المادي الفائض الذي تحذر منه الدكتورة بول، يشير الخبراء إلى أن الأهل يفسدون أولادهم عندما يفشلون في وضع حدود لهم ينبغي عدم تجاوزها، وحين يعفونهم من أي مساعدة ولو طفيفة في الأعمال المنزلية، وعندما يحمونهم بشدة من خيبات الأمل بهدف إسعادهم. ويؤكد الخبراء أن هذا الإفراط في التدليل يخلق أولاداً اتكاليين غير قادرين على المواجهة أو تحمّل المسؤولية، ويفقدهم سلاحاً مهماً في الحياة ألا وهو الثقة بالنفس. ويضيفون أنه من واجبات الأهل مساعدة أطفالهم على تكوين شخصية مستقلة، عبر منحهم الفرصة لاكتساب مهارات مختلفة، ولتحقيق انجازات ولو بسيطة، ولاختبار النجاح والفشل وتحمّل مسؤولية أفعالهم.
من جهة أخرى، يشير الاختصاصيون في التربية إلى أحد الأفخاخ التي يقع فيها الوالدان العاملان وهو الشعور بالذنب تجاه أطفالهما. فهما يحاولان التعويض عن غيابهما خلال ساعات العمل الطويـلة بتدليل الطـفل ومنحه كل ما يرغب به، مما ينعكس سلباً على الصغير ويجعله متطلباً وأنانياً ومزعجاً.
من الأفخاخ الأخرى التي يشير إليها الخبراء «الشعور بالتعب»، فالأهل الذين ينتظرون فترة ما بعد الظهر أو المساء للراحة وقراءة كتاب ما أو الاسترخاء أمام شاشة التلفزيون، مستعدون لتلبية مختلف رغبات أطفالهم شرط ألا يزعجوهم بالبكاء أو التذمر أو النزاع في ما بينهم، غير مدركين أنهم بذلك يمنحونهم سلاحاً جديداً للسيطرة عليهم بينما المطلوب هو العكس.

 

ضرورة كلمة «لا»!

من هنا، يشير الخبراء في المجال التربوي إلى ضرورة قول كلمة «لا» للطفل كلما لزم الأمر، لكي يظل الأهل ممسكين بزمام الأمور. ولكن كيف يمكنهم أن يقولوا هذه الـ«لا» من دون أن يجعلهم ذلك أشراراً في نظر أولادهم؟
والجواب على ذلك أنه من الضروري أن يضع الأهل حدوداً لأولادهم منذ مراحل الطفولة المبكرة وصولاً إلى سن المراهقة، لكن ذلك لا يعني أن تكون السلطة الأبوية دكتاتورية وظالمة، وإنما كل «لا» يجب أن يكون لها تبريرها المنطقي، بما يتناسب مع عمر الولـد وقدرتـه على الاستيعاب.
فخلال سن المراهقة مثلاً يحتاج المراهق إلى معرفة سبب رفض والديه لأمر ما يرغب القيام به، وهنا يجب على الأهل أن يسمحوا بالنقاش والتوصّل إلى تفاهم مع المراهق وإقناعه بالمنطق لبناء علاقة تقوم على الصدق والثقة المتبادلة.
أما بالنسبة إلى الأطفال صغار السن، فيمكن أن ترافق عملية الرفض حجة تناسب قدرتهم على الاستيعاب، كأن يُقال لهم أن ما يرغبون القيام به سوف يؤذيهم، وهذا المبرّر يكون كافياً في معظم الأحيان.