إقتصاد ومال

الاقتصاد العالمي في أجواء عدم اليقين والقلق فماذا عن لبنــان؟
إعداد: تريز منصور

بعد الأزمة المالية العالمية «ساب برايم» التي حصلت في نهاية العام 2008، شهدت الأسواق المالية الأميركية والعالمية أزمة مالية جديدة أدت إلى خسائر كبيرة  وتقلبات حادة في أسعار الذهب والنفط... كما أنها طرحت تساؤلات كبيرة حول مستقبل الاقتصاد العالمي وعملية النمو، ولا سيما أن الخطوات الإصلاحية التي أعقبت «ساب برايم» اتسمت بالسطحية والهشاشة ولم تنجح في إرساء حلول فعلية.
للوقوف على واقع ما يجري على صعيد الاقتصاد العالمي، إلتقت مجلة «الجيش» الخبير الاقتصادي الدكتور غازي عبد الله وزني (مدير مكتب دراسات واستشارات اقتصادية، ومستشار لجنة المال والموازنة النيابية)، الذي أضاء على المشكلة وتداعياتها المحتملة عالميًا ومحليًّا.


أسباب الأزمة
• هل كان تصنيف مؤسسـة «ستاندردز أند بورز» الدولية السبب الرئيس لانهيار البورصات الأميركية والعالمية مجددًا، وما هي قراءتكم لأسباب هذه الأزمة وتداعياتها؟  
- كان تصنيف مؤسســة التصنيف الدولية «ستاندردز أند بورز» متوقعًا منذ نحو الشهرين بـ4000 مليار دولار (وهي الاقتطاع بالميزانية التبادلية خلال فترة معينة)، ولكن فشل الاتفاقية بين الرئيس أوباما والكونغرس لأسباب سياسية، أدّى إلى خفض التصنيف إلى 2100 مليار دولار. وفي القراءة الاقتصادية، يعتبر هذا الرقم أو هذا التصنيف غير كافٍ لمعالجة العجز في الميزانية العامة للسنوات العشر المقبلة، ولمعالجة المشكلات المتفاقمة منذ عدة سنوات، إضافة إلى مشكلة البطالة (نحو 9،1 في المئة من القوة العاملة)، والعجز المرتفع للميزانية العامة للحكومة الفيدرالية (10،5 في المئة من الناتج المحلي).  في موازاة ذلك لم تتخذ الحكومة خطوات إضافية لتحفيز النمو الاقتصادي، حيث تظهر المؤشرات تخوّفًا كبيرًا جدًا من دخول الولايات المتحدة في ركود اقتصادي.
بدوره يخشى الاتحاد الأوروبي إنتقال عدوى المديونية العامة من دولة إلى أخرى في منطقة اليورو، بينما تعجز دول هذا الإتحاد عن تأسيس صندوق إنقاذي، ولا سيما أن مخاطر المديونية حاليًا تفوق بكثير حجم مديونية الدول التي سبق أن مرّت بالأزمة كاليونان والبرتغال وإسبانيا وايرلندا.
في هذا الإطار يسعى الإتحاد الأوروبي إلى المحافظة على ديمومة اليورو كعملة موحّدة وعدم انهيارها، وإنجاز خطوات تحدّ من مخاطر تخلّف بعض الدول عن سداد مستحقات ديونها. فهو يفرض على هذه الدول بعض الإجراءات المتشددة على صعيد المالية العامة مثل ضبط الإنفاق ووقف الهدر وزيادة الضرائب لتعزيز مواردها.
وأضاف الدكتور وزني: «إن الأزمة المالية الحاصلة في أميركا اليوم هي امتداد للأزمة المالية التي حصلت في نهاية العام 2008، إذ لم يتم وضع الحلول العلاجية لمسبباتها، إن على صعيد الأسواق العالمية، التي تخشى خسارة جزء كبير من أهدافها الرئيسة (الربحية الكبيرة والطمع والتوجه نحو العملاقات الكبيرة والابتعاد عن دورها الأخلاقي والإنتاجي والاقتصادي)، أو على صعيد معالجة المخاطر التي تهدّد القطاع المصرفي العالمي. فقد اتخذ بعض الخطوات الأولية على صعيد الرسملة وتقييم المخاطر والشفافية والرقابة، بينما بقيت الخطوات الاقتصادية الإصلاحية  غير كافية لتحفيز النمو.

 

أجواء عدم يقين وقلق
لقد ظهرت مشكلة جديدة، في منطقة اليورو، وكذلك في اليابان، حيث انكمش الاقتصاد وخفّضت مؤسسة «موديز» تصنيفها الائتماني، وبالتالي بقي التصنيف العالمى كما كان العام 2008، مستندًا في نموّه على الاقتصادات الناشئة في الصين والهند والبرازيل...   
ورأى وزني أن قــرار «ستاندردز أند بورز» بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، قد أدخل الاقتصاد العالمي في أجواء من عدم اليقين والقلق بفعل الخشية من دخول الولايات المتحدة في ركود اقتصادي وانتقال عدوى أزمة الديون في منطقة اليورو من دولة إلى أخرى. فهبطت البورصات العالمية بشكل كبير وسجل الذهب مستويات قياسية وتباطأ الاقتصاد العالمي وانخفض سعر النفط، واتجهت أنظار المستثمرين إلى تداعيات  القرار على الاقتصاد الأميركي والعالمي في ما خصّ ارتفاع كلفة الاستدانة والفوائد في الولايات المتحدة وخفض سعر الدولار في الأسواق العالمية.

 

تداعيات الأزمة
• ما هي تداعيات هذه الأزمة عى صعيد الاقتصاد اللبناني؟
- يمكن تصنيف هذه التداعيات وفق الآتي:
1- القطاع المالي والمصرفي: التأثيرات طفيفة بسبب عدم وجود استثمارات للقطاع في الأذونات الفيدرالية الأميركية، علماً أن مخاطرها محدودة أو معدومة بسبب استبعاد تخلّف الولايات المتحدة عن سداد ديونها. أما بورصة بيروت فلم تتأثر بالأزمة وبقي أداؤها ضعيفًا وتراجع مؤشر الأسعار اقل من 1 في المئة.
2- التبادل التجاري مع الولايات المتحدة: التأثيرات طفيفة إذ لا تتجاوز الصادرات 1,5% من إجمالي الصادرات أي 61 مليون دولار للعام 2010، ويصل حجم التبادل التجاري إلى 1970 مليون دولار منه 1909 مليون دولار للواردات ( 11 في المئة من إجمالي الاستيراد).
3- ارتفاع كلفة الاقتراض بالدولار في الخارج: يؤثر على النمو الاقتصادي لأنه يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفوائد على التسليفات المصرفية (85 في المئة من التسليفات بالدولار)، ويزيد من أعباء خدمة الدين العام، مما ينعكس سلباً على المالية العامة. وقد  أعلن المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إبقاء الفائدة قريبة من الصفر حتى منتصف العام 2013، ما يعني انه لا خشية في المدى القريب من حصول متغيرات هامة على الفوائد بالدولار، ويعود ذلك إلى ثقة كبار المستثمرين بسندات الدين الأميركية (الصين - اليابان - السعودية) وحرصهم على تجنّب تأزيم الوضع الاقتصادي الأميركي.
4- خفض قيمة الدولار في الأسواق العالمية: يؤثر على الاقتصاد اللبناني بسبب ربط الليرة بالدولار، الأمر الذي يفقد السلطات النقدية المحلية القدرة على مكافحة التضخم وتحفيز النمو. وانخفاض الدولار عالمياً يسبّب إرتفاع أسعار غالبية السلع والمواد الأولية والمواد الغذائية المتداولة بالدولار في الأسواق العالمية (85 في المئة من السلع عالميًا)، مما يؤدي إلى زيادة التضخم، فضلاً عن أنه يتسبّب في خسارة الاستثمارات المحلية والأصول المالية جزءًا من قيمهتا، ويزيد  كلفة الاستيراد من منطقة اليورو.
وتشير المعطيات إلى أن تقلبات سعر الدولار في المدى المنظور ستكون طفيفة بفعل هشاشة الأوضاع الاقتصادية في منطقة اليورو، ودعم الدول الدائنة أو ذات العلاقات التجارية القوية مع الولايات المتحدة للدولار. لكننا نرى أن الدولار الأميركي بدأ يفقد بريقه في الفترة الأخيرة، إذ تراجعت احتياطات المصارف المركزية العالمية المودعة بهذه العملة من 67% العام 2007 إلى 62% العام 2010، وتقلّصت حصة الولايات المتحدة في صادرات السلع عالمياً من 17 % العام 2000 إلى 11% العام 2010، وطالب عدد من الدول بمنظومة مالية عالمية جديدة، لا يؤدي فيها الدولار دورًا محوريًا.
استنادًا إلى ما سبق يتوجب على سلطات النقد اللبنانية بحث فك ارتباط الليرة بالدولار واعتماد سلة من العملات.
وعن تقلبات سعر الذهب، قال وزني إنها رهن بالتطورات الاقتصادية في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.

 

القطاع الاقتصادي في لبنان
• ماذا عن وضع الأسواق المالية والقطاع الاقتصادي في لبنان؟
- تأثيرات الأزمة العالمية على لبنان ليست سلبية بل انها إيجابية في بعض النواحي. فارتفاع أسعار الذهب يؤدي إلى ارتفاع قيمة مخزون مصرف لبنان من هذا المعدن الى أكثر من 16 مليار دولار (40% من الناتج المحلي)، ما يساهم في تعزيز الثقة بالاقتصاد اللبناني واستقرار النقد الوطني، وفي تحسين التصنيف الائتماني للدولة اللبنانية، كل ذلك ينعكس إيجابًا في تصنيف القطاع المصرفي الذي يحمل ديونًا سيادية تفوق 11.7 مليار دولار. وكذلك يساعد في ارتفاع فوارق تقويم الذهب في ميزانية مصرف لبنان الى أكثر من 10,5 مليار دولار.
أما خفض أسعار النفط عالميًا اكثر من 10% فينعكس إيجابًا على الاقتصاد اللبناني، إذ يخفّض الفاتورة النفطية والعجز في المالية العامـــــة ويخفّف مـــن أعبــــاء المواطنيــن (البنزين، الكهرباء)، كما أن تأثيراته على ميزان المدفوعات والميزان التجاري إيجابية.
لكن لبنان لن يستفيد من الأزمة العالمية على غرار ما حدث العام 2008، حين سجّل معدلات نمو قياسية في الاقتصاد والتدفقات المالية والقطاع المصرفي، وفي كل الأحوال ستبقى تبعات الأزمة العالمية ضعيفة وأقل قساوة من تبعات الأزمة الداخلية.

 

التأثيرات العالمية
• هل تؤثر الخلافات الناشئة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية على منحى التطورات المالية والاقتصادية؟

- تعتبر الولايات المتحدة الأميركية أن سعر صرف الـ «يوان» (العملة الصينية) منخفض ويجب رفعه. وفي الوقت نفسه نجد أن الصين هي الدولة الوحيدة التي تحمي الاقتصاد الأميركي من الانهيار، وتحمي الدولار، لأنها تحمل باحتياطاتها (بالعملات الأجنبية) أكثر من 1700 مليار دولار، منها 1000 مليار سندات الخزينة للحكومة الفيدرالية الأميركية.

 

• هل تتوقعون حدوث حرب عالمية ثالثة إثر الأزمات المالية العالمية المتتالية، كالحرب العالمية الثانية التي حصلت غداة أزمة الكساد الكبير العام 1929؟
- من المتوقع دخول العالم في المزيد من الأزمات المالية والاقتصادية، لأنه لم تتم معالجة الأسباب الرئيسة للأزمة المالية، والخطوات التي اتخذت هامشية وغير كافية كما سبق وذكرنا. ولكن اقتصاد العام 2011 مختلف تمامًا عن اقتصاد 1914 و1929،  بحيث أن الولايات المتحدة كانت تحتاج في حينها إلى حرب من أجل تحريك قطاعاتها الاقتصادية وإلى خفض معدل البطالة لديها وتحفيز النمو، ولكن القضية اليوم مختلفة فأميركا لا تحتاج إلى حروب من أجل تحريك اقتصادها، لأنها تملك القوة على فرض عقود تجارية مع الدول التي تملك الفوائض المالية الكبيرة.