قضايا إقليمية

الانتخابات الاسرائيلية: دلائل ومميزات
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

الأغلبية النيابية الكبرى

من باب التذكير أولاً، تجدر الاشارة الى ان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية الاسرائيلية السابعة عشرة قد استقرت على ما يلي: كديما 82 - العمل 20 - شاس 12 - ليكود 12 - اسرائيل بيتنا 11 - الاتحاد الوطني + المفدال 9 - المتقاعدون 7 - يهودية التوراة 6 - ميرتس 5، وحصلت اللوائح العربية الثلاث مجتمعة على 10 مقاعد، وهكذا تكتمل حلقة الكنيست (البرلمان) على 120 مقعداً.
الناطق باسم رئاسة الحكومة الاسرائيلية رعنان غيسين قال معلقاً على هذه النتائج: «ان الناخبين الاسرائيليين يشعرون بخيبة أمل ازاء تحقيق سلام عاجل، كما انهم يشعرون بخيبة أمل من اليمين، بحيث بات أغلبهم يدركون انه من المستحيل بالنسبة لاسرائيل الاحتفاظ باسرائيل الكبرى والاحتفاظ في الوقت نفسه بالطبيعة الديموقراطية واليهودية لدولة اسرائيل». وأضاف انه «بناء على ذلك أصبح الناخبون يبحثون عن حل وسط. وقد كان لدى شارون الذكاء الكافي لكي يوفر لهم الحل المنشود. والتحدي الآن هو ما اذا كان أنصاره قادرين على ترسُّم خطاه للوصول الى ذلك الهدف». وذكّر غيسين بان 31 حزباً سياسياً قد تنافست على مقاعد الكنيست ال120، الامر الذي يجعل من الصعب جداً حصول حزب واحد على أغلبية نيابية كبرى.

 

ما هي القواسم المشتركة؟

القواسم المشتركة بين مختلف الأحزاب المشاركة في المعركة الانتخابية، يمكن حصرها في ثلاثة هي:
1 - ضرورة توفير أموال كثيرة لأي شخص يرغب في المنافسة بقوة في حزبه، علماً بأن القانون يسمح باستخدام نحو 200 ألف دولار لكل عضو في معركته التنافسية في داخل حزبه، الا ان هذه المبالغ تتضاعف بالنسبة للكثير من المرشحين. ولهذا شهدنا فتح الكثير من ملفات التحقيق بحق أعضاء برلمان ووزراء بسبب حصولهم على أموال غير مشروعة، كان من بينهم رئيس الحكومة الغارق في غيبوبته الطويلة آرييل شارون ونجلاه. وقد فتحت هذه الظاهرة الكثير من الأبواب أمام تسلل عناصر من العالم السفلي وعالم الاجرام والمافيات الى لبّ السياسة الاسرائيلية، بالاضافة الى تدخل كبار المتمولين الذين يضخُّون أموالاً طائلة في اطار «تبرعات وهبات».
2 - استخدام وسائل الاعلام بكثافة وعلى مدار الساعة بالاضافة الى نشاط مراكز استطلاعات الرأي. وتجدر الاشارة الى ان لكل وسيلة اعلام توجهاتها السياسية الخاصة المختلفة عن الاخرى ولا توجد أي منها على الحياد.
3 - الروابط العائلية: فالكثير من المرشحين تربطهم صلة قرابة وثيقة جداً بأعضاء كنيست حاليين أو سابقين، بحيث أصبح يوجد في الحلبة السياسية مصطلح «الامراء» أي أبناء أعضاء كنيست أو وزراء سابقين. وهؤلاء دخلوا الحلبة السياسية، ومن ثم البرلمانية، استناداً الى رصيد احد أقربائهم ومن ضمنهم رئيس الحكومة العتيد ايهود اولمرت. والجدير ذكره في هذا السياق ان مراقب الدولة يُصدر عادة في السنوات الأخيرة بعد كل انتخابات، تقريراً بحجم كتاب، يوثِّق ما تيسَّر ضبطه من معالم الفساد والغش.

 

محاور المعركة الانتخابية

في تحليل لمواقف الأحزاب الاسرائيلية الأساسية من القضايا الخلافية الجوهرية، كتب المعلق الاسرائيلي عوزي بنزيمان في صحيفة «هآرتس» (26/3/2006) يقول ان هذه الأحزاب قد طمست مواقفها الحقيقية وخصوصاً في ما يتعلق بقضية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وأضاف: «ضباب المعركة الذي يلف الحملة الانتخابية ليس خاصاً باسرائيل لوحدها، فهناك ميل للغموض الايديولوجي وطمس التباينات بين الأحزاب المرشحة في دول ديموقراطية كثيرة. المتنافسون يسعون للتوجُّه الى الجماهير العريضة قدر استطاعتهم، ولذلك يقومون بالتعتيم على مواقفهم الحقيقية». ويضيف ان «هذه الظاهرة تبرز بوضوح اكبر في الحملة الانتخابية الحالية في اسرائيل، على الرغم من ان للأحزاب الثلاثة الكبيرة أساساً واضحاً من المواقف بالنسبة للفلسطينيين ومستقبل الضفة الغربية. الا ان هذه الأحزاب، مع ذلك، بذلت جهوداً كبيرة لإضفاء الغموض على مواقفها الحقيقية. فايهود اولمرت مثلاً صرح عن عزمه الانسحاب من أغلبية أراضي الضفة الغربية، الا انه تحدث في الوقت نفسه عن الانكفاء الى داخل الكتل الاستيطانية الكبرى والسيطرة على مناطق أمنية واسعة. وعمير بيرتس، زعيم حزب العمل، أعلن بدوره عن خطة جنيف كمفتاح لتسوية الصراع، الا انه تراجع عن موقفه، لا بل علّق على انتصار حماس في الانتخابات الأخيرة بصورة مشابهة لرد أحزاب اليمين. وبنيامين نتنياهو، زعيم الليكود، ادعى بأنه يتوجه نحو التسوية مع الفلسطينيين، إلا انه وضع أمامهم شروطاً انما تؤدي الى تكريس الوضع القائم». وقال بنزيمان أيضاً: «من الأفضل للناخبين ان يقوموا بتقشير الطبقات التي تغلِّف مواقف الأحزاب الثلاثة بشأن مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين، باعتبارها المسألة الأساسية المطروحة على محك الحسم أمام الناخب من قبل أن يقوم هذا الأخير بإلقاء ورقته في الصندوق. الليكود يتطلع الى مواصلة السيطرة على الضفة الغربية بأكملها وينادي بحل الصراع من طريق القوة والجبروت. أما حزب العمل فينادي بالانسحاب شبه الكامل والتوصل الى اتفاق، وكديما يسعى الى تطبيق خطوة آحادية الجانب وتشمل إخلاءً واسعاً للضفة مع ضم كتل استيطانية من خلف الجدار الفاصل وبلورة توازن رعب عسكري. وميرتس من جانبه يقف الى جانب حزب العمل. أما الاتحاد الوطني والمفدال فيصطفان مع الليكود. واسرائيل بيتنا الخاص باليهود والروس فيقف أيضاً مع هذا المعسكر الى جانب حل متميز (وهو اعادة ترسيم حدود الدولة من خلال ابعاد المناطق العربية الى خارجها). وأحزاب الأقليات تنادي بمواقف تسعى في جوهرها الى ازالة الطابع الصهيوني عن الدولة. أما الأحزاب الدينية الأصولية فلها جدول أعمال خاص بها».

 

لماذا غاب كبار العسكريين؟

ثمة ظاهرة هامة تلفت الانتباه في الانتخابات الحالية وهي غياب كبار العسكريين عن رؤوس اللوائح الانتخابية، وحلول القضايا الاجتماعية مثل الفقر والتربية في المرتبة الثانية بعد الأمن. والجدير ذكره ان ايهود اولمرت  زعيم حزب كديما قد أمضى القسم الاكبر من خدمته العسكرية الالزامية بالعمل في مطبوعة يصدرها الجيش.
وكان من الممكن في ظروف طبيعية أن يستغل خصومه هذه «المنقصة» لرميه بسهام انتقاداتهم لو كانت لديهم أفضلية عليه في خبرتهم العسكرية. والوضع نفسه ينطبق على زعيم الحزب الثاني في تراتب مجموع الأصوات وهو عمير بيرتس زعيم حزب العمل، الذي أدى خدمته العسكرية في القسم اللوجستي التابع لوحدة المظليين، في حين غادر بنيامين نتنياهو، زعيم حزب ليكود المتراجع، الجيش في سن الثالثة والعشرين بعد تمضيته فترة وجيزة في الوحدة الخاصة التابعة لرئاسة الأركان «سييريت مطكال».
وعلى الرغم من أي شيء، فإن الجميع يتفقون على ان أولمرت قد حقق أداءً جيداً خلال العملية العسكرية الأخيرة، التي شنها الجيش الاسرائيلي على سجن اريحا في الضفة الغربية لاعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات، وناشطين آخرين معه، لضلوعهم في تصفية وزير السياحة الاسرائيلي الأسبق صاحب نظرية ترحيل الفلسطينيين جميعاً الى خارج فلسطين، رحيعام زئيفي العام 2001.
وفي هذا السياق رأي افرايم عنبار، الخبير العسكري في جامعة بارايلان في تل أبيب، ان «الافتقار الى خبرة عسكرية يطرح مشكلة بالنسبة لعمير بيرتس زعيم حزب العمل بصورة خاصة». وأوضح يقول: «ان أولمرت يحظى على الأقل بخبرة كبيرة في المجال السياسي وقد شارك في لجان أمنية مختلفة وكان مقرباً من آرييل شارون، حين كان الأخير رئيساً للوزراء".