دراسات وأبحاث

الانتخابات الرئاسية الأميركية ما يتغيّر هو الآليات وليس التوجهات...
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

خلال بضعة أيام (8 تشرين الثاني المقبل)، تكون الولايات المتّحدة الأميركية قد أنجزت انتخاب الرئيس الخامس والأربعين لها. الرئيس ونائبه سيتسلّمان سلطاتهما الدستورية اعتبارًا من مطلع العام 2017 وحتى العام 2021، وبحسب الدستور الأميركي، يمنع الرئيس من الترشح لأكثر من ولايتين متتاليتين.


الرئاسة وخيارات السياسة الخارجية
تكتسب الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تجري كل أربعة أعوام، أهمية كبيرة، فالولايات المتحدة ما زالت تتربع على رأس هرم النظام الدولي، حيث تتشابك علاقاتها ومصالحها في الكثير من أزماته وتفاعلاته، ومنها منطقة الشرق الأوسط.
يحكم السياسة الخارجية الأميركية تجاه العالم العديد من الثوابت، والمحددات، والمصالح، وذلك بصرف النظر عن حزب الرئيس، وما إذا كان جمهوريًا أو ديمقراطيًا أو غير ذلك. فعملية صنع السياسة الخارجية الأميركية تقوم على المؤسسات، وليس على الأفراد. لكن على الرغم من ذلك، فإن شخصية الرئيس الأميركي والفريق الرئاسي المعاون له في الإدارة، يؤثران بشكل كبير في تلك السياسة، سواء كان ذلك من حيث اعتماد التدخل في قضايا العالم وساحاته، أو الانعزال عنها، أو من حيث آليات الممارسة وتنوّعها ما بين استخدام الأدوات الصلبة، مثل القوة العسكرية، والعقوبات الإقتصادية والضغوط السياسية، وبين الوسائل الناعمة، مثل المساعدات، والاحتواء، والحوار، والدبلوماسية.


من ينتخب الرئيس وكيف؟
في محاولة الإجابة عن هذا السؤال تقول الدكتورة منار الشوربجي أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، ومؤلفة كتاب «كيف ينتخب الرئيس الأميركي؟» (صدر في القاهرة العام 2008 ):
«إن واضعي الدستور الأميركي والآباء المؤسسين قد اختاروا أن يكون انتخاب الرئيس انتخابًا غير مباشر، أي على مرحلتين: الأولى، هي الاقتراع العام من قبل الناخبين (الأصوات الشعبية)، والمرحلة الثانية، هي المجمع الانتخابي (الأصوات الانتخابية). وتؤكد المؤلفة أن الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات يجعل من الولايات الناخب الحقيقي الذي يختار الرئيس، وليس الشعب الأميركي.
فلكل ولاية من الولايات الأميركية، عدد من الأصوات الانتخابية أو المندوبين مساوٍ لعدد أعضائها في مجلسى الشيوخ والنواب معًا. وينتخب هؤلاء المندوبون وفق شروط يحددها المجلس التشريعي لكل ولاية، فولاية صغيرة كألاسكا لها ثلاثة أصوات انتخابية، بينما نجد أن لولاية كاليفورنيا 55 صوتًا انتخابيًا. يبلغ مجموع أعضاء المجمع الانتخابي 538 منتخبًا، وهو عدد ثابت لأنّه مساوٍ لعدد أعضاء مجلسي الشيوخ (100 عضو) والنواب (435)، يضاف إليها ثلاثة أصوات للعاصمة واشنطن. ويقوم انتخاب الرئيس على قاعدة مؤداها أن الفائز يحصل على كل شيء winner-takes-all، بمعنى أن المرشح الذي يحصل على أعلى نسبة من الأصوات الشعبية في الولاية، يفوز بكل أصوات تلك الولاية في المجمع الانتخابي، بينما لا يحصل منافسه على أي صوت على الإطلاق. ولا يشترط أن تكون النسبة الأعلى هذه غالبية بالضرورة، فمن الممكن أن يحصل المرشح على 38% مثلًا من أصوات الناخبين فيصبح هو الفائز طالما لم يحصل أي من منافسيه على نسبة أعلى من ذلك. وهذا يعني أن المرشح قد يفوز بالرئاسة من دون أن يحصل بالضرورة على غالبية أصوات الناخبين في الولايات المختلفة. فمعيار الفوز في الواقع هو أصوات المجمع الانتخابي لا الأصوات الشعبية».


شروط الترشح للانتخابات والمرشحون
نص الدستور الأميركي على أن المرشح لانتخابات الرئاسة يجب أن يكون:
- مواطنًا أميركيًا مولودًا فوق الأراضي الأميركية.
- مقيمًا فيها لمدة لا تقل عن 14 سنة.
- عمره لا يقل عن 35 سنة.
يعتبر الحزبان الجمهوري والديمقراطي أكبر الأحزاب التي تتنافس في سباق الرئاسة إلى البيت الأبيض منذ أجيال وأهمّها، ويحتكر هذان الحزبان منصب الرئاسة، وإدارة البلاد. وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض الأحزاب الأخرى التي تسعى لإثبات ذاتها ووجودها عبر مرشحيها بالإضافة إلى مستقلين.
ولكن الإحصاءات واستطلاعات الرأي في الإنتخابات الحالية، تدل حتى الآن أن مرشحي الحزبين الرئيسيين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري، يحظيان بأعلى نسب من التأييد الشعبي، وكأن المنافسة الحقيقية على الرئاسة باتت محصورة بينهما، وهما حاليًا السيدة هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري.


مراحل انتخاب الرئيس
تجري الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفق آليات معقدة إلى حد ما، حيث تستمر على مدى عام كامل تقريبًا. وتجري الانتخابات التمهيدية في الولايات ابتداء من شهر كانون الثاني وحتى شهر حزيران للفوز بأعداد المندوبين في الولايات. ثم يعقد كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وغيرهما من الأحزاب، مؤتمرًا سنويًا في شهر تموز لاختيار المرشح الذي يمثله رسميًا في الانتخابات، وهو يكون غالبًا المرشح الحاصل على أكبر عدد من المندوبين في الانتخابات التمهيدية. بعد ذلك تقام بين المرشحين (خلال شهري أيلول وتشرين الأول) مناظرات تلفزيونية حول السياسات الداخلية والخارجية لكل منهم، في محاولة لكسب أكبر نسبة من أصوات الناخبين. تجري الانتخابات العامة أول يوم ثلاثاء من شهر تشرين الثاني، لاختيار الرئيس وفق نظام المجمع الانتخابي. والمرشح الذي يحصل على 270 صوتًا من أصوات المندوبين في المجمع الإنتخابي، يعتبر فائزًا برئاسة الجمهورية. وفي حال لم ينل أي من المرشحين غالبية 270 صوتًا من أصوات المندوبين، يقوم «الكونغرس» بعملية الإنتخاب، فينتخب مجلس النواب (435 نائبًا) رئيسًا من بين المرشحين الثلاثة الأول الذين نالوا العدد الأكبر من اصوات المندوبين، وينتخب مجلس الشيوخ (100 شيخ أو سيناتور) نائب الرئيس من بين مرشحين اثنين للمنصب نالا العدد الأكبر من أصوات المندوبين (يعتبر نائب الرئيس الأميركي رئيسًا لمجلس الشيوخ). يؤدي الرئيس الجديد القسم الدستوري ويتسلّم سلطاته مع نائبه اعتبارًا من 20 كانون الثاني من السنة التالية Inauguration Day.
تمثّل المؤتمرات والانتخابات التمهيدية التي يجريها كل حزب لاختيار مرشحيه لانتخابات الرئاسة، مرحلة هامة جدًا في السباق الرئاسي، وكما هو الحال في المجمع الانتخابي فإن الناخب في المرحلة التمهيدية لا يدلي بصوته مباشرة لمصلحة المرشح للرئاسة، وإنما يعطي صوته إلى مندوبين عن هذا المرشح يحضرون المؤتمر العام للحزب، ويصوّتون فيه بدورهم لمصلحة من يفوز بترشيح الحزب.
ومما يزيد من كون الانتخابات التمهيدية ممثلة للنخبة أكثر منها ممثلة لإرادة الناخبين توقيت إجرائها في الولايات المختلفة، فالولايات تختار بالتنسيق مع الحزب، اليوم الذي ستعقد فيه انتخاباتها التمهيدية اعتبارًا من مطلع السنة الانتخابية وحتى مطلع صيف تلك السنة.


من يصنع المرشح؟
ليس لدى المواطن الأميركي العادي غير المسّيس الوقت ولا الرغبة في بذل جهد كبير في جمع المعلومات اللازمة لاتخاذ قراره الانتخابي، ومن ثم فهو يبحث دومًا عن ما يشبه «الجرعة» التي تقدم له في وقت قصير ما يريد من معلومات. لذلك يؤدي التلفزيون دورًا أكبر تأثيرًا من أي وسيلة إعلامية أخرى، في توجيه اختيار الناخب وتحديده. وهناك تأثير كبير لمراكز التفكير والبحث ودوائر الإحصاء واللوبيات الصناعية العسكرية وشركات النفط العملاقة وممثلي السينما، وكذلك وسائط التواصل الاجتماعي والإنترنت والميديا المختلفة.

 

بين «هندسة الإجماع» و«صناعة الإذعان» من يصنع الناخب والرأي العام؟
 يرى فرويد، عالم النفس اليهودي النمساوي الشهير(1856-1939) «أن الجماهير لا يمكن أن تترك حرة، لأن لديها نزعات عنف، وتقوم بتصرفات غير منطقية، لذلك يرى أنه لا يمكن الثقة بحكمها ورأيها».
اقتنع المفكر السياسي والإعلامي الأميركي الشهير في القرن العشرين والتر ليبمان (1889-1975) بفكر فرويد، وهو كان مستشارًا للرئيس ولسن، وقد صاغ نظريته الشهيرة حول «القطيع المرتبك»، ورفض إعطاء أي دور للجمهور في اتخاذ القرارات، كما رفض فكرة الديمقراطية لأنّ منح الجمهور هذا الحق خطر جدًا.
كذلك اتفق مع إدوارد بيرنز (1891- 1995) وهو نسيب لفرويد ورائد في علم العلاقات العامة والبروباغندا، وقد عملا معًا على إطلاق نظرية «هندسة الإجماع»، بغية توجيه الناس وفق رؤية القادة السياسيين، ودفعهم لاتخاذ سلوك وفق مصالحهم في السياسة كما في الاقتصاد، وهذا برأيهما جوهر الديمقراطية.
اعتبرت هذه النظرية شكلًا من التراجع في الفكر السياسي الأميركي واتجاهه الديمقراطي، وكان الرد، «إن الديمقراطية هي في الأساس شكل من أشكال تنظيم سيطرة الحكام على الجمهور...». وقد ذهب ليبمان وبيرنز إلى أبعد من هذا عندما طرحا ضرورة تدخل الطبقة السياسية ونُخَبِها، في صياغة الرأي العام عبر ما سمي «صناعة الإذعان» لخدمة مصالح المجتمع، التي هي في الحقيقة مصالح «الطبقة السياسية»... ولم يكتف ليبمان بتحويل المجتمع إلى أداة تتحرك وفق مصالح الكبار، بل اعتبر أن الانتخابات تشبه الثورة التي تستخدم فيها صناديق الاقتراع بدلًا من استخدام السلاح، وأن الممارسة الديمقراطيه يجب ألّا تفسح المجال إلّا «للطبقة المتخصصة» في «إدارة مصالح العامة». وهذه الطبقة هي صانعة القرار الحقيقي التي يجب أن تبقى بعيدة عن وطأة زئير «القطيع»...

 

صراع المصالح والقيم
إن السياسة الخارجية الأميركية، منذ نشأة الولايات المتحدة، كما يرى بعض المحللين، تتغير دوريًا وبشكل روتيني، من توجه انعزالي إلى آخر تدخلي، بحيث يمكن توقع التغيّر من توجه لآخر في لحظات تاريخية معينة. وقد لاحظ بعض الدارسين أنّ تلك السياسة تتسم بالثبات أكثر من اتسامها بالتغيّر. وعلى الرغم من تعاقب الرؤساء منذ الحرب العالمية الثانية، فإنّ الخطوط العامة للسياسة الخارجية الأميركية ظلت ثابتة تقريبًا ويلاحظ أن السياسة الخارجية الأميركية منذ انتهاء الحرب الباردة، وحتى الآن، حافظت على الثبات والاستمرارية، وبخاصة في الأهداف والتوجهات. والتغيّر الذي حصل كان في اعتماد الآليات المختلفة التي راوحت ما بين زيادة منسوب التدخل العسكري، كما حدث في عهد الجمهوريين في إدارتي الرئيسين بوش الأب وبوش الإبن، أو تبني الآليات والوسائل الدبلوماسية في عهد الديمقراطيين خلال إدارتي الرئيسين كلينتون وأوباما. كذلك فإن السياسة الأميركية، بعد الحرب العالمية الثانية، كانت تسعى دائمًا وتجهد لإقامة التوازن ما بين حسابات المصالح الأميركية الواقعية، وحسابات القيم والديمقراطية والمثالية.
أما بالنسبة الى المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، كما يرى بعض المحللين السياسيين، وعلى رأسها تأمين الوصول إلى موارد الطاقة واستقرار أسعارها، وحماية أمن إسرائيل واستقرار دول الحلفاء، ومحاربة الإرهاب، فإنها ستفرض على الرئيس الأميركي القادم استمرار الانخراط في قضايا المنطقة، وضرورة التعامل معها بما يضمن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، على الرغم من رفع شعارات كثيرة متناقضة. ومن المرجح أن لا تختلف ثوابت السياسة الخارجية العامة وأنماط عملها كثيرًا عن الاستراتيجية الحالية للرئيس أوباما، وهي الانخراط غير المباشر والحروب بالوكالة. وأيًا كان الفائز في الانتخابات القادمة، فمن المرجح أن تستمر منطقة الشرق الأوسط في حالة اللاستقرار خلال فترة ولاية الرئيس الجديد، وستظل هذه المنطقة مسرحًا لتشابكات السياسة الخارجية الأميركية مع بعض الدول الصاعدة في الإقليم (كإيران)، وتقاطعها مع بعضها الآخر (كتركيا ودول الخليج وإسرائيل)، أو تنافرها مع بعض الأدوار للدول الصاعدة على المسرح الدولي والمتمثلة اليوم في روسيا على المسرحين الأوروبي والشرق أوسطي، والصين على المسرحين الآسيوي والباسيفيكي. وستتابع السياسة الخارجية الأميركية الانخراط في قضايا هذه المناطق وأزماتها، مع اختلاف في الآليات، وليس في الثوابت أو التوجهات أو الأهداف.
ويبقى الثابت الوحيد في لعبة الأمم أنه عندما تتصارع القيّم مع المصالح، فإن هذه الأخيرة تتقدم على كل ما عداها...

المراجع:

- https://en.wikipedia.org/wiki/United_States_presidential_election
- www.bbc.com/news/world-us-canada-35356941-
- https://www.usa.gov/election-
- lwv.org/.../who-will-elect-president-electoral-college-system
- www.aljazeera.com/indepth/spotlig
- rawabetcenter.com/archives/30187