تدريب ومهارات

الانتصار على التحديات...
إعداد: باسكال معوّض بومارون

رصدت القوات البحرية زورقين تسللا من مركبين تجاريين بهدف الوصول إلى الشاطئ اللبناني حيث توجد مجموعات إرهابية وأفادت المعلومات بأنّ الطرفين ينسقان معًا لتنفيذ عمليات أمنية تهدد السلم الأهلي... صدرت الأوامر بالتعامل مع الخطر، فتشاركت قوى مختلفة من الجيش في مهمة اقتضت مستوى عاليًا من التنسيق والتكامل، ونُفّذت بنجاح.

يُحاكي هذا السيناريو مخاطر مرتقبة، ينبغي تعزيز القدرة على رصدها ومواجهتها بكفاءة من خلال التدريب. وفي هذا الإطار يشكّل التمرين المشترك Resolute Union الذي يُنفّذ بالذخيرة الحية ركنًا أساسيًا في تعزيز فاعلية القوى العسكرية على صعيد ضبط المسطح المائي ومواجهة تحديات الأمن البحري في لبنان، وهو يُعتبر الحدث الأهم في روزنامة التدريب.

نُفذت نسخة 2023 من هذا التمرين بقيادة القوات البحرية اللبنانية وشاركت فيه القوات الجوية والطبابة العسكرية وفوجا الهندسة ومغاوير البحر، إلى جانب فرق التدريب الأميركية والفرنسية والبريطانية، ووحدات أردنية وعراقية ومصرية.

وتوّجت 9 أيام من العمليات المتواصلة بالمناورة الختامية التي جرت في منطقة حنوش، في حضور السفيرة الأميركية دوروثي شيا وقائد الجيش العماد جوزاف عون وممثلين عن عدة سفارات بالإضافة إلى ملحقين عسكريين وضباط.

 

التنفيذ وتكامل القوى

وفق السيناريو الذي وُضع للمناورة، تولّت الرماية البحرية والجوية إعاقة السيطرة على الزورقين المعاديين، ثم توجّه فريق تفتيش السفن التابع للبحرية اللبنانية في المركبين، وسيطر على أحدهما. وقد استدعت حالة طبية إحضار طوافة من القوات الجوية قامت بعملية إخلاء طبي. أما السيطرة على المركب الثاني فاستدعت تدخّل مغاوير البحر والقيام بإهباط جوي بواسطة طوافة على متن زوارق عسكرية. في موازاة ذلك، تسلّل غطّاسون تحت الماء للوصول إلى الخلية المتمركزة على الشاطئ بهدف القضاء على عناصرها، وقام فوج الهندسة بالكشف علىالعبوات التي قام الإرهابيون بزرعها تحت الماء وعملوا على تفكيكها.

اقتضى تنفيذ المهمة أيضًا مشاركة مديريتي التعاون العسكري - المدني CIMIC والقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وفوجي الأشغال المستقل والإشارة والشرطة العسكرية (قسم الأدلة الجنائية)، ما أتاح اختبار مستوى التنسيق والتكامل بين مختلف القوى خلال أداء مهمات مماثلة.

ولأنّ ما يحصل في المياه الإقليمية اللبنانية ليس مسؤولية الجيش اللبناني حصرًا، إذ ثمة مسؤوليات متشابكة مع أجهزة أخرى في الدولة، شاركت في التمرين غرفة العمليات البحرية المشتركة التي تتضمن كل الجهات المعنية بالشأن البحري، من وزارتي البيئة والزراعة إلى رئاسة المرفأ ومديرية النقل البري والبحري، والأمن العام وأمن الدولة وقوى الأمن الداخلي (مفرزة الشواطئ) والجمارك، وإدارة قطاع النفط والبترول.

 

الاستحقاقات الكبيرة

وفق مدير التمرين العميد الركن البحري الياس الصيّاح ركّزت العمليات هذا العام على الوعي البحري، عمليات القيادة والسيطرة، حماية القوى، والدفاع عن البنية التحتية. فبالإضافة إلى المهمات البحرية التي ينفّذها الجيش عادة ومن ضمنها مكافحة الهجرة غير الشرعية وعمليات البحث والإنقاذ، يركز التدريب على الجهوزية لمواجهة الاستحقاقات الكبيرة، وخصوصًا حماية المنصات النفطية مع بدء التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية.

ويوضح العميد الصيّاح أن تنفيذ هذه المهمات يتطلب التنسيق والتوزيع الصحيح لأدوار الأقسام المسؤولة عن الأمن البحري والتي تتداخل في أحيان كثيرة، من هنا أهمية تلافي حصول تضارب في الصلاحيات، والكشف عن أي ثغرات قد تعتري التطبيق على الأرض. وخلال الأيام التسعة التي سبقت المناورة الختامية تم تقييم جميع مراحل التمرين لاستثمار نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف، بالاستناد إلى معايير دقيقة معتمدة.

 

أهداف التمرين

تمثّل هدف سيناريو المناورة الأساسي بمعرفة القدرات اللوجستية والأمنية لمنع التسلل البحري إلى المياه الإقليمية. أما الأهداف الفرعية فكانت:  

-تمرّس ضباط القوات البحرية في العمليات البحرية المشتركة، وعناصر فوج الهندسة في معالجة الألغام البحرية، والطبابة العسكرية في مجال التعامل مع حوادث الغطس والإخلاء الطبي، وخصوصًا التخطيط والتنسيق ما بين الوحدات في العمليات المشتركة.

-تدريب الوحدات المشاركة على عمليات حماية المنصّات النفطية وعلى تنفيذ عمليات ضد الإرهاب.

-تدريب طياري القوات الجوية على المشاركة في العمليات البحرية المشتركة، وعناصر التعاون العسكري - المدني على كيفية التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين.

-تقييم فعالية القوى المشاركة في التعامل مع التهديدات الإرهابية ومداهمة السفن.

 

دعم دولي وعربي

يُنفّذ Resolute Union الذي انطلق في العام 2000 تحت إشراف القوات البحرية التابعة للقيادة الوسطى الأميركية المتمركزة في البحرين NAVCENT، وهي كانت تشارك سابقًا بأعداد كبيرة من عناصرها، إلا أنّها أرسلت هذا العام حوالى 20 عنصرًا اقتصرت مهمتهم على التدريب والمراقبة من البحر، وذلك بعد أن لمسوا المستوى المتقدم الذي بلغته قدرات الجيش اللبناني بفضل التدريب.  
وتألّف الفريق البريطاني من حوالى 8 أشخاص يعملون كمقيّمين يدرّبون لمدة سنة عناصر من البحرية وفوج مغاوير البحر على عمليات التفتيش والإنقاذ.
أما عناصر المملكة الأردنية الهاشمية فقد شاركوا في عمليات مداهمة السفن البحرية إلى جانب فوج مغاوير البحر.
وبدورهم شارك الضباط الأربعة من القوات الخاصة المصرية مع فوج الهندسة في عمليات الغطس للكشف على المتفجرات والذخائر غير المنفجرة، فيما كان الرتباء العراقيون الثلاثة يغطسون مع عناصر البحرية اللبنانية للإبلاغ عن أي جسم مشبوه في البحر.
وشارك الفرنسيون في عمليات البحث والإنقاذ علمًا أنّهم يدعمون الجيش اللبناني عبر التمويل والتدريب وتقديم تجهيزات (رادارات وأجهزة استشعار عن بعد) لإنشاء مركز بحث وإنقاذ في البحرية اللبنانية.

 

تطوير إمكانات العمل المشترك

كان أداء المشاركين في المناورة محط إعجاب وتقدير الحاضرين، وقد شدّد العقيد براين دان من القوات البحرية الأميركية على ضرورة العمل على تنمية القدرات والمهارات التي تتطلّبها البحرية الحديثة من أجل العمل في هذه البيئات المعقّدة.

ولفت الملازم أول أنتوني ويزينسكي من فرقة عمل الأسطول الخامس الأميركي إلى أنّ الولايات المتحدة دعمت هذا العام التمرين بصفة مراقب ومدرب... وأشاد "باجتماع الدول المشاركة لدعم الجيش اللبناني لتطوير إمكانات العمل المشترك ودعم الأمن البحري."

ورأى توم هوبز من القوات البحرية البريطانية "أنّ الجيش اللبناني هو حقًا صمّام الأمان للبلاد"، مضيفًا: "نحن ننفّذ تدريبات مشتركة مع القوات البحرية والجوية اللبنانية، ونسعى لتقديم الدعم لهما في كل المهمات العسكرية".

بدوره أكّد العقيد أوليفييه براد من القوات البحرية الفرنسية أنّ الجيش الفرنسي يركّز اهتمامه بشكلٍ أساسي على الوحدات البرية والبحرية، مؤكدًا السعي إلى تأمين وسائل تسهم في التقدّم على صعيد أداء المهمات العملانية على الأراضي اللبنانية.

من خلال التدريب المستمر يواصل الجيش اللبناني تعزيز قدراته مدعومًا بمساعدة وتقدير جيوش شقيقة وصديقة، ومصممًا على تجاوز جميع العوائق لحماية وطنه. ما أكثر العوائق... وما أجمل إصرار جيشنا على تحديها والانتصار عليها كل يوم!