كلمتي

البحر رمز الملوحة والغدر
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

يستمر البحر، على مدى تاريخ الوجود، رمزاً للوسع على الرغم من أن مساحته محدودة محسوبة، ومستويات عمق مياهه معروفة ثابتة، ويستمر رمزاً للغدر وانعدام الثقة على الرغم من أن الانسان قد مخر عبابه منذ القدم، وغالَبَ عواصفه وأنواءه، وانتصر على أمواجه، وغير طبع ملوحته. كما أنه، الإنسان، وصل بعض ما كان مفصولاً منه بالحفريات والأقنية، وفصل بعض ما كان موصولاً بالردميات والسواتر والحواجز، وأقام فوق مياهه الجسور، وبنى تحتها الدروب المغطاة للقطارات والحافلات، وزرع آلاته الحربية في الأعماق، ونفّذ الدوريات، وأقام الكمائن، وخاض المعارك...

وفي كثير من الأحيان، يتم اتخاذ البحر حداً علنياً فاصلاً بين الدول، فكأن الحركة الدائمة التي تسيطر عليه تمنع الثقة بالحدود في داخله. أما رأينا السفن الموجودة فيه لا تهدأ، عابرة كانت أم موقوفة مربوطة بالحبال الضخمة؟ ثم، أليست حركة أسماكه الرمز الأول لعدم الاستقرار في الدنيا، ولسيطرة الكبيرة على الصغيرة الى ما لا نهاية؟ فكيف للأمان أن يحل فيه، وكيف لمقولة «رحم الله امرءاً عرف حدّه فوقف عنده» أن تنجح، ما دامت البحريات العملاقة، من غواصات ومدمرات وحاملات طائرات، دائمة الغوص والغزو والاجتياح عبر مياهه؟ من هنا المحاولة التوفيقية التي توصلت اليها مؤسسات السلام في العالم، والتي أطلق عليها إسم «المياه الإقليمية» بأميالها الإثني عشر للحد من الصراع والخلاف والتقاتل. ومن هنا محاولة ترك ما يزيد عن تلك المسافة وطناً شرعياً تاريخياً للأسماك، ترقص فيه وتسهر على مدى الزمان. 

لكن القوة والغطرسة والتجاذب والتناحر، تمنع الكثير من الدول من الاقتناع بحصصها من الدنيا، فتنطلق الى التوسع والسيطرة من دون تحديد للأطماع والشهوات، في البحر والبر والفضاء.

وكان البحر بالنسبة الى بلادنا مسلكاً سلمياً لحمل الحرف الأبجدي نوراً الى العالم بأسره، وخطوة للتفاهم والتلاقي، ووسيلة لتطوير وسائل العيش والانتاج وتأمين الأرزاق، كما أنه كان وما يزال المعبر الدائم لتلاقي الحضارات وتبادل المعارف بين الشعوب، ولنشر رسائل السلام في كل مكان.

إلا أن إسرائيل، وهي حصتنا من الهمّ العدواني، استخدمت البحر لممارسة الحقد والظلم ولإعلان حق القوة، وكان الحصار الذي فرضته على شاطئنا غداة عدوانها على بلادنا في الصيف الماضي، من أبرز الصفحات السوداء في تاريخها الهمجي. كما أن من «إنجازاتها» العدوانية الأخيرة، غواصات الـ«دولفين» التي تتباهى بها والتي تحاول من خلالها إحياء مظاهر غطرستها، والتذكير باستمرار بقاء كيانها على الرغم من أنه مبني على ألف احتمال واحتمال من الزوال والغياب.