اسرائيل من الداخل

البروفسور مارتن فان كرفيلد: إسرائيل ستتفكك

نحن جبناء مساكين والأمـر بـدأ في لبـنـان


البروفسور مارتين فان كرفيلد أستاذ الدراسات العسكرية في كلية التاريخ في الجامعة العبرية وصاحب إسم معروف عالمياً في الأبحاث العسكرية, يؤكد أن صراع إسرائيل مع الفلسطينيين هو صراع خاسر وسيؤدي الى نهاية إسرائيل.
وعلى الرغم من أن كرفيلد معروف بإنتقاداته اللاذعة للسياسة الأمنية في إسرائيل, فإنه لم يكن حاداً بهذا الشكل من قبل. وفـي حوار أجراه معـه الصحـفي غـيورا أيالون من “امستاع خضيرة” بتاريـخ 8/3/2002, يضـع كرفيلد علامـات إستفهام كبيرة حول مستقبل إسرائيل ووجودها. أما الحل الذي يقترحه فيقوم على توجيه ضربة تقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين ومن ثم إقامة سور فاصل بين مناطقـهم والمنـاطق الإسرائـيلية, سور برلـين جديد...
هنا نص المقابلة نقلاً عن موقع جريدة “الشعب” على الانترنت.


التاريخ يعيد نفسه

في بداية الحوار قال كرفيلد: “منذ دخول الألمان الى يوغوسلافيا واصطدامهم بجماعة البارتنيزيم “الأنصار” (برتنيزيم: مصطلح يطلق على الذين يناصرون شعوبهم ضد الإحتلال ويقودون حرب العصابات), في الحرب العالمية الثانية, من الصعوبة بمكان أن نجد جيشاً نظامياً نجح في مواجهة إنتفاضة كالتي نواجهها...
ما يحدث معنا اليوم, حدث مع الأميركيين في فيتنـام, والجيش الإسـرائيلي في لبنان, والروس في أفغـانستان, وهذا ما سيحدث معنا مرة أخرى, وهذا ما سيحدث مع الأميركيـين في أفغانستان”.

 

* ألا يوجد لديك مثال مخالف؟
­ أنا لا أعـرف مثالاً مخالفاً, إننا ندير حرباً, للطرف الثاني فيها كل الإيجابيات, فنحن نقـاتل في ملعبه, ذات مـرة لعبنا ضد الإنكليـز في ملعبنا, وقمنا بأفعـال مشابهة (كما يقوم بهـا الفلسطينيـون) ونجحنا, أما اليوم فنحن في الجهة غير الصحيحة.
لقد كنت قرأت التقارير التي كتبها البريطانيون حول صراعهم مع التنظيمات السرية (اليهودية) في البلاد (إسرائيل), واليوم وأنت تقرأ تقارير الجيش وصراعه مع التنظيمات الفلسطينية كأن المشهد نفسه يعود مع فارق واحد هو إختلاف الأسماء.
إن الجيش اليوم موجود في الجانب غير الصحيح, في الجهة التي سيحكم عليه فيها بالفشل.

 

* “يحكم عليه بالفشل”, يبدو الأمر قدرياً؟
­ هـذا ليـس قدريـاً. لقد كان مناحيـم بيغــن مقاتـلاً من الدرجة الأولى, وحـلل هـذه الوضعية بصورة عميقـة حين كتـب أن مقـاتلي الحريـة دائماً ينجحـون, ذلك أنـه عندما ينجـح فإنه ينجح, وعندمـا يفـشل فإنـه كـذلك ينـجح, لأن العملـية التي يقــوم بهـا تـدل على إصـرار المقاتلين, ولذلك لـيـس أمـام الجيـش النظـامي الذي يواجههم الا الفـشل حتى وإن نجــح في إحبـاط إفشال عملية محددة.

 

مواجهة خاسرة ضمناً

* لا يمكنك أن تتجاهل قوة الجيش, ليس بالمقارنة مع الفلسطينيين فحسب, بل ونسبياً بالمقارنة مع ما كان عليه الإنكليز على أرض إسرائيل؟..
­ لدينا قوة ولكن معظم هذه القوة لا يمكننا أن نستعملها, وحتى لو استعملناها فثمة شك في نجاحها, فالأميركيون أنزلوا ستة ملايين طن من القنابل على فيتنام ولا أذكر أن هذا الأمر ساعدهم. ونحن كنا نملك قوة هائلة في لبنان ولكننا هربنا من هناك... هذه مواجهة لا يقتحمها الذكي, ومن اقتحمها فعليه أن يجد الطريق بسرعة للخروج من وحلها, فإسرائيل دخلت في مواجهة خاسرة ضمناً, وهذه المواجهة ستُنهينا.

 

* لو كان الوضع عندنا مختلفاً, بمعنى أنه لا يوجد بيننا عسكريون يرفضون الخدمة, ومحكمة عدل عليا تحدد عمل الجيش, ولا إعلام يفضح ما نقوم به, ولو أعطينا الجيش ما يلزم لينتصر, هل كانت الصورة تختلف؟
­ الألمان في يوغسلافيا لم يكونوا رقيقين, ولم يكن لديهم يسار, ولم يكونوا ديموقراطيين, ولم يمنحوا الإعلام فرصة أن يجمع ويثور, وكان عندهم أكبر منظمة إجرامية شهدها التاريخ الإنساني, وكان عندهم زعيم لم يستنكف عن إستعمال أي وسيلة, وكان عندهم ثلاثون لواء أي أكثر بمرتين ونصف من الجيش الإسرائيلي, وأثناء الحرب قُتل 800 ألف يوغسلافي وليس 1500 كما هو الحال في الإنتفاضة, ولقد قتّلوا وحرّقوا وفجّروا ولا أعتقد أن هذا الأمر ساعدهم, فلقد حدث مع جيشهم النظامي ما يحدث اليوم مع جيشنا, وهناك شهادات من قبل الجنود الألمان تؤكد ذلك.

 

* تتفوّق دائماً حرب العصابات من حيث الرغبة القتالية والمعنويات المرتفعة؟
­ نعم, هذا صحيح, وأنا أعطيك مثلاً... أنت رجل كبير وقوي, ولنفترض أن طفلاً هاجمك... حتى ولو كان خطراً جداً, أو مسلحاً بسكين, وقمت أنت بقتله من باب الدفاع عن النفس, عندها ستحاكم وستخرج متهماً ويحكم عليك, لأن القاضي سيقول لك, وبحق, أن ما قمت به لم يكن في إطار الدفاع عن النفس, بل إن هذا قتل... الشيء نفسه يحدث في العلاقات بين الأمم والشعوب.

 

نحن جبناء وضعفاء وهذا بدأ في لبنان

* وكيف يؤثر هذا على العمل في المناطق؟
­ إن القوي الذي يقاتل الضعفاء مصيره الى الضعف, ومن يتصـرف كخائف ويقاتل ضعفاء مصيره أن يتصرف كجبان وخائف. ولكن في ما يتعلـق بالفلسطينــيين فإن هذا الأمر يعمل بشكل عكسي تماماً, فهم يملكون دائماً ثقة عالية بالنفس... ويمكنك أن تلاحظ تردّي الأوضاع عندنا خلال السنوات المنصرمة, كيف أن فضيحة تتبعها فضيحة وفشل يتبعه فشل, فالرجال يرفضون الخدمة العسكرية, والجنود يبكـون على القبور... في نظري إن هذا البكاء أحد أغرب الأمور, ولو كان بوسعي فعل شيء لمنعت بث هذه المشـاهد وهذه الصور. ومن الجهة المقابلة (عند الفلسطينيين) أنت ترى رغبة شديدة في الإنتقام, ومعنويات عالية, وما عليك إلا أن تقارن الجنازات حتى تفهم من توجد عنده همة عالية أكثر ومعنويات أعلى... عندنا ينوحون, وعندهم يطلبون الإنتقام... إننا نقترب من نقطة سيفعل الفلسطينيون بنا ما فعله المجاهدون (الأفغان) بالجنود السوفييت في أفغانستان, وما فعلته جبهة التحرير الوطني الجزائرية بالفرنسيين في الجزائر.

 

* تعال نركّز على أهداف بعينها: ثلاثة فلسطينيين يهاجمون ثمانية جنود, وغالبية جنودنا يقتلون, سوى ذلك الذي وقف على نقطة المراقبة وأصيب بصدمة, فلسطينيان يهاجمان ثلاثة جنود يقتلون إثنين ويضربون الثالث ويأخذون سلاحه وجميعهم جنود مدرّبون..؟
­ الوضع يحوّل الناس الى جبناء ومهزوزي الشخصية, لقد كان غريباً أن نسمع زعماً عسكرياً أن الجنود تواجدوا 24 ساعة في الموقع وكانوا منهكين, وفي الحالة الثانية زعموا أنهم كانوا في الموقع 40 دقيقة فقط ولم يستعدوا للحراسة بعد. إنه “هبل” من أوله الى آخره. فالناس يتحوّلون الى أصفار, والى معتوهين.
في هــذه الحرب لا يمكنـك ان تكون ذكياً وأن تكـون صادقاً, علينا أن نختار... عندما كنـا (اليهود) صغاراً وقليلي العدد وضعفاء, كنا حكماء وكنا شجعان وإنتصرنا, كنـا “شعباً صغيراً وشجاعاً” لقد كان هذا في العام 1967, ولكن معظم الناس لا يتـذكرون. في صفي في الجامعة ولأن معظم الطلاب شباب, لا يمكن أن يتخيلوا أنفسهم وهم يكتبون (في ظروفـنـا الراهنـة) في عام 1967 “كل الإحـترام للجيـش”... إن هـذا الأمـر لا يمـكن أن يتصوروه ولكن هذا الأمر كـان موجـوداً... كانوا يكتـبون ذلك عـلى الجدران؟ إنهم يسألونني عن هذا؟
فـي تصوّري بدأت المشـكلة في لبـنان وذلـك عندمـا بدأنـا نحارب من هم أكثر منا ضعفاً, منذ ذلك الحين فإننا نسير من فشـل الى فشل.

 

الجيش سيهرب

* ماذا سيحدث للجيش إذا دُعي لمقاتلة جيش نظامي كجيش سوريا أو لبنان؟
­ تخميني أنه سيهرب, فإذا ما انفجرت حرب مثل حرب عام 1973 فإن غالبية الجيش, وليس كله سيضع رجليه على ظهره ويولي هارباً. وسأعطيك مثالاً سيوضح الصورة.

 

* نعم, كيف؟
­ كرة السلة!! تصوّر أنك في فريق لكرة السلة, وبحكم الأوضاع العامة فإن هذا الفريق عليه أن يلعب دائماً ضد فريق ضعيف, فماذا تتوقع أن يحدث لفريقك؟

 

* طبعاً سيضعف؟
­ نعم هذا صحيح, وإذا ما طلب من فريقك بعد عام مثلاً أن يلعب مع فريق قوي وذي كفاءة فإنهم سيهزم, فالحرب هي كالرياضة, وعندي مثل تاريخي تماماً لهذا الوضع: في عام 1982 اندلعت حرب الفوكلاند. خلال ست سنوات سبقت الحرب, الجيش الأرجنتيني لم يقم بأي عمل سوى تعذيب شعبه والقذف به من الطائرات وممارسة التعذيب والقتل والخطف, وعندما اصطدموا بجنود حقيقيين استسلموا على الرغم من أن نسبة القوات في الفوكلاند كانت 3 الى 1 لصالح الأرجنتين. لم يكن لديهم مكان يهربون إليه لذلك استسلموا.
إن حرب إسرائيل ضد الضعفاء ما زالت مستمرة منذ أكثر من عشرين سنة, وذلك منذ إقتحام لبنان, حيث حوّلت إسرائيل والجيش الى مجموعة من الجبناء والتعساء. والدليل الأوّل على ذلك كان في حرب الخليج, لقد كانت هذه أول حرب في التاريخ يقتل فيها الناس من جراء الخوف أكثر من عمليات العدو, وكان فيها مصابون نفسيون أكثر بثلاث مرات من المصابين جسدياً. وكذلك اليوم ففي كل مرة تكون هناك إصابات فإنك تسمع عن مئة مصاب, منهم ثمانون مصاباً من الخوف, وبدلاً من أن يشرب المصاب الماء ويعود الى بيته, فإنه يركض الى المستشفى وهو يصرخ آه... آه... “دكتور ساعدني”.

 

* الصدمة ليست خوفاً؟
­ أنا لا أهزأ أبداً من الصدمة النفسية, ولكن هناك دلائل واضحة تؤكد أنه قتال الأقوياء للضعفاء, كما في وضعنا, حُوِّلنا من شعب اشتهر بجرأته وقوة شكيمته الى شعب من البكّائين والنواحين. والطرف الآخر متنبه لهذا الوضع... فالسيد حسن نصرالله قال أن الإسرائيليين يحبّون الحياة حباً جماً, كذلك عرفات قال إن اليهود أقوياء في الخارج ضعفاء في الداخل. وكلاهما صادق مئة في المئة... نحن نفس الناس الذين كنا من قبل ولكن الظروف تغيّرت وحوّلتنا الى ما نحن عليه.

 

* واذا ما خرج المستوطنون الى حرب عصابات ضد الفلسطينيين في إطار حربهم على البيت فهل يكون لهم أي إحتمال في النجاح؟
­ إنهم القطاع الوحيد في المجتمع الإسرائيلي الذي يملك همّة ورغبة وروحاً قتالية, ولكن المعادلة الرقمية بينهم وبين العرب هي 1 الى 10, وبالتالي فلن يُحصلوا شيئاً, كذلك فإنهم يعرفون جيداً أن هذه المواجهة خاسرة, أنظر أين يُدفن معظم أمواتهم!

 

الأرقام شيء غير مهم!

* حالياً, تشير الأرقام الى أننا نقتل منهم (الفلسطينيون) أكثر مما يقتلون منا؟
­ غير موضوعي, في هذه الحرب يقتل الكثير من المنتفضين... لقد قتل خمسون ألف أميركي و3 ملايين فيتنامي, وقتل عدة آلاف من الفرنسيين مقابل 300 ألف جزائري, وفي البلقان قُتل عشرات الآلاف من الجنود الألمان مقابل 800 ألف يوغسلافي. فالأرقام شيء غير مهم, هذا الى جانب أن الفلسطينيين لم يدفعوا ثمناً باهظاً على عكس ما نسمع عندنا. فنحن عندما أردنا أن نقيم دولتنا ضحّينا بـ1% من تعدادنا السكاني, والفلسطينيون لم يقتربوا الى هذه النسبة وما فقدوه حتى الآن 0.2% فقط.

 

* ربما من الأفضل لإسرائيل أن تقوم للفلسطينيين دولة ذات جيش نظامي وضعيف يمكننا أن ننتصر عليه؟
­ ليس عندي أدنى شك بذلك, تحدثت بالأمس مع صديق أميركي من واشنطن شغل لعدة سنوات مستشاراً للجيش الأميركي, وهذا ما قاله لي: “لماذا لا تعطوهم أن يقيموا دولتهم, بعد ذلك يمكنكم أن تقذفوا بهم الى الخارج متى أردتم خلال خمس دقائق, هذا صحيح”.

 

* غالبية الإسرائيليين ليس عندهم أي إشكال أخلاقي بشأن إحتلال الضفة والقطاع أو ما يقوم به الجيش هناك... حتى أولئك الذين يدعون الى إنسحاب الجيش لا توجد لديهم هذه الإشكالية. إذاً لماذا لا توجد عندهم همة ورغبة في القتال, هل يعتقدون أنهم غير صادقين في هذا العمل؟
­ المسألة ليست مسألة صدق, عليك أن تخرج هذه الكلمة من قاموسك وأن تفكر في مصطلحات مثل قوة مقابل ضعف. خذ مثال كرة السلة, إنك لا يمكن أن تقول أن الفريق الضعيف صادق.

 

* ولكن عندما أشعر أنني صادق فإن همتي ستكون عالية؟
­ كيف يمكن أن تكون صادقاً في الوقت الذي تقاتل فيه ولداً عمره خمس سنوات؟ لا يمكن أن ننظر الى أنفسنا في مثل هذا الوضع في المرآة, ولا يهم هنا كم سيشرح لنا الليبرميون ­ الأيلونيون (نسبة الى أفيغدور ليبرمان وبيني إيلون) أننا صادقون, ورفض الخدمة العسكرية ­ والذي بدأ في حرب لبنان ­ هو دليل على ذلك.

 

* وهذا بالتالي سيضعفنا؟
­ رفض الخدمة العسكرية هو مؤشر لجيش في حالة تفكك. تماماً كما أنها أفضل شيء حدث لنا. فلربما نتيجة لهذا الحدث (رفض الخدمة العسكرية) سنخرج في النهاية من الأراضي المحتلة الخطيرة.

 

* هل تميّز بين عمل الجنود وعمل القيادة الأمنية: شارون ­ بن أليعازر ­ موفاز؟
­ هذا الوضع يحوّل القيادات الى شخصيات ضعيفة ومهزوزة والى مساكين ومخبولين.

 

* إذاً الوضع سيؤدي الى إنتخاب الشخصية غير الملائمة؟
­ لا, الأوضاع تحوّل القائد الى غبي وكل عمل سيقوم به لن يجدي نفعاً وكل قرار سيتخذه لن يجدي نفعاً كذلك... وهنا لا يهم الأمر سواءً اتخذت قراراً أو عكسه. فالشخصيات التي أدارت البنتاغون أثناء حرب فيتنام كانت أفضل فريق أدار البنتاغون في تاريخه, ولكن كل ما فعلوه لم يكن جيداً.
فشارون هو شخصية مثقفة, إجتمعت معه ولكن الواقع يحوّل كل واحد منا الى أخرق, وهذا يفسّر لماذا نغيّر كل يوم سياستنا. مرة يجب علينا أن نضرب ببطش شديد, ومرة نريد وقف إطلاق النار, ومرة نقوم بعمليات تصفية محددة, ومرة نحاصر عرفات وأخرى نحرره. إن شارون مثال للقيادة التي لا تملك ضوءاً أخضر في كيف وصلنا الى ما وصلنا إليه, وماذا نريد, والى أين نسير...

 

إنهم لا يعرفون شيئاً

* ماذا يتعلم الضباط في الدورات؟
­ الله وحده يعلم.

 

* إذاً نحن في طريقنا الى البحر؟
­ إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإننا سنصل الى تفكيك دولة إسرائيل, ليس عندي شك في ذلك, والدلائل موجودة. ولكن قبل أن نتفكك نهائياً ستنشب هنا حرب أهلية... وهذا هو الخط الأحمر بالنسبة لي... فجريمة قتل أخرى كتلك التي حدثت لـ”إسحاق رابين” سأقوم وأرحل أنا وعائلتي, وتاركاً أبناء شعبي الذين أحبهم هنا ليقتل الواحد منهم الآخر.

 

* أي حرب أهلية ستحدث إذا ما أخلى طرف الساحة لطرف آخر بدون أي قتال؟
­ ماذا قال أفلاطون؟... ماذا يفعل الفيلسوف إذا رأى قطيعاً من البشر يتجه نحوه ليهاجمه؟... أن يُخلي الطريق... وهذا ما أنوي أن أفعله... أنظر الى ألعاب الحاسوب التي يمكن من خلالها أن تقتل بيرس, بيلين أو ساريد إنها مسألة وقت فقط ليأتي من يأخذ زمام الأمور بجدية.

 

* إذاً ماذا تقترح؟
­ لقد أعددت خطة اقترحت فيها أن تكون الأوراق بأيدينا بحيث لا ندير حرباً في ملعبهم, وبادئ الأمر لا بد من فصل تام بيننا وبينهم, فعلى مدار سنوات طويلة دبّرنا أمورنا مع العرب الذين هم خارج دولة إسرائيل... فكل عشر سنوات قاموا بافتعال مشكلة “ما” وكنا نأخذ مطرقتنا الكبيرة ونضربهم بعنف مما أحدث بعد ذلك عشر سنوات من الهدوء, حتى أنهم في النهاية يئسوا من الأمر, واليوم حتى السعودية تريد سلاماً, والمشكلة تكمن في سكان المناطق الذين لا يمكننا أن نفعل أي شيء ضدهم لأننا لا نملك هدفاً.

 

* وماذا بعد الإنسحاب؟
­ لا بد من فصل تام بيننا وبينهم, لا وجود لجسور مفتوحة ولا علاقات إقتصادية ولا سياسية. فصل مطلق على مدار جيل أو جيلين, أو وفقاً لما يحتاجه الأمر.

 

* لا عمل لأي شخص؟
­ لا مطلقاً.

 

* سيموتون جوعاً؟
­ إنها مشكلتهم, فلست مسؤولاً عنهم, وبالمناسبة فإنهم لم يموتوا من الجوع قبل 1967.

 

* سيقتحمون الجدار؟
­ لن نبني جداراً وهمياً نضحك به على أنفسنا, إننا نتحدث عن سور كسور برلين, بل وإن كان بالإمكان فليكن أكبر وليكن عالياً جداً حتى أن الطيور لا يمكنها أن تطير من فوقه.

 

* إذاً نحن نعود الى التمترس على طريقة الأزمنة القديمة والقرون الوسطى؟
­ هناك أماكن في العالم فيها سور ويعمل بشكل جيد, وكوريا مثال على ذلك.

 

* ومن سيتجاوزه حكمه الموت؟
­ نعم, هذا ما كان في برلين. السور يمكن أن تتجاوزه ولكن الأثر الحقيقي يكمن في البعد النفسي, فكل واحد يعرف جيداً الى أي حد يمكنه أن يصل... وفي هذا السور رسالة جيدة الى العرب في إسرائيل, ومضمون هذه الرسالة: إذا أردتم أن تعيشوا بيننا بأمن وأمان كمواطنين إسرائيليين, تفضلوا, وإن كنتم لا تريدون, فإنكم تنقلون شرقاً. إن أحد أهم أهداف السور أن يوقف الوضع الآخذ في التبلور بين العرب في إسرائيل والذي يدفعهم نحو الإنضمام الى الإنتفاضة.

 

* السور سيُبنى على طول الخط الأخضر؟
­ صحيح.

 

* ماذا عن القدس؟
­ المبدأ نفسه, بحيث يكون أكبر عدد ممكن من العرب في الجهة الثانية, فالمشكلة تكمن في الناس وليس في الجغرافيا, فأنا لا أريد “الشيخ جراح”, ولا “شعفاط”, ولا حتى “أبوديس”.

 

* وماذا عن البلدة القديمة؟
­ هنا عندي مشكلة مثلي مثل كل يهودي... وأنا لست متأكداً أنني فكّرت في الأمر جيداً... الأمر صعب جداً ولكنني أظن أنه إن لم يكن لنا خيار فإنني سأتنازل عنها تماماً كما تنازلت عنها عام 1948. فالحياة أكثر قداسة من الأماكن المقدسة.

 

* ألا تحل خطة شارون (المناطق الفاصلة) المشكلة؟
­ هذا “هبل”, إن هذه الدولة صغيرة, لا يمكن أن نبني فيها مناطق فاصلة, إن المناطق الفاصلة هي محاولة إنشاء جدار ولكنه ليس بجدار حقيقي, أو سور ولكنه ليس بسور, إنهم يخربون عقولنا منذ زمن بعيد: مرة يطرحون فكرة الفصل من طرف واحد, وأخرى إنشاء خط حدودي, وثالثة عوائق... كل هذا لا ينفع, فقط الذي يجدي نفعاً سور كسور برلين. ولا يقولوا لي أن هذا غير ممكن... لقد فعل ذلك “أولبرخت”. فلماذا لا يمكننا أن نفعله... إن كل هذه القصص ترينا الى أي حد وصلنا, الى مجموعة لا قيمة لها. لقد بنى الملك (النبي) داوود سوراً فلماذا لا يمكننا أن نفعل ذلك.

 

* هناك مشكلة بسيطة جداً, إذ يوجد 200 ألف إسرائيلي يعيشون في الجانب المقابل (مناطق السلطة)؟
­ عندها نقول لهم: يا جماعة, خلال ستة أشهر سنبني سوراً وسنخرج من هنا.. نخبر المستوطنين أن القصة إنتهت, إن كنتم معنيين سنساعدكم للخروج من هناك, وإن كنتم لا تريدون فلتبقوا مع الفلسطينيين, وليقتل الواحد منكم الآخر, أما نحن فخارج الصورة. وفي هذا (أي عند إخبارهم) فإنه سيكون مثلنا كمثل قائد في الجيش عندما يريد تفجير جسر فإنه يخبر جنوده حتى وإن كان بعضهم في الطرف المقابل, أو عندما يأمر ربان الغواصة بإغلاق فتحاتها لمنع غرقها وهو يعلم أن بعض رجالها لما يتجاوزوا القاطع داخل الغواصة.

 

ناقلة متفجرات في المجمع التجاري “عزرائيلي”

* جيد, ستغادر الضفة والقطاع كما فعلت في لبنان, ولكن إذا هاجمنا الفلسطينيون من الخلف, وشعروا أنهم منتصرون, وفيما أنت تجلس خلف السور فإنهم يمطرونك بوابل من القنابل, وعندها فإن مستوى الردع سيصل الى الصفر؟
­ ولذلك ثمة ضرورة لإعادة ميزان الردع بيننا وبينهم, وهنا فأنا أقصد توجيه ضربة قاسية نوجهها قبل أن نخرج... لا يمكننا أن نوجه لهم الضربة القاسية ونحن في الخارج, بل نحتاج الى الفرصة المناسبة, بكلمات أخرى نحتاج الى حدث موضعي, فعل إرهابي مثير ضدنا, إذ كلما استمرت الإنتفاضة فنحن بحاجة الى أن يكون هذا الحدث كبيراً. لقد كان بالإمكان قبل سنة ونصف أن ندخل بهم بقوة, وذلك في أعقاب غسلهم أياديهم بدماء أبنائنا في مجزرة رام الله (المقصود الجنديين اللذين قتلا, وشُوّهت جثثهم في مركز شرطة رام الله). ولكننا اليوم نحتاج الى حدث أكبر بعشرات المرات حتى نشكّل مصداقية لرد فعلنا, وقد يكون الحدث أكبر مئة مرة مما نتصور لأننا تعودنا مشاهدة الموت.

 

* ماذا مثلاً؟
­ مثلاً صاروخ ستريلا يُطلق على طائرة جامبو لشركة آل ­ عال وعليها 400 مسافر يُقتلون, أو ناقلة كبيرة تحمل متفجرات تنفجر في المجمّع التجاري عزرائيلي وتنهار على عشرة آلاف شخص يكونون في داخله... المقصود إننا نحتاج الى فرصة.

 

* وعندها ماذا سيحدث؟ هل سنُلقي قنبلة إسرائيلية كقنبلة دردرين أو أن تقصف طائراتنا سكان نابلس؟
­ لا... إن هذه الأمور يجب أن ننفذها علانية. فأنا من أنصار مكيافيلي, فقد درّست كتابه “الأمير”, وثمة فصل فيه: “كيف نستعمل البطش”. هذه الأمور يجب أن ننفذها بسرعة مطلقة وبقوة ومن دون أن نتأسف... فأنا في مثل هذه الحالة سأستعمل المدفعية وليس الطيران لأنني أريد أن أنظر إليهم في عيونهم, إذ لا فائدة من هذه الحملة إن لم تبرهن بأعمالك أنك يمكن أن تعمل كل شيء.

 

* أي أن نقصف نابلس بالقاذفات على مدار 24 ساعة؟
­ علينا أن نضربهم بقسوة بكل ما بوسعنا حتى لا نعود الى ذلك وحتى لا يهاجمونا من الخلف عند خروجنا, علينا أن نضرب بكل قوة وقسوة بحيث لا نحتاج الى ضربة ثانية, إذ يمكن أن نقتل منهم 5000 أو 10000 وإن لم يكن هذا كافياً عندها علينا أن نقتل أكثر.

 

* هل هذا سيحوّلنا الى صادقين؟
­ صادق, لقد قلت لك أن الصدق ليس له دور هنا... يدور الحديث حول جريمة ضخمة... ولكن الذي لا يريد أن يمارس الجريمة لإنقاذ دولته فعليه أن يمارس السياسة... إن ما نقوم به الآن هو سلسلة غير نهائية من الجرائم المستمرة التي ستقتلنا ­ وهي تقتل... من الأفضل جريمة واحدة وثقيلة نخرج بعدها ونغلق الأبواب من خلفنا...

 

* إن الذي سيرتكب جريمة بشعة سيصل الى المحكمة الدولية في لاهاي؟
­  لا أوافقك, الناس يمكنهم أن يسامحوا على جريمة كبيرة واحدة شريطة أن تنتهي (ولا تتكرر), إنهم يسامحون إن كانت الجريمة سريعة ومختصرة, إذا كانت ناجحة... ولكن إن فشلت فعندها سيكون الدمار.

 

* لقد قلت أنه إذا حدث قتل سياسي مرة أخرى في البلاد فإنك سترحل, على إعتبار أن هذا الأمر بالنسبة لك خط أحمر... ألا تجتاز دولتك الخط الأحمر عندما ترتكب جريمة بشعة في مثل هذه الحالة؟
­ لا, فالجرائم البشعة والضخمة هي جزء من التاريخ, وعلى هذه الجرائم يسامحون, فأنا على إستعداد للعيش في بلد إرتكب جريمة لينهي كل الجرائم... وإلا فماذا كانت حرب الإستقلال إن لم تكن لإنهاء كل الجرائم؟... فأنا لا أستطيع أن أعيش في دولة ترتكب دائماً جرائم.

 

* وأنا على إستعداد لأن أتبع لشعب سُجن وأبيد في مخيمات الإبادة النازية, وليس لأولئك الذين وقفوا على الأبواب والأبراج وشغّلوا غرف الغاز؟..
­ أنا أوافقك, وأنا شخصياً بطبعي إنسان سلمي وغير عنجهي, وأعتقد أنه من الأفضل أن أُقتل على أن أقتُل, ولكن هذا ليس الحل لصنّاع القرار, إنه لي ولك, مع أنه ليس بالحل الذي يمكن أن أفرضه على أبنائي وعائلتي كأب... إن رئيس الحكومة ووزير الدفاع وقائد هيئة الأركان الذين يفكرون بهذه الطريقة (أن أقتُل ولا أُقتل) إنما هم مجرمون.

 

* ألا يوجد عندك بديل سلمي؟
­ لماذا؟ بعد جيل أو جيلين فإن كل الأيتام سيقيمون عائلات, وكل الأرامل إما أن تتزوج أو تستسلم لقدرها, هناك سلام في أوروبا جاء بعد مخيمات الإبادة والحرب على بريطانيا.

 

* هل قدّمت خطتك لصنّاع القرار؟
­ لقد قدّمتها لمن يجب أن تُقدّم إليه.

 

* هل حصلت على جواب؟
­ مرتين, مرة بشكل عام, الذي يحب أن يقرأها قرأها, والثانية جاءت بشكل ملتو وقالوا لي: “إن فان كرفيلد له أفكار مختلفة... ممكن أن يكون ذلك؟”.


* سياسي ألماني ورجـل دولة شـيوعي, تولّى منصـب نائب رئيـس الوزراء عام 1949, وأسس اللجنة الوطنية العليا لألمانيا الحرة عام 1946, ووقـف وراء تنـفيذ مـشروع سـور برلين ­ صار رئيـساً لدولة ألمانـيا الشرقـية عـام 1960.

 

في الطريق الى البحر

... البروفيسور مارتين فان كرفيلد وهو أحد المختصين المهمين في العالم وقد ترجمت كتبه الى عشرات اللغات, درس في العديد من الجامعات والأكاديميات العسكرية في مواقع كثيرة في العالم. وقد جلس مع العديد من الجنرالات والأدميرالات, ووفقاً لأقواله فلا يوجد مكان في العالم من نيوزلاند وحتى النرويج لم يحاضر فيه حول مستقبل الحروب.
كرفيلد ألقى محاضرة على هيئة الأركان العامة بدعوة من قائد هيئة الأركان آنذاك أيهود باراك وذلك في عام 1994, وخرج البروفيسور فان كرفيلد من المحاضرة مصعوقاً من مستوى وسلوك الجنرالات آنذاك. “فبعضهم انشغل في أكل الساندويشات, والآخر تكلم, والبعض ثرثر, ورابع لعب في الأوراق التي أمامه يحركها, وبعضهم انشغل بالحواسيب يلعب بها كالأولاد الصغار... لقد فعلوا في أثناء محاضرته كل ما يفعله طالب فوضوي, ما عدا قذفهم المحاضر بأوراق. الوحيد الذي تصرّف بأدب ولباقة كان إسحاق مردخاي, فقد تصرّف بأدب, ولقد سألت باراك إن كانت هذه الفوضى دائماً تحدث أثناء المحاضرات فأجاب: “بشكل عام الوضع أكثر صعوبة”.
“إن مستوى الفوضى لدى الضباط فاجأني, إنهم مجموعة من المتخلفين, ولم التق بمجموعة جاهلة كهذه المجموعة في أي إطار, وهم أشد جهلاً في موضوعهم (الجيش الاسرائيلي) بما في ذلك تاريخ ونظريات الجيش”.


بطاقة تعريف: مارتن فان كرفيلد

ولد في هولندا.
هاجر الى “إسرائيل” وعاش فيها منذ العام 1950.
يحمل شهادات من مدرسة لندن للإقتصاد والجامعة العبرية في القدس.
يدرّس في الجامعة العبرية منذ العام 1971.
ألّف خمسة عشر كتاباً في التاريخ والإستراتيجية العسكرية.
أهم مؤلفاته: “قيادة في الحرب” (1985), “تموين الحرب” (1977), “السيف والزيتون” (1998).
حاضر أو علّم في عدة معاهد إستراتيجية عسكرية ومدنية, في العالم الغربي, ومن بين تلك الكليات كليّة الحرب البحرية الأميركية, في ديسمبر / كانون الأول 1999 ويناير / كانون الثاني 2000.