علوم وتقنيات

البصمة الوراثية في مسرح الجريمة
إعداد: ريما سليم ضومط

دليل لا يخطئ

عندما أوجد العالم الإنكليزي أليك جيفريز "البصمة الوراثية" في العام 1984، فإنه قد أحدث ثورة هائلة في عالم الأدلة الجنائية، أسفرت في العقدين الأخيرين عن حلّ آلاف المعضلات المتعلقة بجرائم مختلفة، وأدت إلى إدانة وتبرئة آلاف المتهمين.

ما هي البصمة الوراثية، ما علاقتها بالـ DNA، وكيف تستخدم في التحقيقات الجنائية والكشف عن الجرائم؟

 

ميزة الحامض النووي

كلمة اDNAب هي اختصار لعبارة اDeoxyribonucleic acidب وهي الحامض النووي الذي يشكل المادة الأساسية للكروموزوم، ويوجد داخل كل خلية من خلايا الجسم، ويتحكم في الصفات الوراثية للكائنات الحية.
تكمن الميزة الأساسية للحامض النووي (DNA) في أنه يختلف تماماً بين شخص وآخر باستثناء التوائم المتطابقين، ومن هنا برزت أهميته كعنصر أساسي في الكشف عن المجرمين لا سيما بعد اكتشاف تقنيات استخدامه عن طريق استخراج البصمة الوراثية، وتحليلها بواسطة الكمبيوتر، وإعداد قاعدة بيانات للمتهمين.
تم اكتشاف الـ (DNA) منذ منتصف القرن التاسع عشر لكنه لم يعرف كأداة لاكتشاف الجرائم حتى العام 1984 حين أوجد البروفسور الإنكليزي أليك جيفريز طريقة لمقارنة النقاط المتعددة في جينات الحامض النووي مستخرجاً بذلك ما يعرف بـ بصمة الحامض النووي. أو "البصمة الوراثية" التي تختلف تماماً بين شخص وآخر، والتي باتت تعتمد كدليل لتبرئة المتهم أو إدانته، وذلك عبر مقارنة البصمة الوراثية الخاصة به مع تلك المستخرجة من مسرح الجريمة.
تجدر الإشارة إلى أن عملية إستخراج البصمة الوراثية واستخدامها كدليل جنائي تمر بمراحل عدة بدءاً من سحب عينات من مسرح الجريمة ومن ثم تنقيتها، فتحليلها ومطابقتها وصولاً إلى الحقيقة المنشودة.

 

البحث في مسرح الجريمة

يبدأ تكوين البصمة الوراثية عبر جمع عينات من الحامض النووي (DNA) من خلال الآثار التي يتركها الجاني في مسرح الجريمة. ويمكن سحب هذه العينات من الشعر، اللعاب، الدم، خلايا البشرة، السائل المنوي، العظام، الأسنان، الأظافر، التعرّق الجلدي، والأنسجة، إلخ... وتكثر الخيارات أمام الباحث الجنائي عند استخدام مخيلته لجمع الأدلة الخاصة بالـ"DNA"، علماً أن عدداً كبيراً من القضايا الجنائية قد تم حلّها عبر تحليل اللعاب الموجود على عقب السجائر والطوابع البريدية. كما أن شعرة رأس واحدة تم ايجادها في حلق إحدى الضحايا شكلت دليلاً كافياً لإدانة المتهم.
تكمن الخطوة التالية بعد جمع الأدلة في معالجة الآثار التي خلّفها الجاني وذلك بإزالة الدهون واستخراج مادة الـ"DNA" وتنقيتها، ومن ثم يمكن استخدام تقنيات مختلفة لإيجاد البصمة الوراثية: من أبرز هذه التقنيات ما يعرف بـ "التفاعل التسلسلي لأنزيم بوليمريز" (P.C.R) وهي تعتمد لمضاعفة الحامض النووي في الأجزاء الصغيرة، فيمكن مثلاً أخذ طابع بريدي ثم لعقه أو حويصلة شعر أو لبّ سن وإضافة الأنزيم الذي يضاعف الحامض النووي ويخلق نسخاً متعددة منه. وحالما يصبح هناك عيّنتان، يمكن إجراء مقارنة لتحديد هوية الجاني في فترة تتراوح ما بين 12 و 14 ساعة.
تجدر الإشارة إلى أن عملية المقارنة يمكن أن تتم بين عيّنات مأخوذة من مسرح الجريمة وأخرى تعود للمتهم. وفي حال عدم وجود مشتبه بهم، يمكن المقارنة مع عينات موجودة ضمن قاعدة بيانات مؤللة خاصة بالـ"DNA"  محفوظة لدى الأجهزة الأمنية وهي تحتوي على عينات من الحامض النووي تم سحبها في فترات مختلفة من مشتبه بهم في قضايا متنوعة. وتوجد مثل هذه القواعد لدى عدد من الدول أبرزها الولايات المتحدة وانكلترا، حيث تملك الأخيرة أكبر قاعدة بيانات خاصة بالاDNAب في العالم، تحتوي على أكثر من مليوني سجل لمشتبه بهم ومتهمين.

 

حماية الأدلة الجنائية

نظراً لأهمية عيّنات الحامض النووي في الكشف عن المجرمين، فإن عملية جمعها وحفظها تعتبر مهمة للغاية وذلك منعاً لإفساد الأدلة أو تلويثها. فإذا كان من حسنات الحامض النووي أنه يمكن استخراجه من أدلة يرجع تاريخها إلى عقود قديمة، فهناك في المقابل عوامل عدة يمكن أن تؤثر على صلاحية الأدلة بما في ذلك العوامل البيئية (الحرارة، الرطوبة، أشعة الشمس، البكتيريا، والعفونة).
كما أن الأدلة المذكورة يمكن أن تلوّث عندما يختلط الـ"DNA" الخاص بالقضية بآخر آتٍ من مصدر مختلف وهو ما يمكن حدوثه في حال السعال في مسرح الجريمة أو لمس أي عضو من أعضاء الوجه للبقعة التي تحتوي على الحامض النووي المطلوب فحصه.
من هنا، فإن الدقة في جمع الأدلة تقضي باتخاذ تدابير احترازية للحفاظ على سلامة العينات المسحوبة بانتظار تحليلها ومطابقتها، من بين هذه التدابير:
* إرتداء القفازات أثناء جمع الأدلة وتغييرها باستمرار.
* تجنّب لمس المنطقة التي يفترض وجود أدلة فيها.
* تجنّب الكلام أو السعال فوق الأدلة المطلوب جمعها.
* وضع الأدلة داخل مغلفات ورقية جديدة لا في محفظة بلاستيكية.


أول مدان
* الخباز الانكليزي كولين بيتشفورك كان أول شخص تتم إدانته باستخدام أدلة ال DNA، وذلك في العام 1988
* في العام التالي، تمت إدانة الأميركي طومي لي أندروز بتهمة الإغتصاب نتيجة دلائل مستخرجة من الـ"DNA".
* في العام 1991 إعتمدت كندا التقنية نفسها لإدانة آلان لوجير لارتكابه أربع جرائم قتل أثناء فراره من السجن في العام 1989.
اليوم باتت تقنية "البصمة الوراثية" مستخدمة في عدد كبير من دول العالم لخدمة العدالة والكشف عن المجرمين بمختلف أشكالهم.