سياحة في الوطن

البقاع الغربي عنبر التــراب والتـــاريــخ
إعداد: باسكال م . بو مارون

هي اليوم منارة البقاع الغربي علماً وثقافة وتاريخاً. معبدها الروماني واحد من شواهد حضارات متعاقبة عرفتها هذه البلدة المميزة بطبيعة حافظت على نقائها بعيداً عن التلوث والمدنية.

 

التراب والعنبر

كانت في الماضي تدعى الحمّارة، والاسم يأتي من تربتها الحمراء حسب البعض، أما بالسريانية فتفسيره رائحة العنبر الزكية.
يقال ان البلدة كانت عاصمة منطقة واسعة امتدت من كفرزبد وصولاً حتى كامد اللوز، وينقل الدكتور فؤاد افرام البستاني عن مؤرّخ فخر الدين الخالدي الصفدي، ذكره لمعركة عنجر على انها حصلت قرب الحمّارة وهو دليل على أهميتها التاريخية. أمّا عيسى المعلوف فيشير الى وجود اسم البلدة «الحمّارة» محفوراً على أحد أعمدة بعلبك.
لكن الاسم تغيّر بموجب قانون صدر من مجلس النواب العام 1968 بناء على طلب الأهالي، ومنذ ذلك الوقت باتت البلدة تحمل اسم المنارة.

 

في الجغرافيا

تقع بلدة المنارة عند أسفل السفح الغربي لسلسلة جبال لبنان الشرقية، وهي تتبع ادارياً قضاء البقاع الغربي.
ترتفع عن سطح البحر حوالى 1200متر، مناخها معتدل مع بعض البرودة في فصل الشتاء. طبيعتها متنوعة، ففيها المنبسطات السهلية والوديان والجبال التي يبلغ ارتفاع اعلاها حوالى 1500 متر، وتغطيها غابات من الأشجار الكثيفة.
يحد المنارة شرقاً عيتا الفخّار، ومن الشمال الصويري، أما جنوباً فبلدة عزة، وغرباً السلطان يعقوب الفوقا.
تشكّل السفوح الغربية خزّان المياه الذي طالما روى البلدة، فعلى خط علوّه 1053م ينابيع وعيون ظلت مصدر المياه الوحيد للمنارة حتى العام 1960، اما اليوم فهي اماكن سياحية جميلة قامت البلدية بتأهيلها وإحاطتها بزنار أخضر أخاذ ما جعلها مقصداً للزوّار.
ومن أهم هذه العيون: عين الفوقا، وعين الحالفين، وعين القنا.

 

... وفي التاريخ

تعرف المنارة بتاريخها القديم الحافل وقد كان فيها الكثير من آثار اختفت اليوم معالم بعضها، ومنها كنائس قديمة. فثمة بقايا من كنيسة القديس جاورجيوس، وآثار مسجد قديم يقال انه يعود الى العام 1018 هجري. وهنالك مغاور كانت مأهولة في العصور الأولى، قامت وزارة السياحة بنقل بعض موجوداتها.
أما الشاهد الأعظم على تاريخ هذه البلدة فهو معبد المنارة، او القصر كما يدعوه الأهالي، او كنيسة عين قنيا قديماً. يبعد المعبد حوالى 3 كلم شمال شرق البلدة، في موقع بيئي وصحي بعيد عن الضجيج تحيط به الأشجار الحرجية المتنوعة، ما يجعله موقعاً هادئاً ينصح الأطباء بزيارته، خصوصاً ذوي الأمراض الصدرية.
وتقول المعلومات ان المعبد كان في البدء عبارة عن غرفة خاصة بأحد الرهبان ثم زيدت عليه الغرف والقاعات والأعمدة، وهذا ما تؤكده الكتابات المنقوشة على حجارته والتي تشمل اسماء البنائين.
ويقال انه كان مقبرة قبل ان يتحوّل الى معبد نظراً الى المقابر المنتشرة حوله. وفي دراسات قام بها خبراء من قبل مديرية الآثار في الثمانينيات، صنّف المعبد ضمن الآثار البيزنطية، وقد كان كنيسة بنيت بعد الميلاد بحوالى 300 سنة يلفّها حزام من المقابر القديمة المحفورة بالصخر والتي تعود الى العام 402 ق.م.
تحول هذا المعبد في وقت لاحق الى معصرة للعنب لصناعة الخمر كما يدلّ بعض الآثار القائمة فيه الى اليوم.
وهذا الموقع الأثري الموجود على المقلب الجنوبي لوادٍ كان طريقاً للقوافل عبر هضبة الحمّارة وصولاً الى سوريا.
ويبدو ان هذا المعبد مرت عليه حقبات ثلاث مثّل خلالها دوراً هاماً في محيطه: الرومانية، ما قبل البيزنطية، والوسطى. لكنه من الصعب تحديد الوظيفة الأولى لبنائه، فليس هنالك خريطة واضحة له كمعبد او ككنيسة. ويرجح ان تحويله الى موقع مسيحي أدّى الى ولادة الدير، الأمر الذي يبدو واضحاً من خلال الغرف المضافة حول القاعة الأساسية.
يتألف القصر حالياً من آثار تتحدى الزمن فهو هرم مربّع الشكل يقوم في داخله مذبح تحيط به أعمدة قصيرة القامة نوعاً ما ومنتفخة عند وسطها.
وعلى الساكف الذي يعلو باب المدخل نقش طويل هو عبارة عن نص يوناني ذكرت فيه آلهة كثيرة منها زوس، وملوك منهم أغسطس قيصر، اضافة الى تمنّي الثروة والدوام لعين قنيا كما سميت آنذاك. نشر هذا النص شاكر غضبان الذي تكلّم عن هيكل مقدّم للعبادة الامبراطورية مرتكزاً في ذلك الى جمع الالهة روما مع امبراطور ذلك العصر في النص.
وتزخر قاعة الأعمدة بنقوش وآثار بينها صلبان منقوشة على الجدران والأعمدة، وخصوصاً الصليب البيزنطي البارز على الجهة الشرقية.
وتتألف القاعة من خمسة اعمدة من الشرق وخمسة من الغرب وستة من الجنوب ومثلها من الشمال مع بعض الجدران الموزعة هنا وهناك.
وكانت بعثة المانية اكتشفت خلال دراستها للموقع داخل صف الأعمدة صدر كنيسة لم تعد واضحة المعالم اليوم.
وقد صنّف هذا المعبد ضمن الآثار اللبنانية الهامة، وأدرج على الخارطة السياحية.
وفي مواقع أثرية اخرى بعض المقابر الموزعة على السلسلة الشرقية والتي تعود الى العهد الروماني. اما آثار بعض البيوت التي كانت احياء قديمة تقع على السفح الغربي في منطقة السلطان يعقوب، فهي تعود للعهد البيزنطي.

 

الحاضر: اكتفاء ذاتي

رئيس بلدية المنارة الأستاذ علي رحّال حدثنا عن بلدته قائلاً: المنارة مدينة صغيرة لديها اكتفاء ذاتي مختلف المجالات، ولا يحتاج اهلها للخروج منها سوى لإجراء المعاملات الرسمية. ففي البلدة ثلاث مدارس: ثانوية المنارة الرسمية، ومتوسطة المنارة الرسمية الأولى والثانية.
زراعياً تشتهر البلدة بعدسها المعروف بعدس «الحمّارة»، ويزرع أهلها البطاطا والشمندر والقمح والحمص، اضافة الى أشجار اللوز والجوز والتين والزيتون والمشمش والكرز والتفاح والخوخ والإجاص والعنب الى القثاء والبطيخ.
أما من ناحية الانتاج الصناعي، ففي البلدة معمل لتصنيع الأجبان والألبان، ومعمل لنسج الخيوط، ومعامل حدادة افرنجية ومنشرة أخشاب ومطحنة حبوب اضافة الى ورش ميكانيك السيارات.
في ما يتعلق بالخدمات الصحية، في البلدة مستشفى خاص يعمل فيه أبناء البلدة وبناتها الذين تخصصوا في هذا المجال، من أطباء وممرضات، ويضمّ المستشفى الاختصاصات كافة.
وعن دور المجلس البلدي في تنمية المنارة قال: قام المجلس البلدي منذ وصوله بتجهيز مبنى البلدية حتى اصبح ادارة رسمية بكل ما للكلمة من معنى وهو يعكس الحالة الإنمائية والاجتماعية في البلدة.
كذلك قمنا بشق وتعبيد ما يزيد عن 25 الف متر مربع من الطرقات الداخلية اي ما يعادل اكثر من مسافة 6 كلم، وتأهيل وتوسيع عدة طرقات مع إقامة حيطان دعم على جوانبها للسلامة العامة. وتمّ إنشاء عبّارات وأقنية لتصريف مياه الأمطار، وتلزيم وصيانة للشبكة العامة للكهرباء.
ومن الناحية الثقافية تقوم البلدية بتقديم المساعدات للمدارس مع تشجيع للنشاطات الثقافية والرياضية، كما تهتم بالآثار المنتشرة على أرضها وخصوصاً سلامة المعبد. وقد أقامت دورة صيفية لتعليم اللغة الانكليزية للمهتمين من أبناء البلدة، وأحيت أمسيات شعرية ومحاضرات طبية متنوعة.
وفي الإطار البيئي والصحي كانت الأولوية لتلزيم النفايات لجمعها ولإبقاء البلدة نظيفة وخالية من الامراض والروائح الكريهة، اضافة الى رشّ المبيدات لإبعاد الحشرات والقوارض.
وعلى المدخل الشمالي للبلدة اقمنا حديقة عامة كما تمّ غرس ما يزيد عن 5 آلاف شجرة حرجية ومثمرة. وشجعنا زراعة الكستناء كـزراعـــة بـديـلة عن الزراعات التقليدية، وقــد نجحـت هذه الزراعة بشكل كـبير في الــبــلــدة.
وتسهر البلدية على تحليل مياه الشرب في المختبرات المتخصصة بشكل دوري وكلما دعت الحاجة.
وثمة مشاريع للمجلس البلدي اولها تحديث المدخل الرئيس للبلدة وتحسين طريق منطقة الآثار وتأهيلها، مع إقامة منطقة سياحية تضم مواقف ومحلات ومقهى ومطعماً لتشجيع الزوار على ارتياد هذا الموقع الأثري، ما يساهم في تنمية البلدة.
وختم الأستاذ علي رحّال قـــائــلاً:
المنــارة بــلــدة مميزة بتــاريخــهـــا وحاضرها، اهــلــهــا مســـالمـــون وتشــكل الوظــــيــــفـــــة في القطـــاع الرســـمـــي مصــدراً اســـاسياً لمعيشتهم وخصوصاً في التــعليم والســلــك العـــســـكري، وهــم يعــتــبرون ان الانـســـــان يغتني بثقافته وعلمه.

 

تصوير: نايف درويش

 

مرجع:
مشروع سكول نت للعام الدراسي 2005-2006.
السياحة الالكترونية في لبنان وأسس تطويرها:
اعداد: حنان رحّال، خالد جانم، ديمة البعلبكي، أنس ابو نوح، عماد الورداني، حنان الورداني، حسن ابو نوح.
اشراف: استاذ عمر عبد الرزاق.