إدارة وتنظيم

البنى الإدارية اللبنانية وآلية عملها
إعداد: ندين البلعة

يحتل التنظيم الإداري موقعاً أساسياً في النظام السياسي، باعتباره الجهاز التنفيذي الذي يحقّق مهام الدولة وسياساتها العامة داخلياً وخارجياً.
الدكتور برهان الدين الخطيب (أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية والمعهد الوطني للإدارة (ENA) ومنسّق مشاريع دراسات القطاع العام في مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية) حاضر في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان عن مظاهر البنى الإدارية اللبنانية وآلية عملها، وكيفية تحقيق مهام الدولة التي ترسمها السلطة السياسية.

 

هيكلية التنظيم
بداية أشار المحاضر الى أن التنظيم الإداري اللبناني يتضمّن ثلاث بنى أساسية هي: بنية الإدارة المركزية (الحصرية واللاحصرية)، بنية الإدارة اللامركزية (المرفقية والإقليمية) وبنية الإدارة المشتركة. وكل واحدة من هذه البنى تنتظم وتعمل ضمن هيكليتين: هيكلية مهام عمودية وأخرى أفقية.
في ما يتعلق بالبنية المركزية الحصرية أوضح الخطيب أنها تشمل المديريتين العامتين لرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والوزارات وأجهزة الرقابة، وتتناول مهام كل منها.


• المديريتان العامتان لرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء:
مهمتهما الجوهرية التنسيق الأفقي على مستوى جميع وحدات جهاز الدولة الإداري، في ما يمثّل عملية مركزية للمهام وللأعمال الإدارية التي يمارسها رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، للإشراف على السياسات العامة ومدى تحقيقها وتنفيذها، وذلك من خلال الجهاز الإداري التابع لرئاسة الجمهورية، والجهاز الإداري التابع لرئاسة مجلس الوزراء.
جهاز رئاسة الجمهورية يعاون الرئاسة في تأدية مهامها من خلال وحدات وفروع وأقسام. بالإضافة الى ذلك يعتبر رئيس الجمهورية اللبنانية رئيساً للمجلس الأعلى للدفاع، وبالتالي فالرئاسة هي المقر الرسمي لهذا المجلس.
أما جهاز رئاسة مجلس الوزراء فهو المحور الأساسي الذي تتقاطع وتلتقي فيه وظائف التنسيق والإتصال بين الإدارات والمؤسسات العامة. والمديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء، جهاز يعاون الرئاسة في تأدية مهامها، وهي بدورها مؤلفة من وحدات وفروع ومصالح ودوائر.


• الوزارات:
تشكّل الوزارت الوحدات الأساسية لجهاز الدولة المركزي. وهي تتولى تحقيق المهام وتنفيذ السياسات العامة، وقد تستحدث وزارة أو تلغى أخرى وفقاً لتطور المهام المستجدة. حالياً يوجد في لبنان 21 وزارة تتولى مهاماً دائمة الى جانب وزيري دولة.
تنتظم هذه الوزارات بنيوياً وتعمل تسلسلياً في كل إدارة على قاعدة تنظيم هرمي يتضمّن مديرية عامة ومديريات ومصالح ودوائر.
أما أفقياً فتقسم المهام داخل كل وزارة من خلال المديرية الإدارية المشتركة في حال وجود أكثر من مديرية عامة أو من خلال وحدة الديوان في حال وجود مديرية عامة واحدة.


• أجهزة الرقابة:
تدخل ضمن أجهزة الرقابة المؤسسات والهيئات الآتي ذكرها:
- مجلس الخدمة المدنية، وتتعلق رقابته بقانونية التعيينات ورعاية شؤون الموظفين في المؤسسات العامة.
- هيئة التفتيش المركزي، ترتبط برئاسة مجلس الوزراء.
- الهيئة العليا للتأديب، تنظر في مخالفات الموظفين وترتبط برئاسة مجلس الوزراء.
- ديوان المحاسبة، يختص كهيئة قضائية بمراقبة الأموال العمومية ويرتبط برئاسة مجلس الوزراء.
- وسيط الجمهورية (Ombudsman) يقوم بدور حماية المواطنين من سوء الإدارة والأداء.

 

البنية المركزية اللاحصرية
تشكّل هذه البنية إمتداداً لتنفيذ مهام جهاز الدولة المركزي على الأراضي والمناطق اللبنانية وخارجها، وذلك لتحقيق السياسات العامة وتنفيذها.
وتأتي اللاحصرية على قاعدة التلطيف من المركزية المطلقة والعمل على تحقيق مهام الدولة وسياساتها العامة المتوازنة.
وتتركب بنية النظام اللاحصري في لبنان بنمطين رئيسين هما: اللاحصرية الأفقية واللاحصرية العمودية.


• اللاحصرية الأفقية:
تتجسّد من خلال تقسيم الأراضي اللبنانية الى محافظات (عددها 8) والمحافظات الى أقضية (عددها 25) وتتخذ ثلاثة مظاهر هي المحافظة والقضاء والمختارية.
تعتبر المحافظة في نطاق التنظيم الإداري القائم في لبنان، الإطار الأوسع للوحدات الإدارية القائمة خارج العاصمة. شؤون المحافظة يديرها المحافظ (موظف فئة أولى) الذي «يبدو في ظل القانون الحالي، كوسيط بين الإدارة المركزية من ناحية، وتشعباتها الإقليمية والمحلية ومن بينها البلديات، كونه يمارس سلطة الرقابة على هذه الأخيرة». وتتألف كل محافظة من جهاز إداري وثلاثة مجالس مساعدة (مجلس المحافظة، مجلس المحافظة الصحي ومجلس الأمن الفرعي).
يمثّل القضاء الإطار الثاني للتنظيم الإداري في لبنان بعد المحافظة، يتولى إدارته القائمقام الذي يعتبر الرئيس المباشر لجميع موظفي القائمقامية، يعاونه جهاز إداري يتألف من 218 موظفاً.
المختار هو شخص يتولى الإشراف على بعض أمور القرية أو الحي وهو يتمتع بثقة أهلها واحترامهم.
تطرح حول مؤسسة المختارية عدة إشكاليات تتعلق بجدوى الإبقاء عليها في ظل تقلّص حجم صلاحياتها ومهامها مع تطور حركة الإتصالات والمواصلات. يعتبر المختار همزة وصل بين إدارات الدولة وسكان القرية ويقوم بأداء العديد من المهام التنفيذية والإشرافية والتنسيقية والرقابية...


• اللاحصرية العمودية:
تشكّل الوحدات الإقليمية أبرز مظاهر اللاحصرية الإدارية في لبنان. فلمعظم وزارات الدولة وحدة إدارية إقليمية وزارية، تقوم بتنفيذ مهام هذه الإدارة وإنجاز معاملات المواطنين التي تعود من هذه الوزارات.
وتعتبر البعثات الدبلوماسية والقنصلية في الخارج نوعاً من أنواع «اللاحصرية الإدارية العمودية الخارجية».
تمارس الوحدات الإقليمية صلاحياتها تسلسلياً مع الإدارة المركزية وغالباً ما تكون علاقتها محصورة بالمديرية العامة للوزارة.
إشارة الى أن قيادة الجيش تتمثّل لا حصرياً من خلال قيادة المنطقة التي يتولاها قائد المنطقة. وهو المسؤول عن قيادة القوات الموضوعة بإمرته ويقوم بالمهام التالية: الدفاع عن المنطقة، حفظ الأمن، الإستعلام، التعليم والتدريب والإنضباط والإدارة.

 

بنية الإدارة اللامركزية
ترتكز هذه البنية بدورها على بنية إدارية لا مركزية مرفقية أو فنية، وبنية إدارية لا مركزية محلية إقليمية؛ وكل بنية من هاتين تتمتع بشخصية معنوية وباستقلال إداري ومالي.
وتقوم العلاقة بين البنية الإدارية المركزية والبنية الإدارية اللامركزية على علاقة رقابة بالنسبة الى البنية الإدارية اللامركزية المحلية وعلى علاقة وصاية بالنسبة الى البنية الإدارية اللامركزية المرفقية.


• البنية اللامركزية المرفقية:
تتمثّل بالمؤسسات العامة التي تنشأ وتدمج وتلغى بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بدلاً من قانون.


• البنية اللامركزية الإقليمية:
تتجسّد في الإدارة البلدية وتقوم على نمطين أساسيين هما البلدية واتحاد البلديات.
البلدية هي الوحدة الأساسية في بنية الإدارة المحلية التي تتألف في لبنان من سلطتين: سلطة تقريرية يتولاها المجلس البلدي، وسلطة تنفيذية يتولاها رئيس البلدية يعاونه جهاز من الموظفين الإداريين والفنيين.
أما إتحاد البلديات فينشأ بين عدد من البلديات بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، ويتألف من سلطة تقريرية وسلطة تنفيذية.

 

بنية الإدارة المشتركة
 Co - Administrative
تقوم هذه البنية على نقل جزء من الصلاحيات وتحويلها من القرار في العاصمة، الى ممثلي السلطة المركزية التابعين لها في الأقاليم والمناطق؛ كما تقوم على مبدأ إنتخاب مجلس محلي تأميناً للمشاركة المحلية برئاسة ممثل السلطة المركزية.
حالياً ما زالت العاصمة بيروت تطبق نظام الإدارة المشتركة من خلال بلديتها. ويرأس المحافظ السلطة التنفيذية فيها، بينما يترأس القائمقام المعين مجلس قضاء منتخب (لم يجرِ إنشاؤه واقعياً بعد) وبلدية بيروت تشبه الى حد بعيد كيان السلطة المركزية.