من التاريخ

التجنيد وفق القرعة الشرعية في فرمان للسلطان عبد العزيز
إعداد: الدكتورة شادية علاء الدين

لم تكن قضية التجنيد وكيفية تنظيمه مقتصرة على السلطان عبد المجيد، خلال العهد العثماني، فالسلطان عبد العزيز عُني بشكل كبير، بسن الأنظمة والقوانين التي تنظم التجنيد، وكان من أبرزها نظام اجراء القرعة الشرعية. ونجد في إحدى الوثائق فرمانًا أصدره عبد العزيز بالذات العام 1850م، ويتضمن  إجراء القرعة الشرعية وفق الآتي:
1- تجري القرعة الشرعية على الفتيان الذين تراوح أعمارهم بين 20 و25سنة.
2- تحدد مدة الخدمة العسكرية بخمس سنوات.
3- يزود كل فرد انهى الخدمة العسكرية بـ«تذكرة إطلاق».
4- يجب على الذكور الذين عادوا إلى بلادهم بعد إنهائهم الخدمة العسكرية العمل في الزراعة، الحراثة، الأعمال الحرفية أو الصناعية.
5-  يعفى من الخدمة العسكرية الأفراد الذين يستأجرون آخرين لأداء الخدمة العسكرية بدلاً عنهم.
6- يرسل ضابط من الضباط العساكر السلطانية إلى كل قضاء لإحصاء عدد النفوس الذكور وتسجيلها بدفتر مفصل.
7- يطبق هذا النظام في كل الولايات العثمانية.
وبعد إقرار نظام إجراء القرعة الشرعية، حاول السلطان عبد العزيز منح أفراد هذه القرعة بعض التسهيلات المتعلقة بأمور التجنيد، ومن ضمنها السماح لبعض الأفراد تأجير أنفسهم بدلاً عن الذين سمتهم القرعة الشرعية، وهذا ما تضمنته الوثائق المتعددة التي هي عبارة عن «حجج أجار» يبرمها صاحبا العلاقة، المؤجر والمستأجر، أمام القاضي الشرعي في المحكمة الشرعية، حيث يقوم المؤجر بدفع مبلغ من المال إلى المستأجر الذي أجّر نفسه بدلاً عنه لأداء الخدمة العسكرية.
لقد كان الهروب من الخدمة العسكرية متفشيًا في العهد العثماني، وهذا ما نلاحظه في سجلات المحكمة العسكرية، إذ كان الشباب يهربون من الخدمة العسكرية لأسباب قاهرة تتعلق بقسوة النظام العسكري العثماني، مفضلين العمل في الزراعة والصناعة والتجارة على الخدمة العسكرية. ولذلك فإنه، عندما أصدر السلطان العثماني نظام «تأجير الفرد لنفسه»، تسابق معظم الشبان إلى المحكمة الشرعية لتسجيل العقود المسماة «حجج الأجار» ويبدو ذلك جلياً في الوثائق (سجل المحكمة الشرعية في طرابلس الشام رقم 50) التي تزخر بمثل هذه العقود.
لقد شهد العصر العثماني الكثير من  الحروب والفتن، مما عرض حياة المحاربين للمخاطر. ويبدو أن الوضع الإقتصادي السيىء كان سببًا من الأسباب التي دفعت بعض الشباب للقبول بالخدمة العسكرية وتأجير أنفسهم وتعريض حياتهم للخطر.
إن التفاوت في الطبقات موجود في كل مجتمع وتظل الطبقة الفقيرة هي الضحية، بينما تنعم الطبقة الغنية بالثراء والرخاء وهو أمر معروف منذ القدم ومستمر حتى أيامنا هذه. وكان العثمانيون قد أصدروا قوانين تساعد الأغنياء وترهق الفقراء مما جعل هؤلاء يقبلون السخرة مقابل لقمة العيش، ونجد أمثلة عديدة على ذلك في سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس.