التداعيات الاقتصادية والسياسية لانهيار

التداعيات الاقتصادية والسياسية لانهيار
إعداد: د. جورج لبكي
أستاذ محاضر في جامعة سيدة اللويزة - NDU

المقدمة

إنخفضت أسعار النفط بشكلٍ كبير في الأشهرِ الماضية من 100 دولار إلى حدٍّ أدنى وصلَ إلى 40 دولارًا للبرميل. وقد تعدّدت التفسيرات لأسبابِ هذا الانخفاض. أمّا أبرز هذه الأسباب فهي: تطوّر تقنيّات استخراج النفط واللّجوء إلى إنتاج النفط الصّخري والاكتشافات المستمرّة لحقول نفطٍ جديدة، وزيادة العرض على الطّلب، ولقد نتجَ عن انخفاض سعر النّفط إشكاليّات عديدة بالنّسبة إلى الدّول التّي تعتمد بشكلٍ أساسي على العائدات النفطيّة كبلدان الخليج وإيران وروسيا وفنزويلا وكذلك على الدّول المستوردة للنّفط كالولايات المتّحدة الأميركيّة التي تحوّلت من دولة مستوردة إلى دولة مصدّرة للنّفط. ولكن هل هذا الانخفاض الحاد للأسعار مستدام أم مؤقّت؟ في الواقع لقد تغيّرت جغرافيّة (géopolitique) النفط في العالم وكذلك قواعد التّبادل إذ أصبحت الأسواق تتحكّم بالأسعار وليست الدّول والجدير بالذكر أن إنتاج النفط الصخري هو السبب الرئيس لتراجع أسعار النفط.

 

1- ما هو النّفط الصّخري؟

كان النّفط الصّخري يُستعمل كمصدر أساسي للطّاقة حتّى بدايات السّبعينيات. ولكن بسبب ارتفاع الأسعار وزيادة الطّلب على النّفط، عمدت الشّركات النفطيّة إلى الاستثمار في هذا الحقل خصوصًا أنّ هناك احتياطيّات هائلة من هذا النوع من الوقود. وهذا النوع من النّفط، فهو عبارة عن صخور رسوبيّة تتكوّن أساسًا من المواد العضويّة كالحيوانات والأحياء البحريّة والنّهريّة التي تصبح مماثلة للنفط، وعادةً ما تكون بنيته رقيقة.

عند تسخين النّفط الصّخري في ظلّ انعدام الهواء تتشكّل هيدروكربونات سائلة أو غازيّة وتمثّل ما نسبته 20-70% من الحجم الأولي. فالهيدروكربونات السّائلة النّاتجة عن تسخين الصّخر الرّسوبي النّفطي هي الزّيت الصّخري- القريب من حيث التّركيب من الهيدروكربونات النّفطيّة والتّي يمكن اعتبارُها نفطًا غير تقليدي[1].

 

2- إنتاج النّفط الصّخري

في الوقت الحاضر هناك طريقتان رئيستان لاستخراج النّفط الصّخري:

الطّريقة الأولى تقوم على إنتاج الصّخر الزّيتي من المناجم ومعالجته لاحقًا في محطّات خاصّة، حيث يتمّ تعريض الزّيت الحجري (الصّخري) للحرارة (التّسخين من دون وجود الهواء) ونتيجة لذلك يتحرّر من الصّخر النّفط الصّخري. بشكلٍ عام، تعتبر طريقة إنتاج النفط ومعالجته لاحقًاعملية مكلفة بسبب إرتفاع كلفة الإنتاج. فسعر كلفة برميل النّفط هي حوالى 75 دولار بحسب أسعار النّفط للعام 2005.

أمّا الطّريقة الثانية فتقوم على إنتاج النفط الصّخري بشكلٍ مباشر من تحت الأرض. وتقوم هذه الطّريقة على حفر الآبار الأفقيّة مع التّشقيق الهيدروليكي اللاحق والمتعدّد. وتتطلّب هذه الطّريقة القيام بمعالجة خاصّة باستخدام مادّة كيميائيّة أو التّسخين الحراري للطّبقة[2].

ومن الواضح أن هذا النّوع من الإنتاج يتمّ في ظروف أكثر صعوبة وكلفة أكبر من عمليّات إنتاج النفط التّقليدي. بالتّالي فإنّ كلفة الإستثمار في مجال النفط الصّخري، أعلى من التّقليدية. وبحسب تقديرات شركات النفط يكون إنتاج الزيت الصخري معقولًا وذا جدوى في حال كانت أسعار النّفط 70 دولارًا للبرميل. يطرح إنتاج الصّخر الزّيتي ومعالجته مشكلة التّخلّص من المحتوى الكبير لكمّيات من ثاني أوكسيد الكربون (CO2) المنبعث في أثناء عمليّة إستخراج النّفط من الصّخر الزّيتي. ومشكلة التّخلّص من ثاني أوكسيد الكربون مشكلة لم يتم حلّها، لذلك إطلاقه (ثاني أوكسيد الكربون) في الغلاف الجوّي يهدّد بكوارث بيئيّة على نطاقٍ واسع. ومن أجل حلّ هذه المشكلة، فقد اقترح العلماء مؤخّرًا في جامعة ستانفورد، تكنولوجيا جديدة أقلّ ضررًا من النّاحية البيئيّة[3].

من جهة أخرى، عند استخراج النفط الصّخري بشكلٍ مباشر من تحت الأرض هناك مشكلة أخرى تتمثّل في معدّل الانخفاض العالية للإنتاج بشكلٍ سريع. ففي المرحلة الأولى وبسبب استعمال الآبار الأفقيّة والتّكسير المتعدّد فإنّها تتّسم بمعدّل إنتاج عالٍ جدًّا. بعد ذلك (بعد حوالى 400 يومٍ من التّشغيل)، يحدث إنخفاض حاد (80%) من حجم الإنتاج. للتّعويض عن التّراجع الحّاد هذا وللحفاظ على ثبات مستوى إنتاجيّة آبار النّفط الصّخري فإنّ عمليّة حفر الآبار الجديدة يحدث بشكلٍ تدريجي وسريع[4].

وهذه هي الحال في الولايات المتّحدة الأميركيّة إذ تمّ حفر الآلاف من الآبار ويزداد عددها بشكلٍ مطّرد.

إنّ الهبوط الكبير في أسعار النفط من 115 دولارًا للبرميل في شهر حزيران 2014 إلى حوالى 50 دولارًا حاليًّا يهدّد الاستقرار في عددٍ كبيرٍ من الدول المنتجة للنفط ومن بينها بلدان منظّمة الأوبيك. فمعظم هذه الدول تتّبع سياسات إجتماعيّة وتقوم بدعم المواد الإستهلاكيّة الأساسية بخاصّةٍ لمصلحة الطبقات الشّعبية، بهدف تأمين الاستقرار وتجنّب الثورات الشعبية. من جهة أخرى، يترتّب على دعم إعداد السلع الإستهلاكيّة الأساسية والمحروقات تكلفة مالية كبيرة، تلتهم جزءًا مهمًا من الموازنات العامّة. وهناك معارضة كبيرة من قِبل الجمهور على رفعها كما حدث في اليمن إذ إن سياسة ما عرف "بالجرعة" أي رفع الدّعم عن المحروقات بناءً على توصية صندوق النقد الدّولي، أدّت إلى ثورة شعبية أطاحت بالنّظام وبالدولة.

بيد أنّ هذه التأثيرات على الدول المنتجة تختلف من بلدٍ إلى آخر من حيث نسبة مساهمة النفط في الدخل القومي والموازنة العامة وكمية احتياط العملات الصعبة التي تشكّل بدورها الخزان الذي يمكن للدول المنتجة للنفط أن تصرف منه بهدف الحفاظ على استقرارها النقدي والمالي والسياسي. فروسيا مثلًا تعاني الأمرّين من انخفاض أسعار النفط كذلك هو الحال بالنسبة إلى فنزويلا التي يشكّل النفط فيها المصدر الأساس لعائدات الدولة. أمّا في بلدان الخليج النفطية فالوضع يختلف باختلاف الدول بالنظر إلى المقاييس التي أشرنا إليها. فالسعودية التي تملك إحتياطات ضخمة من العملات الأجنبيّة تفوق[5] الـ750 مليار دولارٍ تبدو غير قلقة من تراجع الأسعار كي تتمكّن من الحفاظ على حصّتها في السوق النفطية على حساب منافسيها في منظمة الدول المصدّرة للنفط "أوبيك"[6].

وبالنسبة إلى إيران فانخفاض أسعار النفط يزيد الضغوط عليها خصوصًا وأنها تعاني منذ سنوات شدّة وطأة العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها.

أما الجزائر فتملك إحتياطات مريحة من النقد النادر بخاصةٍ في موضوع الملف النووي وتدنّي مستويات ديونها ما يجعلها أكثر استعدادًا لتحمّل وزر انخفاض أسعار النفط لفترة معيّنة. وفيما يتعلّق بالعراق، فالوضع أكثر هشاشةً بسبب كثرة المشاكل الإقتصادية والسياسية وضعف البنية التحتية التي تضرّرت بفعل سنوات طويلة من الحرب، بالإضافة إلى أن هذا البلد يخوض حربًا مكلفة ضدّ الإرهاب.

 

٣- تأثير تراجع أسعار النفط على السعوديّة

تشكّل السعودية أحد أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، فهي المنتج الأوّل للنفط في دول منظّمة الأوبيك، وأحد أكبر المصدّرين له في العالم. بالإضافة إلى تكلفة إنتاج منخفضة. وهي تمتلك إحتياطات ضخمة من النفط.

ولقد أثار قرار السعودية عدم الموافقة في اجتماع أوبيك الأخير على خفض إنتاجها الكثير من الإنتقادات وصلت إلى حدّ إتّهامها بأنّها تنفّذ "أجندة" أميركيّة هدفها إضعاف إيران وروسيا وفنزويلا.

في المقابل، حاولت السعودية تعليل قرارها بعدم خفض الإنتاج بالقول إنّ سعر النفط أصبح مرتبطًا بالعرض والطلب في الأسواق وليس في الدول.

في الواقع، فإنّ قرار السعوديّة عدم خفض إنتاجها من النفط هو رهان كبير، سعت من خلاله إلى تحقيق عددٍ من الأهداف كضرب إنتاج النفط الصخري في حال توافرها – من وجهة نظرها- تسمح لها بالعودة إلى رفع الأسعار لاحقًا. ولقد ساعد السعودية على اتّخاذ هذا القرار تمتّعها بإحتياطات نقديّة ضخمة وكذلك تدنّي نسبة دينها العام التي هي الأقلّ بين دول العشرين.

هذا وقد سعت السعودية إلى الحفاظ على حصّتها من السوق النفطية ذلك أنّ أي خفض لإنتاجها كان سيرافقه رفع إنتاج الدول الأخرى وعلى رأسها روسيا، ما سيفقد السعودية أسواقًا لن يكون من السهل العودة إليها. أما الهدف الآخر فهو ضرب إنتاج النفط الصخري من خلال جعل كلفة إنتاجه غير مربحة وكذلك وقف الاستثمارات في الحقول النفطية المكتشفة حديثًا وكذلك ارتفاع في قطاع الطاقة المتجدّدة والبديلة بسبب عامل الكلفة.

في الواقع، إن الكلفة الفعلية لإنتاج النفط الصخري تتراوح بين 40 دولارًا (للحقول الجديدة) والـ70 دولارًا للبرميل الواحد من النفط.

ففي حال تدنّت أسعار النفط في الأسواق العالميّة إلى ما دون الـ50 دولارًا، فسوف يتراجع إنتاج النفط الصخري حتمًا. والسعودية قادرة على تحمّل الخسارة الناجمة عن  هذا الإنخفاض. وعلى سبيل المثال فلقد قدّر العجز في الموازنة العامّة السعوديّة للعام 2015 بحوالى 50 مليار دولار. ولكن بسبب توافر إحتياطات هائلة من النقد النادر، تستطيع السعودية تحمّل هذا العجز لأكثر من عقدٍ كامل. كما أنّه باستطاعتها اللجوء إلى الإستدانة عند الضرورة[7].

من جهة أخرى، حافظت السعودية على مستوى الإنفاق الحالي لأسباب إجتماعية وسياسية داخليّة كي لا تثير غضب الرّأي العام الداخلي. وتظهر موازنة العام 2015 أنّ السعودية تنوي الاستمرار في سياسة الإنفاق الحكومي على المستوى الحالي بهدف المحافظة على الثقة بالاقتصاد السعودي.

ولكن لهذه السياسة محاذير كبيرة، أوّلها أن تراكم العجز سيؤثّر على الإقتصاد ولو بعد فترة طويلة من الزمن. كما أن الإنفاق العام لن يحلّ المشاكل البنيوية التي يعانيها الاقتصاد السعودي ومن بينها العجز في الموازنة، الكلفة العالية لسياسة دعم الكهرباء والمحروقات والسلع الأساسية الأخرى. كما توجد ضرورة لتحقيق الشفافيّة والحكم الرّشيد وتنويع الاقتصاد وتخفيف سياسة الدعم وترشيد سياسة استخدام الطاقة التي تلتهم ثلث إنتاج النفط، ولاتزال تسجّل نموًّا كبيرًا.

أمّا عن القرار السعودي المحافظة على كمية الإنتاج نفسها، وعدم تخفيضها فلن يسمح بالقضاء على النفط الصخري من جهة أولى، لأنّ مستوى تراجع الإنتاج السعودي لن يتوقّف بين ليلةٍ وضحاها فهنالك الكثير من الحقول الجديدة دخلت في حيّز الإنتاج وأخرى على الطّريق. صحيح أن الاستثمارات الجديدة في حقل إنتاج النفط الصخري قد تراجعت ولكن الأمر لا يتوقّف فقط على الجانب الإقتصادي. فالولايات المتحدة الأميركية التي حصلت على الإكتفاء الذاتي من الطاقة بواسطة النفط الصخري، لن تسمح بالقضاء على هذا القطاع. من جهة أخرى، إن إرتفاع أسعار النفط من جديد سيجعل من الإستثمار في النفط الصخري عمليّة مربحة وهكذا دواليك.

 

٤- قدرة إيران على الصمود

يشكّل النفط مصدرًا أساسًا للدخل في إيران على الرغم من تمتع هذا البلد بقدرات اقتصادية وصناعية وزراعية كبيرة. وقد بنت إيران توقّعاتها في موازناتها المختلفة على سعرٍ يتراوح بين 131 و136 دولارًا لبرميل النفط[8]. من جهة أخرى تعاني إيران عقوباتٍ إقتصادية قوية منذ سنوات، تركت آثارًا سلبية على صناعة النفط وعلى العديد من القطاعات الإقتصادية الأخرى. وقد حدّدت الموازنة التي وُضعت للسنة المالية الجديدة التي تبدأ في آذار2015 سعر برميل النفط بـ72 دولاراً في ظلّ تراجع أسعار البرميل إلى حوالى 50 دولاراً[9].

ولابدّ من الإشارة إلى أن إيران تعاني منذ وقت طويل تراجعًا في الإنتاج المحلي للنفظ من 3،58 مليون برميل في اليوم في العام 2011 إلى2،77 مليون برميل في نهاية العام 2014 . ويعود الأمر في ذلك إلى العقوبات القاسية وإلى النقص في الاستثمارات والصعوبة في الحصول على التجهيزات اللازمة لزيادة الإنتاج[10].

ولكن على الرغم من هذه العوامل كلّها، تمتلك إيران نقاط قوة تسمح لها بالتعامل مع انخفاض عائداتها النفطية. أبرز هذه العوامل تتلخص بكون الإقتصاد الإيراني يتمتع بإكتفاء ذاتي إلى حدٍّ معقول، وهذا ناجم عن سياسة العقوبات، التي دفعت إيران إلى الإعتماد على تنمية قدراتها الذاتية. في الواقع، إن إيران أقل هشاشة أمام انخفاض أسعار النفط من دول أخرى كروسيا وفنزويلا. بالإضافة إلى ذلك فقد أظهرت إيران قدرةً على مواجهة أزمتها الإقتصادية على الرغم من التضخّم وانخفاض سعر العملة الوطنية الذي زاد من القدرة التنافسية للصادرات الإيرانية.

وقد تضمّنت الموازنة الإيرانية للعام 2015، إجراءات تهدف إلى تخفيض الإنفاق وزيادة الواردات الضريبية وعائدات الخصخصة[11].

بيد أن المشكلة الأساسية التي تواجهها إيران تكمن في النتائج المتوقّعة من المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، فالتوصّل إلى إتفاق في هذا الشأن مع الولايات المتحدة سيسمح برفع العقوبات تدريجًا، ما سيوفّر مساحات جديدة لزيادة الإنفاق العام في إيران وإنفراجًا في أزمتها الإقتصادية.

ولكن، لابدّ من الإشارة من جهة ثانية إلى أن استعادة إيران لحصتها من السوق العالمية للنفط لن تكون سهلة.

وقد صرّح وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه بوضوح، أن إيران سوف تسعى إلى إستعادة حصّتها من السوق النفطية في العالم، حتى لو انخفض سعر البرميل إلى 20 دولارًا، الأمر الذي سوف يؤثّر في حال حدوثه في أسعار النفط[12].

في الواقع، فإن إنخفاض أسعار النفط سوف يعمل في المدى الطويل لمصلحة إيران، كون هذا البلد يمتلك كميات ضخمة من الغاز والنفط تجذب بقوة الشركات النفطية، لأن كلفة الاستثمار في إستخراج النفط الإيراني، ستكون أقل بكثير من كلفة استخراج النّفط الصّخري، أو استخراج النفط من أعماق البحار والمحيطات.

بالإضافة إلى ذلك، يؤدّي النفط دورًا أقلّ في الاقتصاد الإيراني، مقارنة بمعظم بلدان الخليج العربي. فحصة النفط من إجمالي الناتج المحلي الإيراني تبلغ 30% مقارنة ب45% في السعودية ونحو 50% في الكويت وقطر[13]. لذلك، في حال رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، قد يشهد هذا البلد طفرة اقتصادية مشابهة لتلك التي أعقبت الحرب الإيرانية -العراقية، والتي دارت رحاها في الثمانينيات، خصوصًا أن إيران، تمتلك ثاني أكبر إحتياط للغاز في العالم، وصناعة متقدّمة، وموقعًا استراتيجيًا مهمًا على الخليج العربي.

إن تأثير إنخفاض أسعار النفط، يشكّل ضغطًا قويًا على إيران في المرحلة الحالية، أدّى إلى توقّف معظم الاستثمارات في قطاع الطاقة، لكنه لن يؤثّر بشكلٍ كبير في الاقتصاد والسياسة الإيرانية الخارجية في المنطقة.

 

٥- التداعيات على العراق

يأتي تراجع سعر النفط في أسوأ الأوقات بالنسبة إلى العراق البلد المنهمك في إعادة إعمار ما دمّرته الحروب المتعدّدة في السنوات الماضية، وكذلك المنشغل  حاليٍا في محاربة تنظيم داعش الذي يهدّد إستقراره وأمنه. فالإنفاق العسكري ارتفع بشكلٍ ملحوظ، وقد قدّر بـ25% من أرقام موازنة العام 2015 . وبلغ تقدير العجز في موازنة العام 2015 نحو 21،8 مليار دولار. وهذا العجز مرشح للارتفاع في حال استمرار التراجع في أسعار النفط[14].

ويطرح هذا التراجع إشكالية كبيرة في العراق، فالتضخّم في حجم الإنفاق العام منذ العام 2009، نتيجة استخدام الفائض النفطي للتوظيف في القطاع العام، وعدم العمل على بناء إقتصاد سوق مزدهر، والإنفاق غير المحسوب على الأجور ورواتب التقاعد والصحة والنفقات الإجتماعية الأخرى، إذ إن نسبة الرواتب والأجور وملحقاتها بلغت 70% من الموازنة. وذلك كله، جعل من انخفاض أسعار النفط أكثر تأثيرًا في العراق بالنسبة إلى الدول الأخرى[15].

صيغ مشروع الموازنة العراقية للعام 2015 على أساس سعر 60 دولارًا للبرميل. وقد نصّ على اللجوء إلى الإقتراض لتمويل العجز في الموازنة، والإدخار الإلزامي عن طريق الحسم من الرواتب والأجور، وتسديد مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في العراق بواسطة سندات خزينة، وعلى تخفيض العائدات النفطية التي سيتمّ توزيعها على المحافظات بنسبة 50%[16].

أمام هذه الصعوبات، لابدّ للعراق من رفع طاقته الإنتاجية والتصديرية للنفط لتغطية الإنفاق المتزايد والناتج بشكل كبير عن الإنفاق العسكري.

يبقى القول إن الاعتماد على النفط كمصدر أساس للثروة وللإنفاق العام يجعل العراق متأثرًا بشكلٍ أكبر من جيرانه في تداعيات انخفاض أسعار النفط.

 

6- الحالة الجزائرية

يثير انخفاض أسعار النفط، قلقًا في الجزائر كونه يشكّل حوالى 97% من عائدات التصدير و60% من عائدات الدولة وحوالى 30% من إجمالي الناتج المحلي. وقد جاء هذا التراجع بعد سنوات من الإنفاق العام على الاستيراد الذي بلغ 75مليار دولار العام 2014، بينما قُدّرت العائدات النفطية بـ60 مليار دولار في العام نفسه[17].

أما نقاط القوة في الإقتصاد الجزائري فتكمن في تسديد معظم الدين العام الخارجي، إذ إنه يبلغ اليوم حوالى 3,6 مليار دولار وهذا مبلغ قليل نسبيًا[18].

كما أن الجزائر تمتلك إحتياطاً من العملات الأجنبية يقدّر بـ185 مليار دولار وصندوقًا لعائدات النفط (60 مليار دولار) تساهم في تخفيف عبء النتائج المترتبة على انخفاض الأسعار. وتحاول الجزائر الاستثمار في استخراج النفط الصخري الذي تمتلك كمية كبيرة منه، على الرغم من المصاعب الداخلية التي تواجهها في هذا المجال[19].

لذلك، يتطلّب الوضع إعادة هيكلية إقتصادية لكي تستطيع الجزائر تجاوز أزمة تراجع أسعار النفط.

 

7- أسباب تراجع أسعار النفط

أبرز أسباب تراجع أسعار النفط هي:

أ- الأزمة الإقتصاديّة العالميّة التي نتج عنها تراجع الطلب على المشتقات النفطيّة، وزيادة العرض بالنسبة إلى الطّلب. فالأزمة الاقتصادية العالمية خفّضت معدّلات النمو في معظم البلدان وبشكلٍ خاص في بلدان الاتحاد الأوروبي.

ب- زيادة العرض على الطلب، خصوصًا مع دخول دول جديدة السوق النفطيّة في أفريقيا وأميركا الجنوبيّة. كما أنّ اكتشافات نفطية جديدة باحتياطات ضخمة، جعلت حصة دول منظمة الأوبيك من إنتاج النفط في العالم تتدنّى من أكثر من النصف قبل عقد من الزمن إلى حوالى الثلث.

وقد نتج عن ذلك، تراجع دور الأوبيك في فرض أسعار النفط بشكل أحادي. صحيح أنها مازالت فاعلة إلا أن دورها قد تراجع مقارنة بالقرن الماضي.

ج- تنامي دور السوق كعامل في تحديد الأسعار. فالعولمة الإقتصاديّة تمتاز بفتح الأسواق وبالمنافسة الشاملة. وقد أصبح النفط يندرج تحت هذا الإطار التنافسي، بعد أن كان سلعة متوافرة بشكلٍ محدود يتركّز إنتاجها بين عدد قليل من الدول المصدّرة. وتحاول دول الأوبيك الحفاظ على أسواقها، لأنّ وفرة النفط تجعل من ذلك عملية غير سهلة. وهذا الأمر يفسّر تحفّظ السعودية على تخفيض إنتاجها. كما أنّ عودة العراق وليبيا إلى السوق في حال استقرار الأوضاع فيهما لابدّ من أن يزيد من إنتاج النفط.

د- إنتاج النفط الصخري الذي قلب المعادلات بشكلٍ أساسي، وبخاصّةٍ في الولايات المتحدة الأميركيّة التي تحوّلت من أحد كبار مستوردي النفط في العالم إلى الإكتفاء الذاتي وإلى التّصدير أيضًا، كما انتقلت حمّى إنتاج النفط والغاز الصخريين إلى الكثير من دول العالم.

هـ- سرقة النفظ وتهريبه من قبل داعش وسواها من المنظمات الإرهابية، بحيث أصبح يُباع بأقل من سعره بكثير.

و- اللجوء التدريجي إلى وسائل أخرى لإنتاج الطاقة، كالطاقة النووية والطاقات المتجدّدة.

ز- الدعوة المستمرّة للحفاظ على البيئة والشروع بالإقلاع عن مصادر الطاقة الملوّثة كالنفط الذي يهدّد الحياة البشرية من خلال زيادة نسبة الاحتباس الحراري والتلوّث.

    Source: Wall Street Journal, Why Saudis did not prop up oil prices?”, December 21, 2014.

 

8- التّأثير على روسيا

يشكّل النفط العامود الفقري للاقتصاد الروسي، والركيزة الأساس لعودة روسيا إلى الاضطلاع بدورٍ كبير في السياسة الدولية بعد انهيار الإتحاد السوفياتي. فالعائدات النفطيّة هي المصدر الأبرز لتمويل برامج التسلّح الروسيّة، وكذلك أحد المصادر الرئيسة للموازنة العامّة. فروسيا تشكّل أحد أهم الدول المنتجة للنفط في العالم، إذ إن إنتاجها يتجاوز عشرة ملايين برميل من النفط يوميًّا، وهي تخسر ملياري دولار مقابل تراجع سعر البرميل دولارًا واحدًا. وعلى الرغم من ذلك، لم تقرّر تخفيض إنتاجها من النفط، خوفًا من أن تستولي دول أخرى على أسواقها عن طريق رفع الإنتاج.

وقد ترتب على تراجع أسعار برميل النفط، إنخفاض حاد في قيمة العملة الروسيّة واضطرار روسيا إلى صرف جزء من احتياطاتها من العملات الصعبة في محاولة لتثبيت سعر صرف عملتها من دون نتيجة. وفي السياق نفسه إرتفعت نسبة الفوائد بشكلٍ كبير تجاوز الـ17% كنتيجة لتراجع سعر صرف الروبل الروسي[20].

وما يزيد الأمر سوءًا، تَعرُّض روسيا إلى عقوبات إقتصادية من قبل الولايات المتحدة الأميركيّة والاتحاد الأوروبي. ولكن على الرغم من قساوة نتائج تراجع أسعار النفط على الاقتصاد الروسي، فإن روسيا تتمتّع بإمكانات صناعيّة وإقتصادية كبيرة وبثروات هائلة من المواد الأوليّة كالغاز والذهب وغيرهما من المعادن. يبقى القول إن الكثير من القطاعات الاقتصادية تعرّضت إلى عددٍ من الأزمات وإلى إرتفاع كبير في الأسعار.

إذًا يشكّل النفط أهم عائدات الموازنة العامة في روسيا. وقد سمح ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة، في الاستثمار في الصناعات الحربيّة والبنى التحتيّة، وفي تكوين احتياطات مهمّة من العملات الصعبة. وقد تمّ وضع موازنة العام 2014 على أساس 93 دولارًا للبرميل و94 دولارًا في العام 2015 [21].

وأمام تراجع أسعار النفط يتوقّع أن يتراجع الناتج المحلي في روسيا بنسبة مهمة في العام 2015، فالنفط يشكّل 70% من صادرات روسيا. وكذلك تمّ إنفاق أموال هائلة من أجل تثبيت سعر صرف الروبل الروسي. وقد نتج عن انهيار أسعار النفط إنكماش إقتصادي مهم حاولت روسيا الخروج منه عن طريق اللجوء إلى الإقتراض ورفع أسعار الفائدة[22].

ولكن، هل إن انخفاض سعر النفط سيمنع روسيا من العودة إلى الساحة الدولية كلاعب أساس كما كانت الحال في زمن الإتحاد السوفياتي؟ بالتأكيد كلا فعلى الرغم من الكلفة العالية لانهيار أسعار النفط، تمتلك روسيا موارد ضخمة أخرى، وهي بلاد شاسعة المساحة، ولديها صناعات عسكرية متطوّرة.

إن انخفاض الإنفاق العام خصوصًا على المسائل الاجتماعية، قد يؤدّي إلى تراجع في شعبية الرئيس فلاديمير بوتين، من دون أن يكون لذلك، مفاعيل كبرى على مستقبله السياسي أو على السياسية الخارجية الروسية في أوكرانيا وسوريا.

 

9- تأثير إنخفاض النفط على فنزويلا (Venezuela)

تعتبر فنزويلا من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، وتمتلك إحتياطات ضخمة من النفط والغاز ومن النفط الصخري.

وتتبع فنزويلا منذ أيّام الرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز، سياسة تقديم مساعدات اجتماعيّة سخيّة، وكذلك سياسة دعم المشتقات النفطيّة وهي مكلفة جدًّا (15 مليار دولار في السنة)[23].

وقد أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن استمرار سياسة دعم المشتقات النفطية على الرغم من كلفتها العالية.

في الواقع، تطرح أسئلة عديدة حول قدرة فنزويلا على الاستمرار في سياسة الدعم للمحروقات، علمًا أن نسبة التضخّم وصلت إلى حوالى الـ60%. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ سنوات من سوء الإدارة أصبحت أكثر تأثيرًا في الوضع الاقتصادي[24].

إذًا تعتبرُ فنزويلا من أكثر الدول تأثّرًا جرّاء انخفاض أسعار النفط لأنها تعتمد على عائداتها النفطية لاستيراد معظم حاجاتها الإستهلاكية. وإذا استمر تراجع أسعار النفط، فستخسر معظم احتياطاتها النقدية. وفي الواقع قُتِل العديد من الأشخاص في مظاهرات احتجاجيّة على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية. لذلك فإن الاستقرار السياسي مُهدّد في فنزويلا بشكل مباشر في حال استمرار تراجع أسعار النفط. فهي البلد الأكثر تأثّرًا في هذا التراجع.

 

10- الولايات المتحدة الأميركية: أي مستقبل للنفط الصخري؟

 لقد عمدت الولايات المتحدة الأميركية إلى اللجوء إلى خطة بدأت بعد أحداث 11 أيلول 2001، كانت تهدف إلى تأمين احتياجات الولايات المتحدة من مصادر آمنة من الطاقة، عن طريق اللجوء إلى استخراج النفط الصخري من مناطق مختلفة في الولايات المتحدة. ولكن بشكلٍ أساس من منطقتي تكساس وكولورادو. وقد إستثمرت مليارات الدولارات في هذه العملية التي بدأت تعطي ثمارها مع  العام 2014 عندما بلغ إنتاج النفط الصخري حوالى 4.5 مليون برميل يوميًا[25].

وقد مكّن هذا الأمر الولايات المتحدة من أن تصبح أول منتج للنفط في العالم بكميةٍ تُقدّر بـ11 مليون برميل يوميًا[26]، متخطّية بذلك السعودية وروسيا. بالإضافة إلى ذلك، عمدت الولايات المتحدة إلى مدّ خطوط شحن مكّنتها من توفير كميات هائلة من النفط بواسطة الأنابيب والقطارات والشاحنات الضخمة من النفط الصخري. إن هذا الفائض الكبير في إنتاج النفط، ساهم إلى حدّ كبير في تغيير قواعد اللعبة إذ تراجع دور دول الأوبيك ومن ضمنها دول الشرق الأوسط، ولم يعد يشكّل حاجة ماسّة لتأمين حاجات الولايات المتحدة من المشتقات النفطية. كما أن هذه الأخيرة تلجأ إلى الدول المجاورة لها لاستيراد النفط كفنزويلا وكندا، ما يخفّف من اعتمادها على الشرق الأوسط. بموازاة ذلك تمكّنت الولايات المتحدة من اكتشاف كميات ضخمة من الغاز الصخري والشّروع باستخراجها لتصبح من أكبر دول العالم امتلاكًا للغاز. ومن الممكن أن تزداد إحتياطاتها من الطاقة مع تقدّم السنوات، وهذا ما جعلها من دولة مستوردة للنفط إلى دولة مصدّرة له.

فضلًا عن ذلك فإن انخفاض سعر الطاقة سيسمح للولايات المتحدة بأن تتمتع بقدرة تنافسية ستستمر حتى العام 2035.

هذا واستغلّت الولايات المتحدة هذه المصادر الوطنية والرخيصة للطاقة من أجل إطلاق ما اصطُلح تسميته الثورة الصناعية الثانية. وقد سجّل الإنتاج المحلي الأميركي نموًّا بلغ 2،2% العام 2014 ويقدّر أن يبلغ 3،2% العام 2015. بالمقابل، يسجّل الناتج المحلي في أوروبا ارتفاعًا لا يتجاوز واحدًا بالمئة في العام.

 

11- احتياطات النفط الصخري

تتضارب التقديرات الفعليّة لكمية احتياطات النفط الصخري الموجودة في العالم. ولكن بحسب مكتب الطاقة الأميركي فهي تُقدّر بين 2800 و3100 مليار برميل من النفط يوجد منها بين 1000 و1200 برميل من النفط في الولايات المتحدة الأميركية[27].

توجد كميات كبيرة من النفط الصخري في فنزويلا والصين والمغرب والأردن وروسيا وألمانيا والجزائر ومصر وتركيا وغيرها من الدول. وفي الماضي، كان يستعمل النفط الصخري في إنتاج الكهرباء بخاصّةٍ في روسيا ورومانيا ولكن تمت الإستعاضة عن ذلك بالغاز أو بمواد أخرى بسبب الكلفة.

إن كميات النفط الصخري المتوافرة في العالم، تتخطّى كميّات النفط التقليدية المتوافرة والتي كانت تبلغ 1342 مليار برميل في العام 2009 [28].

وبحسب الأرقام المتوافرة حاليًّا فإن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وكندا وفنزويلا تمتلك معظم الكميات المكتشفة حتى اليوم. أما طريقة استثمار النفط الصخري فهي إما مكشوفة فوق الأرض أو تحت الأرض. وفي الواقع يجب استعمال معدّل خمسة براميل من المياه لاستخراج برميل واحد من النفط الصخري. وهذا الأمر في حدّ ذاته يزيد من التلوّث بشكلٍ كبير. وهذا ما يفسّر تردّد بعض دول الإتحاد الأوروبي ومن بينها فرنسا في السماح باستخراج النفط الصخري من أراضيها.

أما في فرنسا فتوجد رواسب من النفط الصخري قدّرها المعهد الوطني للنفط بين 60 و100 مليار برميل نفط كافية لتغطية حاجات فرنسا لمدة 150 عامًا، وهي أيضًا سادس بلد في العالم من حيث الإحتياطات من الغاز الصخري.

 

12- التّأثير على الإتحاد الأوروبي

تعاني بلدان الإتحاد الأوروبي من أزمة إقتصادية حادّة – باستثناء ألمانيا- حيث ترتفع فيها نسبة البطالة وتنخفض فيها معدّلات النمو. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ دول الإتحاد الأوروبي هي من أكثر البلدان فقرًا في الطاقة وتستورد كميات كبيرة من النفط والغاز.

لذلك وبشكلٍ أوّلي، ستستفيد بلدان الإتحاد الأوروبي من هذا الإنخفاض في أسعار النفط، بحيث أن فاتورتها النفطية ستنخفض ما سيؤثّر إيجابًا على ميزان مدفوعاتها ويخفّف من نسبة التضخّم. وستستفيد بشكلٍ خاص من تخفيض أسعار النفط للصناعات التي تستَهلك كميّات كبيرة من الطاقة وكذلك شركات الطيران والشركات السياحية. إن انخفاض أسعار النفط يوازي من الناحية الاقتصادية مليارات الدولارات من السِلف والتخفيضات الضريبية على الشركات. من جهة أخرى، فإنّ هذا الانخفاض سيسمح بزيادة الاستهلاك ويساهم برفع الناتج المحلي. وأخيرًا فإنه سيساهم في رفع أرباح الشركات وزيادة استثماراتها في القطاعات المنتجة.

وفي المقابل تطرح أسئلة حول إستدامة هذه النتائج، حيث أن السعر المنخفض للطاقة في أميركا يعطي الصناعة الأميركية تفوّقًا كبيرًا، يجعل من البضائع الأميركية أقل كلفةً من مثيلاتها الأوروبية لسنوات طويلة.

وفي الواقع، فإنّ دول الإتحاد الأوروبي حاولت استيراد مشتقات النفط الصخري من الولايات المتحدة الأميركية ولكن جوبهت برفضٍ أميركي للأمر. لذلك فإنّ استمرار اعتماد أوروبا على النفط والغاز المستوردين كمصادر أساسية للطاقة، سيزيد من ارتباط إقتصاديات هذه الدول بتقلّبات أسعار النفط في الأسواق العالمية.

وهنا نشير إلى أنّ انخفاض أسعار النفط سوف يكون له تقريبًا المفاعيل الإقتصادية نفسها على الصين والهند واليابان، وهي من أكثر البلدان استيرادًا للنفط.

 

13- إنخفاض أسعار النفط بين السياسة والإقتصاد

إن السؤال الذي يطرح نفسه لتفسير انخفاض أسعار النفط هو التالي: هل إن انخفاض أسعار النفط ناتج عن العرض والطلب، أم أن له أهدافًا سياسية؟ بشكلٍ مبسّط: لا اقتصاد من دون سياسة ولا سياسة من دون اقتصاد. فهنالك ترابط عضوي بين السياسة والإقتصاد كما كان يردّد الجنرال ديغول: إن السياسة تعتمد على الإمكانات التي تمتلكها الدولة. والواقع، إن لانخفاض سعر النفط شقّين: شقّ إقتصادي وشقّ سياسي. في الشقّ الأول، لابدّ من الإقرار أنّ الاكتشافات النفطية المتلاحقة في العالم، والتطوّر التكنولوجي والنفط الصخري ساهمت إلى حدٍّ بعيد في زيادة العرض على الطلب. ونتيجة لذلك، تراجعت نسبة حصّة بلدان الأوبيك من النفط العالمي.

أمّا من الناحية السياسية، فإن النتائج المترتبة على انخفاض الأسعار، كان لها ارتدادات على اقتصادات العديد من البلدان المنتجة للنفط، وأبرزها إيران وروسيا وفنزويلا والجزائر...وحتى على بلدان الخليج النفطية.

OPECs Dilemma

Source: the Wall Street Journal, Why Saudi’s did not prop up oil”, Op.cit.              

تفاوتت هذه التردّدات من حيث أهميّتها بين الدول المذكورة على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى الصعيد الداخلي، يهدّد تراجع أسعار النفط الاستقرار السياسي لهذه البلدان في حال استمراره، لأنّه سيؤثر على التقديمات الإجتماعية التي هي ثمن الإستقرار السياسي في هذه الدول.

أما على الصعيد الخارجي، فهل سيؤثر انخفاض أسعار النفط على سياسات إيران وروسيا الخارجية؟ إن التأثير في المسائل الاستراتيجية، سيكون معدومًا، ولكنّ الآثار الجانبية الأخرى لسياسات هذه الدول، ستتأثر بشبح الموارد النفطية. أمّا بالنسبة إلى دول الخليج فهي بحاجة إلى اعتماد سياسات اقتصادية مختلفة، تقوم على تنويع مصادر الدخل الوطني، واعتماد مبادئ التنمية المستدامة في عملية التطوير الاقتصادي، وكذلك القيام بإصلاحات في مختلف القطاعات الإقتصادية وتخفيض حجم القطاع العام، والإلغاء التدريجي لسياسات الدعم المكلفة تحت طائلة مواجهة تردّدات إجتماعية كبيرة.

وأخيرًا فإن السعودية تعتبر لاعبًا مهمًّا في موضوع إنتاج النفط، وإن كان هذا الدور قد تغيّر وأصبح أكثر تأثيرًا في الأوضاع الجديدة لسوق النفط في العالم.

ولكنّ هل ستعود أسعار النفط إلى الإرتفاع لتتجاوز عتبة المئة دولار للبرميل؟

إنّ التوقعات الأكثر تفاؤلاً، لا تشير إلى عودة الأسعار إلى ما كانت عليه. في الواقع، إن تزايد العرض والتغيّرات في قطاع الطاقة تشير إلى أن متوسّط سعر النفط المتوقّع في السنوات القادمة سيتراوح بين الـ60 والـ70 دولارًا للبرميل الواحد. صحيح أن الأمر يبقى عرضة للتطوّرات الاقتصادية والمناخية ونهاية الأزمة الاقتصادية العالمية واستقرار بلدان تعاني مشاكل أمنية كليبيا، وأمورًا أخرى تتصل بكامل قدرتها الإنتاجية. ولكن لا يتوقّع أن ترتفع الأسعار بشكلٍ كبير إلا في حال حدوث أزمة اقتصادية دولية كبيرة.

 

14- الجدوى الإقتصادية من إنتاج النفط الصخري

لايزال النفط الصخري في بداياته الإنتاجية ولاتزال الشكوك تدور حوله من الناحية البيئية أو من ناحية جدواه على المدى المستدام. كما أن عددًا من الجهات الأميركية والأوروبية المستقلّة تلمّح إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية متحمّسة بخصوص هذا النفط ولذلك أسباب عديدة، منها مبالغة الشركات الأميركية الكبيرة في تقديراتها من أجل الحصول على الدعم والتسهيلات اللازمة من الحكومة.

وأمّا في بولندا، فقد تمّ إلغاء المشاريع الخاصة بالغاز الصخري كلها وفي ألمانيا تبدو الحكومة غير مستعدّة للسماح بذلك إذ تواجه معارضة برلمانية قويّة لأسباب بيئية. وفي بعض الدول الأخرى، وجدت الحكومات أن حجم التكاليف يتفوّق على مستوى الإنتفاع من هذا النفط بالإضافة إلى أن التقنيات الخاصة بالإنتاج تبقى مكلفة، إلى أن تصل إلى المرحلة التي يمكن فيها لأي طرف يرغب في إنتاج النفط الصخري الحصول عليها بكلفة أقل. فصحيح أن هذا النوع من النفط يشكّل ثورة في عالم الطاقة، ولكن يصحُّ القول أيضًا أنه يظلّ ثورة تحتاج إلى المزيد من الوقت والنضج والإمكانات، لتصبح جزءًا لا يتجزّأ من قوة دفع الطاقة بشكلٍ عام.

وفي حين أنّ جدوى النفط الصخري مقبولة حاليًا بحكم الأسعار العالمية للنفط التقليدي، فإنها لن تبقى كذلك عندما تنخفض الأسعار وذلك لأسباب عديدة متعلّقة بالمستقبل. فربما سيتراجع الطلب أو على العكس سيزيد العرض. وتعتبر أسعار النفط من أكثر أسعار السلع حساسيّةً. فمثلاً بمجرّد أن تم الإعلان عن اتفاق بين الحكومة الليبية والمتمردين الليبيين الذين يسيطرون على بعض المناطق النفطية، هبطت أسعار النفط في الأسواق العالمية بمعدّل ثلاثة دولارات تقريبًا في غضون يومين فقط. وكذلك فإن عودة ايران إلى التصدير بصورة أكبر من جهة وتحسّن أداء المصافي والحقول النفطية العراقية من جهة أخرى، جعلا الضغوط على الأسعار كبيرة.

وهنا تطرح الأسئلة حول مستقبل النفط الصخري. فالعديد من الجهات لا يتوقّع أن تهبط تكاليف إنتاج هذا النفط في مرحلةٍ قادمة، لأنّ التقنيات لاتزال في بدايتها، ولأن الكثير من الخطوات ينبغي أن تتخذ وهي تحتاج إلى المزيد من الوقت. ويرى الكثيرون أن هذا التطوّر الجديد في عالم الطاقة لا يمكن تجاهله ولكنهم يحذرون في الوقت نفسه من تبعات ما يعرف بـالإفراط في التوقّعات.

 

15- النفط الصخري الأميركي بين المعجزة الإقتصادية والكارثة البيئية

يرى البعض في النفط الصخري معجزة إقتصادية وبينما يرى البعض الآخر فيه كارثة بيئية. فهل من الممكن تقريب وجهتي نظر هذين الطرفين حول طاقة النفط الصخري؟

لقد غيّرت طفرة النفط الصخري الأميركي توقّعات أسعار الطاقة في خلال العقد الماضي، إذ أنهت تراجعًا في إنتاج النفط استمرّ عقودًا من الزمن في الولايات المتحدة وخفّضت أسعار الغاز الطبيعي بقيمة الثلثين من أعلى مستوياتها في العام 2008. وأدّى الدخل وفرص العمل وإيرادات الضرائب التي أوجدتها ثورة النفط الصخري إلى إنعاش المناطق الصناعية والزراعية المتحضّرة وإلى تشجيع الآمال في انتعاش طويل الأمد في مجال التصنيع في الولايات المتحدة على أساس الطاقة الرخيصة. وفي الوقت نفسه، تمّ التحوّل في توليد الطاقة عن طريق الفحم إلى توليدها عن طريق الغاز، ما أدّى إلى تخفيض انبعاثات الغازات السامة وغيرها من الملوّثات.

 والجدير ذكره هو أنّ تلك الطفرة، غيّرت تصوّر الأميركيين لمكانهم في العالم. فلم تعد الولايات المتحدة مضطرّة أن تعتمد بشكل متزايد على واردات النفط والغاز من الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وأصبح بإمكانها أن تتكهّن بمستقبلٍ تعتمد فيه على ذاتها في مجال الطاقة. وعلى الرغم من أن ثورة النفط الصخري بدأت في الولايات المتحدة، فإنها تنتشر حاليًا حول العالم. وأخذت البلدان من الأرجنتين إلى الصين تطوّر احتياطياتها الخاصة بها.

وقد ولّد إنتاج النفط الصخري فوائد واضحة، إلّا أنّه لايزال يلقى معارضة شديدة من منظّمي الحملات البيئية. إذ كثرت المخاوف بشأن التلوّث المحتمل لإمدادات المياه من المواد الكيماوية المستخدمة في التّكسير، الأمر الذي أدّى إلى تعزيز الإنتقادات في بعض الأماكن، بما فيها فرنسا وبلغاريا وولاية نيويورك، وأثارت تلك المخاوف أيضًا إحتجاجات في أماكن أخرى ومن ضمنها بريطانيا.

 

الخلاصة

إن جيوبوليتيك النفط قد تغيّرت بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة من خلال الإكتشافات الجديدة واستخراج النفط الصخري وظهور بلدان جديدة منتجة للطاقة. وقد استفادت بعض الدول من هذه المتغيّرات وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي تشكّل أكبر مستهلك للنفط في العالم. بالإضافة إلى ذلك تراوحت نسبة الإستفادة من تدهور أسعار النفط بحيث أنّ الدول المنتجة خسرت موارد هائلة وخصوصًا بلدان الأوبيك التي اتّبعت في الماضي سياسات إنفاق كبيرة ولاسيما في المجالات الإجتماعية وذلك بهدف كسب الأمن والاستقرار الداخليين. علمًا أن الإنخفاض الحاد في عائدات هذه الدول في وقتٍ تعصف بها أزمات سياسية حادّة يدقّ ناقوس الخطر. فشعوب هذه البلدان التي تتّبع نظام الدولة الحاضنة، لن تقبل أن تتخلّى عن سياسات دعم المحروقات والسلع الأساسية لأن ذلك سيهدّد مستوى معيشتها. ولكن من جهةٍ أخرى، لا يمكن لهذه الدول أن تستمرّ في سياساتها الإجتماعية السخية. من هنا لابدّ من حلّ هذه المعضلة التي تهدّد استقرار هذه الدول. من جهة أخرى، لا يمكن توقّع ارتفاع جديد وحادّ لأسعار النفط على المدى الطويل وهذا ما تحلم به بعض الدول المنتجة للنفط. لذلك فإنّ التعامل مع هذا الواقع الجديد يتطلّب تنويعًا إقتصاديًّا كبيرًا، وترشيد الإنفاق العام، ووضع حدّ للنفقات غير المجدية ومحاربة الفساد. ولكن كما أشرنا أن للأمر محاذير سياسية كبيرة، ففي حال الإستمرار في تمويل هذه السياسات الإجتماعية السخيّة من دون القيام بإصلاحات بنيوية للاقتصاد، فإن استقرار الكثير من البلدان التي تعتمد على إنتاج النفط سينهار على المدى المتوسّط.

 

الهوامش

[1]-     .Wikepedia, «Le schist bitumineux», consulté le 15 janvier 2015

 

[2]-     Ibid

 

[3]-     Ibid

 

[4]-     .www.futura-sciences.com, «Lexploitation du schiste: quels dangers, Consulté le 23 janvier, 2015

 

[5]-     . www.aa.com.tr/, «Record de réserves de devises en Arabie saoudite», consulté le 1er février 2015

 

[6]-     . www.wsj.com/articles, Why Saudis decided not to prop up oil, consulté le 3 février 2015

 

[7]-     www.businessinsider.com/afp-saudi-projects-huge-deficit-as-0il--price-drop, Saudi Arabia projects its   biggest deficit ever after oil crash, consulted February 3, 2015.

 

[8]-     .Why Saudis decided not to prop up oil, Op.cit, consulted on February 3, 2015

 

[9]-     .Ibid

 

[10]-    .Ibid

 

[11]-    .www.al-monitor.com,Irans budget tackle falling oil prices, consulted on February 3, 2015

 

[12]-    .www.247wahot.com, Iran threatens price war: oil at $20 a barrel?”, consulted on February 3, 2015

 

[13]-    .www.economist.com/, why all prices are falling?”, consulted on February 1, 2015

 

[14]-    .www.rfert.org/content/Iraq, Iraqs cabinet approves draft 2015 budget, consulted on February 9, 2015

 

[15]-    .Ibid

 

[16]-    .Ibid

 

[17]-    .2015,www.stanford.edu/class/, Effects of declining oil prices on oil exporting countries, consulted on February 3

 

[18]-    .Ibid

 

[19]-    .Ibid

 

[20]-    www.econonomicshelp.org,Impact of falling oil prices, February 3, 2015.

 

[21]-    .Ibid

 

[22]-    .www.elsa.gov/countries, Russia analysis, US Information Agency Administration, Consulted on January 27, 2015

 

[23]-    .www.Ibtimes.com,The World cheapest Venezuela gas, Consulted on February 3, 2015

 

[24]-    .Voir: www. Index munid.com, Venezuela Inflation rate, consulted on February 2, 2015

 

[25]-    EIA, Energy World Outlook, 2014.

 

[26]-    .Ibid

 

[27]-    .United States Energy Information Administration, Washington D.C., 2014

 

[28]-    .United States Energy Information Administration, 2009, p.34

 

The economic and political repercussions of the decline of Oil prices

The Oil prices have massively declined during the past months from 100 Dollars to a minimum of 40 Dollars per gallon. This decline witnessed various explanations, the most important one being: the evolution of Oil retrieving techniques, the resort to Shale Oil production, constant explorations of new Oil fields and the excess of supply over demand. As a result, the decline in Oil prices posed several problematic for the countries that mainly count of Oil revenues such as the Gulf countries, Iran, Russia and Venezuela as well as for Oil importing countries such as the United States of America that turned from importing Oil to exporting it. However, is this acute decline in prices permanent or temporary? In fact, the geopolitics in the world changed and so did the rules of exchange, as the prices are now controlled by the markets instead of the countries. It is also worth mentioning that Shale Oil production is the main reason behind the decline in Oil prices.

Les répercussions économiques et politiques de la chute des prix du pétrole

Les prix du pétrole ont bien diminué durant les mois passés, et ce de 100$ à un niveau minimal de 40$ par baril. Les préextes donnés à une telle chute sont diverses, parmi lesquelles: le développement des techniques d’exploration du pétrole, le recours à la production de l’huile de schiste, les découvertes continues de nouveaux champs de pétrole et l’excès de l’offre sur la demande. La chute des prix du pétrole a posé diverses problématiques par rapport aux pays qui dépendent principalement des revenus pétroliers tels les pays du Golf, l’Iran, la Russie, Venezuela, tout comme sur les pays importateurs de pétrole, à savoir les Etats-Unis qui se sont transformés de pays importateurs en pays exportateurs de pétrole. Cependant, cette chute des prix, est-elle durable ou temporaire? En effet, la géopolitique du pétrole dans le monde a varié, il en est de même pour les règles d’échange, de sorte que les marchés contrôlent aujourd’hui les prix et non pas les pays. À noter que la production de l’huile de schiste est la raison principale de la diminution des prix pétroliers.