في كل بيت

التربية على الأخلاق
إعداد: ناديا متى فخري

أعطوا الطفل كفاف يومه منها واتركوه يشبّ بسلام!

في تربية الأبناء، يجب الحرص على تعزيز محفّزات النمو الأخلاقي المثالي، ليتجه أولادنا نحو إيجابية التواصل الإنساني والإجتماعي، فالتربية الأخلاقية هي المحور الدائم لخلق شخصية نزيهة ومتمرسة على الوداعة والثبات على الخير... وكما نعرف، إن التنشئة الأخلاقية تشكّل حجر الزواية في هرمية التربية المدنية، وحين يتزوّد الإبن الفضائل ويتشرّب الثقافة الأخلاقية الأصيلة، يبتعد عن صغر النفس والأنانية والتكبر وغير ذلك من أخلاقيات غير مقبولة أدبياً.

 

تطور الولد ونشأته
لأن قوام شخصية الفرد وما يمكن أن تكون عليه في المستقبل من رصانة واهتزاز، إنما تعزى في واقعها الى سنوات الطفـولـة الأولى، وكل ما تستقر عليه هذه المرحلة يقولب الشخصية في قالب تستقيــم به وتتهيأ للمراحل الآتية من العمر، من هنا تبرز أهمية أن نراقب بحذر تطوّر الولد ونشأته، الى جانب ضرورة أن نتفـرّغ لتعليمــه مفردات الإنضباط السلوكي وآداب المجتمع لنحصّنه أدبياً وأخلاقياً لوقايته من خطر التخلّق بالأطباع الرديئة التي إن دلّت على أمر فعلى هبوط في مستــوى تنشئتــه الأسرية، وعلى هشاشة نوع الثقافة الأخلاقية التي درج عليها في محيطه البيئي، وأهم خطوة مطلوبة، إرشاد الإبن وتهذيب أخلاقه ليعرف النضج الإنساني في عمرٍ مبكّر، فمن التربية الوالدية يكتسب الولد شخصية محصّنة ضد التهور والإنحلال الخلقي.
أن نهذّب الولد، هذا يعني أننا نؤسس لبناء شخصية عقلانية، مثالية ومتمرّسة على الهدوء والصبر وكرم الأخلاق...
وثمة نقطة هامة نتوقف عندها في إطار الفعل الأخلاقي، وهي تشير الى أن التربية الأخلاقية تعتمد على مدى إستعداد الإبن لقبول النصيحة والتقيّد بها، كما تعتمد على حتمية المناخ الأسري والذي يفرض إمكان أن يموّله بثقافة أدبية تفجر شلال الخير فيه وتجعله يتخلّق بالفضائل الإنسانية التي ترقى به الى قمة التواصل الإجتماعي الإيجابي، أو، قد يكون الجو مثقلاً بالفوضى ومليئاً بالثغرات التي تختلط فيها القيم الخيّرة والشريرة ما يوجّه الولد توجيهاً خاطئاً وغير سويّ؛ وأخطر الأمور أن يتربّى الولد في أجواء مشبعة بالفقر الأدبي.
لا شك أن الأسرة والمدرسة تضطلعان بدور ريادي في التأسيس لقيام حالة التوازن السلوكي عند الأبناء، ولكنّ أيضاً للأبناء دوراً حيوياً في هذا المنحى، فالإنسان هو صانع شخصيته وبيده أن يجنح نحو عبثية التصرف أو أن يكون عقلانياً ومنفتحاً على القيم التي تُثري سلوكه ليثبت في سلام، هذا ما لفت اليه «سيغموند فرويد» في اجتهاداته التي تناول فيها ثوابت التربية المدنية وفعاليتها في تهذيب الولد، كما يقول، والتي أكد من خلالها نظرية: أن أكثر الظواهر أصالة في الإنسان هي محاولته المبكرة في تربية نفسه بنفسه وقدرته على التمييز بين ما هو مقبول أدبياً وغير مقبول.

 

السنوات الحاسمة
سنوات الطفولة سنوات حاسمة تحدث فيها تحوّلات نوعية ويحقق خلالها الولد تعلماً جسدياً وانفعالياً وذهنياً للحياة، وكل ما يخبره ويتيسّر له في هذه الحقبة يلوّن طباعه؛ وفق هذه الدلالات، وتلافياً لانشقاقه عن جادة الصواب، يجب أن نقدّم له القدوة الحسنة مع الانتباه دائماً الى أن الولد وإن كان سلوكه ايجابياً، يحتاج الى تربية انضباطية تضمن له الثبات على لياقة التصرف، وترفع أسهم العملة الأخلاقية لديه ليقوى توازنه ويتوقف على أسس مادية وبنّاءة... فكل وارد في حقبة الطفولة له تأثير ملموس على الولد؛ ولكن السياسات التربوية - التوجيهية المعتمدة في الأسر تختلف من بيئة الى بيئة وهذا يترجم الحالات السلوكية التي نلمسها في الصغار، ففي أفضل الحالات، يكون الأطفال فضوليين وإبداعيين ومتلهفين الى التعلم ومستقلين، وفي أسوأها، يكون الطفل مهملاً، وفوضوياً، ومعانداً واتكالياً بشكل مزعج، فمزاجه المتقلب من جهة وجهله لمنطق الكبار من جهة ثانية يجعلان منه تلميذاً صعب المراس، وسلبيته تقلق أسرته حيث يجد الأهل صعوبة في تلقينه آداب التصرف الحسن، وتصبح محاولة تعليمه أي شيء، عملاً شبيهاً بحراثة أرض ناعمة أحياناً، وفي أحيان أخرى كالذي يضرب رأسه بجدار صخري.
في تربية الأبناء نواجه مشكلات كثيرة قد تكون معقدة أحياناً، فما نسعى اليه كأهل هو تقديم الأفضل لأولادنا، وما يريده الأبناء قد يجعلنا نواجه تحديات شتى...
ويجب بداية أن لا نقابل عدوانية الطفل بمثلها فإذا كان الطفل عدوانياً في سلوكه وانفعالياً، يغضب بسرعة ويتصرف بوقاحة، يحطّم الألعاب، يضرب أخاه، الخ، هنا يجب أن ندرّبه على التصرفات الهادئة وأن نشرح له أهمية أن يعبّر عن رغباته بلطف لأن العنف والصراخ والعناد لا تليق بطفل محبوب مثله، فهذا الأسلوب يشجّعه ليكون هادئاً ورصيناً. ومن الأمور الجيدة أن نوجّهه لممارسة نشاطات مشوّقة ومفيدة لتحقيق ذاته وتعتمد على التركيز الذهني والمخيّلة: كالرسم، والتلوين، وغير ذلك من مهارات تتيح له الترفيه والتعبير الحر الإرادي الخلاّق.
وبالتالي، يُفترض أن نردد أمامه العبارات التي نريد أن نسمعها منه... ومن الخطأ أن نتصرف بانفعال أمام الولد كي لا يلجأ هو الى الأسلوب نفسه، فالطفل بارع في التقليد وليس من السهل أن يرتدّ عن ممارسة سلوك تعلّمه من الكبار.
وباستطاعتنا تحسين أخلاق الطفل دائماً عن طريق الرقابة على أنفسنا، فلا يمكن أن نعاقب طفلاً لأنه ينطق ألفاظاً نابية ننطقها نحن ببساطة أمامه... فكل نموذج مسلكي يتطبع به لا شعورياً وهذا أمر يفرض الحذر، كل الحذر في توجيه الأبناء. ذلك أن التوجيه الأخلاقي هو بمنزلة أمثولة يأخذ الطفل منها العبر المفيدة التي على هَدْيها يتقن استقامة التصرف.. ولا بد أن يتشرّب الطفل الفضائل وهو صغير لتنمو معه وتثمر في سلوكه ليسير الى مسار مستقيم...

 

العنف يورث العنف
يحذر علماء التربية والاجتماع من خطورة أشكال العقاب القاسية عندما يتصرف الطفل بشكل سيء، فالعنف لا يورث إلا العنف، والتربية الصارمة المتشددة تزيد الأمور تعقيداً وبدلاً من أن نهذب أخلاق الطفل نساهم في تزكية روح العدائية لديه لناحية السلوك النزيه الذي نريد منه أن يتخلق به... فتهذيب الطفل هدف تربوي - إنساني واجتماعي وليس كابوساً مقلقاً يهدد أماننا.
ونشير هنا، الى أن كل سلوك نريد تعزيزه وتقويته من الخطأ أن نفرضه فرضاً على أولادنا، بل يجب أن نوجّه المديح للسلوك أمام الطفل فذلك يشجعه على القيام به وتكراره، من جهة لأنه لا يشعر أنه مفروض عليه فرضاً، ومن ناحية ثانية لأنه يرى أنه يلقى قبولاً منا ويفوز عليه بمديح ومكافأة.
وفي الوقت ذاته يمكن لتصرف ما من قبل الطفل أن يطرح مشكلة سلوكية تدفع الأهل الى تعنيفه، كالكذب المتكرر، والسرقة... مثلاً. ولكي نضبط سلوك الطفل يجب أن نتصرف بوعي وحكمة...
فالسرقة سلوك مرفوض أدبياً وإنسانياً واجتماعياً، وبما أن الطفل يعتبر كل شيء ملكاً له، فعلينا أن نعلمه في أبكر وقت ممكن عدم وضع اليد على ملكيات الآخرين من دون موافقتهم، ويظل الأهل ضمير طفلهم حتى يكبر وفي كل مرة يأخذ فيها الطفل شيئاً ليس له يجب أن نمنعه عن تكرار تصرفه ونبين له كيف يطلب ما يريد بتهذيب ونحدد له ما يستطيع أن يأخذه وما لا يستطيع...
فالطفل لا يستطيع التمييز بين السلوك الجيد والسلوك الرديء، ونحن المسؤولون عن توجيهه وضبط تصرفاته...
ولمساعدة الطفل يجب أن نشرح له الفرق بين الإستعارة والسرقة وما يؤدي اليه كل منهما، حتى يفهم الطفل ما معنى عبارة: «ينبغي عليك أن لا تسرق».
فإذا سرق لعبة زميله يجب أن نطلب منه أن يعيدها اليه وأن يعتذر منه لأنه طفل مهذب ومن كان مهذباً لا يسرق، فهذا شيء معيب.
 

ما وراء الكذب...
الكذب أيضاً مشكلة سلوكية، وهو خطوة من الخطوات التي يخطوها الطفل نحو الإستقلالية بعيداً عن مراقبة أو سيطرة الأهل...
يعيش الطفل في عالم مثير تختلط فيه الحقائٍق بالأوهام، وعندما يخبرنا قصة غالباً ما تفضح القصة مخاوفه الدفينة... هو يصرخ احياناً: «أمي، هناك وحش مخيف في غرفتي...»، أو يصرخ متألماً وكأنه تلقّى صفعة موجعة، وهي طريقة يلوذ اليها الطفل ليخبرنا أنه يخشى الظلام مثلاً. وكثيراً ما يصدّق خبراً لفّقه هو، ويقنع نفسه بأنه حقيقة حتى ولو كان أكبر كذبة.
ولكي نجنّب الطفل الكذب، يجب أن نثني عليه عندما نعلم أنه يقول الحقيقة، سواء أكانت تتناول أمراً سيئاً أو أمراً جيداً، إن هذا التصرف يجعل الأطفال، بخاصة الذين هم دون السادسة، يفهمون الفرق بين ما هو حقيقي وما ليس كذلك.
الكذب أنواع، وعلينا أن نكتشف ما وراء الكذبة التي استخدمها الطفل للتأثير علينا حتى نعرف كيف نعالج حالة الكذب عنده... وعندما يكذب الطفل يجب أن نخبره أن الكذب يؤذيه بقدر ما يؤلمنا... وأن نقول له: نأسف لأنك اخترت أن لا تقول الحقيقة، ولا نستطيع أن نثق بك بعد الآن... فبذلك تساعده كي لا يلوذ الى الكذب لتحقيق رغباته...
السلوكيات المرفوضة أدبياً متعددة ليس من السهل اختصارها.. ومن واجبنا أن نكون كآباء على حجم المسؤولية لتأهيل الجيل الصاعد وأن نتذكر دائماً أن الجدول الذي يرويه نبع لا ينضب.
وأنتهي بقول لـ«سيغموند فرويد»: «أعطوا الطفل كفاف يومه من دروس الأخلاق، واتركوه يشبّ بسلام».