محاضرات

التسوية في منطقة الشرق الأوسط والسيناريوهات المطروحة
إعداد: ندين البلعة

السفير ناصيف حتي: على العرب الانتقال إلى سياسة القرار والفعل

 

في إطار خطة التعليم والتدريب للعام 2010 التي تنصّ على تنظيم محاضرات وندوات على صعيد الجيش يلقيها عسكريون أو مدنيون وتتناول مواضيع وطنية، استراتيجية، اقتصادية واجتماعية، ألقى سفير جامعة الدول العربية في باريس السيد ناصيف حتي محاضرة بعنوان«التسوية في منطقة الشرق الأوسط والسيناريوهات المطروحة»، في قاعة العماد نجيم - اليرزة.
تقدّم الحضور رئيس الأركان اللواء الركن شوقي المصري ممثلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي، وحضر عدد من كبار ضباط الجيش والأجهزة الأمنية، والأساتذة الجامعيين وممثلي وسائل الإعلام، والملحقين العسكريين العرب المعتمدين في لبنان.


لمحة تاريخية
قدّم حتي قراءةً لمسارات التسوية في الشرق الأوسط الذي اقترن تاريخه الحديث بتاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي.
فبعد هزيمة 1967، جاء مؤتمر مدريد ليُخرج القضية الفلسطينية من الدائرة العربية مكرّسًا إمساك الولايات المتحدة بزمام الأمور أمام وجود رمزي لباقي الأطراف وخضوعها للأمر الواقع. وبعد أن كرّس الرئيس كلينتون الانخراط الأميركي في القضية، جاءت إدارة الرئيس بوش لتعتمد نهجًا مناهضًا لهذا الانخراط، وحصلت قطيعة في النظرة الاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط. لقد كانت هذه المرحلة عصر الهندسة التغييرية للقضية التي تعرّضت لثلاثة أمور لافتة: التهميش، النظر إليها على أنها مجرّد قضية فتح معبر وتسهيل مرور ورفع حاجز هنا وهناك، وثالثاً تحوّلها إلى مسألة صراع استراتيجي كلاسيكي بعد أن كانت قضية وطنية وقومية.
بعد ذلك، كان مؤتمر أنابوليس الذي أطلق عملية تسوية مرحليّة لحظيّة، وأصبحت قضية فلسطين مؤجّلة في ظل قيام دولتَي أمر واقع وهدنة متوتّرة. وتبعه مبادرة السلام العربي في بيروت، التي واجهتها إسرائيل بحرب.

 

أين فعالية أميركا؟
دعا الرئيس الأميركي الحالي أوباما إلى منطق التفوّق الأخلاقي، وأكّد في خطابه على الاعتراف بالتعدّدية الفكريّة. وفي ما يخصّ القضية الفلسطينية، عدنا مع أوباما إلى مرحلة «ما قبل بوش» في ضرورة الانخراط الأميركي بحلّ القضية ومركزيتها ووجوب حلّها.
من جهة أخرى، شكّل وقف الاستيطان الكلّي مخاطرة غير محسومة بسبب طبيعة النظام الأميركي وقوّة اللوبي المؤيّد لإسرائيل في أميركا والعلاقة الأميركية – الإسرائيلية، ما طرح تساؤلات جديّة حول فعالية أميركا في ما يتعلّق بعملية السلام في الشرق الأوسط.
ورأى حتي أنّ استمرار الاستيطان (530 ألف شخص يسيطرون على 42% من الضفة الغربية) يخنق الجغرافيا ويمنع إمكان قيام دولة فلسطينية، وأن التعامل الدولي الغربي- الأميركي مع الأمر شكّل خرقاً فاضحًا للقوانين الدولية كافة تحوّل إلى عائق أمام السلام، فإلى عنصر غير مساعد ومعطّل في تحقيق هذا السلام، فإلى الحديث عن التحميل الانتقائي. وقال: لقد أصبح الفلسطيني أسيرًا في إطار أميركي في ظلّ التشكيك بصدقية الالتزامات والمواقف.

 

المفاوضات والمساعي
أوضح الدكتور حتي ان السلطة الفلسطينية تقوم بمحادثات غير مباشرة لإشراك باقي الأطراف العربية في التسوية التي عدنا انطلاقًا منها إلى مفهوم المفاوضات الأميركية - الإسرائيلية والأميركية - الفلسطينية للتوصّل إلى اتفاق شامل على أن تخرج إلى تسوية خلال السنتَين القادمتَين. ولكن كل عناصر هذه المفاوضات دلّت إلى استحالة النجاح في محاولة إطلاق مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية مباشرة، إذ ثمة معوقات كثيرة منها:
- صدام المرجعيّات الذي يشكّل العائق الأول أمام مسار المفاوضات. إذ أنّ التفاوض بين أي طرفَين متنازعَين يتم في إطارٍ مرجعيٍّ محدّد من قبل الاثنين (قرارات مجلس الأمن - خريطة الطريق...). ومقابل المرجعيات الفلسطينية الثابتة، دخلت إسرائيل المفاوضات من خلال فراغ مرجعيّ بل من خلال مرجعيات أحادية مناقضة للمرجعيات الدولية (كالاعتراف مثلاً بيهودية الدولة، ما لا يمكن الموافقة عليه إذ يكرّس نظام فصل عنصري ومصادرة للذاكرة الفلسطينية).
- صدام المقاربات، بحيث ينظر الفلسطينيون إلى المفاوضات كعملية تسوية للصراع في حين يعتبرها الإسرائيليون كإدارة لهذا الصراع. فما ترغب وتصرّح به إسرائيل هو اتفاق مرحلي طويل الأمد يؤجّل أي حلّ جذري.
- اختلال فاضح في توازن الفرقاء بحيث يكون الراغب غير قادر والقادر غير راغب، في ظلّ النشاط الكبير الذي تقوم به إسرائيل لتغيير الواقع.
- غياب أي طرف ثالث يضطلع بدور المراقب وصلة الوصل بين الطرفَين.
يُضاف إلى ذلك أنّ القضيّة الفلسطينية ليست مسألة مشتعلة أو أوليّة ضاغطة في ساحة السياسات الدوليّة في الشرق الأوسط، بالمقارنة مع أفغانستان والعراق...
في خضمّ إعادة التموضع الأميركي، تتّسم اللحظة الآنية بما يأتي:
- تشدّد أميركي - إسرائيلي في اتخاذ القرارات.
- يشكّل المسار السوري - الإسرائيلي وعلاقات سوريا الاستراتيجية في المنطقة، أهمية كبرى في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، إلى جانب أربعة أمور أساسية هي الانسحاب والأمن والمياه والعلاقة السلميّة، ما يشكّل مسألة لاغية في محاولات سلام جدّية.
- بروز طروحات إسرائيلية قديمة - جديدة غير مُعلنَة تعود إلى إيجاد صيغة أردنية - فلسطينية مستقبلية.
- عدم إمكان استغلال الموارد بحيث تستغلّ إسرائيل 83% من المياه الجوفية في الضفة الغربية.

 

ملاحظات لبنانية
إن نظرنا بشكل تيليغرافي، تظهر أمامنا خمس ملاحظات على الصعيد اللبناني في هذا الإطار:
• لبنان كان وما زال وسيبقى، الملعب الأكثر «ارتشافًا» للصراعات الإقليمية، وبالتالي الأكثر تأثيرًا في حلّ القضية.
• ضرورة تعزيز التوازن المجتمعي - السياسي والدبلوماسي على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية.
• التنبّه إلى تلافي الانزلاق في أي مواجهة دامية قد تريدها إسرائيل للبنان والتي لا تتعلّق بالضرورة بالقضية الفلسطينية، بل بالأخصّ في ما يتعلّق بالعلاقة مع إيران.
• على لبنان والسلطات اللبنانية المعنيّة التمسّك بالقرار 1701 والتحرّك لتعزيزه والسيطرة على خرق الإسرائيلي لهذا القرار.
• عدم السماح بانتقال خلافات شمال الليطاني إلى جنوبه.

 

سيناريوهات
تناول حتّي السيناريوهات المطروحة في ظلّ الوضع القائم وصنّفها كما يأتي:
• التواصل أو استمرار المفاوضات وبلوَرة أفكار أميركية «كلينتونية» (كلينتون) والتزامها لتصبح رسالة ضاغطة على إسرائيل تدفعها للقبول بما يجب القيام به، وذلك من خلال البحث في نقاط المرحلة النهائية للصراع.
• سيناريو فكّ الارتباط الذي ينصّ على انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية، ما يشكّل تسوية مرحلية ولكن دائمة توجِد الظروف الملائمة في ظلّ إعادة إحياء مبطّن للحلّ الأردني ودفع الفلسطينيين إلى الأردن.
• نقل القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة بعد التوصّل إلى قناعة – ولو متأخرة – بضرورة وضع حدود لأمرَكَة التسوية. وبالتالي الذهاب إلى مجلس الأمن وإصدار قرار قيام دولة فلسطينية.
• سيناريو انفجار الوضع لعدّة أسباب تؤدّي إلى نتيجة واحدة: انتفاضة مدنية وعسكرية وصدام إسرائيلي - فلسطيني والتحذير من عدم إمكان الاستمرار في التسوية في ظلّ التوتّر وانكشاف القضية الفلسطينية أمام الصراعات العربية.
• أمّا السيناريو الخامس والأخير، فهو مدريد جديدة أو مجدّدة. والتوافق في هذا المجال يشكّل مصلحة لجميع الأطراف على الأسس الآتي ذكرها: فرض التواصل والمصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، إعادة إحياء آلية دول الطوق، التوجّه نحو عواصم القرار، حمل مبادرة السلام والتسوية، ومقاربة جديدة تقوم على دعوة لمؤتمر دولي قائم ودائم.
هذا المؤتمر يهتمّ بمواكبة المفاوضات ومتابعتها وتقييمها وتوفير الضمانات لدفعها نحو الأمام، بحيث يتمّ دعوة القوى الأساسية وإشراك الجميع في هذه التسوية الدولية, وذلك عبر ما يُسمّى بالهندسة المعكوسة من خلال تعريف النهاية والتوصّل إلى الضمانات والقرارات الداعمة لها.
هذا السيناريو هو الوحيد الواقعي للتوصل إلى حلّ فعلي للصراع وفق حتّي. والمدخل إلى هذا السيناريو يأتي من الباب العربي – الفلسطيني، والانتقال من سياسة المناشدة وردّ الفعل إلى سياسة القرار والفعل. ومن دون ذلك سيبقى الصراع قائمًا وسنبقى دائمًا في إطار الوقوف على قارعة الطريق.

 

اللواء الركن المصري: أهمية التضامن العربي
في ختام المحاضرة، ألقى اللواء الركن المصري كلمة أكّد فيها أهمية التضامن العربي لمواجهة العدو الإسرائيلي الذي وصفه بالعدو الاستثنائي القائم على القتل وخَرْق حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة، وهو حتى اليوم  السبب الوحيد في فشل محاولات السلام، من خلال مخطّطاته المستمرة لضرب الوحدة الداخلية والعربية.
من جهة أخرى تطرّق رئيس الأركان إلى الدور الذي يؤدّيه العدو الإسرائيلي في ما يُخاط في لبنان من فتن وصراعات داخلية. من هنا شدّد على ضرورة الوحدة الداخلية كأساس للانطلاق إلى التعاون مع المحيط العربي لمواجهة هذا العدو.
وفي هذا الإطار أكّد جهوزية الجيش الدائمة لمواجهة أي محاولة لإثارة الفتنة والعبث بأمن المواطنين، مشيرًا إلى أنّ دور الجيش الميداني إنّما يكتمل ويتحصّن بوعي الجميع خطورة استمرار الأوضاع الراهنة، وتغليبهم مصلحة الوطن العليا على أي مصلحة أخرى.
وفي الختام، كانــت الكـلمـة الأخــيرة كــلمــة شــكــرٍ للسفير حتّي الذي قدّم له رئيـس الأركان درع الجـيش التذكـاري عـربون امتـنان وتـقـدير.