سيكولوجية الجماهير

التسويق السياسي وخداع الجماهير
إعداد: المقدم الركن ظافر مراد

تعتبر إدارة مزاج الجماهير وضبط سلوكها وتوجيه آرائها، من المسائل الأساسية التي تواجه القادة وصنّاع القرار، خصوصًا عندما يواجهون معارضة لسياساتهم وقراراتهم غير الشعبية. وفي هذه الحالة فهم يلجأون إلى تسويقها وتبريرها، بأسباب مقنعة ومحقة أحيانًا، وأحيانًا أخرى بأساليب تعتمد على الخداع وتزوير الحقائق واللعب بالعواطف والغرائز، بغية التأثير على الناس وكسب تأييدهم، أو أقله جعلهم غير ممانعين لما يتخذ من قرارات ومواقف.

 

هرم ماسلو للحاجات الإنسانية
وفق عالم النفس الشهير ألفرد ماسلو هناك حاجات أساسية للإنسان، وهو يدرجها في ترتيب هرمي انطلاقًا من أهمية كل منها، وبذلك تقع في أسفل الهرم (معروف باسم هرم ماسلو)، الحاجات الجسدية، يليها الحاجة إلى الأمان، فالتقدير والاحترام، وصولًا إلى تحقيق الذات في رأس الهرم.
الحاجة إلى الشعور بالأمان، هي التي يتم استهدافها في عمليات التأثير على الجماهير، بحيث تعتمد استراتيجية تعظيم المخاطر التي تهدد انتماءهم، وترويجها، وذلك سواء كان الإنتماء عرقيًا، دينيًا، مناطقيًا أو سياسيًا. تحتاج هذه العمليات إلى وسائل وأجهزة ذات معرفة وخبرة بمهارات التأثير النفسي على الرأي العام. ويتربّع على عرش هذه الأجهزة، وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لذلك لا عجب أن يكون لكل جهة سياسية وسائل إعلامها الخاصة وناشطيها على مواقع التواصل. ولا تقتصر عمليات التأثير على تسويق القرارات وإطلاق ردّات فعل الجماهير وإدارتها، بل أيضًا على المحافظة على المناصرين وكسب المزيد منهم، وهذا ما يفسر تعاظم نشاط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عند كل استحقاق ومفصل سياسي أو حدث مهم. وقد ساعد في ذلك تطور تكنولوجيا الاتصال ووسائل الإعلام والعولمة المرتبطة بشبكة الإنترنت وبرامج المعلوماتية الحديثة.
 
استراتيجيات خداع الجماهير
تناول الكاتب الأميركي والعالم اللغوي نعوم تشومسكي هذا الموضوع عندما تحدث عن «الاستراتيجيات العشر لخداع الجماهير عبر الإعلام»، والتي يعتمدها الحكام، وهذه الاستراتيجيات هي:
 

• الإلهاء:
تعتبر عنصرًا أساسيًا للضبط الاجتماعي، وهي تتمثل في تحويل أنظار الرأي العام عن المشاكل الأساسية والقرارات المصيرية التي تتخذها النخب السياسية والاقتصادية. وتعتمد هذه الإستراتيجية على ضخ كمّ هائل من المعلومات والنشاطات الترفيهية، وخلق أجواء ملائمة لصرف أنظار الجماهير واهتماماتها عن القضايا الحساسة، والانغماس في التسلية واللامبالاة واللهو المستمر.
 

• خلق المشاكل، ثم تقديم الحلول:
تختصر هذه الإستراتيجية بمعادلة: «مشكلة - ردة فعل - حلول»، بحيث تكون المشكلة أعظم وأخطر مما هو مطلوب تمريره وإقراراه، وتفرض هذه المشكلة حالة مربكة ومقلقة للناس، وربما تتسبب بمخاطر أمنية أو صحية أو اقتصادية. وبعد أن تعيش الجماهير هذه الحالة الخطيرة، يصبح تقبلها للحل سريعًا وسهلًا، ولو كان على حساب خسارات في مجالات أخرى، حيث يصبح ما يريد الحاكم فرضه، مطلبًا جماهيريًا في ظروف معينة.
 

• التقهقر:
يعتمد هذا الإسلوب على استراتيجية تطبيق الإجراءات بطريقة تدريجية ناعمة، أي بالتقسيط ولفترة طويلة، فلا يعي المواطنون تداعياتها ويلمسون سيّئاتها بشكل سريع وواضح.
 

• التأجيل:
مشابهة لاستراتيجية التقهقر ولكنها تنفذ في القرارات غير القابلة للتجزئة، أو الصعبة التطبيق بشكل فوري، وهي تعتمد على أخذ موافقة الرأي العام شرط تأجيل البدء بالتنفيذ والتطبيق إلى مستقبل غير قريب. فمن السهل دائمًا قبول تضحية مستقبليّة بدلًا من تضحية عاجلة، وهكذا تصبح الفكرة مقبولة شيئًا فشيئًا في أذهان العامة.
 

• استخدام اسلوب بسيط في مخاطبة الرأي العام:
تقضي هذه الاستراتيجية باستخدام أسلوب خطابة وتواصل بسيط مع الجماهير كما لو أنها مجموعة أناس غير راشدين أو غير عاقلين ومجرد متلقّين، وذلك بغية تلافي ردات الفعل وعدم أخذ الأمور بالجديّة اللازمة وتعطيل الحس النقدي لديهم.
 

• إثارة العواطف بدل التفكير:
اللجوء إلى إثارة العواطف تقنية كلاسيكية لتعطيل التحليل العقلاني والحس النقدي للأفراد، كما أن استخدام المخزون العاطفي يسمح بفتح باب الولوج إلى اللاوعي، وذلك من أجل غرس أفكار، رغبات، مخاوف، وميول معيّنة واستجلاب سلوك وردات فعل مناسبة ومطلوبة.
 

• إبقاء الجمهور جاهلًا:
الحرص على إبقاء الجمهور جاهلًا التقنيّات والطرائق المستخدمة من أجل ضبطه والسيطرة على تفكيره وسلوكه، هو من شروط نجاح استراتيجيات الخداع، وهذا ما يتطلّب أن تكون درجة التعليم والتثقيف لديه متدنيّة وضعيفة.
 

• تشجيع الجمهور على استساغة البلادة:
تعمل هذه الاستراتيجية على تشجيع الجمهور على تقبّل أن يكون جاهلًا وبليدًا، ولامباليًا بالأحداث.
 

• إستبدال الانتفاضة بالشعور بالذنب:
جعل الفرد يشعر أنه هو المسؤول عن شقائه، بسبب جهله ونقص ذكائه وقدراته، هو أساس هذه التقنيّة وهكذا، بدل الانتفاضة ضد النظام، يشعر بالذنب ويلجأ إلى لوم نفسه وينخفض تقديره لذاته، مما يجعله غير قادر على القيام بردة فعل.
 

• معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم:
إنّ التقدم الهائل في العلوم الإنسانية، وخصوصًا في علم النفس التطبيقي وسلوك الإنسان، خلق هوة كبيرة بين معارف العامة وتلك التي تمتلكها النخب الحاكمة، أو يمتلكها مساعدوهم ومستشاروهم، ما يسهل سيطرة الحكام والأنظمة القائمة على الأفراد.
إنطلاقًا مما تقدم، تبقى المعرفة والثقافة هما السلاح الوحيد أمام الشعوب لاكتساب المناعة وعدم الانجرار وراء الغرائز، والمحافظة على التفكير العقلاني والمنطقي في مقاربة الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكي لا يصبح مزاج الجماهير كما ردود أفعالها، قوة تعمل في سبيل مصلحة الزعيم لا في سبيل المصلحة العامة.