بيئة وطبيعة

التصحر مشكلة تسبب الفقر والنزوح والهجرة في أكثر من مئة بلد
إعداد: باسكال معوض

الإنسان يستنزف موارد الأرض مخرباً غطاءها الثمين

ليس عرضاً أن يسمى كوكـبنا لأرض. فجميع أشـكال الحيـاة فيه تعتمد على قشرة التربة الحساسة الهشة التي تغطي القارات. ولو لم تكن هذه التربة, لما بزغت الكائنات الحية مطلقاً من المحيطات الى اليابسة.
الغطاء الثمين الذي يمثل الجوهر الحقيقي للكوكب, يتكون ببطء شديد للغاية, ولكنه يدمر بسرعة رهيبة. فقد يستغرق تكوين سماكة بوصة واحدة من التربة قروناً طويـلة, وإذا اسيئت معاملتها فإنها تتلاشـى في غضون فصـول قلـيلة. وتتـلاشى الأرض بسرعة في أنحـاء الكوكـب الذي يحمل اسمـها, فما الذي يحدث؟
للإضاءة على ظاهرة التصحر وأسبابها وما يرتبط بها من مشاكل اقتصادية واجتماعية, التقت الجيش المهندسين أنطونيو يوسف وعبير أبو الخدود من فريق عمل مكافحة التصحر التابع لوزارة الزراعة.

ما هو التصحر؟

التصحر هو تردي الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة نتيجة عوامل مختلفة من بينها العوامل المناخية والأنشطة البشرية.
ويمكن للفقر وعدم الاستقرار ونزع الغابات والرعي المفرط وسوء أساليب الري, أن تضر بانتاجية الأرض.
يؤثر التصحر سلباً وبشكل مباشر على أكثر من 250 مليون نسمة, وثمة ما يقارب مليار شخص في أكثر من 100 بلد يتعرضون لخطر التصحر, الذي يطال أعداداً كبيرة من أفقر سكان العالم وأشدهم تهميشاً.
لقد سلّم المجتمع الدولي منذ عهد بعيد بأن التصحر مشكلة اقتصادية واجتماعية وبيئية كبرى تثير قلق بلدان كثيرة في جميع أقاليم العالم.
وبعد مؤتمرات وبرامج للحد من التصحر, عقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (UNCED) في العام 1992 في ريـو دي جانيرو والذي طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء لجنة تفاوض حكومية دولية (INCD) مهمتها إعداد اتفاقـية لمكافحـة التصحر في البلدان التي تعاني من الجفاف الشديد.
وفي كانون الأول 1992 وافقت الجمعية العامة على ذلك باعتماد القرار 45/88 ووضعت الاتفاقية في باريس في 17 حزيران 1994, وفتح باب التوقيع عليها في تشرين الأول 1994, وقد وقعها حتى الآن 186 بلداً.

اتفاقية مكافحة التصحّر

الهدف من وجود اتفاقية مكافحة التصحر هو مكافحة هذه الظاهرة, وتخفيف آثار الجفاف في البلدان التي تعاني منه أو من التصحر خصوصاً في أفريقيا, وذلك عن طريق اتخاذ اجراءات فعّالة على الأصعد كافة مدعومة بتعاون دولي وترتيبات شراكة, في إطار نهج متكامل متناسق مع جدول أعمال القرن الواحد والعشرين, مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المناطق المتأثرة.
وتحقيق هذا الهدف سيتطلب الأخذ باستراتيجيات متكاملة طويلة الأجل تركز في آن واحد, على تحسين إنتاجية الأراضي, وإعادة تأهيلها, وحفظ الموارد الطبيعية, وإدارتها إدارة مستدامة, مما يؤدي الى تحسين أحوال المعيشة, لا سيما على مستوى المجتمعات المحلية.

أسباب التصحر

يرجع التصحر أساساً الى تقلب المناخ والأنشطة البشرية, التي تستنزف الموارد الطبيعية, وأكثرها شيوعاً الإفراط في الزراعة ونـزع الغابات وسوء أساليب الري.
ورغـم أن الجفاف كثيراً ما يرتبط بتـدهور الأرض, فإنـه ظاهرة طبيعـية تحدث حين يصبح معدّل سقوط الأمطار لفترة طويلة أدنى كثيراً من المستويات المسجلة عادة.
في الواقع تستجيب الأراضي الجافة بسرعة لتقلبات المناخ التي لا بد أن يتكيف الناس بدورهم معها. أما حين لا يستطيع مستثمرو الأراضي الاستجابة بمرونة لتقلبات المناخ فالنتيجة تكون التصحر.
ويورد الخبيران يوسف وأبو الخدود مزيداً من الأسباب المؤدية الى التصحر فيوضحان أن عدم إعطاء الأولوية لحماية البيئة قد يؤدي الى اتخاذ قرارات سيئة في إدارة الأراضي. فبعض الأفراد يسعـون الى زيادة مكاسبهم الشخصية الى أقصـى حد, ويفرطون تالياً في استخدام الأرض على حساب المجتمع بأسره. وفي أحيـان أخرى يصل الأمر بالفقراء الى انتزاع ما يستطيـعون من الموارد المتاحة, رغم أن هذا قد يؤدي الى تدهور الأرض.
الى ذلك هناك بعض القوى الاقتصادية الدولية التي تشجع الناس على الإفراط في استغـلال أرضهم. كما يلعب الجهل والأخطـاء والكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنـع الإنسـان دوراً في هذا المجال.
أما العامل الأسوأ فيتمثل بالازدياد السكـاني وهـو القوة النهائية الدافعة للتصـحر, فلا بد لتزايد عدد الناس في منطقة ما من أن يمـارس ضغـطاً أكبر على موارد المنطقة. ويـكون الضغط غير مبـاشر, كما يحـدث عندما يتطلب نمو سكان الحضر مزيداً من الإنتاج الغذائي في منـاطق ريفـية غير مزدحـمة. لكـن أسـباب التصـحر مركبـة, والعلاقـة بين متغيـرين مـثل السـكان والتصحـر ليسـت قاطعـة.

الحلقة المفرغة

بسبب التصحر تفقد الأرض جزءاً مهماً من قدرتها على التكيف مع تقلبات المناخ. فالتربة تميل عادة (كما الغطاء النباتي والمياه العذبة وسواها من الموارد الطبيعية) الى أن تكون مرنة, إلا أن هذه المرونة تضعف حين تتدهور الأرض, ويؤدي ذلك الى جملة من التأثيرات المترابطة.
إن تراجع نسبة انتاجية التربة يفقدها قدرتها على دعم نمو النباتات, ومع انحسار الغطاء النباتي تصبح الأرض عرضة للمزيد من التدهور. وتكتمل عملية التصحر في ما يشبه حلقة مفرغة, إذ يتراجع مخزون المياه الجوفية بسبب قلة النباتات التي تمسك التربة وبالتالي تؤمن حفظ المياه.
كذلك يرتفع مستوى التلوث في الهواء والمياه, ويمكن للاتربة التي تحملها الرياح أن تفاقم المشاكل الصحية لدى المرضى, خصوصاً المصابين بأمراض التنفس والحساسية والعيون.
ويعتبر التصحر قضية بيئية عالمية رئيسية بسبب الصلة بين تدهور الأراضي الجافة والنقص في إنتاج الغذاء. وفيما يتطلب وجود غذاء كاف لسكان العالم مضاعفة الإنتاج ثلاث مرات في العقود الخمسة المقبلة, فإن الواقع السائد هو غير ذلك. وما لم يتوقف التصحر ويعكس اتجاهاته, فإن إنتاج الغذاء سوف يتناقص في كثير من المناطق.
وبسبب التصحر, يزداد الفقر ويتراجع مستوى المعيشة مما يؤدي الى استنزاف الموارد الطبيعية والى عواقب خطيرة على المستوى الإجتماعي والبيئي, منها: النزوح من المناطق الريفية وازدياد الضغط السكاني في المدن.

واقع التصحر في لبنان

أدت عوامل عدة الى تدهور الغطاء الأخضر الذي كان يتمتع به وطننا. وقد وقّع لبنان اتفاقية مكافحة التصحر في أيلول من العام 1995 وأقرها المجلس النيابي في كانون الأول من العام نفسه.
وتعتبر وزارة الزراعة الجهة الرسمية المسؤولة عن تنفيذ الاتفاقية المذكورة, وهي تعمل من خلال برنامج وطني لمكافحة التصحر بالتعاون مع الأمم المتحدة والوكالة الألمانية للتنمية. كما يساهم في البرنامج عدد من الوزارات والمؤسسات إضافة الى جمعيات أهلية.
توضح الخريطة التي وضعت بالتعاون بين وزارة الزراعة والوكالة الألمانية للتنمية, واقع التصحر في لبنان. وهي تظهر مدى خطورة الوضع الذي وصل اليه وطننا وضرورة مواجهته.
أما الأسبـاب التي جعـلت الغطـاء الأخضر ينحسر عن أراضينا من الشمال الى الشـرق فالجـنوب, فهي أحياناً متـباينة بين منطـقة وأخرى ومشتـركة أحياناً أخرى.
ويحدد المهندسان يوسف وأبو الخدود هذه الأسباب تبعاً للمناطق على النحو الآتي:
● عـكار: الفقـر وتدني مستـوى الخدمات الحياتية, الرعي الجائر, قطع وحرق الغابات (في المناطق الجبلية منها), الإفراط في استغلال الأراضي, الاستعمال العشوائي للمبيدات والأسمدة الزراعية (تلوث, تملّح), سوء إدارة المياه وأساليب الري الخاطئة وتهدّم الجلول في المناطق الجبلية.
● البقاع: المنـاخ (خصوصاً البقاع الشمالي), الفـقر وتدني مستـوى الخدمـات, الرعي الجائر, الإفراط في استغلال الأراضي الزراعية والهامشية, الاستعمال العشوائي للمبيدات والأسمدة, سوء إدارة المياه وأساليب الري الخاطئة, والتوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية.
● المناطق الجبلية العالية: الفقر وتدني مستوى الخدمات, انحسار الأحراج (بسبب الحرائق والقطع), الرعي الجائر, المقالع والكسارات, سوء إدارة الأراضي الزراعية, النزوح والهجرة, المعارك العسكرية والألغام, الاستعمال العشوائي للمبيدات والأسمدة الزراعية.
● الجنـوب والنبطية: الفقـر وتـدني مستوى الخدمات الاجتماعية, الرعي الجائر, الإفراط في استغلال الأراضي, الاستعـمال العشوائي للمبيدات والأسمدة, سوء إدارة المياه وأساليب الري الخاطئة, حرائـق الأحراج, الاستغلال المكـثّف للنباتات البرية للاستعمال التجـاري, الحـروب والألغـام (الاحتـلال الإسرائـيلي).
● المناطق الساحلية: تدني مستوى المعيشـة في أحـزمة الفقر, التوسـع العمراني العشوائي, الضغط السكـاني (النـزوح من الريـف), نفايات المنشآت الصناعيـة, الاستغـلال العشوائـي لمصـادر الميـاه, الاستعمال المكثـف للمبيدات والأسمدة في السهـول الساحلـية, والاستغلال العشوائي للشواطئ.

الخطة الوطنية لمكافحة التصحر في لبنان

تتركز جهود فريق عمل مكافحة التصحر في لبنان حالياً على وقف تدهور الأراضي ومنع المشكلة من التفاقم.
وتنطلق خطة مكافحة التصحر من الاتفاقية التي أقرتها الأمم المتحدة, فتسعى الى تطبيقها عبر برامج عمل وطنية تتلاءم مع الواقع اللبناني.
يقتضي وقـف تدهـور الأراضي ومكافحـة التصحر كخطــوة أولى بعد توصيف الواقـع, تنمية الوعـي على المستوى الوطنـي في ما يتعلـق بالمشاكــل البيئيـة وتحديـداً بالأسبـاب المؤدية الى التصحر.
وفي هذا الإطار, وضعـت مجمـوعة من الدراسـات والمشاريــع حول مشاكل البيئة وسبل إدارة الموارد الطبيعيـة على نحو سلامتها واستمراريتها.
من جهــة أخرى, عقدت لقـاءات وأقيمـت سلسلة من ورش العمل على مستوى البلديــات والمحافظــات, وأخـرى شـارك فيها حـراس الأحراج, كما نظـمـت نشاطـات شملـت الطـلاب الجامعيـين.
في موازاة ذلك, ثمـة سعي الى تحـسين قـدرات السكـان وتوعـيتهم في مجال أفضل الوسائل التي يمكن استخدامها في الزراعـة والـري والتسمـيد... بحيث لا يكون استخدام الموارد الطبيعية سبباً للتصحر.
أما على المستــوى القانوني, فثمـة عمل في إتجـاه إصدار قوانـين جديــدة تضبـط النشاطــات البشريــة المسيئــة للبيئــة, وتعديــل أو تحديــث القوانــين الموجودة بمــا يتلاءم مع الواقع الحالي ومع اتفاقيـة مكافحـة التصحر.

واقع الحال في العالم
­ 110 بلدان في العالم تتعرض أراضيها الجافة لخطر التصحّر.
­ أكثر من مليار نسمة تتعرض سبل عيشها للخطر.
­ يواجه أكثر من 135 مليون شخص خطر النزوح عن أراضيه.
­ قدّرت الكلفة الناجمة عن التصحّر بـ42 مليار دولار أميركي سنوياً.