رحلة في الانسان

التغيير في السلوك صعب.. لكنّه ممكن... فلماذا لا نحاول؟
إعداد: غريس فرح

جميعنا يحتاج من وقت الى آخر الى إعادة النظر في نمط حياته وسلوكه وتفكيره.. الى وقفة تأمّل وجردة حساب تضعه في مواجهة مع نفسه، وتجعله يتحسس مشاعره حيال ما حقق من إنجازات، وما مُنيَ به من خسارة وفشل. جردة الحساب هذه لا بد من أن تقنع مطلق إنسان في أي موقع كان، بضرورة تغيير خطوط معينة في شخصيته وسلوكه، ليتمكن من تصحيح ما ارتكب من أخطاء، وتحقيق ما عجز عن تحقيقه. ورغم اقتناع الكثيرين بضرورة هذا التغيير، فإن معظمهم يترددون حياله، ويتشبثون بنمط حياتهم بحكم العادة والخوف والخنوع. وهذا بالطبع يبقيهم ضمن قوالب نمطية تقتل طموحهم، وتحول دون تقدّمهم ونجاحهم... فبماذا ينصح الإختصاصيون لتخطي مشاعر الخضوع والخوف والهروب، وصولاً الى أكبر قدر من الإكتفاء الذاتي؟ والى أي حد يمكن لأي منا أن يصل الى ما يريد أن يكون؟
 

كيف يمكن تغيير السلوك؟
من المعترف به أن اكتساب السلوك الفردي عبر مراحل تكوّن الشخصية، يتم تدريجاً وبأشكال مختلفة وبالغة التعقيد، وذلك وفق الظروف العائلية والإجتماعية، إضافة الى الإستعداد البيولوجي. من هنا فإن تغيير هذا السلوك ليس سهلاً، إلا أنه غير مستحيل في حال تمكّن الراغبون من معرفة الوسائل والتقنيات العلمية المتبعة في هذا المجال. وعلماً أن كثيرين قد يتمكنون من تغيير ذواتهم بطرقهم الخاصة، إلا أن الإستعانة بخبرات الإختصاصيين تكون أكثر فعالية لأن ذلك يساعد على استخدام استراتيجية منظمة ومدروسة، تمنح الشجاعة، وتحفّز الإرادة والإقدام. وهي استراتيجية ترتكز عموماً على توسيع الإدراك وتفعيل المنطق، وملامسة الواقع، وصولاً الى إلغاء الإتجاهات السلبية المكتسبة عبر آلية التأقلم اللإرادي، مما يمهد لاستبدال هذه الإتجاهات بأخرى إيجابية ومثمرة. هذه التقنية العلمية المتبعة في العلاج السلوكي، استخدمها كثيرون وفي مقدمتهم الباحث النفسي الأميركي جيمس بروسكاسكا، وهو باحث عالمي معروف في هذا المجال، وأحد واضعي مبادئ التغيير الإيجابي في خدمة الراغبين بإعادة صقل شخصياتهم.
الخطوة الأولى هي الأساس
لتسهيل الأمر، وكسر الرهبة المرافقة لأول خطوة على الطريق المرسومة لهذه الغاية، يوصي بروسكاسكا بعدم الإستسلام لليأس لأنه يقود حتماً الى الفشل. ومنعاً لحصول ذلك، يشدد على ضرورة وضع خطة يتدرب المعنيون من خلالها على إحداث تغيير أسبوعي جزئي في سلوكهم. أما الهدف من ذلك فهو تعويدهم على سلوكهم الجديد وتأصيله في نفوسهم منعاً لرجوعهم عنه، هذا إضافة الى منح المحيطين بهم، وخصوصاً خارج البيئة العائلية، فرصة تقبّلهم بحلّتهم الجديدة من دون الارتياب بتصرفاتهم المفاجئة. ولإنجاح المحاولة، ينصح ˜بروسكاسكاŒ الراغبين في التغيير الإلتزام بالإرشادات التالية:
 

■ وضع أهداف مثمرة:
من المعروف أن السلوك السلبي المكتسب عبر مراحل العمر، لا يمكن إلغاؤه أو استبداله بآخر إيجابي إلا إذا توفّرت الحوافز المشجعة، وفي مقدمتها الأهداف المثمرة. من هنا ينصح الذين يعانون من مركبات النقص نتيجة سوء التصرّف والفشل، بوضع أهداف تحفّز الإرادة، وتجعل تحقيقها بمثابة مكافأة ذاتية. وزيادة في التوضيح، يعطي بروسكاسكا أمثلة من الحياة اليومية من أهمها: إهمال الواجبات والإعتياد على التأخير في الوصول الى العمل أو المدرسة. وهي عادة تتجذر عموماً في الشخصية وتترك في نفوس أصحابها أحاسيس سلبية تثيرها تعليقات الزملاء والرؤساء، إضافة الى النتائج المترتبة عنها وعلى رأسها الرسوب والتقييم السيئ وسواها من النتائج غير المرضية. هذا السلوك لن يتمكن مكتسبه من تغييره إلا إذا أدرك بوعيه عمق الأسباب التي دفعته الى اكتسابه، وسعى الى مواجهتها بالإرادة والمنطق. كما أنه لن يصل الى نتائج مرضية إلا إذا حدد أهدافاً مثمرة يجنيها من جرّاء تغيير عادته السيئة، وأهمها اكتساب ثقة الزملاء والرؤساء، ومن ثم الحصول على ترقية، أو علامات جيدة.
 

■ التحلي بالإيجابية:
يفترض بالمعنيين بهذه المشكلة التحلي بإيجابية التفكير والتخطيط والتصرّف، وعدم الهروب من الواقع، أو معاقبة الذات من خلال اللجوء الى الأحاسيس السلبية، كالإنزواء، والخجل، والشعور بالإحباط. والإيجابية كما يفهمها الإختصاصيون، تتجلى عموماً بالتقرّب من المشكلة وملامسة الواقع والحقيقة، ومن ثم العمل للوصول الى الحل عن طريق تحديد أهداف واضحة. فالموظف الكسول مثلاً، والذي يتمكن من التفكير بإيجابية، يسعى الى استبدال الكسل بالنشاط من أجل الحصول على ترقية، وبالتالي الاستمتاع بالمكافأة المالية والمعنوية. وفي أثناء سعيه لتحقيق هدفه، يجد نفسه مفعماً بلذة العمل حتى ساعات متأخرة من النهار. وربّة المنزل التي اعتادت الكسل والإهمال، قد تجد لذة بالعمل المنزلي وتحضير الطعام، بعد إدراكها لإيجابيات التغيير، وفي مقدمتها الاستمتاع بالإطراء وبجمال المنزل ونظافته.
 

■ الابتعاد عن المثاليات

يُنصح الراغبون بتغيير سلوكهم بالابتعاد قدر الإمكان عن المثاليات، والتطلّع الى الواقع مع الاستعداد لمواجهة الصعوبات التي قد تنجم عن التغيير. هنا يشير الإختصاصيون الى ضرورة الإستعانة بالمعالجين النفسيين أو المرشدين الإجتماعيين، من أجل تخطي المعاناة الناجمة عن مقارنة الواقع بالمثل، وخصوصاً تلك الراسخة في الأذهان نتيجة التربية المتشددة وغير الواقعية.
حذار التخطيط للوصول الى القمة دفعة واحدة
إن التخطيط للوصول الى القمة بقفزة واحدة قد يكون بالغ الخطورة، لأنه قد يعرّض أصحابه لصدمة الهزيمة، وذلك في حال عدم نجاح المحاولة. من هنا يُنصح بالتخطيط لتحقيق الأهداف على مراحل، والاستمتاع بكل خطوة ناجحة مهما كانت صغيرة، لأنها في الواقع تعطي الدفع المعنوي لاستكمال المسيرة بروية وهدوء. كما يُنصح محاولو التغيير بإعادة تقييم أنفسهم باستمرار ومقارنة إنجازاتهم الحالية بالماضية لمعرفة ما حققوه من كسب في معركتهم مع ذواتهم. على كل، فالتغيير الإيجابي الذي يطرأ على شخصية هؤلاء بسبب مثابرتهم على التقدم، لا بد من أن يلفت الأنظار، ويغمرهم بالتشجيع والإطراء، وبالتالي بالمزيد من الثقة بالنفس. ويلفت المعالجون النفسيون الى أن عملية تغيير السلوك السلبي قد تمر بمراحل بالغة الصعوبة يقطع خلالها المعنيون الأمل، وقد يتوقفون عن المحاولة. لذا فالمجهود الشخصي والتسلّح بالإرادة القوية يبقيان الحل الوحيد لإكمال المسيرة. المهم أن نجد السعادة في إحراز التقدم مهما كان ضئيلاً، عندها تنفتح أمامنا الأبواب، وتصبح طريق النجاح ملك أقدامنا.