اقتصاد ومال

التفاوت في مستويات الرواتب والأجور
إعداد: تريز منصور

إعادة إحياء الطبقة الوسطى ضرورة

 

تؤكّد عدّة دراسات دولية حديثة أنّ بنية الأجور في لبنان تعاني الاختلالات والتشوّهات على غير صعيد. وهذا أسهم في تراجع الطبقة الوسطى، وجعل المواطنين فئتين: قلّة تستأثر بمعظم الدخل وكثرة تعاني الفقر.


برزت قضية الأجر والعمل المأجور، بوضوح، في لبنان خلال الستينيات بفعل تسارع النمو وهجرة سكان الأرياف إلى ضواحي المدن طلبًا للعمل، واتجاه نسبة العاملين بأجر نحو الارتفاع، وخصوصًا في القطاع الصناعي.
في النصف الأوّل من السبعينيات، سجّلت الحركة الاحتجاجية والإضرابية ذروتها حول مسألة الأجر والتقديمات، إذ حصلت ثلاثة إضرابات عمالية عامة في غضون خمس سنوات بين العامين 1970 و1975، بينما لم يتحقّق إلّا إضراب عام واحد خلال ربع قرن بين العام 1946 (تاريخ صدور قانون العمل) والعام 1970. آنذاك حافظت الأجور والرواتب على قوتها الشرائية بينما كان التضخم يعصف بغالبية دول العالم، بما فيها لبنان الذي كان يستورد معظم احتياجاته وتخضع أسواقه لسيطرة القوى الاحتكارية.

 

التحوّلات وتعديلات الأجور
خلال الحرب، ومع ما نتج عنها من دمار اقتصادي شامل وتحوّلات اجتماعية عميقة وسط انهيار السلطة المركزية، وغلبة سمات اقتصاد الحرب على بنى الإنتاج والإنفاق ومصادر تشكّل الدخل، ضعُفت مقوّمات الدفاع عن عدالة الأجور وشروط العمل المأجور. وعلى الرغم من ذلك شهدت هذه الحقبة إقرار أكثر من تصحيح للأجور (1987 و1988 و1991)، إلّا أنّ الارتفاع القياسي في معدلات التضخم خلال الثمانينيات أفضى إلى انخفاض حاد في مستوى الأجر الفعلي، سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص. أقرّت الدولة ثلاثة تعديلات على الأجر منذ 1996: الأول، سلفة مقطوعة بقيمة 200 ألف ل.ل. في العام 2008 استفاد منها (مبدئيًا) الأجراء والموظّفون النظاميون في القطاعين العام والخاص، والثاني زيادة غلاء معيشة في العام 2012 استفاد منها أيضًا هؤلاء، والثالث كان السلسلة الجديدة للرتب والرواتب والتي أقرّت في العام 2017، واقتصر تطبيقها على أجراء الدولة وموظّفيها فقط.

 

الهوّة القائمة
يميّز الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور إيلي يشوعي في حديث إلى مجلة «الجيش» بين الأجراء والموظفين وبين الفئات الأخرى، والتي قد تضمّ أرباب عمل (أصحاب شركات أو أصحاب رأسمال). وهو يعتبر أن عناصر متعدّدة أسهمت في توسيع الهوّة بين المداخيل الفردية والأسرية في لبنان، ويورد هذه العناصر وفق الآتي:
 

- العنصر الأول: قوامه السياسة النقدية المعتمدة منذ العام 1993 وهي سياسة ريعية ركيزتها الفوائد المرتفعة لم تُسهم في انعاش طبقة الفقراء، والتي تقهقرت بسبب ندرة الاستثمارات، وبسب كلفة الاقتراض الاسثماري المرتفعة، كما أنّها جعلت من الصعب توفير فرص عمل جديدة، وتعزيز وضع الموظّفين أساسًا، أو توظيف يد عاملة كفوءة وشابة، الأمر الذي أثرّ في تعزيز الأجور (ولا سيّما في القطاع الخاص)، وأسهم تدريجًا في القضاء على الطبقة الوسطى وتوسيع طبقة الفقراء. في معظم الأنظمة الرأسمالية في العالم تشكّل الطبقة الوسطى 60 في المئة على الأقل من مجموع القوى العاملة داخل البلد وهي تؤدي دورًا محوريًا في إرساء الاستقرار، علمًا أنها تنمو بفضل رعاية الدولة من خلال سياستها النقدية والضريبية.

 

- العنصر الثاني: يتمثّل بغياب الضرائب الشخصية أو ضعفها على الأقل. فالسياسة الضريبية في لبنان أسهمت في تعميق الهوّة بين المداخيل الفردية. ومن المعلوم أنّ اقتصادات السوق والدول المتطوّرة في العالم، لم تعد تعوّل على الضرائب غير المباشرة التي لا تمثّل سوى ربع الواردات الضريبية (25 في المئة) في الموازنات العامة، وذلك على عكس الواقع في لبنان، حيث تمثّل هذه الضرائب نحو 70 في المئة من الموازنة العامة. أما الضرائب المباشرة أو الشخصية (Personal Income Tax) فتمثّل في الخارج 75 في المئة من مجموع الواردات الضريبية في الموازنات العامة، وتقتصر نسبتها في لبنان على 30 في المئة.
وهنا لا بدّ من التوضيح أن الضرائب المباشرة تصيب الدخل، أما الضرائب غير المباشرة فتُفرض على الجميع. فالضرائب المباشرة، تصيب أصحاب الشركات والمداخيل الخاصة، الإيجارات والأجور، وأرباح الشركات، والأرباح العقارية، والفوائد على الودائع المصرفية... وسائر أنواع المداخيل. تبوّب هذه المداخيل وتجمع سنويًا وتقسّم إلى شطور، وإذا كان هناك تضخّم في الاقتصاد، توسّع أو تكبّر الشطور الأولى وتُعتبر شطورًا رئيسة تُخصّص لتغطية الحاجات الأساسية، وبالتالي لا تطاول هذه الشطور الفئات الاجتماعية جميعها ولا تدفع ضرائب عليها. أما في الشطور الباقية فتكون الضريبة تصاعدية، فكلّما ارتفع الدخل الفردي المجمّع، كلما زادت النسبة الضريبية. في أوروبا مثلًا، وفي ألمانيا تحديدًا، تبلغ نسبة متوسط الضرائب المباشرة نحو 50 في المئة، فإذا بلغ مدخول الفرد سنويًا نحو 500 ألف دولار، يدفع منها نحو 50 ألف دولار، ولكن المواطن يحصل في المقابل على الكثير من الخدمات. تسعى الحكومات من خلال هذه السياسة الضريبية إلى التخفيف من الفروقات وردم الهوّة بين المواطنين ومحاربة الفقر عبر التحويلات الاجتماعية من الموازنة، ومساعدة العائلات الكبيرة والفقيرة...
ويضيف يشوعي: للدولة رسالة إنسانية حيال مواطنيها، ولكن ثمّة دول لا تهتمّ بهذه الرسالة. في الدول ذات المستوى الضرائبي العالي يقلق المواطن فقط لأمرين: الأول، المطعم الذي سيتناول فيه طعامه، والثاني اختيار المكان الذي سيمضي فيه أيام العطل السنوية. أما في الدول التي لا تضطلع بدورها الرعائي، فإن المواطن يقلق لأبسط الأمور.

 

- العنصر الثالث: هو وجود الاحتكارات الكبيرة والمحميّة داخل الاقتصاد من القانون، علمًا أنّ هذه الميزة غير موجودة في العالم كله، إذ يلحظ القانون في لبنان الحصرية الداخلية للتمثيل التجاري، ومن شأن هذا الأمر تعميق الهوّة بين المداخيل الفردية، وإرساء قاعدة الـ 20/80 الموجودة في الدول الأقلّ عدالة. تُبنى هذه القاعدة على مبدأ: 20 في المئة من المودعين يملكون 80 في المئة من الودائع في البنوك، 20 في المئة من المقترضين يقترضون 80 في المئة من القروض المصرفية، و20 في المئة من المصدّرين، يصدّرون 80 في المئة من مجموع الصادرات، 20 في المئة من الناس يملكون 80 في المئة من الثروة الوطنية...

 

كيف نعيد إحياء الطبقة الوسطى؟
• كيف يمكن ردم الهوّة القائمة بين الرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص؟
-يحتاج ردم هذه الهوّة إلى اعتماد السياسة الإنتاجية بدلًا من السياسة الريعية، فمن الضروري توفير السيولة للمؤســسات والشركات كي تتمكن من الاستثمار ومن تعزيز أوضاعها، وخلق فرص عمل وتوظيف موظفين جدد، وتحسين أوضاع الموظفين الموجودين. فخفض نسبة الفوائد وانتهاج سياسة نقدية جديدة، تعزّز الاستثمار وتوفّر فرص العمل، ما يؤدي إلى إعادة إحياء الطبقة الوسطى.
كذلك لا بدّ من اعتماد سياسة ضريبية موحّدة على الدخل بغية التأسيس لعدالة اجتماعية، وبالتالي التخفيف من الفروقات بين المداخيل، ومن ثمّ الاستفادة من الواردات المحقّقة، والقيام بتحويلات للطبقة الأكثر فقرًا من خلال وزارات وآليات معيّنة.
يضاف إلى ما سبق إلغاء الحصرية الداخية للتمثيل التجاري، والسماح بحرية الاستيراد للأصناف نفسها، مع إبقاء الحصرية للممثّل التجاري المحمي أصلًا من قبل الشركة الأم، الأمر الذي يشكل عنصر ضغط يدفعه إلى التخفيض من هامش ربحه.Profit Margin

 

• ماذا عن سياسة الأجور؟
-زيادة الأجور، عملية معقّدة تخضع لقاعدة إنتاجية العمل والتي تشمل تحسين كميّة الإنتاج ونوعيّته والتوفير في استهلاك الطاقة، واستخدام المواد الأوّلية. وبالتالي، فعندما تتمكّن أي شركة من تحقيق أرباح أعلى، تصبح قادرة على رفع الرواتب والأجور لموظفيها وعمالها، من دون أن تكون مضطرة لرفع سلعها وخدماتها، وهكذا يستفيد الموظّف والأجير فعليًا من أي زيادة للأجر.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن كلفة الإنتاج يجب أن تكون مقبولة وتنافسية، والسياسة النقدية يجب أن تكون تحفيزية لتعزّز قدرة القطاع الخاص على الاستثمار وتحقيق إنتاجية عالية.

 

مفاهيم ومصطلحات الرواتب والأجور
• الرواتب:
هي مبالغ تُدفع للموظّف مقابل قيامه بعمل معيّن لا يُحسب بالساعة، وإنّما قد يكون أسبوعيًا أو شهريًا أو سنويًا ويعرف بالمقابل الذي يُدفع لأصحاب الباقات البيضاء.

 

• الأجور:
أشمل وأعمّ من الرواتب، فهي تشمل ما يتقاضاه الموظّف من رواتب وعمولات، وعلاوات وأي صورة أخرى من صور الدفع المالي. لكن ثمّة تعريف شائع للأجور وهو المبلغ النقدي الفوري الذي يُدفع مقابل الساعة أو اليوم، وقد يختلف من أسبوع لآخر وفق عدد الساعات الفعلية، وهو يُعرف بالمقابل الذي يُدفع لأصحاب الباقات الزرقاء.

 

تصحيح الأجور وزيادة الأجور
• تصحيح الأجور:
وفق المبدأ الاقتصادي العام، يتمّ تصحيح الأجور استنادًا إلى نتائج مؤشّر أسعار السلّة الاستهلاكية في البلد.
ويأتي هذا التصحيح ضمن حلقة اقتصادية مترابطة بحيث يسبقه دعم القطاعات الإنتاجية وتكبير حجم الأعمال، وتخفيض كلفة الإنتاج وزيادة حجمه وتحسين نوعيّته في فترة زمنية قصيرة.هذه الإجراءات تُسهم في زيادة حجم الصادرات وبالتالي الربحية، الأمر الذي يمكّن أرباب العمل ومن بينهم الدولة من تصحيح الأجور وفق سلّم للرواتب والأجور، يريح جميع الطبقات الاجتماعية، وينعش الاقتصاد الوطني...

 

• زيادة الأجور:
يصار أحيانًا إلى زيادة الأجور تلبية لمطالب عمالية ضاغطة وحاجات اجتماعية ملحّة، من دون تطبيق المسار الصحيح للعملية الإنتاجية والربحية. وتُسهم هذه الزيادة في حصول تضخّم في الأسواق، ما يؤدي إلى إفلاس عدة مؤسـسات، وبالتالي إلى زيادة نسبة البطالة.

 

اليورو بوند
تعتبر السندات بجميع أنواعها أداة دين لتمويل المشاريع الحكومية، إذ إنّها توفر عائدًا جيدًا للمستثمرين مقابل مخاطر مقبولة، ومالك السند يكون دائنًا للجهة المصدّرة له.
وتلجأ الحكومات إلى طرح سندات الـيورو بوند Euro Bond. لتوفير متطلبات الإنفاق الحكومي، أو تمويل عجز الموازنة والميزان التجاري أو سداد ديون مستحقة (استبدال دين بدين أخر)، أو تمويل مدفوعات...
بلغت قيمة سندات الـيورو بوند Euro Bond في لبنان في محفظة نهاية شباط الماضي 27.778 مليون دولار وفق مصادر جمعية المصارف في لبنان، وهي تشكّل 34 في المئة من مجموع الدين العام.
تتأثر قيمة هذه السندات بالأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية، وكان آخر تداعيات هذا التأثير على السندات اللبنانية المقوّمة بالدولار، إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التاسع من أيار الفائت، أنّ الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي الإيراني وتعيد فرض العقوبات، بحيث تراجعت سندات اليورو بوند 2.745 سنتًا لتسجّل أدنى مستوى لها في عدة أشهر.