في المؤسسة وخارجها

التقاعد قبل السن القانونية وتداعياته
إعداد: ندين البلعة

أحلام الحياة الجديدة قد لا تتحقق وطلب الإسترحام قد لا يتيح العودة إلى حضن المؤسسة


عندما يؤدّي العسكري سنوات الخدمة التي ينصّ عليها القانون يحق له أن يتقدّم بطلب تسريحه، كما يحق له أن يظل في الخدمة لحين بلوغه السن القانونية. يختار البعض الحلّ الأول مدفوعًا بالكثير من الأحلام، لكن الرياح لا تأتي دومًا بما تشتهيه السفن، خصوصًا في ظلّ الأوضاع الراهنة، حيث يتآكل الراتب التقاعدي بفعل الغلاء وتزايد المتطلبات المعيشية، وقد يتبخّر التعويض أيضًا إذا لم تُحسن إدارته. لذلك يحصل في أحيان كثيرة أن يتقدم بعض المتقاعدين بطلب استرحام بغية العودة إلى صفوف المؤسسة.

 

قصص من واقع الحال
يلعن يوسف الساعة التي خطر بباله فيها أن يتقدّم بطلب تسريحه من الجيش. يومها كان ما يزال شابًا تحت عتبة الأربعين، وكانت أحلامه كبيرة: مشروع مستقل، سيارة جديدة، تجديد أثاث المنزل... ودّع الرفاق والثكنة، تقاضى تعويضاته وانصرف إلى حياته الجديدة. لم تمضِ سنوات حتى تبخّر معظم ما كان قد تقاضاه، الأولاد كانوا ما يزالون على مقاعد الدراسة، المصروف كبير، المعاش التقاعدي غير ذلك الذي كان يتقاضاه في الخدمة.
يعمل يوسف اليوم في أحد مواقف السيارات التابع لمجمع تجاري ضخم، وكلما رأى أحد العسكريين تخنقه الغصّة، أحيانًا لا يتردّد في إعطاء النصيحة لأحدهم: يا بني إياك أن تتخلّى عن هذه البزّة قبل يوم واحد من بلوغك السن القانونية.
أحد العسكريين، وما أن أتمّ خدمته حتى تقدّم بطلب تسريحه فكان له ما أراد. وهو يعمل الآن سائقًا عند أحد القضاة. متزوّج وله ثلاثة أولاد، أكبرهم دخل هذه السنة إلى جامعة خاصة، بينما لا يزال الآخران في المدرسة. يعمل سامي منذ ساعات الصباح الأولى وحتى الليل، وبصعوبة يستطيع تأمين المستلزمات الأساسية لعائلته، ولولا امتلاكه شقة صغيرة يستفيد من عائدات تأجيرها البسيطة لكانت الأمور أصعب بكثير.
رئيف عسكري آخر وعده أحد أقربائه بأن يسافر معه إلى أستراليا فقدّم طلب تسريحه، ولكنه لم يحصل على تأشيرة الهجرة. وهو الآن يعمل سائقًا بعد أن كان أمين سرّ في مكتب، ومرجعًا مهمًّا في القسم الذي عمل فيه.
رتيب آخر غادر، حصل على تعويض لم يتخطَّ الأربعين ألف دولار، استعمل القسم الأكبر منه لكي يفي الديون المتراكمة عليه، يعمل الآن في إحدى شركات الأمن بدوامَين، صباحًا ومساءً، لكي يؤمّن لقمة عيش أولاده وأقساط مدارسهم.
ثمة آخرون غادروا المؤسسة العسكرية بسنّ مبكرة ووُفقوا بعمل يقدّم لهم ضمانات جيّدة أو نجحوا بتأسيس مشروع خاص، أو حتى هاجروا، لكن وفق ما تثبته سجلات المراجع المعنية في الجيش، وبشكل خاص تلك التي تحصي طلبات الإسترحام، فإن معظم الذين غادروا في سنّ مبكرة، ندموا على ما اعتبروه خطوة ناقصة أو متسرّعة.

 

مديرية الأفراد: أرقام ومعلومات
«الجيش» قصدت مديرية الأفراد التي تشكّل المرجع الذي يتولّى إدارة جميع الأمور المتعلّقة بالأفراد العسكريين والمدنيين في الجيش. ووفق مديرها العميد الركن أنطوان الحمصي، فإن مهمتها لا تقتصر على إدارة الأوضاع الذاتية للعسكريين والمدنيين في أثناء وجودهم في الخدمة بل تتخطاها لتشمل فترة التقاعد بما يبقيها على صلة بأحوال المتقاعدين وشؤونهم وشجونهم.
تشمل مديرية الأفراد تسعة أقسام من بينها مكتب التقاعد الذي يوضح لنا رئيسه العقيد الإداري طوني زخريا وبالأرقام، الفروقات في الحقوق التي يتقاضاها العسكري في الخدمة الفعلية وتلك التي يتقاضاها آخر متقاعد من الرتبة نفسها ولديه عدد مماثل من سنوات الخدمة.
بداية يشير العقيد زخريا إلى أن الرتيب في الخدمة الفعلية يتقاضى حوالى 30% زيادة عمّا يتقاضاه الرتيب المحال على التقاعد. فبالإضافة إلى الراتب الأساسي يتقاضى الرتيب في الخدمة الفعلية بدل خدمة ميدان، وتعويض مسكن وانتقال، كما يظهر بوضوح في الجدولَين الرقمين 1 و2. إلى ذلك، فإن الأهم هو الفارق في تعويض الصرف، الذي يصل إلى 43 مليون ليرة لبنانية إذا أخّر الرتيب تقاعده أربع سنوات فقط.
ويضيف أنه في ما يتعلّق بالمدارس، يحصل العسكري في الخدمة الفعلية على نسبة جيّدة من أقساط المدارس والجامعات تُحدَّد كل سنة بحسب توافر الإعتمادات، في حين يحصل المتقاعد على مبلغ مقطوع يراوح بين الـ800 ألف ومليون و800 ألف ليرة لبنانية كحدّ أقصى، مهما بلغت قيمة الأقساط ومهما اختلف الإختصاص الجامعي.

 

أكثر من ذلك...
يحظى العسكري في الخدمة الفعلية بإمكان زيادة راتبه إمّا من خلال التدرّج كل سنتَين في الخدمة الفعلية مع ما يتبعه من زيادة في قيمة الراتب الأساسي والتعويضات الملحقة به (انتقالات وتعويض سكن)، وإما من خلال إقرار سلسلة جديدة للرتب والرواتب، بالإضافة إلى الترقية مع ما يتبعها من زيادة في قيمة الراتب الأساسي والتعويضات الملحقة به.
كما يحصل العسكري في الخدمة الفعلية على حقوق مختلفة، فالمساعدات المرضية يتقاضاها من هم في الخدمة الفعلية في فترة زمنية أقل من تلك التي يتطلّبها دفعها للمتقاعدين، والمساعدات الإجتماعية الناتجة عن حاجة مادية ماسّة تُدفع لعناصر الخدمة الفعلية فقط، وكذلك الأمر في ما يتعلّق بالمساعدات الإجتماعية للولادة والزواج والوفاة، كما يحصل العسكري في الخدمة الفعلية على مساعدات وقروض من مؤسسة التعاضد.
إلى ما سبق ثمة أمور كثيرة ينبغي عدم تجاهلها، فمن حيث العلاقة بين الرئيس والمرؤوس أولاً، تحكم هذه العلاقة في المؤسسة العسكرية قوانين لا تخضع لمزاجية الرئيس. أمّا الخبرة التي يكتسبها العسكري في مجال عمله خلال سنوات خدمته الفعلية فتجعله مرجعًا في مهنته، ما يعزّز رصيده وموقعه.
وماذا بعد؟ مرونة في التعاطي مع ظروف العسكري المختلفة، قد لا تتوافر في مؤسسات أخرى، وتسهيلات في النقل وفي كثير من أمور الحياة. أمّا ما لا يمكن نسيانه فهو أن تنشئة العسكريين ونمط الحياة الذي يعتادون عليه، قد يجعلان التكيّف مع ظروف عمل مدني، أمرًا صعبًا، لا بل مرهقًا.

 

في الخلاصة
بالإضافة إلى الفوارق المادية، ومن خلال متابعة أحوال المتقاعدين الذين قدّموا طلب تسريحهم قبل بلوغ السنّ القانونية، يبدو أنّ البقاء في الخدمة الفعلية يحمل للعسكري من الإيجابيات أكثر بكثير ممّا يحصل عليه عند الخروج إلى الحياة المدنية، مع العلم أنّ هناك حالات استثنائية يحاول البعض التماثل بها فيفشلون، والدليل طلبات الاسترحام التي يقدّمونها للعودة إلى حضن المؤسسة، الأمر الذي لا يندرج دائمًا في خطّة القيادة.
في النهاية المؤسسة العسكرية أمّ، وهي إذ تتجدّد بما تزوّده إياها دماء الشباب، فإنها أيضًا ضنينة بمن بات لهم في خدمتها سنوات وخبرات، تشكّل بحدّ ذاتها غنى، وعامل تقدّم.


جدول رقم 1
مقارنة بين حقوق معاون أول درجة 12 ولديه 22 سنة في الخدمة الفعلية وآخر أحيل على التقاعد ولديه الدرجات وسنوات الخدمة نفسها.

حقوق معاون أول درجة 12 في الخدمة الفعلية

حقوق معاون أول درجة 12 أحيل على التقاعد

نوع الحق

القيمة

نوع الحق

القيمة

تعويض صرف

راتب أساسي

1,208,000

معاش تقاعدي أساسي

1,026,000

61,608,000

خدمة ميدان

104,800

-

-

تعويض سكن

144,960

-

-

انتقالات

277,840

-

-

عائلي م/3

159,000

عائلي م/3

159,000

ميدالية عسكرية

31,000

ميدالية عسكرية

31,000

المجموع

1,925,600

المجموع

1,232,000

محسومات تقاعدية

73,000

-

-

الصافي للدفع

1,852,700

الصافي للدفع

1,216,000

 

جدول رقم 2
مقارنة بين حقوق معاون أول درجة 14 في الخدمة الفعلية وآخر محال على التقاعد.

حقوق معاون أول درجة 14 في الخدمة الفعلية

حقوق معاون أول درجة 14 أحيل على التقاعد

نوع الحق

القيمة

نوع الحق

القيمة

تعويض صرف

راتب أساسي

1,288,000

معاش تقاعدي أساسي

1,094,000

105,100,000

خدمة ميدان

104,800

-

-

تعويض سكن

154,560

-

-

انتقالات

296,240

-

-

عائلي م/3

159,000

عائلي م/3

159,000

ميدالية عسكرية

31,000

ميدالية عسكرية

31,000

المجموع

2,033,600

المجموع

1,284,000

محسومات تقاعدية

78,000

-

-

الصافي للدفع

1,955,600

الصافي للدفع

1,284,000