منظمات ارهابية

التكفيريون تحريف الدين في السلوكيات والأهداف
إعداد: يونس عودة

لا شكّ أنّ الاهداف المركزية للقوى التكفيرية، هي جعل الناس في حالة شك بسماحة الدين الإسلامي القائم على السلام والأمان، بالتوازي مع النيل من القرآن الكريم كدستور للدين ومصدر لشرائعه، والاستهانة بالحج إلى الكعبة كأحد أركانه. ولذلك وجدت تنظيمات تدّعي «الأسلمة» قادرة على أن تُبيح وتستبيح وترتكب عظائم الأمور وكبائرها باسم الدين الذي جاء «رحمة للعالمين». وهي تعمد إلى تحوير النصوص ومحاولة فرضها, والاستعانة برداء ديني لتبرير الاسترقاق والنحر والفتك والهتك والإجرام، باعتبارها فرائض «الجهاد» على طريق إقامة دولة إسلامية!
 

تكفير وإرهاب
قطع الرؤوس وجلد الناس في الأسواق، ونبش القبور، وهدم الأضرحة والمقدسات، وتدمير الكنائس، وتفجير المساجد، سلوكيات يمارسها التكفيريون وهي لا تنتهي باغتصاب النساء و«جهاد النكاح» (زنا ولواط وسُحاق)، في موازاة فرض الحجاب والنقاب بقوة السيف، وهتك الأعراض، والتعهّد بهدم «الكعبة المشرّفة» وإعادة كتابة القرآن الكريم لما فيه من تحريف!!
على تخوم القرنين العشرين والحادي والعشرين، شهد العالم نشاطًا محمومًا وغير مسبوق، للحركات الأصولية الإسلامية المتشدّدة، وفي ما بعد برزت «التنظيمات الجهادية التكفيرية» مثل القاعدة، الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجبهة النصرة. التكفير والإرهاب هما أبرز سمات هذه التنظيمات، التي تتسلح بذريعة إقامة دولة إسلامية. والتكفير - بحسب هؤلاء - هو إخراج الغير المخالف فكريًا عن الملّة، وتحليل قتله. وحسب عبد الله عزّام - قيادي قاعدي - الكفّار الذين يجب «جهادهم» وقتالهم، هم: «الذين يشرّعون بغير ما أنزل الله» فهؤلاء «كفارٌ وإن صلّوا وصاموا وأقاموا الشعائر الدينية». أمّا تحديد هوية الحاكم من حيث الكفر والايمان، فيكون وفق القانون الذي يحكم في الأعراض والدماء والأموال (مفهوم الحاكمية في فكر عبد الله عزام، ج3).
وفي الإرهاب قال عزّام: «نحن إرهابيون والإرهاب فريضة، وليعلم الغرب والشرق أنّنا إرهابيون وأننا مُرعبون». وهو يستند في ذلك زورًا إلى قوله تعالى: «وأعدوّا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم»، ليصبح بذلك الإرهاب فريضة في دين الله.
وكثيرًا ما يستخدم منظّرو هذه التنظيمات وزعماؤها آيات القرآن الكريم لتبرير أفعالهم وممارساتهم الإجرامية مهما كانت، وبتحريف غير مسبوق في الوقاحة, يوظفون الدين في اساسيات السلوكيات المطلوبة لخدمة الاهداف السياسية.
 

إجتزاء وتحريف
عند الحديث عن التنظيمات «الجهادية التكفيرية»، لا بُدّ من التركيز على نقطتين أساسيتين:
الأولى، اعتماد التكفير على بعض آيات القرآن الكريم الذي يُستظهر منه معنى لا يُساعد عليه السياق لفهم النص وتحليله. وفي حادثة تاريخية معروفة كان أن نبّه الإمام علي بن أبي طالب (ع) ابن عباس عندما أرسله لمحاججة التكفيريين - الخوارج - حيث قال له، لا تخاطبهم بالقرآن، فالقرآن حمّال لوجوه، لأن هؤلاء بنوا دعوتهم على متشابه القرآن الكريم أو على ذوق خاص في فهم القرآن. وهذا ما لا يزال مستمرًا حتى يومنا. فقد اعتمد الخوارج - بما فيهم خوارج زماننا - على قوله تعالى «إن الحُكم إلاّ لله»، وهذه الكلمات هي جزء من الآية 57 من سورة الأنعام. أمّا الآية الكاملة فهي: «قُل إنّي على بيّنة من ربّي وكذّبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحُكمُ إلاّ لله يقُصُّ الحقّ وهو خير الفاصلين». فالمسألة هنا هي أن الله تعالى هو قادر على فعل ما يريد. وفي السياق نفسه قوله تعالى في الآية 52 من السورة ذاتها «ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يُريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين». إذًا هذا السياق كله لا علاقة له بما ذكره الخوارج، الذين فسّروا «لا حكم إلاّ لله» بمعنى الإمرة والقيادة، بينما المقصود من الآية هو التوحيد في التشريع والتقنين وهناك فرق بين الأمرين. وعلى هذا المبدأ، يتخذ التكفيريون من مشابه القرآن وسيلة لتبرير أفعالهم وأساسًا لفريضة «جهادهم». وهم يُقيمون «جهادهم» ويُغرون أنفسهم والشباب المكبوت بحور العين، على سبيل المثال لا الحصر، بناءً على قوله تعالى : «يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن، ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين». «قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين». «كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون».
 

يتدربون على أدوات القتل ويصدرون الفتاوى!
أحاديث وجوب «الجهاد» بالسيف والذبح عند التكفيريين كثيرة، ومنها مثلًا: «لقد جئتكم بالذبح» (صحيح ابن حبان)، «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» (صحيح بخاري وصحيح مسلم)، «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» (مسند الإمام أحمد) «جاهدوا في سبيل الله, من قاتل في سبيل الله... وجبت له الجنة».
لكن، وهم يذبحون ويُقتلون، يتجاهلون قوله تعالى، «منْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة، 32).
أما بصدد الجرائم بحق المسلمين أنفسهم، فتنافي قول الرسول محمد (ص): «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه». فأين دُعاة الجهاد والدولة الإسلامية من قول رسول الإسلام!».
وأمّا النقطة الثانية فهي، الخلط بين المعنى اللغوي للكفر وبين المصطلح العقدي الذي يجعل الكفر كلمة مقابلة للإيمان. فالمعنى اللغوي هو الجحود وعدم الطاعة. وقد استخدمت كلمة الكفر في القرآن الكريم بمعانٍ متعددة مثلًا: «ولله على الناس حجُّ البيت من استطاع إليه سبيلًا ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين» (آل عمران، 97)، وهو يعني الذي لا يحج أو لا يريد أن يحج. «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» (المائدة،44) أيضًا هذه الآية استند إليها بمعنى الإفتاء والتشريع، حيث يعتبر جاحدًا من أفتى وشرّع ما هو خلاف ما شرّعه الله.
في الإسلام، حتى يمكن لعالم أن يفتي، عليه أن يدرس العلوم الدينية ويقع تحت آلاف الاختبارات المنجزة، بينما يصبح التكفيري «فاتيًا» بكل الأمور بعد أن يخضع لدورة تدريبية على ادوات القتل خلال شهرين، وينصّب نفسه «خليفة المسلمين» بعد إعداده في «سجن» خمس نجوم مدة عام.
ولذلك، فإنّ الذين يدّعون تولّي تطبيق أحكام الدين على الناس ويفتون بأن هذا كافر وذاك مؤمن، وهذا دمه حلال وذاك دمه حرام، ليس لهم من العلم شيء، بل يعملون بظواهر بعض الآيات أو ما يشبهها. ويقول الأشهاد عن هؤلاء، «ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا وهم بالآخرة هم كافرون» (هود 18-19).
 

الدعوة إلى إعادة كتابة القرآن
لم يكتفِ التكفيريون بإلصاق التُهم جِزافًا بحق القرآن الكريم كمُشرّعٍ لأحكامهم، بل تجرّأوا على الدعوة لإعادة كتابته، لأنّه محرّف ومكتوب بيد المندسّيـن من رجال الدين وسيتمّ تصحيحه، وهناك آيات ستُضاف، وأخرى ستُعدّل مثل سورة «الكافرون»، وآيات التطهير. فأين هم ممّا قاله تعالى «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» (سورة الحجر، 9). ومن أين لهم الجرأة على التطاول على دستور الإسلام ومصدر شرائعه وهم يدّعون أنهم مسلمون وكتابهـم القرآن؟!
والأكثر جحودًا من ذلك، ما نقلته شبكة «فوكس نيوز» الأميركية خلال شهر آب الفائت عن لسان أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، إذ تعهد هدم الكعبة المُشرّفة، بيت الله الحرام، وقبلة المسلمين. والمُلفت أنّ هذا التهديد سبق أن أطلقه سياسيون مثل آن كولتر الصحفية والسياسية الأميركية التى دعت لغزو بلاد المسلمين بعد أحداث 11 أيلول 2001 وقتل قادتهم، وتوم تانكريدو عضو الكونغرس الذي لوّح في العام 2005 بقدرة بلاده على إزالة الأماكن المقدسة للمسلمين من الخريطة. وعندما سُئل اذا كان يقصد الكعبة، قال: نعم! وبدعوته إلى هدم الكعبة، ينسف البغدادي ركن الحج وهو فريضة أساسية في الدين الإسلامي، مثله مثل فريضة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فكيف يكون ذلك؟! «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (البقرة 85). أم أنّ تبادلًا للأدوار بين مسؤولين صهاينة وآخرين إسلاميين يجري لمحاولة هدم الكعبة بحيث يتم استغلال نصوص دينية متشددة تعتبر التطواف بالكعبة كالتطواف بالأصنام؟!
 

بدع مختلفة ومتخلّفة
لعلّ الأخطر في كل الفتاوى التي يُطلقها التكفيريون، الفتوى التي تُجيز للفتاة - بل وتُجبرها على - منح نفسها للمقاتلين في سوريا والعراق تلبية لرغباتهم الجنسية ولرفع معنوياتهم القتالية. وهذا الفعل هو بالنسبة إليهم بحكم الجهاد الذي من شروطه «الذكورة» بشكل قطعي. ولا يخضع «جهاد المناكحة» لشروط حدّدها الشرع من العدّة بعد الطلاق أو الولاية في الزواج أو الإشهار أو التوثيق وشهادة العدول. بل يقوم المقاتلون بإبرام عقود نكاح «شرعية» مع فتيات وحتى نساء متزوجات لمدة قصيرة لا تتجاوز الساعة، يتم على أثرها الطلاق وذلك لإعطاء الفرصة لمقاتل آخر. ما يعني أن الفتاة يمكن أن تتزوج في اليوم عشرين مرة. فأي جهاد ذاك الذي يُدير الفاحشة وينتهك إنسانية المرأة التي قدّسها الإسلام وكرّمها؟ هذه البِدع المختلقة والمُتخلّفة تضع أصحابها في تناقض صارخ بين ما يعلنونه من صيانة الإسلام للمرأة من خلال فرض الحجاب ومنع الاختلاط، وبين ما يشرعنونه من استغلال بشع لجسد المرأة وتجريدها من كل أبعادها الإنسانية. وما ذلك حتمًا سوى دعوات للزنا وممارسته تحت اسم الدين لتشويه صورته. وقد قال تعالى «وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا» (الإسراء، 32)، بل ما يذكره القرآن أكثر وضوحًا من ذلك فيقول، «الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (النور، 3)، «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ للطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ» (النور، 26ِ).
أمّا ما يجري من انتهاك لحرمات المساجد وتدميرها، فهو بالأمر المُستهجن كذلك لأناس يدّعون الإسلام، فقد قام التكفيريون- على سبيل المثال لا الحصر- بتدمير مسجد النبي يونس (ع) بالموصل/ العراق، ودمّروا مسجدًا مجاورًا له هو مسجد الإمام إبن الحسن. ولم تكن تلك الفعلة هي الأولى من نوعها، حيث شهدت مدينة الموصل خلال الأشهر الماضية تفجير عدد من الأضرحة الدينية، مثل مرقد النبي دانيال، والعديد من أضرحة الأولياء والصالحين. أما قرأوا قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»/ (البقرة، 114).
 

الحكم بإسم الدين!
لقد هدم التكفيريون جميع الكنائس في الموصل وعددًا كبيرًا منها في سوريا، وذلك على الرغم من أنّ حكم العلاقة مع غير المسلمين في الإسلام يمنع التعرّض لهم أو قتالهم طالما لم يؤذوا المسلمين. وفي ذلك قوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تُبرّؤهم وتُقسطوا إليهم إنّ الله يُحب المُقسطين» (الممتحنة، 8). فلماذا يتهجّم التكفيريون على المسيحيين ويُرهبونهم بل يفرضون دين الله عليهم بقوة السيف ويُخرجونهم من أراضيهم، فأما قرأوا قوله تعالى «لا إكراه في الدين»؟! بل ألم يقرأوا قوله تعالى : «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون» (آل عمران، 64)!!
إنّ هؤلاء يدّعون الحكم بإسم الدين خدمة لمشاريع ومآرب أخرى تطمس جوهر الإسلام وتشوه صورته، وتندرج ضمن مخططات استخبارية استعمارية متعددة هدفها زرع الفتنة وإشاعة الفوضى العارمة في منطقتنا، لنهب ثرواتها ومحو تاريخها وتغيير جغرافيتها.
وفي هذا السياق، جاء كلام لشيخ الأزهر أحمد الطيب منذ فترة وجيزة يقول فيه: «هؤلاء المجرمون استطاعوا أن يُصدّروا للعالم صورة شوهاء مُفزعة عن الإسلام والمسلمين، وجميع التنظيمات الإرهابية من الدولة الإسلامية إلى جبهة النصرة وسواهما...، هي صنائع إستعمارية تعمل في خدمة الصهيونية لتنفيذ خطتها تدمير المنطقة العربية» (تصريح شيخ الازهر/ 9 أيلول 2014).
إن دين الإسلام هو دين الرحمة، «وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين». وتكون الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة: «إدعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحســن». عندهــا يصبــح الايمــان خيـارًا حرًّا» لا إكراهًا.