تربية وطفولة

التلفزيون في السنوات الأولى للطفل
إعداد: كارلا حداد

الخبراء يحذّرون من الإسراف
والاعتقاد بأنه يحفّز النمو خطأ كبير...

يعشق معظم الأطفال التلفزيون ويمضون أمام شاشته أوقاتاً طويلة، لذلك من الضروري تدخّل الأهل لمراقبة ما يشاهدونه وتحديد الوقت المسموح به للمشاهدة.
لكن كيف يكون الوضع عندما يصبح التلفزيون وسيلة إلهاء للطفل، فيوضع أمام الشاشة لأوقات طويلة بينما تنجز أمه أعمال المنزل مثلاً.
ينبّه خبراء علم النفس والتربية الى التأثيرات السلبية للتلفزيون على الأطفال الذين ما زالوا دون عمر الثلاث سنوات، والتي قد تصل الى حد إعاقة نموهم العاطفي والإجتماعي والذهني. فماذا يقول هؤلاء حول الموضوع؟


صوت وصورة
إن الصور والأصوات الصادرة عن التلفزيون قد تشكّل صدمة للطفل، ومن الصعب تحديد تأثير هذه الصدمة عليه. فالألوان وخصوصاً الأصوات يمكن أن تكون مؤذية بالنسبة الى الطفل الصغير حسب بياتريس كوبر - رويي (معالجة نفسية) التي ترى أن الضجة العنيفة يمكن أن تخيف الطفل، كما أن الطفل الذي غالباً ما يتسمّر أمام التلفزيون يعتاد على الصور المتحركة فيجد لاحقاً صعوبة بالاعتياد على صور الكتب الجامدة.

 

تحفيز القدرات!
تساهم عدة أمور في تحفيز نمو قدرات الطفل مثل ابتسامة أمه، التواصل مع الآخرين، الألعاب... أما التلفزيون فليس له دور في نضج الطفل قبل عمر السنتين، بل هو  يسيطر عليه ويخدّره.
ويقول روجيه ليكويه (أستاذ في علم النفس) إن بعض المحطات المخصصة للأطفال يدّعي أن التلفزيون يحفّز ذاكرة الطفل وينمّيها، إلا أن هذا الإدعاء خاطئ، فقد أثبت باحثون في جامعة سياتل في الولايات المتحدة الأميركية، أن برامج الأطفال لا تنمّي قدرات النطق والكلام لدى الطفل، بل على العكس تؤخرها خصوصاً بين الـ8 والـ16 شهراً.
ويضيف ليكويه أن الضجيج المتواصل والمزمن يمنع الطفل من التركيز على سلسلة تلفزيونية محددة، والنتائج مشاكل في التركيز والإنتباه تظهر في المدرسة، إضافة الى الميل الى الخمول والكسل.

 

حلّ لا إنساني
• ماذا عن مشاهدة الطفل للتلفزيون لجعله يشعر بالنعاس فيخلد الى النوم بسرعة؟
- هذا لا إنساني بحسب بياتريس كوبر - رويي، إذ أن الطفل بحاجة قبل كل شيء الى الشعور بالإطمئنان والحماية من خلال وجود إنساني بقربه: صوت أمه أو أبيه ورائحتهما تشكّلان الوسيلة الأفضل لإراحته، ولا يجب البحث باستمرار عن الحل في الخارج.

 

ما العمل؟
استخدام التلفزيون نادراً وليس قبل عمر السنتين، فهو يجب أن يكون قاعدة حوار بين الأهل وطفلهم، ويجب إستبدال الشاشة بالكتاب والصور الجامدة حسب رأي سيرج تيسرون (طبيب ومحلل نفسي ومدير الأبحاث في جامعة باريس الخامسة).
الحوار المنقول بواسطة الصور المتحركة يجب تنظيمه بحسب ردود فعل الطفل: عندما تقدّمون كتاباً للطفل، تقيّمون الصور معه، تشرحون له بعض المشاهد وأنتم تراقبون تعابيره يبيّن روجيه ليكويه، فهناك تواصل منتظم وهذا ما يجب اتباعه مع الطفل أمام التلفزيون لكي يحصل على فائدة تثقيفية حقيقية.

 

ماذا نختار الـDVD أو قنوات الأطفال؟
ترى بياتريس كوبر - رويي أن الأطفال الصغار يحبون التكرار، فعندما يشاهدون الرسوم المتحركة نفسها يتمكنون من الضحك مسبقاً ومن التحكم بانفعالاتهم لتحليل الفقرة التي يشاهدونها. ويرى سيرج تيسرون أن الطفل يتعلم ايضاً توقّع تراتبية الأحداث وتشغيل ذاكرته عندما يشاهد الشريط نفسه.
أما برامج التلفزيون فتتعاقب من دون أي رابط فلا يستطيع الطفل تحليل البرنامج وبالتالي تنمية ذاكرته وتطويرها.

 

ما هو البرنامج الأنسب للطفل؟
قبل الـ18 شهراً يعجز الطفل عن فهم ما يشاهده على التلفزيون، ولاختيار برنامج لطفل ما فوق السنتين، يجب الانتباه الى المصطلحات المستخدمة، والى مغزى الحكاية، كما يجب اختيار الصور البطيئة، والألوان الهادئة والانتباه خصوصاً لكي لا تكون الأصوات عنيفة. ويجب أن نشاهد الرسوم المتحركة أو البرامج قبل أن يشاهدها الطفل.

 

كيف يتلقّى الطفل التلفزيون؟
يحلل روجيه ليكويه (أستاذ في علم النفس في جامعة باريس الخامسة) كيفية تلقي الطفل ما يبثه التلفزيون وفقاً لعمره، فيقول:
• في الأشهر الأولى تكون رؤية الطفل غير واضحة وشيئاً فشيئاً تتوضّح ويتمكّن من تمييز الأشياء والعناصر التي يشاهدها على الشاشة، بمعنى آخر إذا كان الطفل متعلقاً بالشاشة فهو متعلق بالصور المدموجة بالأغاني وبالنغمات، هو موجّه إلاّ أنه لا يفهم شيئاً.
• في عمر الـ18 شهراً يبدأ الطفل بتحليل الصور، فيتمكن من متابعة مشهد صغير من الرسوم المتحركة إذا ما كانت عناصر الصورة كافية (الألوان والشخصيات...). إلاّ أن الرسوم المتحركة للأطفال الأكبر سناً تضاعف غالباً عناصرها بكثرة فتصبح صعبة الفهم والإستيعاب.
هناك أيضاً مشكلة سرعة الصور إذ أن الطفل يحلّل المعلومات التي يتلقاها ببطء خصوصاً وأن التفرعات العصبية لدماغه تكون في طور النضوج، لذلك يعجز عن ملاحقة مجريات الفقرة أو البرنامج.
• في عمر السنتين، يكتسب الطفل ركائز اللغة فيصبح قادراً على استيعاب بعض الأحاديث العادية، وهنا يبدأ التلفزيون بالترفيه عنه. إلاّ أن تركيزه يبقى قصير الأمد وهو بحاجة الى وجود راشد بقربه ليشرح له تتالي الأحداث والمشاهد.

عن مجلة Santé
العدد 393، أيلول 2008