قضايا بيئية

التلوث مشكلة المشاكل وأبرز ضحاياه في لبنـان الشاطئ
إعداد: ليال صقر الفحل

تنحدر البيئة في لبنان من سيئ الى أسوأ والمعالجات المعتمدة تبقى دون المستوى المطلوب. من أبرز المشاكل البيئية في لبنان مشكلة التلوّث. أما أبرز ضحايا التلوّث فهو الشاطئ الذي يُفترض أن يكون ملاذ الناس صيفاً، ومصدراً لرزق كثيرين منهم في مختلف الفصول.
البروفسور ولسن رزق (دكتور في الهندسة المائية والمدنية وميكانيكية التربة) يتحدّث الى «الجيش» عن المشاكل البيئية الأكثر إلحاحاً في لبنان.

 

عدو البيئة
يرى رزق أن عدو البيئة والحياة والذي يعتبر الأخطر من نوعه اليوم، يتمثّل بالتلوّث الناشئ عن تعقيدات تطوّر التكنولوجيا وحاجات المجتمع المعاصر، وهو ينقض مقولة «الغاية تبرّر الوسيلة»، فلا مغفرة لذنب التعدي على البيئة، فهي تساوي الحياة.
لعل أبرز ما يجب أن تنصبّ عليه الجهود في هذا المجال هو الحرص على حماية الوجود السكاني الإنساني والحيواني والنباتي على حد سواء. فالبيئة ليست ملك الإنسان وحده. لكن لبنان اليوم بعيد كل البعد عن سلامة البيئة بكائناتها وعناصرها والتوازن الذي أوجدته الطبيعة في ما بينها.

 

تلوّث الشاطئ
أول كوارث لبنان البيئية وفق البروفسور رزق تلوّث الشاطئ، فآلاف الأطنان من النفايات والملوّثات الصناعية تُقذف سنوياً في مياه البحر. ويقول: تعد حكوماتنا بتأمين محطات تكرير لمعالجة هذه الآفة، ولكن ما من شيء ملموس يتحقّق. ويضيف: إن الشاطئ اللبناني هو أكبر ضحايا التلوّث. فإذا أخذنا نموذجاً الساحل اللبناني لوجدنا أنه عرضة لمخالفات المصانع المنتشرة. كما أنه منطقة للصيد البحري العشوائي، يضاف الى ذلك آثار النفط المتسرّب من مستودعات معمل الجية التي قصفت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، فالبقع النفطية تغطي 160 كيلومتراً من الشاطئ شمال الجية. فكميات النفط التي كانت موجودة في الخزانات حينها قدرت بنحو 30 ألف طن أو أقل بقليل. والمادة النفطية التي تسرّبت الى البحر بواسطة البوارج الإسرائيلية شكّلت بحيرات نفطية مساحتها عشرات الكيلومترات المربعة وصلت كثافتها الى ما يزيد عن 40 سم، كما تمّ اكتشاف كميات هائلة من الفيول في قاع البحر مقابل الجية.
ويوضح أن المحاولات التي جرت لتنظيف قاع البحر والشواطئ اللبنانية من التلوّث النفطي، ساهمت الى حد ما في الحد من هول الكارثة، ولكنها لم تحل المشكلة جذرياً.
رمي مياه الصرف الصحي مباشرة في البحر من دون أي معالجة يفاقم المشكلة وكذلك رمي النفايات المنزلية العضوية والصناعية والزراعية والنفايات الصلبة.
ثمة انفلات على هذا المستوى. فالنفايات تُرمى بشكل عشوائي في المياه الإقليمية، وبعضها يصل الى مياه البلدان المجاورة. وقد أدّى تراكم النفايات الى تغطية كاملة لقشرة الأرض على الساحل اللبناني بمختلف أنواع النفايات من البلاستيك والنايلون والتي لا يمكن أن تتآكل أو تتحوّل حتى بعد عشرات السنوات.

 

التمدن العشوائي
يضاف الى ما سبق ذكره التمدن العشوائي المتمثّل بانتشار المنتجعات السياحية بشكل جنوني على الشاطئ اللبناني، مع ما تمثّله هذه الظاهرة من خطورة ردم البحر وتقليص مساحته البحرية لصالح «التمدن الباطوني»، ما يلحق أذى بالغاً بالبيئة، وهذا الأذى ينعكس حتماً على الإنسان.
تلوّث الشاطئ يطال مصالح الصيادين الذين يعتاشون من البحر، ويسبب دمار البيئة البحرية الساحلية الممتدة على عمق عشرة أمتار من داخل البحر وصولاً الى الشواطئ الرملية والصخرية، بكل ما تحتويه من مخلوقات بحرية، وبيض الأسماك والديدان والسلاحف، والأصداف والطحالب والحشائش البحرية...
فماذا نأكل وأين نسبح وماذا نصطاد والبحر تحوّل بركة ملوّثات وسموم!

 

أما براً...
هذا بحراً، أمّا براً فأين لبنان اليوم من كونه أجمل بقعة في الدنيا؟
يقول رزق حول هذه النقطة: إن تنامي عدد السكان وارتفاع مستوى المعيشة، والتقدّم المدني والزراعي والصناعي، وعدم اتباع الطرق الملائمة في جمع النفايات ونقلها ومعالجتها يؤدي الى استنزاف المصادر الطبيعية والبيئية من أرض وهواء وتربة. والمشكلة أن كمية النفايات الناتجة عن نمط الحياة العصرية باتت في ازدياد مطرد.
إن تراكم النفايات يعود الى نمو عدد السكان، وتطور المستوى المعيشي الذي بدوره أدى الى تغيير أنماط الإستهلاك.

 

مشكلة النفايات
يميّز رزق بين النفايات الصلبة والنفايات السائلة، ويركّز على أن التخلّص من النوعين في لبنان لا يخضع للمعايير البيئية الواجب اعتمادها.
النفايات الصلبة مواد غير صالحة للإستعمال تتضمن:
الورق (ورق صحف، كرتون...)، الزجاج (قوارير، قطع زجاج مكسور...)، الألومينيوم (علب المشروبات الغازية والمعلبات...)، البلاستيك (أغطية زراعية، أكياس...) ومواد أخرى (ملابس، إطارات سيارات، بطاريات...).
في ما خص النفايات السائلة، أخطرها تلك الناتجة عن استعمالات المنازل والمستشفيات والمختبرات والمعامل، وتكون مياهها عكرة تحتوي مواداً عضوية كبقايا الطعام والبول والصابون والمنظفات ومياه الحمامات، المركبات الهيدروكربونية، فضلاً عن احتوائها البكتيريا والجراثيم التي تسبب أمراضاً لا تحصى ولا تعدّ.
عادة يتم حرق النفايات الصلبة للتخلص منها، ما يسبب انبعاث الغازات السامة التي تشكّل خطراً على صحة الإنسان.
من هذه الغازات أحادي أوكسيد الكربون المدمّر للجهاز التنفسي والقلب، وهو يؤدي الى الموت إذا استُنشق بكمية كبيرة، ويعرقل نقل الأوكسجين الى الدماغ والقلب والعضلات إذا استُنشق بكمية صغيرة.
ويسبّب غاز أوكسيد الكبريت اضطرابات الجهاز التنفسي وعضلات القلب وأزمات الربو... أما الديوكسين فيؤدي الى آثار خطيرة على جهاز المناعة والأعصاب والهرمونات كما يسبب السرطانات المختلفة.
الطريقة الثانية التي يُلجأ اليها للتخلص من النفايات على أنواعها هي الطمر، وغالباً ما يتم بشكل عشوائي بحيث تتغلغل النفايات لدى تحلّلها الى المياه الجوفية والينابيع، وهو أمر غاية في الخطورة يحتاج معالجة فورية. كما يؤدي الطمر الى تسرّب الغازات الملوّثة للموارد مع إمكان حدوث فجوات في مواضع الطمر.
أهم الغازات التي تنبعث من أماكن الطمر الميثان وثاني أوكسيد الكربون، الى الغبار الذي يمكن أن يحمل المواد السامة (خصوصاً لدى هبوب الرياح) الى مسافات بعيدة، ويحد من نسبة الأوكسجين في الهواء.
الى ما تقدّم يشير رزق الى تلوّث المياه الجوفية بالملوثات العضوية، والى النفايات المنزلية (مخلفات الأطعمة وسواها) التي يؤدي تراكمها الى تكاثر الحشرات والقوارض التي تنقل السموم والأمراض الى السكان.

 

ما العمل؟
يشير رزق الى أن مشكلة البيئة في لبنان هي في النظر اليها على أنها ليست من الأولويات، مع أنها نقطة ارتكاز للحياة السليمة من الأمراض والأوبئة.
ويوضح أن مفهوم البيئة اليوم تجاوز المعتقدات التقليدية المتعلقة بحملات النظافة البسيطة، أو بالإقدام على غرس شجرة هنا والمسارعة الى حملة متواضعة لتنظيف شاطئ هناك. المطلوب النظر الى مفاهيم متكاملة لرؤية إجتماعية واقتصادية وحياتية صحية، محاطة كلها بإطار علمي لا يتوقف عن التطور، مستفيدين من تجارب الآخرين الناجحة. فالنظافة طبيعة ومعتقد، لماذا تُغسل الأرصفة في سويسرا بالصابون يومياً، ولماذا يعتبر رمي النفايات عشوائياً مخالفة يعاقب عليها القانون هناك؟
في الدول التي تتعامل بجدية مع المشاكل البيئية يعالج المواطن نفاياته ومخلفاته تلقائياً. في ألمانيا مثلاً من يقلل من إصدار النفايات يدفع رسوماً ضريبية أقل للدولة. هذه الطريقة اعتمدتها بعض الحكومات كون معالجة النفايات تكلفها مبالغ كبيرة، وهو أمر يشجّع المواطنين ويحثّّهم على العمل للحفاظ على البيئة. وبالتالي تأخذ النظافة منحى تلقائياً في حياة المواطنين ولا تحتاج الحكومات الى تشديد ومراقبة وتوجيه وملاحقات.
هذا المسار إذا اعتمد في لبنان يضمن مستقبلنا البيئي وبالتالي مستقبل أبنائنا، فماذا نتوقع من بيئة نغتالها يومياً من دون رحمة غير أن تغتالنا وتقتلنا بدورها.
لا بد من اعتماد التثقيف الصحي العام لإرشاد المجتمع الى أساليب العيش الصحية وترسيخها في داخلهم لتصبح عادات يتمسّكون بها وتمكّنهم من تجنّب التلوّث ومن تحسين المستوى البيئي العام، قبل اللجوء الى الطرق الأخرى من طمر صحي ومعالجة متطورة للنفايات وطرق التدوير وغيرها من الطرق المكلفة والتي تتطلب بدورها دراسات شاملة وحملات توعية ليتم شرحها للرأي العام والمجتمع.
وختم قائلاً: قبل أن نتوجّه الى حكوماتنا والمؤسسات العامة والمنظّمات الدولية لمساعدتنا، لماذا لا نعمل أولاً على أنفسنا، فالبيئة مسؤولية كل مواطن.