نحن والقانون

التنظيم القانوني للبترول في لبنان
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
محام بالإستئناف

بدأ الاهتمام بمسألة البترول في لبنان منذ عهد الإنتداب الفرنسي، إلا أن عملية البحث والتنقيب تأخرت لأسباب مختلفة. فقد صدر عن المفوض السامي الفرنسي هنري دو جوفنيل العام 1926 تشريع أجاز فيه التنقيب عن النفط والمعادن واستثمارها واستخراجها. وأجريت عدة دراسات في هذا المجال، أبرزها دراسة الفرنسي لويس دوبرتريه (1932)، وأخرى نفّذها الجيولوجي الأميركي جورج رونوراد (1955) توقع فيها وجود نفط في لبنان. أعقب ذلك أعمال حفر تولتها عدة شركات بين 1946 و1963 في مناطق مختلفة من لبنان.

 

المسوحات
 في 2002 تعاقدت الحكومة اللبنانية مع شركة سبكتروم الإنكليزية التي قامت بإجراء مسح ثنائي الأبعاد غطّى كامل الساحل اللبناني، وأشار تقرير الشركة إلى احتمال فعلي لوجود النفط والغاز. ولاحقًا استكملت شركة GIS النروجية أعمال البحث من خلال مسح ثلاثي الأبعاد في الموقع نفسه، أشار إلى أن أكبر الكميات النفطية موجود في الشمال مقابل ساحل العبدة. وتواصلت أعمال البحث الجيولوجي عن النفط حيث أجرت شركة P.G.S مسوحات ثلاثية الأبعاد (2006 – 2007) أشارت إلى احتمال وجود كميات تجارية من النفط. إلا أن الملف لم يتحرك بشكل فعلي إلا بعد فحوص زلزالية ثلاثية الأبعاد وبعد تأكيد شركة نوبل للطاقة الأميركية (22/6/2010) ما كانت P.G.S قد كشفته عن وجود حقل هائل للغاز يسمى فيتان يحوي ما لا يقل عن 16 تريليون قدم مكعب قبالة الشواطئ اللبنانية في منطقة بحرية دولية بين حدود فلسطين البحرية وقبرص. وقد أكّدت آخر الدراسات أن بحر لبنان يعوم على غاز يفوق 122 تريليون قدم مكعب و30 إلى 40 بليون برميل من النفط الخام.

 

القانون
بتاريخ 24/8/2010 صدر قانون الموارد البترولية (رقم 132/2010) الخاص بالأنشطة البترولية ضمن المياه البحرية اللبنانية وأي مساحة أو حقوق أخرى بما لا يتعارض مع القانون الدولي.
يهدف القانون المذكور إلى تمكين الدولة من إدارة الموارد البترولية في المياه البحرية، وايداع العائدات المحصَّلة في صندوق سيادي. ويحدد القانون نظام الصندوق ونظام إدارته الخاصة، ووجهة استثمار وتوظيف واستعمال العائدات (بموجب قانون خاص) بالاستناد إلى مبادئ وأسس واضحة وشفافة للتوظيف والاستعمال، تحتفظ من خلالها الدولة برأس المال وبجزء من العائدات تكون بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة، وتصرف الجزء الآخر وفق معايير تضمن حقوق الدولة.

 

الحقوق على الموارد البترولية
تعود ملكية الموارد البترولية والحق في إدارتها حصرًا للدولة، وتخضع الأنشطة العائدة لأي شركة أجنبية تنفذ أو تشارك في عمليات متعلقة بالأنشطة البترولية للقوانين اللبنانية.
تحتفظ الدولة بحق القيام أو المشاركة في الأنشطة البترولية وفق أحكام القانون، وتحدد حصتها في الرخصة البترولية و/أو في اتفاقية الاستكشاف والإنتاج بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الطاقة بالاستناد إلى رأي هيئة إدارة قطاع البترول.
كما يمكن، عند الاقتضاء، وبعد التحقق من وجود فرص تجارية واعدة، إنشاء شركة بترول وطنية.
تقوم الدولة بدراسة تقويم الأثر البيئي الاستراتيجي قبل أن تمنح أي حقوق بترولية أو السماح بأنشطة بترولية، علمًا أنه قد صدر في 16/2/2013 المرسوم رقم 9882 المتعلق بتأهيل الشركات مسبقًا للاشتراك في دورات تراخيص للأنشطة البترولية.

 

الصلاحيات
يضع مجلس الوزراء السياسة البترولية العامة للدولة ولا سيما منها المتعلقة بإدارة مواردها البترولية... ويفوض وزير الطاقة التوقيع على اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج... والسهر على تنفيذ السياسة البترولية العامة وعلى تطبيق القانون لمنح الحقوق البترولية، وتعزيز إمكانات الدولة البترولية، واتخاذ التدابير الضرورية لحماية المياه والصحة والممتلكات والبيئة من التلوث في مواجهة حالات الطوارئ.
أما هيئة إدارة قطاع البترول فتتمتع بالاستقلالين المالي والإداري، وترتبط بوزير الطاقة الذي يمارس عليها سلطة الوصاية، وتخضع بعض قراراتها المالية والإدارية لتصديقه، وفق مرسوم تنظيمها رقم (7968/2012)، وتخضع لرقابة ديوان المحاسبة اللاحقة.
أبرز صلاحيات هذه الهيئة:
- وضع دراسات لجهة الترويج للموارد البترولية المحتملة في لبنان.
- معاونة وزير الطاقة بالتفاوض حول اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج.
- إدارة الأنشطة البترولية ومتابعتها ومراقبة حسن تنفيذ التراخيص والاتفاقيات...
- تقويم خطط تطوير الحقول ونقل البترول ووقف الأنشطة البترولية وإزالة المنشآت.

 

الإستطلاع
الإستطلاع هو الأنشطة الهادفة إلى تحديد وجود واحد أو أكثر من المكامن البترولية بوسائل المسح الجيولوجية والبتروفيزيائية والجيوفيزيائية والجيوكيميائية أو الجيوتقنية، وغيرها من الأنشطة التي ينص عليها الحق البترولي. ويحدد مجلس الوزراء بموجب مرسوم بناء على اقتراح وزير الطاقة المستند إلى رأي الهيئة الشروط العامة لمنح رخصة الاستطلاع ونطاقها والرسوم الواجب استيفاؤها. ويمنح وزير الطاقة بالاستناد إلى رأي الهيئة رخصة الاستطلاع بموجب قرار لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات. ولا تكون رخصة الاستطلاع حصرية ولا تعطي حاملها أي أفضلية أو امتياز في ما يتعلق بالحصول على أي حق بترولي آخر، وتعتبر المعلومات الناتجة عن عمليات الاستطلاع ملكًا للدولة اللبنانية.

 

حقوق الاستكشاف والإنتاج
يمنح مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الطاقة بالاستناد إلى رأي هيئة إدارة القطاع، ترخيصًا حصريًا للقيام بالأنشطة البترولية بموجب اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج. وتشمل اتفاقية الاستكشاف والإنتاج مرحلتين: مرحلة الاستكشاف لمدة لا تتجاوز عشر سنوات، ومرحلة الإنتاج لمدة لا تتجاوز ثلاثين سنة.
يقرر مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الطاقة المستند إلى رأي الهيئة، إطلاق الدعوة للتقدم بطلب الترخيص. ويمكن لعدة شركات التعاون بهدف تقديم طلب مشترك للحصول على اتفاقية استكشاف وإنتاج. ويجب إيداع وزير الطاقة (مع نسخة للهيئة) عقود التعاون مما يمكنه أن يطلب في أي وقت إدخال تعديلات عليها بما يتوافق مع الأحكام القانونية المرعية الإجراء... ولا تمنح أي اتفاقية استكشاف وإنتاج إلا لشركات مساهمة مؤهلة مسبقًا.
يخضع النص النهائي لاتفاقية الاستكشاف والإنتاج الى موافقة مجلس الوزراء قبل توقيعه من قبل وزير الطاقة، ويصبح عندئذ مقدم الطلب الذي تمَّ اختياره صاحبًا لحق بترولي غير قابل للتجزئة وفق الاتفاقية، التي تصبح سارية المفعول اعتبارًا من تاريخ موافقة مجلس الوزراء عليها.
ويجوز لصاحب الحق حصرًا التنازل للدولة عن اتفاقية الاستكشاف والإنتاج شرط أن يكون قد نفذ الحد الأدنى من موجبات العمل أو الحد الأدنى من النفقات الاستثمارية المحددة في الاتفاقية، وأن يكون قد سدَّد كامل ما عليه من التزامات مالية للدولة بما فيها الضرائب المستحقة.

 

الخطط المتعلقة بالإنتاج والنقل
خلال مهلة أقصاها سنتين من تاريخ حفر آخر بئر استكشاف، على صاحب الحق إبلاغ وزير الطاقة خطيًا قراره حول المباشرة أو عدم المباشرة بالإنتاج، مع شرح الأسباب وعرض وضع المكمن من الجوانب التقنية والاقتصادية.
ويتم الإنتاج بطريقة تسمح باستخراج أكبر كمية ممكنة من البترول من كل مكمن على حدة أو من عدة مكامن مجتمعة، شرط أن يكون ذلك وفق أفضل المعايير التقنية وبطريقة تتفادى هدر البترول أو طاقة المكمن قدر الإمكان، وبالوتيرة المناسبة لاقتصاد الدولة. وعلى صاحب الحق أن يقوم بتقويم مستمر لاستراتيجية الإنتاج والحلول التقنية المعتمدة، واتخاذ التدابير اللازمة لتحسين النتائج.
وعند حصول أي اكتشاف، على المُشغِّل إبلاغ وزير الطاقة فورًا وخطيًا...، كما يتوجب عليه القيام بالاختبارات اللازمة لتقويم قابلية المكمن للاستثمار التجاري وإبلاغ وزير الطاقة بنتيجتها، ضمن مهلة ستة أشهر من تاريخ الاكتشاف كحد أقصى.

 

حصص البترول والرسوم وتقاسم الإنتاج
على صاحب الحق أن يدفع للدولة رسمًا مقابل استخدام المنطقة الخاضعة لاتفاقية الاستكشاف والإنتاج، وذلك ابتداء من السنة الأولى التي تلي انقضاء مرحلة الاستكشاف. ويوزع البترول المستخرج إلى أتاوة الدولة وبترول الكلفة وبترول الربح. ويعود للدولة الخيار بين استيفاء الأتاوة العائدة لها من البترول المستخرج نقدًا أو عينًا.

 

الوقف الدائم للتشغيل
على صاحب الحق ومن دون أي تأخير إبلاغ وزير الطاقة عن الوقت المتوقع لانتهاء استعمال المنشأة بشكل نهائي، قبل التوقف الدائم عن التشغيل. ولدى انقضاء مدة اتفاقية الاستكشاف والإنتاج أو رخصة البترول أو التنازل عنهما أو فسخهما أو إلغائهما أو عند وقف نهائي لاستعمال منشأة ما: يحق للدولة استرداد ملكية المنشأة أو حق استعمالها مع التجهيزات العائدة لها من دون أي كلفة...

 

الصحة والسلامة والبيئة
يجب ممارسة الأنشطة البترولية بطريقة تؤمن أعلى مستويات السلامة وتسمح بالاستفادة من التطورات والتقنيات الفنية. وقبل المباشرة بأي نشاط بترولي، على صاحب الحق أن يعدّ وينشر الخطط المتعلقة بالصحة والسلامة، والتي تتضمن خطة لمواجهة الظروف الطارئة. ويجب أن تتوافر على الدوام لدى أي جهة تشارك في أنشطة بترولية، جهوزية فعَّالة لمواجهة ومعالجة الحوادث والحالات الطارئة التي تؤدي إلى وفيات أو إصابات جسدية أو تلوث أو تلحق أضرارًا بالممتلكات.

 

أولوية الشركات اللبنانية والإشراف والتدقيق
على صاحب الحق والمقاولين الثانويين الذين تم التعاقد معهم أن يعطوا أولوية للشركات اللبنانية في ما يعود للعقود المتعلقة ببناء منشأة ما أو تزويد مواد ومنتجات وخدمات متعلقة بالأنشطة البترولية، وذلك في حال كانت الشروط المقدمة من قبل الموردين اللبنانيين متساوية مع منافسيهم. وعليهم أن يستخدموا أجراء لبنانيين مؤهلين في حال توافرهم، كما على صاحب الحق تنظيم وتمويل دورات تدريب للموارد البشرية اللبنانية، في ما يختص بالأنشطة البترولية. إلى ذلك يطلب من صاحب الحق تقديم الضمانات المالية المطلوبة تجاه الدولة وتجاه الآخرين، بالإضافة إلى موجبات وقف التشغيل، ويعتبر أصحاب الحقوق الذين يتمتعون بحق بترولي مسؤولين بالتكافل والتضامن تجاه الدولة بخصوص الموجبات المتعلقة بالأنشطة البترولية أو الناجمة عنها، بما فيها الموجبات الضريبية. وفي حال قيام صاحب الحق البترولي بمخالفة متكررة أو جسيمة لأحكام القانون أو للعقود والاتفاقيات، يحق لمجلس الوزراء إلغاء الحق أو الرخصة. ويعتبر تقديم معلومات غير صحيحة أو حجب معلومات مهمة بمثابة مخالفات جسيمة. ويلغى الحق البترولي حكمًا في حال حلّ الشركة، أو إعلان إفلاسها...
في ما يتعلق بالمعاينة والإشراف والتدقيق، يحق للسلطات اللبنانية المختصَّة الدخول إلى أي مكان خاضع لحق بترولي وأي منشأة تستخدم أنشطة بترولية في أي وقت تراه مناسبًا بعد الحصول على موافقة وزير الطاقة بهدف تدقيق ومراقبة حسن تنفيذ الأنشطة البترولية. ويمكن للسلطات المختصَّة التي تراقب وتدقّق في الأنشطة البترولية أن تستوفي لصالح الدولة رسومًا محدَّدة بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الطاقة وبالتنسيق مع الوزارات المختصَّة. ويجب أن تعكس تلك الرسوم الكلفة التي تتكبدها السلطة المختصَّة. كما يحق للوزير إصدار قرارات تفرض على أصحاب الحقوق تنظيم وتمويل دورات تدريب لموظفي القطاع العام الذين ترتبط طبيعة عملهم بالأنشطة البترولية.