التنمية في لبنان ودورها في الحد من الإرهاب

التنمية في لبنان ودورها في الحد من الإرهاب
إعداد: العقيد الركن صلاح علوه
ضابط في الجيش اللبناني

المقدّمة

التنمية والإرهاب مفهومان شغلا البشرية منذ القدم وتطوّرا عبر التاريخ، إذ تم الربط بين جدلية التخلف وتراجع التنمية وتقدّم الإرهاب، وبين تحقّق العدالة والصراع الاجتماعي، فإذا افتقد الحكم التوازن في تحقيق حاجات المواطنين، فقدت السلطة شرعيتها، وفتحت آفاق الاعتراض والتطرف وصولًا إلى ممارسة العنف والإرهاب، تحت مبررات البحث عن هذه العدالة، ما قد يؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار وتصدّع المجتمعات. لقد زادت فرص الإرهاب في التغيير، وفرض نماذج سلوكية وأخلاقية تعتمد القوة والإكراه. وشهدت العديد من دول العالم ظواهر التطرف والتعصب، فأوروبا حصل فيها صراع بين الكاثوليك والبروتستانت، كما أفرزت أحداث 11 أيلول 2001 مواقف ضد العرب والمسلمين والأجانب (كراهية الأجانب)، إذ شهد العالم نشاطًا غير مسبوق من قبل الحركات الإسلامية المتشددة في إشاعة الفكر التكفيري، والتغرير بالعديد من الشباب تحت مسميات مواجهة البدع والضلال واستعادة نهج الخلافة. في حين أن بعض هؤلاء ليسوا إلا أدوات في يد بعض دوائر المخابرات الدولية وأوكار الصهيونية العالمية.

لقد ساهمت موجة الإرهاب في إدخال بعض دول الشرق الأوسط والعالم العربي في صراعات مذهبية، طائفية، عرقية من خلال إيقاظ الفتنة لتسهيل عملية السيطرة على ثرواتهم، وهدْم سلّم القيم الأخلاقية والإنسانية الراسخة فيهم، وتخريب مخزونهم التاريخي في الفكر والعلم، وجعلهم مذاهب وقبائل وأثنيات يتصارعون فيما بينهم، وتقديم الكيان الصهيوني ودولته الغاصبة "إسرائيل" النموذج الحضاري والكيان الأقوى في ظل هذه الصراعات. ادعى أصحاب الفكر التكفيري الإرهابي أنهم صفوة الفكر الإسلامي الأصيل، وكل من يخالفهم الرأي حتى ولو كان من أبناء جلدتهم كافر، وأصبح دمه وعرضه وماله حلالًا لهم، وهنا يلتقي الفكر الإرهابي التكفيري بالفكر الصهيوني التلمودي الذي يعد اليهود أنهم أحباء اللـه وورثته.

إن المعالجة العسكرية لهذا الإرهاب لا تكفي على الرغم من أهميتها. بل يجب الالتفات إلى أحد أهم أسبابه مثل: الفقر، الجهل، نكران الحقوق السياسية للعديد من الشرائح الاجتماعية التي أصبحت بيئة حاضنة له وما يتفرّع عنه من جرائم. إن التنمية الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، السياسية والإدارية المستدامة هي أداة فعالة ورديفة للمواجهة العسكرية، وقادرة على اجتثاث جذور الإرهاب والحد منه، سواء في لبنان والشرق الأوسط ودول العالم، مع التسليم بأن للإرهاب منابع أخرى يمكن أن تكون على صعيد قوى خفية تريد أن تُغرق مجتمعاتنا في التطرف والفوضى، للاستمرار في نهب ثروات العديد من شعوب الأرض، وهي تُستثمر في الإرهاب للحفاظ على الوضع القائم، لقطع الطريق على أي فرصة لتحقيق نهضة تنموية حقيقية.

إن الإرهاب ضرَب قلب العديد من دول العالم مما جعل الرأي العام يتغير داخلها، وتحوّل إلى قوة ضاغطة على حكوماتها، وهذا ما ساعد في تفعيل مواجهته وانحسار موجته، وشكّل فرصة حقيقية في إمكانية الحد منه. لبنان كان له نصيبه من هذه الظاهرة الخطرة والغريبة عن قيمه، وكان أولها أحداث الضنية في العام 2000، وأحداث نهر البارد في العام 2007، إذ قدّم خيرة أبنائه، وصولًا إلى العام 2017 في معركة فجر الجرود حيث استطاع الجيش اللبناني طرد الإرهاب خارج حدوده.

وتبقى الإشكالية المطروحة الآن، هل يمكن حصول تنمية حقيقية في لبنان باستطاعتها الحد من ظاهرة الإرهاب، ومتابعة ما حققه الجيش اللبناني في مواجهتها، وإطلاق عملية تنموية شاملة، وخاصة في المناطق التي استطاع الإرهاب التكفيري استمالة عدد لا يُستهان به من سكانها وتجنيدهم في صفوفه، مستغلًا حالة انعدام الاستقرار والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتردية في لبنان والمحيط.

 

الفصل الأول: الإرهاب ومراحل ظهوره وتطوره في لبنان

أضحى الإرهاب ظاهرة خطيرة ومميتة تهدد حياة الأفراد واستقرار المجتمعات والدول، ومع ذلك لا يزال تعريف الإرهاب كتعريف الكفر أمرًا صعبًا وشائكًا. لا يعد الإرهاب جديدًا في المجتمعات العربية، فقد عرفته مصر في مطلع الثمانينيات، عندما قامت مجموعة مسلحة تنتمي إلى الجماعة الإسلامية بتنفيذ عملية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات. كما اتُّهمت جماعة الإخوان المسلمين قبل ذلك بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر. إن العنف والممارسات الإرهابية عُرفت سابقًا لتحقيق مطالب سياسية[1].

شهد التاريخ الإسلامي، منذ نشأته، حركات دينية متطرفة، وعدة طوائف من المتشددين، لعل الطائفة الأولى منهم كانت الخوارج الذين رفعوا شعار "لا حكم إلا للـه" في وجه الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب، مبررين خروجهم عليه، فرد عليهم بمقولته الشهيرة: "كلمة حق أُريدَ بها باطل". هذا هو شأن التطرف، يوظف الكلام الحق في غير مواضعه، سواء كان ذلك بحسن نيّة، أو بنيّةٍ سيئة مبيّتة، فإن الدين الإسلامي الحنيف "لا يمكن أن يحمل وزر من يستعمل كلام الحق في غير الحق الذي وُضع لأجله"[2].

لا يميّز البعض في كثير من الأحيان بين الإرهاب والسلفية والأصولية، فيعد أن كل هذه المسميات شيئًا واحدًا. هذا خطأ معرفي منهجي، فالسلفية التي ظهرت في القرن الثامن عشر في مجتمعات تقليدية صحراوية بدوية وشبه بدائية في الجزيرة العربية، قامت على الدعوة إلى تطهير المجتمع من البدع والعادات والتقاليد المخالفة للشريعة، وهي اليوم عدة اتجاهات، منها ما يقتصر على الدعوة والموعظة، ومنها ما هو متشدد وتكفيري يدعو إلى العنف لتحقيق غايات سياسية وعقائدية (الحكم الإسلامي).

 

أولًا: تعريف الإرهاب والعوامل التي ساعدت على انتشاره

تعددت التعاريف حول موضوع الإرهاب، وكل جهة عرفته من زاوية مصالحها ومواقفها، وكفعلٍ جرمي وبصرف النظر عن الدوافع والمبررات، هو كل عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة، بغية تحقيق أهداف وغاية لا تُجيزها القوانين الدولية أو المحلية، بالإضافة إلى أنه يعد عمل يضرب عميقًا القيم الإنسانية والأخلاقية، ويصيب الضمير الإنساني، ولا يميّز بين بريء أو مذنب، إنما يحصد أرواحًا بريئة، ويحرم الناس من أرزاقهم وحريتهم، وترويعهم من أجل مكسب سياسي أو سلطوي أو اقتصادي.

 

‌أ- المعنى اللغوي للإرهاب: رهب مصدر أرهب، رعب تُحدِثه أعمال عنف كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب. الإرهابي من يلجأ إلى الإرهاب بالقتل أو التخريب لإقامة سلطة أو تقويض، أما "الحكم الإرهابي" فهو نوع من الحكم الاستبدادي يقوم بسياسة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على الحركات التحررية أو الاستقلالية، كذلك يمكن أن تعني كلمة أرهبه خوّفه[3].

 

‌ب- المعنى السياسي للإرهاب: الإرهاب هو أي عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية. أما بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية فالإرهاب هو استخدام القوة أو التهديد بها من أجل إحداث تغيير سياسي، أو هو القتل المتعمد والمنظم للمدنيين، أو تهديدهم به لخلق جو من الرعب والذعر للأشخاص الأبرياء من أجل كسب سياسي، أو الاستخدام غير القانوني للعنف ضد الأشخاص والممتلكات لإجبار المدنيين أو حكومتهم على الإذعان لأهدافٍ سياسية[4].

 

‌ج- الإرهاب في القانون الدولي: على الرغم من توقيع لبنان على المواثيق والاتفاقات الدولية والتزامه بها، خاصة القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، واعتماد الدولة اللبنانية قانون العقوبات المادة ٣١٤ منه: "يُعنى بالأعمال الإرهابية الأفعال جميعها التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر، وتُرتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة، والعوامل الوبائية التي من شأنها أن تُحدث ضررًا عامًا"، لم تتبنَّ أي تعريف للإرهاب بسبب الانقسام السياسي والطائفي حول معظم الأمور الوطنية.

 

عرّفت اتفاقية جنيف لقمع الإرهاب ومعاقبته في العام ١٩٣٧، أن "الأعمال الإرهابية هي الأعمال الإجرامية ضد دولة ما، وتستهدف أو يُقصد بها، خلْق حالة من الرعب في أذهان أشخاص معيّنين، أو مجموعة من الأشخاص أو عامة الجمهور"[5].

ذكرت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في العام 1998 في مادتها الأولى الفقرة الثانية[6]، بأن "كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيًا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذًا لمشروعٍ إجرامي فردي أو جماعي، يهدف إلى إفشاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم وأمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر"[7].

جاء نص واضح على اعتبار الإرهاب جريمة دولية، ضمن الجرائم المرتكبة في أثناء الحرب العالمية الأولى، وحصرَتها لجنة الفقهاء المنبثقة عن مؤتمر السلام الدولي في لاهاي في العام 1919، تحت اسم "الإرهاب المنظم". كما ورد النص ذاته في اتفاقية جنيف لمكافحة الإرهاب في العام 1937، وذلك إذا مارسته الدولة أو سمحت به أو تغاضت عنه سواء كان ذلك في زمن الحرب أو السلم[8].

 

ثانيًا: سمات الإرهاب

تتسم الجرائم الإرهابية بعددٍ من السمات التي تميّزها عن العديد من الظواهر الإجرامية الأخرى في المجتمع، وذلك انطلاقًا من عدة أوجه. الهدف الجنائي من الجريمة الإرهابية يكون متوفرًا في جميعها، والتنظيم والتخطيط والتنفيذ يتم بأحدث الأساليب المبتكرة، وأحدث التقنيات العلمية، كما أن الهدف السياسي هو أيضًا سمة من سمات جرائم الإرهاب، أما أهمها فهو استخدام العنف أو التهديد به، وذلك كأساليب عمل وليس كغاياتٍ في حد ذاتها، من أجل إحراز مكاسب ضد ضحايا مستهدفة قد لا تكون بالضرورة ضحايا محددة ومقصودة بذاتها، لأن العملية الإرهابية في حد ذاتها تتضمن العنف والترويع، سواء استُخدم العنف فعليًا أو تم التهديد به، ويعود ذلك إلى أن هناك ارتباطًا مباشرًا وقويًا بين العنف والإرهاب باعتبار أن الأول يحقق أهداف الثاني، إذ لا يهدف الإرهابيون إلى القضاء على الأرواح وأجساد الضحايا وممتلكاتهم فحسب، بل يحرصون على زرع الرعب والخوف في نفوس أجزاء المجتمع المقصود كلها، وهو هدف مهم تسعى المنظمات الإرهابية إلى تحقيقه، انتقاء الأماكن والضحايا ووسائل المواصلات المقصودة بعنايةٍ فائقة، واختيار أكثرها أهمية للرأي العام وإجرامًا وتأثيرًا على الحكومة، ومراعاة أيهما سيحقق تأثيرًا إعلاميًا أكثر، فمثلًا إحراق المكتبة الأثرية الدينية في طرابلس بتاريخ ٤ كانون الثاني ٢٠١٤، كان الوقع والإعلام أكثر بكثيرٍ من إحراق مكتبة عادية أو مؤسسة تجارية، إضافة إلى استخدام عنصر المفاجأة بالنسبة للأجهزة الأمنية المختصة وذلك عند تنفيذ الجرائم الإرهابية، إذ على الرغم من الإجراءات الأمنية الوقائية، التي تحيط بالأماكن أو بالشخصيات أو وسائل المواصلات الهامة، والمتوقع تعرّضها لعملياتٍ إرهابية، إلا أن التنظيمات المتطرفة تستغل الثغرات الأمنية وتفاجئ الجهات الأمنية بتنفيذ عملياتها الإرهابية. خير مثال على ذلك استهداف الحواجز الأمنية للجيش اللبناني بعملياتٍ انتحارية، وأخطر من ذلك عدم مراعاة إمكانية تعرّض الأطفال والشيوخ والنساء كضحايا للعمليات الإرهابية، فقد يكون ذلك مقصودًا من أجل زيادة الإثارة في المجتمع، وإحراج النظام السياسي أمام المجتمع والرأي العام، وإظهاره عاجزًا عن توفير الأمن والطمأنينة. إن ولاء الإرهابيين المكلفين تنفيذ الجرائم الإرهابية للتنظيمات المتطرفة يكون ولاء عميقًا للتنظيمات التي ينتمون إليها ولأهدافها وقيمها، حتى ولو كان ذلك على حساب أرواحهم، إن العملية الإرهابية تترك آثارًا في أذهان المجتمع المقصود سنويًا، ويصبح تاريخ حدوثها ذكرى ذات دلالات محددة سواء لدى الجماعات الإرهابية أو النظام السياسي أو حتى على المستوى العالمي، مثلًا، استخدمت المجموعات الإرهابية في أحداث 11 أيلول، أحدث الأسلحة وأكثرها فتكًا وتدميرًا، ويلاحظ ذلك من نوعية المتفجرات وحجمها التي استُخدمت في لبنان، وتلك التي تم ضبطها من قبل الأجهزة الأمنية، استخدام أحدث وسائل الاتصالات والأجهزة اللاسلكية الحديثة وأجهزة الهواتف المتنقلة، وتُستغل الأجهزة المسروقة، وأجهزة تحديد المواقع GPS، والإنترنت، وتعلن التنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية مبادئها تظهرها وكأنها مبادئ نبيلة، وتبرر تنفيذها، بينما تتفق الديانات السماوية والقوانين الوضعية والأعراف الإنسانية كافة، على أنها أعمال إجرامية غير مقبولة، خاصة إذا الضحايا من الشيوخ والنساء والأطفال. وجاء في هذا السياق المؤتمر الأخير الذي حصل في روما بين قداسة البابا فرنسيس ومفتي الأزهر أحمد الطيب، والتوقيع على وثيقة التآخي هي خير دليل بأن التسامح والتآخي هو الأصل في الديانات السماوية، وإن الإرهاب والإجرام مرفوضان.

 

ثالثًا: نشأة الإرهاب التكفيري وتمويله

أن نبحث في موضوع التكفير والتطرف الديني من موقف محايد نزعمه، وبنزاهةٍ وموضوعية ندعيهما، يعني أننا نجري مقاربة تنطوي على قليل من المجازفة وكثير من الادعاء. فالمجازفة لكوننا نحاول أن ننتصر على انكسارنا أمام هذا البركان المحتدم من لاعقلانية الخطاب الديني التي نشهدها حاليًا، وأما الادعاء، فلكوننا مازلنا نؤمن بقدرة العقلانية على اختراق هذا الضباب الكثيف من التضليل الذي تنشره هذه اللاعقلانية، خصوصًا وقد أصبح تصنيف الناس، وفق معايير استنسابية للإيمان والكفر، والحق والباطل، من الأمور السهلة والمعتادة لدى الكثيرين. لقد شهد التاريخ الإسلامي منذ العقود الأولى من القرن الأول للهجرة أنواعًا من التطرف والغلو، ما زالت آثار بعضها حاضرة، بصورةٍ أو بأخرى، في الساحة الفكرية الدينية العربية المعاصرة، وإذا استعرضنا حركات التطرف في الإسلام، فإننا سنجدها من دون استثناء ذات علاقة، مباشرة أو غير مباشرة بالسياسة، وذلك إلى درجة تسمح بالقول إن التطرف في الإسلام كان دائمًا نوعًا من التعبير عن موقف سياسي معيّن[9].

 

‌أ- عرفت الأيديولوجيا "القاعدية" الحديثة، والمتبنية للفكر السلفي الجهادي التكفيري، في أولى مراحلها المعاصرة، مع بداية التدخل السوفياتي في أفغانستان في بداية الثمانينيات، إذ تم إنشاء فصائل المجاهدين لمحاربة السوفيات، وتشجيع هذا الفكر وتمويله من قبل بعض الدول الأجنبية والعربية والإسلامية، التي احتضنت الفصائل المجاهدة وسلّحتها بأحدث الأسلحة، واعتبار أن من يحمل السلاح ضد السوفيات يكون مدافعًا عن الدين في مواجهة الكفار الشيوعيين إلى أن نشبت خلافات في تلك الحقبة، مع خروج القوات السوفياتية من أفغانستان عشية البريسترويكا[10]، بين مختلف الفصائل المجاهدة، وأدت إلى ابتعاد البعض لا سيما ما عُرف بالأفغان العرب عن الوصاية أو الاهتمام الأميركي، وعاد الفكر التكفيري ليظهر من جديد مع أدوات إرهابية ومزيد من العنف. وجد الأفغان العرب مع عودتهم إلى بلادهم، أرضًا خصبة للعمل تحت عناوين وذرائع متعددة، أهمها القمع الذي كانت تتعرض له بعض الحركات الإسلامية، والتي تضم في صفوفها معظم التكفيريين والجماعات الجهادية، بموازاة ذلك صدرت فتاوى عديدة تدعو إلى الجهاد، فتدفقت الأعداد الهائلة من التكفيريين إلى أفغانستان مجددًا، لإطلاق تنظيم القاعدة، وكان من أبرز رموز هؤلاء الفلسطيني عبد اللـه عزام الذي أسس مكتب خدمات على الحدود الأفغانية – الباكستانية، وعمل على تنظيم دخول الوافدين إلى أفغانستان، وكان يزور الولايات المتحدة لجمع التبرعات، وأُطلق عليه لقب "أمير المجاهدين العرب"، رأى أن القتال ضد السوفيات في أفغانستان خطوة أولية لثورةٍ أكبر وأوسع عنوانها القضاء على الحكومات العربية. كان أسامة بن لادن[11] الثري السعودي أقرب معاونيه، وهو الذي يقوم بالتمويل والإنفاق على الأتباع. تدفّق أيضًا العديد من التكفيريين من مصر، وكذلك قيادات شابة من الإخوان المسلمين الذين لم يُسجنوا أو يُعدموا بعد اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، ومن أبرز هؤلاء أيمن الظواهري[12] المعروف بتطرّفه وتزمّته، وبتأسيسه لجماعة الجهاد الإسلامي. وكان الظواهري من أتباع سيد قطب[13] وقد أجاز قتل كل من شارك في برلمان أو حزب سياسي أو انتخابات، باعتبار أن هؤلاء جميعًا منكرين لأحكام القرآن الكريم، يحل قتلهم ويجب أن يُقتلوا[14].

 

‌ب- تعتمد التنظيمات التكفيرية بشكلٍ أساسي على المال، سواء لإعداد عناصرها وتدريبهم وتجهيزهم أو لشراء الأسلحة والمتفجرات لضمان استمرارية نشاطها الإجرامي، سعت إلى تنويع مصادر تمويلها، إن من خلال المشاريع الاقتصادية والاستثمارات التي تقوم بها، أو الأموال التي تتلقاها من الجمعيات المساندة لها، أو عن طريق تبييض الأموال وتجارة المخدرات وبيع الأسلحة واختطاف الرهائن مقابل فدية والسرقة والسطو المسلح[15]. تعد الغنائم من مصادر تمويل التنظيمات التكفيرية، فقد أصدر تنظيم داعش، العديد من القرارات بمصادرة بيوت من قاتلهم وأملاكهم، كذلك لم تسلم عناصر تنظيمات تحالفت معه منذ احتلال الموصل من قرارات المصادرة. وقد وجه التنظيم نداء إلى كل من يرغب بالهجرة لأراضي الدولة للقدوم إليها على طريقة الهجرة الصهيونية لفلسطين. واستجلب عائلات المهاجرين، من أفريقيا وجنوب شرق آسيا والشيشان ومصر، وأسكنهم في البيوت التي صادرها التنظيم من عائلات تم ترحيلها من مختلف الطوائف[16].

 

رابعًا: نماذج عن الأعمال الإرهابية التي نُفّذت في لبنان

ساعد الوضع الأمني الهش في سوريا، وطبيعة الحدود اللبنانية السورية المتداخلة جغرافيًا، في تسلّل مجموعات إرهابية تكفيرية إلى لبنان، بالإضافة إلى تهريب الأسلحة والأعتدة الحربية على أنواعها والسيارات المفخخة من دون حسيب أو رقيب، على الرغم من الاحتياطات الأمنية الهادفة إلى تأكيد الاستقرار، استطاعت المجموعات الإرهابية من تنفيذ أعمال تخريبية مختلفة وتفجيرات خطيرة عند: "حواجز الجيش، مسجدَي التقوى والسلام في طرابلس، السفارة الإيرانية، تفجيرات الضاحية، جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ما سبقها وما تلاها، والتي ما زالت تداعياتها قائمة حتى اليوم".

 

1- معركة الجيش اللبناني في الضنية ضد مجموعة التكفير والهجرة: جرت هذه المعركة في بداية العام٢٠٠٠، وهي أول معركة مع التطرف أو وفق التوصيف القضائي مع مجموعة إرهابية، عُرفت باسم جماعة التكفير والهجرة بقيادة بسام كنج الملقب بـ "أبو عائشة"، وهو من اللبنانيين الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني، وقد جرت المعركة في جرود الضنية شمال لبنان، إذ نفّذ الجيش عملية عسكرية واسعة ضد المجموعة التي كانت تضم مئات الإرهابيين، ونتج عنها مقتل المدعو كنج وعدد من الإرهابيين، واعتقال عدد كبير من أفراد المجموعة التي كانت أول إطار منظم لتنظيم القاعدة في لبنان، وقد سقط للجيش ضابط وعشرة عسكريين شهداء وعدد من الجرحى.

 

2- عين الحلوة وجند الشام: برز جند الشام إلى الواجهة بعد عدة حوادث أمنية مختلفة، لا سيما الاشتباكات التي وقعت بين التنظيم والجيش في مخيم عين الحلوة يوم ٢٤ تشرين الأول من العام ٢٠٠٥، وتعود تسميته إلى المجموعة الأولى التي يتزعّمها أبو مصعب الزرقاوي في أفغانستان في العام ١٩٩٩، وأُطلِق الاسم على مخيم التدريب الذي ضم متطوعين من بلاد الشام، أي لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، وهذا التنظيم يستمد أفكاره من زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وتعود المسؤولية العسكرية له إلى اللبناني غاندي السحمراني وهو ممن شاركوا في معارك الضنية، وقد عُثر عليه مقتولًا في كانون الثاني من العام ٢٠١٠ داخل مخيم عين الحلوة.

 

3- معركة نهر البارد مع فتح الإسلام: ظهر تنظيم فتح الإسلام إلى العلن في ٢٤ تشرين الأول من العام ٢٠٠٦، بقيادة شاكر العبسي الفلسطيني الأصل الأردني الجنسية، ونما وتطور في مخيم نهر البارد شمال لبنان. في ٢٠ أيار من العام ٢٠٠٧، شنت مجموعات منه هجومًا على مراكز الجيش اللبناني المنتشرة حول المخيم، حيث تصدّى لهم وسيطر عليه، وكانت حصيلة المعركة تدمير المخيم وتصفية التنظيم وفرار عدد من الإرهابيين، وقد بلغ عدد شهداء الجيش في هذه المعركة ١٦٨ شهيدًا، بينهم ١٤ ضابطًا ومئات من الجرحى، ومن ناحية تقييم هذه المعركة فقد كانت من أهم المعارك وأكبرها التي خاضها الجيش منذ تأسيسه، كونها تجمع ما بين قتال العصابات المتحصنة في المدن، والقتال ضد التنظيمات الإرهابية وأساليبها غير التقليدية في القتال.

 

4- معركة عبرا في صيدا مع مجموعة الأسير: قامت مجموعات مسلحة تابعة للشيخ أحمد الأسير، إمام مسجد بلال بن رباح في صيدا، بتاريخ ٢٣ حزيران من العام٢٠١٣، بمهاجمة حواجز الجيش اللبناني في المنطقة، ونتج عنها معركة خلّفت عشرات القتلى والجرحى في صفوف المسلحين، وقد بلغ عدد شهداء الجيش في هذه المعركة ١٧ شهيدًا من بينهم ضابطان وعدد من الجرحى، أما الأسير فقد توارى عن الأنظار، وصدر حكم قضائي غيابي بإعدامه في العام التالي، وقد أوقف في ١٥ آب ٢٠١٥ عند محاولته الفرار عبر مطار رفيق الحريري الدولي.

 

5- معارك طرابلس وبحنين المنيه مع مجموعة الشيخ خالد حبلص: شهدت بعض أحياء مدينة طرابلس وبلدة بحنين في شمال لبنان اشتباكات في تشرين الأول من العام ٢٠١٤ بين الجيش اللبناني ومسلحين، إذ أقدمت مجموعات تابعة للشيخ خالد حبلص، والمتمركزة في مسجد هارون - بحنين بمهاجمة مراكز الجيش، مما أسفر عن استشهاد ١١ عسكريًا بينهم ثلاثة ضباط، وتمكّن الجيش من السيطرة على المسجد، ولاحقًا اعتُقل حبلص مع مرافقيه في طرابلس في ١٠ نيسان من العام ٢٠١٥.

 

6- معركة فجر الجرود: بعد سيطرة التنظيمات الإرهابية على بلدة عرسال وجرودها، والتي كانت تشكل قاعدة عسكرية ولوجيستية مهمة للتنظيمات الإرهابية، انطلقت منها العديد من الأعمال الإرهابية، وعمليات خطف وقتل عسكريين ومدنيين، وإطلاق وابل من الصواريخ على بلدات البقاع الشمالي ومدينة الهرمل وتفجيرات في بلدة القاع، وبعد حصول معارك متفرقة واحتدامها بين الجيش السوري وحزب اللـه من جهة، والتنظيمات الإرهابية في الجرود الجنوبية لبلدة عرسال والحدود السورية مع لبنان في بلدة قارة والجراجير من جهة أخرى، تم إخراج جبهة النصرة في البداية، ومن ثم أعلن الجيش اللبناني إطلاق عملية فجر الجرود نهار السبت 19 آب 2017، لإخراج تنظيم الدولة الإسلامية داعش واستهدافه بالمدفعية والطيران، بلغت مساحة المنطقة التي كان يسيطر عليها في لبنان حوالى 141 كيلومتر مربع، وعدد مقاتليه حوالى 600 عنصر. انتهت المعركة بتاريخ 30 آب من العام 2017، بإعلان الجيش النصر وطرد إرهابيي داعش خارج الحدود اللبنانية بعد تدمير تحصيناتهم، ومقتل العديد منهم وسيطرة الجيش على كامل الحدود الشرقية مع سوريا[17].

 

الفصل الثاني: التنمية والصعوبات الاقتصادية ودورها في الحد من الإرهاب في لبنان

يُطرح السؤال حول إشكالية رئيسة، لماذا بقيت التنمية في لبنان والعالم العربي مشكلة حقيقية على الرغم من أن مؤشرات النمو الاقتصادي السطحية لم تتراجع؟، للإجابة عن هذا السؤال لا بد من ربط الموضوع بأبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وبظاهرة التطرف والإرهاب، ولكن نظرًا لصعوبة الموضوع، من الضروري الفصل بين ما يمكن اعتباره بعدًا اقتصاديًا في موضوع التنمية ومعالجة الأبعاد السياسية والاجتماعية، وحجم الاستقرار السياسي وموجة الإرهاب التي حصلت في العام 2001 وحتى وقتنا هذا. منذ الاستقلال السياسي، تولت قيادات وطنية زمام الأمور في موضوع التنمية، وضرورة الخروج من التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي للقوى السياسية الفاعلة، ولكن القضايا الوطنية والإقليمية تتقدمان على الأمور الأخرى مثل: قضية فلسطين، موضوع الوحدة العربية، وهوية لبنان وتفاعله مع محيطه العربي. إن الظروف الراهنة والقلق على مصير الدولة الوطنية خوفًا من التشظي يرتسم على الوجوه، وأصبح العدو الإسرائيلي والإرهاب يهددان كيان الدولة والإطاحة بكل فرصة حقيقية للتنمية، وأصبحت عملية الاستقرار وإجراء عملية التنمية، مرتبطة بالسر والعلن بمواقف الدول الكبرى من قضية المقاومة والإرهاب، والاستجابة لعلاقاتٍ ساكنة مع الكيان الصهيوني، كل ذلك أثّر على عملية التنمية، وأدت إلى نمو التخلف والتشرذم والضعف بدلًا من التقدم والوحدة والقوة. إن دراسة الأداء التنموي، والعلاقة بين السياسات والأسواق في فضاءات التنمية والدولة التنموية، واقتصاد الريع والإنتاج، والمأزق التكنولوجي والمعرفي في الأداء الاقتصادي، لها أبعاد سياسية واجتماعية، منها ما يتعلق بالتأثيرات السياسية في الأداء الاقتصادي، الخصخصة، السياسات الإقليمية والدولية، الأمن، والتنمية بأبعادها المختلفة كالفقر وانتشار الفساد، ولإجراء عملية تنمية حقيقية لا بد من تخطّي العوائق الاجتماعية والسياسية إلى جانب الاقتصادية[18]. إن التنمية المستدامة تتحدد فيها معالم العلاقات بين المجتمع والدولة، ومن خلالها يتم الانتقال من دولة الريع إلى دولة الإنتاج. ويجسّد إنتاج عقد اجتماعي جديد للتحوّل الديمقراطي، توزيع الثروة الوطنية، رسم السياسات الاقتصادية، تحديد دور الدولة ودور القطاع الخاص، تشغيل القوى البشرية والتحولات المطلوبة في أنظمة الثقافة والتعليم والعدالة الاجتماعية[19]. إن حصيلة المسار الاقتصادي والاجتماعي للدولة، والتنمية غير المتوازنة، والسياسات التي غابت عنها نظرة طويلة الأمد تفتقد إلى الشفافية، الالتزام بالقواعد القانونية، رفع مستوى المعيشة للناس، توفير حياة كريمة لهم والمشاركة في الحياة السياسية، ضرَب في العمق أسس الاستقرار، وسهّل الأفكار التكفيرية والمتطرفة في التغلغل في أوساط بعض الشرائح الاجتماعية. إن إشكاليات السياسات التنموية مرتبطة بدور الدولة، التفاعل الاجتماعي والثقافي، النظام السياسي وقواعده الديمقراطية وأسسه الاجتماعية وعلاقته بالعدالة.

 

أولًا: التنمية ودورها في دفع عجلة الاقتصاد في ظل الأزمة المتفاقمة

استندت الأدبيات التطبيقية في مجال النمو الاقتصادي إلى التطورات النظرية، إذ طوّر سولو Robert Solow [20] النموذج النيو كلاسيكي للنمو، لتغيير الشواهد التاريخية عن أنماط النمو الاقتصادي في العالم، وخصوصًا الدول الصناعية منها الولايات المتحدة الأميركية. إن ثبات معدل العائد الحقيقي على رأس المال وثبات أنصبته، والعمل في الناتج المحلي الإجمالي، وثبات نمو دخل الفرد، ومعدل النمو الاقتصادي طويل الأمد يعتمد على معدل نمو التقدم التقني[21].

إن إدراك النمو ليس هدفًا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لأهدافٍ ذات أهمية للأفراد والمجتمعات، ويشمل النمو أحد أضمن السبل لعتق المجتمعات من آثار الفقر، وخلْق فرص للأفراد والمجتمعات يصعب تحقيقها في غياب النمو الاقتصادي. من هنا إمكانية تعريف النمو المستدام باعتباره معدلًا سنويًا لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.

 

1- الفضاءات الثلاثة في دولة الإنتاج: إن حراك التغيير الاجتماعي والاقتصادي في عدد من الدول العربية طالت شظاياه لبنان، ولهذا الحراك طموح الشعوب بالتحوّل من رعايا إلى مواطنين، وتحوّل دولهم من مزارع وإقطاعات لأشخاصٍ وفئات متحكمة، إلى دول يملكها مجموع المواطنين، ويحكمونها بممثليهم الأمناء ولمصلحة المجموع. تأثير كل ذلك في معيشة المواطنين وأرزاقهم في العمالة أو البطالة في نمو الدخل والثروة وعدالة توزيعها.

يقتضي التحديد العلمي لدور الدولة في الاقتصاد والانفكاك عن النزعة الفوضوية، وتبنّي موقف موضوعي مبني على حاجات المجتمع، وقدرته على تحقيق التنمية المستدامة والرفاه للمواطنين جميعًا بإنصافٍ وتكافؤ. يعني ذلك إدارة الدولة للاقتصاد والنشاط من منطلقات علمية متحررة من الأيديولوجيا، وأن تعمل الدولة على قيام المنشآت الإنتاجية في إنتاج مختلف السلع والخدمات مباشرة من قبلها، أو برعاية إدارات القطاع الخاص وتشجيعها، واعتماد معيار الجدارة وأفضل النوعيات وأرخص الأسعار. تتحدد حركة النشاط الاقتصادي في ثلاثة فضاءات في المجتمع والدولة.

 

أ- الفضاء العام: اصطُلح على تسميته القطاع العام، وهو قطاع مؤسسات الدولة والحكم، ويتمثل بسلطاتها الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية. وفي هذا الفضاء تشريع القوانين وتنفيذها، حماية النظام العام بتوفير الأمن والدفاع، حكم القانون، حماية حقوق الإنسان، وتوفير المال العام لتغطية تكاليف السلع والخدمات العامة المختلفة، التي تلتزم الدولة توفيرها للمواطنين بعدالةٍ وإنصاف، والإشراف على أداء المنشآت الإنتاجية في القطاع الخاص لتنظيمه وضبط جودته، وفي هذا القطاع تجري حوكمة نشاط السوق، حركة الأسعار، التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الإشراف على أداء المنشآت الإنتاجية، وضمان صحة التنافس وسلوكها، إذا كانت احتكارًا أو ضمن سوق منقوصة لمقومات التنافس.

 

ب- الفضاء الخاص: اصطُلح على تسميته القطاع الخاص، وهو الذي يضم الموظفين خارج مؤسسات الدولة جميعًا، وغلب عليه مفهوم قطاع الأعمال ومؤسسات السوق الساعية إلى الربح. يعمل ضمن إشراف الدولة وقوانينها، يتولى إدارة الإنتاج في قطاع السلع والخدمات كلها، التي يكون المواطنون بحاجةٍ إليها، لكي ينتج ما يكفي لتلبية حاجات المواطنين وترجمتها، إلى طلب فاعل من خلال الإنفاق المباشر، أو تنفيذ المنشآت الخاصة لعقودٍ يموّلها القطاع العام.

 

ج- الفضاء الثالث: هو قطاع الخدمات غير الحكومية والذي يُطلق عليه المجتمع المدني، الذي يشارك الفضاء العام في تقديم السلع العامة، التعلم، الطبابة، والنشاط الإعلامي والفكري والثقافي...إلخ. ويضم المؤسسات التي تتعامل بالسلع والخدمات، إنتاجًا وتوزيعًا، وتتعامل مع المواطنين بصفتهم مستهلكين للسلع والخدمات، لكنها لا تبغي الربح بل الخدمة العامة[22].

 

ثانيًا: دور الدولة الاقتصادية وسياسة الخصخصة

راجت عبارة "وَثَنَ السوق" وقدرتها العجائبية والسياسات الاقتصادية في صورة هي التخاصية، وأصبحت الدولة وتدخّلها في النشاط الاقتصادي موضع اتهام حتى تثبت البراءة، وغدا تحديد دور الدولة وتصغير حجمها مفتاحًا لإنقاذ البلد الفقير من دوامة الفقر والتخلف، وتسييره في طريق التنمية المستدامة الواعدة. من جهة أخرى، يرى البعض أن القداسة هي في دور الدولة على إدارة النشاط الاقتصادي، لما لها من قدرة في إدارة الاقتصاد من خلال التخطيط المركزي[23].

إن جدارة أداء المنشأة تعتمد على البيئة المؤسسية التي تعمل فيها المنشأة، أما الدوافع والحوافز فهي صنفان: الحوافز المادية أساسها تحقيق الأرباح والمزايا المادية للعمل في المنشأة، والحوافز المعنوية مثل الفخر والشعور بالرضى الناتجَين عن السمعة والنفوذ الاجتماعي والسياسي المرتبط بالعمل المتقن والأداء الناجح.

إن السبب في المطالبة بتخصيص المؤسسات العامة الجواب الشائع هو أن الإدارة الحكومية مصابة بفقرٍ في الجودة بصورةٍ مزمنة، والأرجح أننا سنجد لهذا أسباب يتعلق معظمها بأن القطاع الخاص يكفل لإدارته فنون الإدارة الحديثة وتقنياتها، وخضوع المنشأة لرقابة أشد ومحاسبة على الأداء ضمن معايير موضوعية، يضاف إلى ذلك التوظيف الذي يخضع بدرجةٍ أكبر لاعتبارات الحاجة والجودة ومرونة أكثر في الاستغناء عن الموظفين غير الجيدين.

ثمة شك كبير في أن حسن الأداء يبقى مستمر لدى المنشآت التي تواجه سوقًا محتكرة أو منقوصة المنافسة، وإذا لم يكن ذلك من السهولة بحصول المؤسسة العامة أو المنشأة العامة على عناصر الإدارة الجديرة تلك، من خلال التعاقد عليها مع مؤسسات القطاع الخاص، من دون أن تتنازل الدولة عن ملكيتها وسيطرتها على الأمور.

إن الحوافز في القطاع العام محدودة ومحكومة بالمحاصصة السياسية والطائفية، وهي معوقات كبيرة أمام تحقيق إدارة جيدة ومؤسسات نظيفة، ولكن القدرة على خلق إدارة جيدة يبقى قائمًا، وأكبر دليل مؤسسة الجيش التي تقوم بثلاثة أدوار في نفس الوقت وهي: حماية الحدود وحفظ الأمن في الداخل، القيام ببعض النشاطات الإنمائية وممارسة الشفافية (إرجاع 18 مليار إلى الخزينة اللبنانية في نهاية العام 2018). وهذا يعد نموذجًا يُحتذى به على الرغم من كل الضغوطات والحملات، التي تتعرض لها المؤسسة بسبب أدائها الفعال، ومحاولتها الجدية في منع التهريب، ومكافحة الجريمة، وحفظ الأمن بعيدًا عن أي اعتبارات فئوية أو مناطقية.

 

ثالثًا: المفهوم الموسع للتنمية

يوجد اتجاهًا عامًا على المستوى الدولي للنظر إلى التنمية باعتبارها عملية لتوسيع حريات البشر، إذ ينصبّ الاهتمام على توسيع قدرة الناس ليحيوا حياة يرغبون في تحقيقها، ويؤدي مفهوم القدرة دورًا محوريًا في التحليل، وبديلًا من مفهوم الدخل في تعريف رفاه الناس لتفادي مختلف أنواع الحرمان والجوع، وسوء التغذية واعتلال الصحة والوفاة المبكرة، والاستمتاع بمختلف أنواع الحريات المرتبطة بالمعرفة والتعليم والمشاركة السياسية[24].

تكمن فاعلية الحرية بأنها وسيلة للتنمية، وفي الحقيقة إن مختلف الحريات مرتبطة بعضها مع بعض، وتشمل الحريات التي تساهم في التنمية: الحريات السياسية، التسهيلات الاقتصادية، الفرص الاجتماعية، ضمانات الشفافية والأمن الوقائي.

إن قضية استدامة التنمية احتلت مكانًا مميزًا في الجدل العام، منذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، بعد نشر تقرير اللجنة الدولية حول البيئة والتنمية (1987)، وبحسب هذا التقرير، عُرّفت التنمية المستدامة بأنها تلك التنمية التي تلبّي احتياجات الأجيال الحالية من دون إعاقة مقدرة الأجيال المستقبلية في مقابلة احتياجاتها، والاهتمام في هذا التعريف منصبّ على مجال إدارة الموارد الطبيعية والبيئية[25].

إن التنمية المستدامة تعني الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، وانعكاس كل ذلك بطريقةٍ ملموسة على تمكين الناس ليعيشوا الحياة الراغبين فيها. بهذا المعنى، إن التنمية البشرية والمستدامة قضيتان متلازمتان، فالتنمية البشرية تعني إفساح المجال أمام الإنسان ليعيش حياة مديدة يتمتع فيها بالصحة، ويحصل على التعليم ويحقّق ذاته، أما التنمية المستدامة فتعني الحرص على إفساح المجال ذاته أمام أجيال الغد. فالتنمية البشرية لا تكون تنمية بشرية ما لم تكن مستدامة.

منذ بداية الثمانينيات في القرن الماضي، اندلع جدل واسع حول السياسات التنموية الملائمة، تركّز هذا الجدل على السياسات الاقتصادية الكلية الملائمة لتحفيز عملية النمو ثم توسّع ليشمل ما يمكن تسميته السياسات الاجتماعية، وما أثار الجدل هو فرض حزمة من السياسات الاقتصادية الكلية على الدول النامية، وعليها تطبيقها باعتبارها شروطًا للحصول على المساعدات الاقتصادية من الدول المانحة والمؤسسات الدولية.

عرفت هذه السياسات فيما بعد باسم حزمة سياسات وفاق واشنطن وهي كناية عن الاتفاق عليها بواسطة وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، التي يقع مقرها في مدينة واشنطن، وفرض هذه السياسات على الدول النامية تحت اسم برنامج الإصلاح الاقتصادي[26].

اشترطت هذه السياسات على الدول أن تقوم بتخفيض كل من: الإنفاق الحكومي، العجز في الموازنة، سعر العملة الوطنية، الأجور في القطاع العام، والقضاء على التحكم في الأسعار من خلال سحب الدعم الحكومي، تحرير سعر الفائدة، الانفتاح الاقتصادي، تحرير نظام التجارة الدولية، الترحيب بالاستثمار الأجنبي المباشر، اتباع سياسات لسعر الصرف وسياسات للأجور.

 

1- السياسات التنموية الملائمة: تَرتّب على التجارب التنموية المتعاقبة تبلور فهم عريض، أن إدارة الاقتصاد الكلي في الدول النامية لا بد لها من الاهتداء بإطارٍ عام، تشكل مكوناته تطوير إطار تنسيقي لسياسات الاقتصاد الكلي المالية والنقدية، وسياسة سعر الصرف، وسياسة التدفقات الرأسمالية لضمان اتساقها، وتحديد مدى زمني متوسط في صياغة استراتيجيات الإنفاق العام.

يجب مراعاة إعطاء النمو الاقتصادي، واستقرار المعيشة وخلق الوظائف أهمية خاصة، وينبغي عدم تغيّبها بسبب التركيز على الاستقرار الاقتصادي الكلي، والتحكم بالتضخم مع مراعاة أن معدلًا معتدلًا للنمو وقابلًا للاستمرار، يترتب عليه خلق وظائف والإقلال من الفقر، خير من معدل مرتفع يرتكز على زيادة عدم المساواة، وتلفّه مخاطر التأرجح والأزمات. يجب أن يكون هدف معظم السياسات خلق فرص عمل منتجة توفّر العمل اللائق، تشجيع الاستثمار، الإنفاق على القطاعات الاجتماعية وضمان استمرار قاعدة الموارد البشرية.

إن السياسات المالية يجب أن يكون لها أثرًا إيجابيًا، وبالأخص في توسيع الاستثمار وألا تضر السياسات المستخدمة بالفقراء، ولهذا الغرض يمكن فرض الضرائب التصاعدية وضرائب التجارة الخارجية الملائمة والضرائب على رأس المال، كما وأن صياغة السياسة النقدية يجب أن تتكيف مع السياسات المالية وليس العكس، ويجب أن تكون أهداف كليهما أهدافًا اقتصادية تخلق الوظائف وتحسّن مستويات المعيشة، والابتعاد عن التضخم باعتباره الهدف المحوري للسياسة النقدية وإعادة النظر باستقلالية البنك المركزي، ويتطلب ذلك اتباع مقاربة التخطيط ولا تُفرض من خارج البلد، وإن جوهر تخطيط التنمية يكمن في ضمان كمية الاستثمار المنتج، بصورةٍ كافية لخلق زيادة ملحوظة في الناتج المحلي الإجمالي، يفوق الزيادة في عدد السكان ويؤدي إلى زيادة دخل الفرد.

 

2- تمويل التنمية بالاستدانة: من المعلوم أن الاستدانة من أجل التنمية أمرًا مبررًا علميًا في ضوء عدم كفاية الموارد المحلية، على الرغم من أنه ليس بالضرورة أن تحصل التنمية في ظل توافر الأموال، وهذا حال بعض الدول النفطية، والاستدانة لها شكلان: الاستدانة الداخلية والاستدانة الخارجية[27].

الاستدانة الداخلية وهي الاستدانة من أجل التنمية، هي نوع من التراكم الداخلي ولا تشكل عبئًا على التنمية شرط توجيهها إلى الاقتصاد الحقيقي، أما الاستدانة الخارجية فيمكن تبريرها في ضوء عدم كفاية المصادر المحلية، شرط أن تُستثمر في الاقتصاد الحقيقي وأن لا تشكل عبئًا على الناتج المحلي، إذ يمكن تسديدها من صادرات المشاريع التي تُبنى بالدرجة الأولى، وليس من خلال زيادة الضرائب على كاهل المواطنين، وأن لا تضيع في سوق الفساد الإداري والسياسي البارز الملامح.

إن الوقوع في فخ المديونية يتطلب البحث عن إمكانية الخروج منه، وهي متعددة الأسباب، تارة تكون أزمة نمو وبطالة، وتارة أخرى تتجلى بصورة عجز كبير ومستمر في ميزان المدفوعات، وإلى تشكيل ميل إلى التمويل بالتضخم، والسبب في زيادة المديونية التوجه نحو تنمية النزعات الاستهلاكية البذخية، ومقابل ذلك برز النمو السلبي للناتج المحلي، وارتفاع معدلات التضخم في أسعار السلع والخدمات.

إن فساد الأجهزة الحكومية ونمو ظاهرة الاستهلاك الترفي، تشجّع كثيرًا على نهب الاقتصادات الوطنية، بما في ذلك نهب القروض الخارجية وإعادة تهريبها إلى الخارج.

في مقابل المديونية العامة للدولة وتحوّل القسم الأكبر من الديون الداخلية والخارجية المترتبة على أفراد ومؤسسات خاصة، تشغل جزءًا كبيرًا منها حصيلة النهب الذي تعرّض له الاقتصاد من التصرفات الشاذة الجديدة المنتشرة في الأجهزة الرسمية والخاصة الفاسدة.

 

ثالثًا: التنمية وعلاقتها بالاستقرار السياسي والاجتماعي

تقوم فكرة التنمية على العلاقة المتوازنة بين الأجيال، إذ يمكن للتنمية أن تستجيب لحاجات الأجيال الحالية من دون التضحية بحق الأجيال الجديدة في ثروات بلادها ومواردها، ويجب النظر إلى التنمية بأنها هدفًا من أجل التطور الحضاري ما يتجاوز الجانب الاقتصادي، وتشمل التنمية الحريات السياسية والمدنية، العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أداء الإدارة الحكومية والمؤسسات التشريعية والسياسات العامة والمؤسسات القضائية والمنظمات غير الحكومية والإعلام والتعليم، وإجمالًا المجتمع ككل.

 

1- سياسات البنك الدولي: حدد البنك الدولي سبع سياسات أساسية يمكن من خلالها للحكومات أن تقوم بتنفيذ التنمية المستدامة:

•  تضمين العمليات البيئية في صنع القرار.

•  تخفيض نسبة زيادة السكان.

•  التمسك بشعار فكّر كونيًا واعمل محليًا والقضايا المحلية يجب مواجهتها أولًا.

•  تخفيض التكاليف الإدارية لحماية البيئة من خلال وضع أهداف واقعية وتطبيقها.

•  الحاجة إلى تحريك مخطط متوازن داخل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيولوجية من خلال خطة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.

•  القيام بأبحاثٍ حول التنمية ووصولها إلى الإداريين والمواطنين.

•  التمسك بشعار الوقاية أرخص من العلاج.

إن أهداف التنمية تتمحور جوهريًا في السعي لتنمية قدرات الإنسان والمواطن، وهذا لا يتم في سياق حكم ضعيف أو يقوم على أسس طائفية، لأن مفهوم التنمية ذاته يعني تحرير الإنسان من الفقر والعوز، وتأمينه من شر المرض والجهل والحرمان، وضمان حرياته السياسية والمدنية، وحقه في اختيار نوعية الحياة وتمتعه بفرصٍ حقيقية.

 

2- دور التخطيط في التنمية: من أجل حصول عملية التنمية لا بد من التخطيط مهما اختلف النظام السياسي، وذلك بسبب ظهور الأزمات الاقتصادية الدورية وما يرافقها من كساد، وهدف التخطيط هو تحديد الغايات الاقتصادية ووسائل بلوغها. إن التخطيط في البلدان المتقدمة يختلف عنه في البلدان المتخلفة، فهو في هذه الأخيرة يجب أن يكون خيار سياسي، هو شيء أكثر من الرفاه المادي، فالكرامة الإنسانية لها أهمية مساوية للسعادة، وهي ليست عملية زيادة الإنتاج، أو وسيلة للتخلص من الأزمات الاقتصادية الدورية، إنه وسيلة لتغيير الواقع وتطويره من أجل أن تحقّق إنسانية الإنسان.

إذا كان التخطيط ضرورة حتمية للتنمية، إلا أن نوعيته ما زالت تثير الكثير من الإشكالات والمعاني، وقبل اختيار نوع التخطيط لا بد من الانتباه لعدة مسائل:

•  إن تجربة التخطيط في بلد معيّن لا يمكن لها أن تتكرر في بلد آخر قطعًا.

•  إن محاولة التقليد والنقل الميكانيكي للتجارب الأخرى تؤثر سلبًا على تطوّر التجربة الذاتية، وقدرتها على المبادرة والإبداع وتقديم نموذج جديد.

•  ضرورة الابتعاد عن الانتقائية في مختلف مراحل التخطيط، بل يجب الاعتماد على التجربة الذاتية والعلم والمعرفة والقوانين الاقتصادية الموضوعية.

إن المبادئ الأساسية في عملية التخطيط ووضع الخطط الاقتصادية والقوانين الموضوعية، والتي تحكم عملية التطور الاقتصادي والتقدم الاجتماعي هي عامة، وعليه يجب الاستفادة الواعية من تجارب البلدان الأخرى من دون نسخها بحذافيرها. ويوجد عدة أنواع من التخطيط كالتخطيط التأثيري، الإرشادي، التحريضي والإلزامي، ويجب اختيار النوع الذي يتلاءم مع ظروف كل بلد.

 

3- إمكانيات التنمية في لبنان: إن الحرب الأهلية التي عرفها لبنان والتي ما زالت آثارها قائمة حتى الآن في السياسة والاقتصاد، والأزمات الداخلية والخارجية التي تنذر دائمًا بانفجار الوضع، وبالتالي تناسي عملية التنمية الاقتصادية في أشكالها كافة، والتسويات السياسية والاقتصادية التي تحصل، لا يجب النظر إليها كحلٍ للمشكلة بل كمرحلةٍ تأسيسية، وإن فصل المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية عن المحسوبيات السياسية يؤدي إلى الحفاظ على الاستقرار، ووضع أسس تقوم عليها القطاعات الإنتاجية والخروج من الحالة الراهنة[28]، وتدعيم قطاع الخدمات التي بلغت 68% من مجمل الناتج القومي في العام 1971، إذ تم إنشاء قطاع فندقي واسع وعصري، كذلك استفاد لبنان كثيرًا من عدم الاستقرار الذي عرفته البلدان العربية والتأميمات التي دفعت الأغنياء العرب لتهريب أموالهم إلى لبنان، وشكّل ملجأ للمعارضين السياسيين هذا من الناحية الخارجية. أما على الصعيد الداخلي فإن التوجه لقطاع الخدمات أسرع منها في بقية القطاعات. إن الازدهار لم يكن مرتكزًا على قاعدة إنتاجية قوية وثابتة، وارتبط بشكلٍ بالعوامل الخارجية، واهتزاز الوضع الخارجي أدى إلى إفلاس الكثير من المؤسسات وشكّلت أحداث 1975 ضربة كبيرة لقطاعٍ يعتمد بصورةٍ أساسية على البلدان العربية.

إن القطاع الصناعي يصطدم بصعوباتٍ كثيرة أيضًا، فلا يوجد دراسة عملية لمختلف قضايا تطوره البنيوية والذاتية. لا يوجد دراسة إحصائية دقيقة مثل إحصاءات مصلحة الصناعة في وزارة الاقتصاد والتجارة، إحصاءات صندوق الضمان الاجتماعي وإحصاءات غرفة التجارة والصناعة، إذ يشغل هذا القطاع حوالى 18.6% حسب إحصاء العام 1974. أما القطاع الزراعي، فكانت تشكل اليد العاملة الزراعية حوالى 55% في العام 1964 وانخفضت إلى 11% في العام 1974، وتشكل الأراضي الزراعية 40% من مساحة لبنان، وأهم زراعاتها: زراعة الحمضيات والتفاح، وكانت الأسواق الرئيسة لها في الخليج، ولكنها أدت إلى تقهقره نتيجة المزاحمة من الأسواق الأردنية والسورية والمصرية[29].

انعدام دور الدولة في القطاع الزراعي جعل الفلاح اللبناني غير قادر بمفرده على تحسين الإنتاج وزيادته، وما عمّق الأزمة انسداد طرق التصدير بعد الأحداث السورية، إضافة إلى الشح الحاصل في المياه.

 

رابعًا: العلاقة المفترضة بين التنمية والإرهاب

إن الوصول إلى التنمية الحقيقية ومواجهة الإرهاب لا يتم إلا بتغيير الاتجاهات السابقة في بناء مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا يتطلب إعادة النظر في السياسات التنموية السابقة، وتنمية قوى الإنتاج عوضًا عن تنمية الميول والنزعات الاستهلاكية المدمرة، والعمل على خلق المناخات الاستثمارية الملائمة، أي خلق البيئة التشريعية والإدارية والتنظيمية الملائمة ومحاربة الفساد، إضافة إلى تطوير البنى التحتية وطريقة الدخول إلى الاستثمارات ومستلزماتها[30]، والاعتماد على الطاقة البديلة وخاصة في قطاع الكهرباء، وتطوير التعاون مع الدول العربية والأجنبية في المجال الاقتصادي، تبقى هذه الوصفات بلا جدوى إذا لم تترافق بإصلاحاتٍ جذرية، ورؤية موحدة للقضايا الوطنية، وتعزيز خيارات الحرية والديمقراطية الحقيقية، ورفع مستوى الإحساس بالمسؤولية، وتقليص العصبية والطائفية وتجفيفها منابع التفكير المتطرف والإرهابي، وتعزيز فرص سيادة القانون والوصول إلى مساواة تسرّع في التقدم الاجتماعي.

 

الخلاصة

أدت الحرب في لبنان بالإضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية وموجة الإرهاب التي ضربته إلى تراجع في الاقتصاد اللبناني، نتيجة الدمار الذي لحق بالوضع الاقتصادي والبنى التحتية، وتردّي قدرة الدولة على تأمين الخدمات الأساسية، بدءًا من استتباب الأمن وفرض سلطة القانون والحد من انتشار الفساد، وصولًا إلى نقص الخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية للمواطنين، إضافة إلى ما سبقها وتلاها من خلل في تركيبة السلطة السياسية واستقرارها.

فشل السياسة الضريبية التي زادت الأعباء على الطبقة الفقيرة، وعدم قدرتها على ابتكار نظام ضريبي قادر على التكيّف مع طبيعة الاقتصاد اللبناني، وتحديد الضرائب المباشرة وغير المباشرة، مما سمح لفئاتٍ قليلة من زيادة أرباحها، بالمقابل زيادة عدد الفقراء، وعلى الرغم من أهمية القطاع المصرفي في إعطاء ثقة معيّنة للوضع المالي للدولة، إلا أنه استطاع تحقيق أرباح طائلة على حساب غالبية اللبنانيين، ولم يستطع تشغيل السيولة المالية المتوفرة في مشاريع إنتاجية حقيقية، وبقية قروضه الممنوحة للمؤسسات تحت طابع استهلاكي.

إن التهميش والفقر جعلا شريحة من اللبنانيين لا يستهان بها عرضة للاستغلال من قبل التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، وأرضية خصبة لتقبّل أفكارها المتطرفة، والتي لها امتداداتها الإقليمية والدولية. تعد ظاهرة الإرهاب والتكفير نقيض لمفهوم التنمية والنمو الاقتصادي، وتختلف التفسيرات في تحديدها وخلفياتها وأسبابها وسبل مواجهتها، إذ يرى البعض أن الإرهاب والتكفير يبدأ بالفكر ولا يمكن مواجهته إلا بالبحث عن أصوله الفكرية، خاصة عندما تصل الأمور إلى تفسير الدين والاجتهاد في أن كل فئة تعد أنها صاحبة الرأي السديد والفكر الصحيح، بينما ذهب البعض الآخر إلى القول إن ظاهرة الإرهاب وليدة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية وضعف عملية التنمية.

إن التنمية هي ليست عملية اجتماعية وسياسية واقتصادية بحتة وهدفها زيادة مدخول الفرد فقط، إنما هي مجال لتوسيع حرية المواطنين وتمكينهم من عيش حياة كريمة ومستقرة. إن أكثر الأشخاص استغلالًا وانجذابًا للأفكار التكفيرية والإرهابية هم أولئك الفقراء والمحتاجين، فكلما زاد مستوى التنمية ترسّخ الاستقرار، وكلما تقلصت عمّت الفوضى وتنامت ظاهرة التطرف والإرهاب، وخلاصة القول إن التنمية والإرهاب نقيضان لا يلتقيان، الأولى تبني والثاني يهدم.

تعد التنمية من العوامل الأساسية في الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي، وتدنّي مستوى الحرية والديمقراطية وفقدان التعددية السياسية الحقيقية وتداول السلطة، يقدّم المبررات والذرائع لمنطق الإرهاب لاستخدام العنف من أجل التغيير ولتحقيق غايات سياسية، والاستثمار في الإرهاب من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية ينشط الحركات الإرهابية، ولكن لا يمكنه التحكم بحركتها كما حصل مع القاعدة وداعش والنصرة.

مهما اختلفت التفسيرات والدوافع، فمن المؤكد أن الأرضية الخصبة التي تساعد على نمو الإرهاب هي انتشار الفقر والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، وعدم تحقيق المشاركة السياسية الحقيقية. عانى لبنان ومعظم الدول العربية من حالة عدم الاستقرار ومن نمو التنظيمات الإرهابية، إذ إن التنافس والصراع الدوليَين، والدعم الذي حصلت عليه تلك التنظيمات من بعض الدول وأجهزة مخابراتها، أدى إلى توسّع حالة عدم الاستقرار، ومنع قيام عملية التنمية واستثمار الموارد الأولية، وهذا ما ساهم في إبقاء لبنان ودول المنطقة أسواقًا استهلاكية للدول الصناعية. إن التنمية بمفهومها الحديث لا تقتصر على زيادة دخل الفرد وتحسين معيشته، بل تعني توسيع حريته وتحديد كيف يريد أن يعيش ومن يختار أن يحكمه بعيدًا عن العنف والإكراه. إن ما أنجزه الجيش اللبناني وخاصة في معركة فجر الجرود في طرد الإرهابيين من لبنان، وتوفير الأمن للمواطنين والعودة إلى أراضيهم واستثمارها والعيش عليها بأمانٍ، كان نموذجًا يُحتذى به في محاربة الإرهاب والتصدي لمخاطره، وبناء وطن مزدهر وآمن خالٍ من الإرهاب يؤمن ويفتخر به أبنائه جميعًا.

 

المراجع

● لوريتا نابولوني، الدولة الإسلامية داعش وإعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط، الوراق للنشر، بيروت، 2015.

● محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1999.

● المعجم اللغوي جبران مسعود، دار العلم للملايين، كانون الثاني 1991.

● جميل حزام يحي الفقيه، مفهوم الإرهاب في القانون الدولي، المادة الأولى من اتفاقية جنيف لقمع الإرهاب في العام 1973.

● هشام حديدي، الإرهاب، بذوره، زمانه وشخوصه، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2007.

● محمد محي الدين عوض، الجريمة الدولية تقنياتها والمحاكمة عليها، القاهرة، 1987.

● عبد القادر شهيب، ممولو الإرهاب في مصر، دار الهلال، من دون ذكر مكان النشر، ١٩٩٤.

● محمد بن ناصر العجمي، علامة الشام عبد القادر بن بدران: حياته وآثاره، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ١٩٩٦.

● محمد علوش، داعش وأخواتها، من القاعدة إلى الدولة الإسلامية، دار الريس للنشر، بيروت،2015.

● قيادة الجيش، أرشيف مديرية التوجيه.

● أنطوان زحلان، النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية، المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، بيروت كانون الثاني 2013.

● روبرت سولو، أطروحة بعنوان "محاولة استكشافية لنموذج تغيرات في حجم توزيع الدخل".

● علي عبد القادر علي، النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت 2013.

● برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية 2010، الثروة الحقيقية للأمم وتقرير التنمية البشرية 2011، الاستدامة والإنصاف مستقبل أفضل للجميع نيويورك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2011.

● غسان بدر الدين، جدلية التخلف والتنمية، الجامعة اللبنانية 1993.

● غصون رحال، إشكالية تعريف جريمة العدوان، المجلة الإلكترونية، العدد 14، 2015، متوافر على موقع الإنترنت:www.amnestymena.org.


[1]- لوريتا نابولوني، الدولة الإسلامية داعش وإعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط، الوراق للنشر، بيروت، 2015، ص130.

[2]- محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1999، ص 139.

[3]- المعجم اللغوي جبران مسعود – دار العلم للملايين، كانون الثاني 1991، ص59.

[4]- غصون رحال، إشكالية تعريف جريمة العدوان، المجلة الإلكترونية، العدد 14، 2015، متوافر على موقع الإنترنت:

www.amnestymena.org، الدخول: 12/10/2018.

[5]- جميل حزام يحيى الفقيه، مفهوم الإرهاب في القانون الدولي، المادة الأولى من اتفاقية جنيف لقمع الإرهاب في العام 1973.

[6]- هشام حديدي، الإرهاب، بذوره، زمانه وشخوصه، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2007، ص 413.

[7]- جميل حزام يحيى الفقيه، الاتفاقية العربية للعام 1998 المادة الأولى، الفقرة الثانية.

[8]- محمد محي الدين عوض، الجريمة الدولية تقنياتها والمحاكمة عليها، القاهرة، 1987، ص 18.

[9]- محمد عابد الجابري، الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مركز دارسات الوحدة العربية، بيروت، ٢٠١٢، ص ١٥١.

[10]- البريستروكيا: تعني إعادة البناء، هي برنامج للإصلاحات الاقتصادية أطلقه رئيس الاتحاد السوفياتي الأسبق، ميخائيل غورباتشوف، وتشير إلى إعادة بناء اقتصاد الاتحاد السوفياتي.

[11]- أسامة بن لادن (1957-٢٠١١): مواليد الرياض في المملكة العربية السعودية، مؤسس تنظيم القاعدة ونجل الملياردير محمد بن عوض بن لادن. درس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة وحصل على بكالوريوس في الاقتصاد ليتولى إدارة أعمال شركة بن لادن. ورث عن والده ثروة بقيمة ٩٠٠ مليون دولار، مكّنته من تحقيق أهدافه في دعم المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان في العام ١٩٧٩.

[12]- أيمن الظواهري (مواليد ١٩٥١): هو زعيم تنظيم القاعدة خلفًا لأسامة بن لادن بعدما كان ثاني أبرز قياديي منظمة القاعدة العسكرية التي تصنفها معظم دول العالم كمنظمةٍ إرهابية من بعد أسامة بن لادن، وزعيم تنظيم الجهاد الإسلامي العسكري المحظور في مصر.

[13]- سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي (١٩٠٦ - ١٩٦٦): هو كاتب وأديب ومنظّر إسلامي مصري، وعضو سابق في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، ورئيس سابق لقسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمين.

[14]- يونس عودة، الخلفية التاريخية للحركات الإسلامية، مجلة الجيش، العدد ٣٥٢، تشرين الأول ٢٠١٤، ص ٦٣.

[15]- عبد القادر شهيب، ممولو الإرهاب في مصر، دار الهلال، من دون ذكر مكان النشر، ١٩٩٤، ص ٨٨.

[16]- المرجع السابق، ص ١١٠.

[17]- قيادة الجيش، أرشيف مديرية التوجيه، مرجع سبق ذكره.

[18]- أنطوان زحلان، النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية، المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، بيروت، كانون الثاني 2013، ص 17.

[19]- المرجع السابق، ص 17.

[20]- روبرت سولو لديه أطروحة بعنوان "محاولة استكشافية لنموذج تغيرات في حجم توزيع الدخل".

[21]- علي عبد القادر علي، النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت 2013، ص35.

[22]- علي عبد القادر علي، مرجع سبق ذكره، ص 78.

[23]- طاهر كنعان، النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت 2013 ص 79.

[24]- برنامج الأمم المتحدة الانمائي – تقرير التنمية البشرية 2010، الثروة الحقيقية للأمم ص 49 وتقرير التنمية البشرية 2011، الاستدامة والإنصاف مستقبل أفضل للجميع، نيويورك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2011.

[25]- علي عبد القادر علي، مرجع سبق ذكره، ص 49.

[26]- المرجع السابق، ص 57.

[27]- منذر خدام، النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت 2013، ص 371.

[28]- غسان بدر الدين، جدلية التخلف والتنمية، الجامعة اللبنانية 1993، ص 149.

[29]- المرجع السابق ص 149.

[30]- غسان بدر الدين، مرجع سبق ذكره، ص 214.

Development in Lebanon and its role in reducing terrorism

Development and terrorism are two concepts of interests inherited from ancient times that evolved throughout history, striking a delicate balance that is likely to negatively shift and benefit the development of terrorism should said balance be lost and the citizen’s needs not be met. Should this be the case, extremists are more likely to react violently under the pretext of achieving justice. This will subsequently lead to chaos and instability, with the governments no longer holding the country’s reins, and with terrorists using violence against innocents and those deemed guilty.

Many countries suffer from extremism, and Lebanon is no exception. Here (in Lebanon), Islamic extremism has fomented extremist thoughts among young people, which contributed to damaging societies and destroying moral and humanitarian values. Anyone who disapproves of the terrorists’ principles must be executed, and their family, money, and property are confiscated. Terrorism exists all over the world, under various causes and principles. Sustainable economic, social, cultural and administrative development is an effective and receptive tool for military confrontation, and if achieved, it can eradicate or reduce the roots of terrorism, whether in Lebanon, the Middle East, or any other country across the world. However, it must be stated that terrorism relies upon other sources, arguably hidden forces which agitate or exploit it to achieve their own objectives. The question remains: is real development possible and can it limit the phenomenon of terrorism and keep pace with what the Lebanese army has been able to achieve by liberating the eastern sector of Lebanon and expelling terrorism outside its borders? Can Lebanon launch a comprehensive development process in poor areas, particularly in areas where extreme terrorism has recruited a large number of residents to avoid instability and the deterioration of economic, social and political conditions in Lebanon and in neighboring countries? Any potential relationship between terrorism and development remains a subject of mutual concessions, with two mutually exclusive concepts do not meet: the first always destroys, and the second builds and contributes to a prosperous and secure homeland, free of terrorism, with its firmly believing and taking pride in it.

Le développement au Liban et son rôle dans la réduction du terrorisme

Le développement et le terrorisme sont 2 points d’intérêt depuis les anciennes époques. Ils ont évolué à travers le temps, où la régression du progrès aboutit à un taux élevé de terrorisme. Le gouvernement a perdu son autorité et les extrémistes ont envisagé d'agir violemment et d'utiliser le terrorisme comme l'excuse pour la recherche et la justice, ce qui conduit au chaos et à l'instabilité, augmentant les possibilités pour les terroristes d'atteindre leurs objectifs en changeant la situation.

Le terrorisme est considéré comme un phénomène dangereux et mortel qui menace la vie des personnes, des sociétés et des pays ; cependant, la définition du terrorisme reste celle de l'extrémiste: elle change en fonction des différentes situations. Le terrorisme vise à effrayer un individu, un groupe ou un pays afin d'atteindre des objectifs et des buts qui ne sont pas conformes à la loi.

Le terrorisme est un acte qui affecte en profondeur les valeurs et les manières humanitaires, cible la conscience humaine et prive les gens de leurs biens et de leur liberté pour un gain politique autoritaire ou économique.

Le développement n'est pas un processus purement politique et social dont l'objectif est d'augmenter le revenu par habitant uniquement, mais plutôt un espace pour élargir la liberté des citoyens et leur permettre de mener une vie décente. Les plus exploités et les plus attirés par les idées terroristes sont les pauvres qui ont formé un terrain fertile pour le terrorisme. Plus le niveau de développement est élevé, plus la stabilité est établie et moins le chaos règne. Le phénomène du terrorisme est l'opposé du concept de développement.

La guerre au Liban, l'agression israélienne et la vague de terrorisme ont entraîné un recul économique en raison de la destruction de la situation économique et des infrastructures, des affrontements sécuritaires et de l'instabilité, en plus des conflits régionaux. la question demeure: un véritable développement est-il possible? Et peut-il limiter le phénomène du terrorisme et donner suite à ce que l'armée libanaise a pu réaliser en libérant les stocks orientaux du Liban et en expulsant le terrorisme hors de ses frontières et en lançant un processus de développement global, en particulier où le terrorisme a inclus un nombre important de ses résidents et les a recrutés dans ses rangs en constituant l'instabilité et la détérioration des conditions économiques, sociales et politiques au Liban et dans les environs? La relation séparée entre le terrorisme et le développement reste un sujet de concessions mutuelles et deux concepts mutuellement exclusifs ne se rencontrent pas.