هو وهي

قد يكون الحوار موجعًا لكن وجع غيابه أفظع بكثير
التواصل بين الزوجين عملية يتبادل خلالها الشريكان مشاعرهما وأفكارهما وتطلعاتهما، بهدف التوصّل إلى تسويات ناجحة تساهم في تلبية حاجات كل منهما، وتؤدي إلى نجاح زواجهما واستقراره.
أبرز مقومات التواصل الناجح، والأخطاء التي تؤدي إلى غياب التواصل بين الشريكين في الحوار الآتي مع المعالج النفسي السيد إيلي غزال.

الإصغاء وتلبية حاجات الآخر
يؤكد السيد غزال أن الزواج مؤسّسة، وكل مؤسّسة بحاجة إلى التواصل بين أفرادها لكي تنجح وتستمر. فالقرارات التي تحدّد مسيرة الزواج والخيارات العائلية، يجب أن تتخذ عن طريق النقاش وتبادل الرأي الصريح، ومن هنا أهمية التواصل البنّاء الذي يقوم على الأسس الآتية:
- الإصغاء للآخر بشكل كلّي للتمكّن من فهم وجهة نظره وآرائه. فالحوار يفقد جدواه عندما يتلهّى أحد الطرفين في محاولة إيجاد ردّ على الشريك بدلًا من التركيز على الفكرة التي يحاول إيصالها، والتي قد تحمل في طيّاتها حلًا للمشكلة المطروحة. ومن الضروري أن يقتنع كل من الشريكين بأنه ليس دائمًا على حق، وأن شريكه قد يأتي بحلول أو أفكار أفضل من أفكاره، لذلك يجب احترام رأيه ومحاولة النظر إلى الأمور من منظاره لفهمه بشكل أوضح.
- استيعاب مخاوف الشريك وعدم الإستخفاف بها، لأن ذلك يؤدّي إلى غضبه ويخلق بالتالي أزمة بين الطرفين.
- فهم كل من الطرفين احتياجات الآخر، والسعي إلى تلبيتها، فهدف التواصل هو تلبية احتياجات الطرفين، لأن العلاقة التي تبنى على إرضاء طرف واحد مصيرها الفشل، والشريك الذي يقدّم كل شيء من دون أن يحصل على مقابل، سوف يثور في مرحلة ما وستكون العواقب وخيمة.
- على الشريكين التعبير بوضوح عن مشاعرهما في مختلف الظروف، وعدم كبتها لأي سبب كان، حتى ولو كان القصد مراعاة شعور الآخر. فالمشاعر المكبوتة لا تلغى بمرور الزمن، وإنما تتحوّل إلى غضب عارم قد ينفجر لدى وقوع أي خطأ بسيط، وقد يعبّر عنه بطريقة عنيفة أو مهينة أحيانًا. كذلك يؤدي تراكم المشاعر المكبوتة إلى نتائج سلبية خطيرة كالكره أو اللامبالاة، وقد يقود إلى مشاكل صحيّة كالقرحة وارتفاع ضغط الدم وآلام الرأس المزمنة وغيرها من الأمراض.
ويلفت السيد غزال إلى أخطاء يجب تفاديها بغية تحقيق تواصل إيجابي، وأبرزها الآتي:
- عدم ذكر أخطاء الماضي وآلامه. فالتذكير الدائم بأخطاء الماضي يؤدّي إلى تعظيم المشاكل بين الزوجين بدلًا من حلّها. وهذا الخطأ تقع فيه المرأة عادة، حيث نراها تعيد فتح «الملفّات القديمة» عند وقوع أي خلاف زوجي، والسبب أن النساء يتميّزن بذاكرة إنفعاليّة تخزّن الماضي، لذلك فهن يسامحن ولكن من دون أن ينسين الأخطاء الماضية.
- عدم لعب دور الضحيّة، فالطرف الذي يشتكي دائمًا من الغبن الواقع عليه في الحياة الزوجية، يدفع الطرف الآخر إلى النفور والهروب المسبق من حوار سيضعه في خانة الجلّاد.

خيبات الأمل وغياب الحب
وعن الأسباب التي تؤدي إلى غياب التواصل بين الزوجين، يذكر السيد غزال عدّة عوامل ومن بينها العوامل النفسية والإجتماعيّة التي تحول دون قدرة الفرد على التواصل وأبرزها التماهي مع الأهل، حيث أن الفرد الذي ينشأ في منزل يغيب فيه التواصل، سيفتقر في مرحلة النضوج إلى هذه المهارة التي ينبغي أن يتمرّن على اكتسابها. كذلك فإن غياب النضج الفكري والعاطفي لدى المرء يحرمه القدرة على الحوار بموضوعيّة، ما يؤثّر سلبًا على عملية التواصل. إلى ذلك، تؤدّي البيئة الاجتماعية، بما فيها من عادات وتقاليد، دورًا هامًا في تحديد مفهوم التواصل لدى الفرد. فالرجل الذي ينشأ مثلًا على مفاهيم خاطئة تحرم المرأة حقّها في إبداء الرأي أو المشاركة في القرار، لن يتمكّن من تحقيق تواصل فعّال مع زوجته.
من جهة أخرى، تساهم الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع وما تفرضه من أعباء إضافية على رب العائلة إلى تراجع التواصل بين الزوجين، لأن الرجل عادة لا يرغب في التعبير عندما يكون في حالة إرهاق فكري، على عكس المرأة التي تحتاج إلى التعبير عمّا في داخلها كي تشعر بالارتياح، لذلك فهي قد لا تتفهم طبيعة زوجها وتتّهمه بإهمالها.
بالإضافة إلى ما تم ذكره، يشير السيد غزال إلى عوامل أخرى تؤدّي إلى غياب التواصل بين الشريكين، ولا علاقة لها بالمجتمع الخارجي وإنما ترتبط مباشرة بطبيعة العلاقة بين الزوجين وما تختزنه من خيبات ومرارة. فهناك من يتفادى التواصل نتيجة تجارب ماضية فاشلة، حيث ترفض المرأة مثلًا الحوار مع رجل يهينها ولا يحترم رأيها، فيما يتهرّب الرجل من حوار تتسلّح فيه المرأة بالدموع بدلًا من العقل والمنطق. كذلك، يغيب التواصل بين الطرفين عندما يبلغ أحدهما أو كلاهما مرحلة اليأس في العلاقة، فيفترض مسبقًا أن الحوار لن يؤدّي إلى أي نتائج إيجابيّة. وقد يغيب التواصل نتيجة غياب الحب والإهتمام، حيث لا يعود لرأي الشريك أي قيمة أو أهمية في نظر شريكه.

الحل ليس في الهروب
وعن دور وسائل الإتصال الإجتماعي في تغييب التواصل بين الزوجين، يؤكّد السيد غزال أن الوسائل المذكورة ليست سببًا لفقدان التواصل، وإنما هي تؤثر بشكل سلبي في حال وجود خلل مسبق في العلاقة الزوجية. حيث يمكن أن يلجأ إليها أحد الطرفين كوسيلة هروب من ملل أو من واقع لا يرضيه، فيبحث من خلالها عن علاقة وهميّة ستمنحه، باعتقاده، الإهتمام الذي يحتاجه. والواقع أن هذه المحاولات هي بمثابة المسكّن للألم، وليست علاجًا للداء، لذلك فإنها غالبًا ما تزيد الشرخ في العلاقة وتؤدّي إلى مشكلة أعظم، فلا حلّ للمشاكل والصعوبات الزوجية إلّا في المواجهة والتواصل بين الشريكين.
في الـخـتــام، يـؤكــد الســيد غزال أن لا خيار للزوجين سوى التواصل والتفاهم للحفاظ على علاقة مستقرّة. فالزواج الناجح يقوم على التسويات الناجحة، التي تقرّ بمبدأ الربح المشترك. بمعنى أن يحاول كل من الطرفين تقديم التنازلات للآخر للتوصل إلى تسوية ترضي كل منهما، وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال التواصل البنّاء. وينصح الأزواج بإعطاء أكثر من فرصة للحوار والتواصل، وعدم الهروب من الحوار الموجع لأن عدم التواصل سيؤدي إلى وجع أفظع.