متاحف

التواصل بين الماضي والحاضر في جنبات المتحف العسكري
إعداد: ريما سليم

يلتحف تاريخنا العسكري والوطني مجموعة صورٍ ووثائق، تحرسه بنادق حربية وخوذٌ وحِرَب، تختزن كلٌ منها قصةً من قصص المعارك الوطنية والإنجازات التاريخية ووقفات العز التي سجّلها اللبنانيون في مسيرة الاستقلال، فضلًا عمّا يرتبط بتاريخ شعوب وجيوش أخرى، كل ذلك في المتحف العسكري - اليرزة.

يُقيم المبنى منذ العام 1998 على يسار المدخل الرئيسي لمبنى وزارة الدفاع الوطني، في أحضان "نصب الخالدين" الأبرار، ونصب "أمل السلام"، ويفوح من خلف جدرانه عبق تراثٍ عسكري يحكي للزائرين تاريخ نضالٍ طويل.

 

رحلة في التاريخ

الدخول إلى المبنى الدائري يشبه في رهبته الدخول إلى الهيكل. لعلها رهبة الماضي الذي يكتنف الغموض الكثير من جوانبه، أو رهبة الحرب في تاريخ كل قطعة سلاح، أو أنّها ببساطة، الرهبة التي يفرضها الوقوف أمام التاريخ بكل عظمته...

في صالتين تفصل بينهما درجات معدودة، يعرض التاريخ بعضًا من صفحاته. تواضع في التنميق لا يخفي براعة في التنظيم والتنسيق...التاريخ يفلش وقاره في المكان...تاريخ يؤكد أنّ مسيرة المؤسسة العسكرية بدأت مع الشرف وأكملت طريقها مع التضحية والوفاء... تاريخ كُتب بدماء لم يعرف أصحابها سوى الولاء للوطن.

الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب أول المرحبين بالزائرين، إذا ما بدأوا رحلتهم يمينًا.. صورته الكبيرة بالأسود والأبيض ترمي بظلالها فوق الخزانة الخشبية التي تحتضن بزته العسكرية المليئة بأوسمة الشرف، وإلى جانبها سيفه وبندقيته فرنسية الصنع من طرازMAS 1936 (عيار 7.5 ملم)، بالإضافة إلى باقي الأعتدة العسكرية الخاصة به. أما نظرته البعيدة، فتبدو وكأنها ترى، في أول علم للجيش اللبناني المرتفع على الجدار المقابل، امتدادًا طويلاً لمسيرة الحفاظ على أمن الوطن وسلامته... هذا العلم الأول يختلف عن العلم الوطني بإضافة كلمتي "الشرف" و"الوطن" تكلّلان الأرزة، وبسنبلتي السلام ممسكتين بأطراف العلم الأربعة.

 

أسلحة من زمن "الفتيل"

الرحلة عبر التاريخ مستمرة على متن الأسلحة القديمة التي تحمل تواقيع دول مختلفة، من إنكلترا إلى فرنسا فالولايات المتحدة، وبولونيا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا وغيرها وصولًا إلى السلطنة العثمانية. مجموعاتٌ متنوعة موزعة هنا وهناك بتنسيق يراعي الحقبات التاريخية، من السلاح الأبيض بما فيه الخناجر والسيوف والدروع، التي خرجت من خاصرة القرون الوسطى لتزيّن جدران المتحف، إلى البنادق والمسدسات، التي اجتازت سفرًا طويلًا من القرن الرابع عشر إلى القرن العشرين، من عهد الفتيل وحجر الصوان، إلى استخدام الـ "كبسول"، فالطلقة الآحادية، وبنادق الموسكيت ذات السبطانة الملساء التي تلقّم من الفوهة، وصولًا إلى السلاح الأوتوماتيكي. من بين تلك الأسلحة ما استخدم أيام نابوليون الثالث، ومنها ما يعود إلى أيام الدولة العثمانية إذ نُقشت على أستونها كلمة "محمد علي باشا". هناك أيضًا مسدسات وبنادق من أوائل القرن العشرين مدموغة بعملات نحاسية أو برونزية تعكس مصدرها كتلك التي تحمل اسم جورج الخامس، أو وجه عبد العزيز السعود ملك الحجاز. وفي المجموعة، بنادق شاركت في الحرب العالمية الثانية كالرشاش الألماني  42 Mالذي اعتمد عليه سلاح المشاة الألماني خلال تلك الحرب. أما المسدسات المعروضة فمن أبرزها المسدس الألماني الشهير Luger  والبريطاني Webley  والأميركي Smith & Wesson.

 

تاريخ الجيش في صور

لا يكتمل المتحف من دون اللوحات والصور، فهي إلى جانب أهميتها ودلالتها التاريخية، تضفي لمسةً فنية على المكان. ولعل من أبرز اللوحات المعروضة تلك التي تمثّل أول ضابط لبناني في عهد السلطنة العثمانية، وهو الضابط طالب حبيش بطربوشه ولباسه العسكري. وتتنوع الصور مع تعدد المناسبات، فتقف أمام بعضها متأملًا، يتملكك شعورٌ بالفخر كما هو الحال تجاه صورة أول عرض عسكري أمام وزارة الدفاع في العام ١٩٤٥، وصورة من معركة المالكية في العام ١٩٤٨، فيما يثير بعضها النقمة في داخلك كما هو الحال أمام صورة تعرض الأضرار التي أصابت الرادار ٣١٣ في الباروك من جراء قصف العدو الإسرائيلي  في العام ١٩٧٣.

 

وثائق ونصوص تاريخية

من التاريخ المصور إلى التاريخ الموثق بنصوص تضيء على محطات مشرقة  في مسيرة جيشنا. فها هي الوثيقة التاريخية التي وقّعها في العام 1941 ضباط لبنانيون (41 ضابطاً) رافضين القتال إلى جانب الفرنسيين  ومتعهدين ألا يخدموا إلا في ظل العلم الوطني، داعمين بذلك تحركات الشعب اللبناني نحو الاستقلال. ومن النصوص التاريخية نص حول معركة المالكية التي كان للجيش اللبناني وقفة مجلية خلالها.

 

أعلام وبيارق

في المتحف العسكري، كما في كل المراكز العسكرية، لا بد أن يرفرف العلم اللبناني رمزًا للولاء الوطني. والفارق هنا أنّ العلم المعروض هو نفسه الذي قام بتسليمه رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري إلى الزعيم  فؤاد شهاب بتاريخ 17 حزيران 1944 بمناسبة استلام بعض القطع والوحدات من سلطات الانتداب الفرنسي ووضعها بتصرف الحكومة اللبنانية، بالإضافة إلى شعار فوج القناصة الثالث.

 

أعمال الصيانة

على الرغم من أنّ غالبية محتويات المتحف تعود إلى حقباتٍ تاريخية قديمة، إلّا أنّ الأسلحة ما زالت محفوظة بحالة ممتازة، ومعظمها يعمل بصورة طبيعية بفضل أعمال الصيانة المستدامة وتأمين شروط التخزين الملائمة. فقد تم تزويد المتحف آلات لسحب الرطوبة بالإضافة إلى استحداث نظام مراقبة  دقيق عبر الكاميرات على غرار المتاحف العالمية.

 

لمحة تاريخية

بدأت فكرة إقامة متحف عسكري في الجيش اللبناني بُعيد الاستقلال وتسلّم السلطات اللبنانية الوحدات العسكرية اللبنانية التي كانت ضمن جيش الانتداب الفرنسي في الأول من شهر آب 1945.
وقد  بدأت قيادة الجيش منذ العام 1948 بجمع بعض المعدات والأسلحة والألبسة العسكرية القديمة في مكان واحد.

في العام 1949 جرت اتصالات بين قيادة الجيش ومديرية الآثار التابعة لوزارة التربية الوطنية، في ذلك الوقت، وطرحت القيادة فكرة بناء متحف عسكري لجمع ما تملكه من تراث عسكري قديم. لاقت هذه الفكرة تجاوبًا ودعمًا من مدير الآثار آنذاك الأمير موريس شهاب، ومُنح الجيش قطعة أرض تقع جنوبي المتحف الوطني الحالي في الطرف الشرقي لميدان سباق الخيل مساحتها 2600 متر مربع ليصار إلى بناء مبنى جديد عليها يلحق بالمتحف الوطني ويختص بالجيش، تحت اسم "متحف القرون الوسطى والجيش".

استمرت الاتصالات بين مدٍ وجزر حتى العام 1963، حين وافق مجلس الوزراء على إقامة "متحف العصور الوسطى والجيش" وكلِّف ببنائه مجلس تنفيذ المشاريع الإنشائية. وبعد دراسات كثيرة وُضع حجر الأساس لبناء هذا المتحف في صيف العام 1968 وشُيّد هيكله بالمال المخصص له (مليون ليرة لبنانية)، لكن العمل به توقف بعد سنة لعدم توافر الاعتمادات اللازمة له في وزارة الدفاع الوطني. استُكمل البناء خلال فترة السبعينيات، لكن في العام 1977 تمت إعارة المبنى للجامعة اللبنانية بقرار من مجلس الوزراء ليصبح مقرًا لرئاسة الجامعة ومكاتبها، وبقي الأمر كذلك حتى العام 1998 حين حُوّل إلى مقر رسمي لاجتماعات مجلس الوزراء. في العام نفسه تمّ إنجاز مبنى جديد للمتحف قرب وزارة الدفاع الوطني في اليرزة، وهو مبنى صغير لا يتسع لجميع الموجودات القديمة من معدات عسكرية وأسلحة وألبسة وغيرها، فبقي قسم منها في متحف الكلية الحربية في الفياضية والقسم الآخر في قلعة راشيا في البقاع الغربي. وبتاريخ 7 /1 /1998 صدرت برقية منقولة عن قيادة الجيش ألحقت بموجبها المتحف العسكري بمديرية التوجيه واعتُبر قسمًا من أقسامها.

تُشكّل المتاحف إحدى وسائل التواصل المهمة بين الماضي والحاضر، وتُسهم في حفظ نضالات الشعوب وإرثها الوطني، وبالتالي في تعزيز الولاء للوطن. والمتحف العسكري في اليرزة يؤدي هذا الدور خصوصًا من خلال فتح أبوابه أمام الزوار والطلاب والتلامذة فضلًا عن الباحثين والمهتمين بالدراسات التاريخية.

 

أهلًا بكم في متحفنا

يستقبل المتحف العسكري زائريه مجانًا جميع أيام الأسبوع ما عدا الجمعة والسبت والأحد والأعياد والعطل الرسمية، وذلك ضمن دوام العمل الرسمي (٧:٣٠ – ١٤:٣٠). في حال كان الزائرون مجموعة كبيرة من الأشخاص ( وفد، جمعية، مدرسة...) ينبغي طلب موافقة على الزيارة من خلال رفع طلب إلى قيادة الجيش - مديرية التوجيه، على أن يتضمن عدد الأشخاص وأعمارهم والمرحلة التعليمية للتلامذة.

يمكن مراسلة مديرية التوجيه بخصوص الطلب عبر رقم الفاكس: 424104 - 01، أو التنسيق مع المتحف عبر الرقم: 1701 تحويل  20799.