عبارة

التّصدي للفتن
إعداد: العميد علي قانصو
مدير التوجيه


لا يزال كثيرون في المجتمع اللبناني، ممن عاشوا في فترة الحرب الداخلية المشؤومة، يتذكرون ويلاتها، ويحسنون تحليل نتائجها، كما أنّ هناك من سمع عن بشاعات تلك الحرب الفتنة، وإن لم يكن قد لامس أخطارها بشكل مباشر، إذ ليس من إنسان متابع في الداخل والخارج، إلاّ وتلقّى أخبارها، وكوّن الآراء حولها، واستخلص العبر والنصائح، ناقلاً ذلك إلى الآخرين، محذرًا إياهم من مغبّة الوقوع بها مجددًا، كائنة ما كانت الإغراءات الشخصية، أو الميول والأهداف.
للعدوّ الإسرائيلي الغاية الأولى في إحداث الفتنة، لما لها من تأثير في إلغاء كيان ديمقراطي حرّ، يناقض كيانه العنصري، ويعطي الدليل الواضح على أن العيش المشترك ممكن بين مكوّنات المجتمع كائن ما كانت مذاهبها واتجاهاتها الفكرية، طالما أنها موحدة الآراء حول أسس الوطن ودستوره وقوانينه، مع تحديد كلٍّ من عدوه وصديقه.
وللإرهاب الغاية الثانية في إحداث تلك الفتنة، من خلال عدم الإيمان بإمكانية الحياة مع الآخر، والإعراض الواضح والصريح عن مبادىء الحريّة والديمقراطية، بدليل نزعته الجامحة إلى تغليب الرأي على الآخرين بالعنف والقمع والإكراه، كما أنّ لجوءه إلى الأساليب الملتوية، والخلايا السرية، يعبّر عن أنّه يبيت نوايا خبيثة لخدمة أهدافه التخريبية.
تتمثّل محاولات الفتنة بعمليات التجسّس والعمالة للعدوّ، وبالتفجيرات المتنقلة التي تحصد المواطنين الأبرياء، وتنال من الأمن والإستقرار، وتهدّد الإقتصاد وتدفع المواطن إلى فقدان الثقة بمؤسساته وهيئاته الرسمية والأهلية، كما أنها تطلق العنان للشكوك والإتهامات، والنتيجة هي فقدان الثقة بين مكوّنات المجتمع، وتهديد التضامن القائم بينهما، والنيل من الوحدة الوطنية التي هي العماد الأول للوطن. وتتمثل محاولات الفتنة أيضًا في التعديات على المواطنين خطفًا وسلبًا، ونشر الشائعات والأكاذيب، في محاولة لتأكيد فشل المؤسسات في ضبط الأوضاع.
أمّا المواجهة فهي تكمن في تماسك المجتمع، والتأكيد على تضامنه، والوئام الإنساني بين عائلاته، وتحكيم العقل في إدارة شؤونه السياسية، مع الإستفادة من التجارب السابقة، سواء في داخل الوطن أو في خارجه، كذلك الإقتناع بأن تنوّع الإتجاهات وتعدّد الآراء يجب أن يكوّنا عنصريّ تحفيز ودفع إلى لأمام، لا تقاتلاً وإلغاءً للآخر، وأن أجواء الحرية ومبادىء الديمقراطية في مجتمعنا، هي مساحة مضيئة للتعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق واقتراح الحلول، لا فرصةً للّجوء إلى لغة السلاح والفوضى.
الضمانة في كلّ ذلك تتمثّل بعمل المؤسّسات الساهرة على أمن الوطن وسلامة المواطن، وفي طليعتها مؤسسة الجيش، هذا الجيش الذي خبرت قيادته الأخطار التي تتهدد الوطن، كائنة ما كانت المصادر والأساليب، والذي لم يتأخر عناصره في يوم من الأيام عن القيام بالواجب كاملاً حفاظًا على استقرار البلاد أولاً، وتأكيدًا لمثالية وحدتها الوطنية ثانيًا، وتعبيرًا عن حتمية التضحية بالعرق والدم دفاعًا عن الغايات النبيلة، في كل الأحوال والظروف.
لقد استطاع الجيش درء الفتنة عن الوطن خلال السنوات الأخيرة، وهي من أصعب المراحل التي مرّ بها تاريخنا الحديث، وسينجح في ذلك حاضرًا ومستقبلاً بالتأكيد، لأنه صاحب عقيدة ورسالة، ولأنه الأكثر التصاقًا بأبناء شعبه، وتعبيرًا عن آمالهم وتطلعاتهم.