التّنافس الدّولي على حوض قزوين

التّنافس الدّولي على حوض قزوين
إعداد: د. أحمد ملّي
أستاذ السياسة الدولية في الجامعة اللبنانية

الصّراع الجّيوستراتيجي على بحر قزوين

منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي بدأ الحديث عن تحوّل منطقة آسيا الوسطى إلى أحد اللاعبين الأساسيين على ساحة الطاقة العالميّة, حيث أظهرت التّوقّعات الّتي قامت بها مراكز الأبحاث وشركات النّفط الغربيّة أنّ احتياطات النّفط والغاز الطّبيعي في بحر قزوين تساوي الاحتياطات الموجودة في منطقة الخليج الفارسي. في ظل هذه الأوضاع سعت حكومات الدّول الجّديدة إلى استغلال الثّروات بهدف تحسين الأوضاع الاقتصاديّة في بلادها الّتي كانت تعاني صعوبات اقتصاديّة كبيرة بعد تفكّك الاتّحاد السّوفياتي, وخروجها من تحت عباءته لتصبح أمام معضلة تحقيق الإستقلال الاقتصادي بعد حصولها على الإستقلال السّياسي.

 

أوّلًا: التّحوّلات السّياسيّة في آسيا الوسطى بعد تفكّك الاتّحاد السّوفياتي

أدّى تفكّك الاتّحاد السّوفياتي إلى زوال المنظومة السّياسيّة الّتي كانت قائمة منذ نهاية الحرب العالميّة الثّانية, وهو ما ألقى بتداعيات كبيرة على تركيبة النّظام العالمي الّذي أصبح نظامًا أُحادي القطب, بزعامة الولايات المتّحدة. ولعلّ الأثر المباشر الّذي خلّفه كان بروز كيانات سياسيّة جديدة على السّاحة الدّوليّة, كانت حتّى الأمس القريب جزءًا من الاتّحاد السّوفياتي من القوقاز إلى أوروبا الشّرقيّة وصولاً إلى المنطقة المعروفة بإسم آسيا الوسطى. وهي تعتبر منطقة مغلقة جغرافيًّا لا تُطل على أي بحر وتضمّ خمس دول هي تركمنستان, كازاخستان, طاجكستان, قيرغستان, وأوزبكستان. تحدّها من الشمال روسيا, من الشّرق الصين, من الجنوب أفغانستان, من الجنوب الغربي إيران, ومن الغرب بحر قزوين[1].

تقع آسيا الوسطى في قلب المنطقة المعروفة بإسم «أوراسيا» (Eurasia) الّتي تضم أوروبا وآسيا, والتي تمتد حدودها غربًا من أوروبا الغربية على المحيط الاطلسي حتى ضفاف الصين وروسيا على المحيط الهادئ في الشرق. وبحسب مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبغنيو بريجنسكي فإن أوراسيا هي رقعة الشطرنج التي يدور فيها الصراع للهيمنة العالمية, وإن هذا الصراع يتضمن الجغرافيا الاستراتيجية, أي الإدارة الاستراتيجية للمصالح الجيوبوليتيكية[2].

من هنا فإنّ تأثيرات هذه الدّول في المنطقة لا تقتصر على الإطار القانوني البحت, لأن ظهورها دفعة واحدة ألقى بتداعياته على التّوازنات الإقليميّة, كونها على تماس مباشر مع مجموعة من الدّول الفاعلة على الصّعيدين الإقليمي والدّولي. فهذه الدّول تجاور روسيا والصّين, بالإضافة إلى غرب آسيا وجنوبها, وبالتّالي كان هناك إعادة هيكلة جيوسياسيّة للمنطقة الّتي كانت تاريخيًّا جزءًا من الفضاء السّوفياتي. فإلى جانب العوامل الجغرافيّة والتّاريخيّة والثّقافيّة, برزت آسيا الوسطى بإمكاناتها الاقتصاديّة خصوصًا تلك المتعلّقة بمصادر الطّاقة من نفط وغاز لتصبح نقطة التقاء لمصالح الدّول الكبرى, وبالتّالي تتحوّل المنطقة إلى ساحة تنافس وصراع ينحو عدد من الباحثين إلى تسميته "اللّعبة الكبرى الجّديدة"[3] [4].

 

ثانيًا: البعد الجيوبولتيكي للصّراع على بحر قزوين

بامتداد يصل إلى 1300 كلم من الشّمال إلى الجّنوب و300 كلم من الغرب إلى الشّرق, وبمساحة تصل إلى حوالى 400000 كلم2 يُعتبر بحر قزوين أكبر بحر مغلق. ويعرّف القانون الدّولي للبحار البحر المغلق على انّه "خليج أو حوض أو بحر تحيط به دولتان أو أكثر, ويتصل ببحر آخر أو بالمحيط بواسطة منفذ ضيّق, أو يتألّف كلّيًّا أو أساسًا من البحار الإقليميّة والمناطق الاقتصاديّة الخالصة لدولتين ساحليّتين أو أكثر"[5].

ويرتفع بحر قزوين 27 مترًا فوق مستوى سطح البحر, ويتألّف من ثلاث أحواض أساسيّة: الأوّل في الشّمال لا يتجاوز عمقه 100 متر, والثّاني في الوسط ويتراوح عمقه بين 500 و800 متر, والقسم الجنوبي يصل عمقه إلى 1000 متر. ويقع بحر قزوين في منطقة إستراتيجيّة فمن ناحية هو مجاور لآسيا الوسطى (طاجكستان, أوزباكستان) والقوقاز عبر آذربيجان , ومن ناحية آخرى هو على مقربة من منطقة الخليج الفارسي, حيث لا تفصله عنها سوى إيران, بالإضافة إلى قربه من تركيا[6].

حتّى منتصف القرن السّادس عشر كان بحر قزوين بحرًا "فارسيًّا- طورانيًّا" لكن مع بداية القرن التّاسع عشر بدأت روسيا القيصريّة تفرض هيمنتها شبه الكاملة على قزوين خصوصًا بعد انتصارها في عدد من المعارك على الإمبراطوريّة الفارسيّة, واستمرّت هذه الهيمنة بعد العام 1917 وبروز الاتّحاد السّوفياتي على السّاحة الدّوليّة, في ظل قدرة مناورة محدودة من قبل إيران. لكن الجديد في هذه المرحلة هو سعي الفريقين إلى وضع إطار قانوني لتنظيم الواقع الجديد, فكانت مجموعة من الاتّفاقات لتنظيم الملاحة والصّيد والاستكشاف (اتّفاقيّة العام 1921, اتّفاقيّة العام 1927 واتّفاقيّة العام 1940) بحيث يتحوّل قزوين بعدها إلى بحر "سوفياتي- إيراني"[7].

وشكّل تفكّك الاتّحاد السّوفياتي نقطة تحوّل أساسيّة في واقع بحر قزوين وذلك لعدّة أسباب, فمن ناحية أدى إلى بروز دول جديدة مشاطئة لبحر قزوين ارتفع عددها إلى خمس دول (إيران وروسيا وآذربيجان وكازاخستان وتركمانستان) وهذا ما أدّى إلى بروز تعقيدات قانونيّة واقتصاديّة وجيوبولتيكيّة[8]. ومن ناحية ثانية ظهور الدّراسات والتّقارير الّتي تتناول مصادر الطّاقة في بحر قزوين, خصوصًا لناحية التّقديرات في حجم احتياطات النّفط والغاز الطّبيعي, وهو ما حوّل هذا المسطّح المائي إلى نقطة استقطاب كبرى[9].

فمن النّاحية الاقتصاديّة يُعتبر بحر قزوين من المناطق الأساسيّة المنتجة لمصادر الطّاقة في العالم, حيث تقدّر الاحتياطات الإستراتيجيّة في هذه المنطقة بحوالى 33 مليار برميل يتم استخراج ما بين 3 و 5 مليون برميل منها يوميًّا. أمّا الاحتياطات الإستراتيجيّة للغاز الطّبيعي في قزوين فهي تقدّر بحوالى 232 تريليون متر مكعب. وعلى الرّغم من أنّه لا يمكن مقارنة هذه الأرقام مع أرقام الاحتياطات الموجودة في الخليج الفارسي إلاّ أنها تعتبر أساسيّة خصوصًا وأنّ الدّول المستوردة غالبًا ما تسعى إلى تنويع مصادر وارداتها[10].

وتعتبر مسألة الاحتياطات في بحر قزوين من المواضيع المهمّة والشّائكة في الوقت ذاته, فالتّفاوت الكبير بين التّقديرات الّتي ظهرت بداية تسعينيّات القرن المنصرم أثارت العديد من التّساؤلات. إذ في العام 1996 قدّرت وكالة الطّاقة الأميركيّة الاحتياطات الإستراتيجيّة في بحر قزوبن بحوالى 200 مليار برميل, أي أقل بقليل من احتياطات المملكة العربيّة السّعوديّة الّتي تقدّر بحوالى 265 مليار برميل. هذه الأرقام تعادل ما نسبته 16% من احتياطات النّفط العالميّة. لكن حتّى التّقديرات هذه سرعان ما تراجعت لتبدأ الأرقام الحقيقيّة للاحتياطات بالظّهور, مظهرة أن بحر قزوين لا يشكّل سوى 3% من احتياطات النّفط العالمي. من هنا يبدو جليًّا أنّ الهدف من المبالغة في أرقام هذه التّقديرات, كان سياسيًّا, فالولايات المتّحدة سعت إلى إيصال رسالة مفادها أنّها قادرة على الإستغناء عن النفط العربي, مقابل مصادر أخرى أهمّها قزوين[11].

من الواضح, واستنادًا إلى الأرقام, أنّ بحر قزوين لا يُعتبر بأي حال من الأحوال بديلًا من احتياطات الخليج الفارسي, إلاّ أنّه من ناحية ثانية أحد المصادر المهمّة لتزويد الأسواق العالميّة احتياجاتها, خصوصًا في ظل ارتفاع الطّلب على مصادر الطّاقة. لكن من دون هذا الأمر عدد من العقبات, أهمّها إشكاليّة إيصال المواد المستخرجة إلى البحار المفتوحة, بالإضافة إلى افتقاد عدد من الدّول المشاطئة لبحر قزوين الأموال والتّقنيّات اللازمة لعمليات البحث والتنقيب.

 

ثالثًا: التّنافس الإقليمي والدّولي على بحر قزوين

على الرّغم من الأهميّة الاقتصاديّة لبحر قزوين, إلاّ أنّ الصّراع على هذه المنطقة لا يقتصر على هذه النّقطة, فالتّنافس الدّولي هناك أخذ بعدًا آخر بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر2001 والغزو الأميركي لأفغانستان, ما أضاف أبعادًا جديدة للنّزاع في المنطقة, لتكتمل معها عناصر «اللّعبة الكبرى الجديدة» الّتي تشمل بالإضافة إلى روسيا والولايات المتّحدة العديد من القوى الأخرى, مثل الصّين وإيران والهند ودول آسيا الوسطى, وبالتّحديد تلك المشاطئة لبحر قزوين.

 

روسـيـا

تبدو روسيا في مقدّمة الدّول المؤثّرة في واقع هذه المنطقة, فمنذ تفكّك الاتّحاد السّوفياتي فقدت روسيا هيمنتها التّاريخيّة على بحر قزوين, وذلك بعد أن أصبحت هذه الدّول- التي كانت حتّى الأمس القريب جزءًا من الاتّحاد السّوفياتي- وجزءًا من النّظام الإقليمي لبحر قزوين, وبالتّالي فإن هذا الصّراع يتجاوز موضوع مصادر الطّاقة ليصل إلى طرح مسألة التوازن السياسي في منطقة تعرف أزمات مزمنة. من هنا كانت السّياسة الرّوسيّة في تعاملها مع الواقع المستجد تتغيّر لتتكيّف مع النّفوذ المتنامي للقوى الإقليميّة والدّوليّة, وبالتّحديد واشنطن وبكين[12].

فآسيا الوسطى والقوقاز كانتا على الدّوام في صلب الاهتمامات الرّوسيّة, فمن جهة هي حيويّة للأمن الرّوسي حيث تعتبر السّياسة الرّوسيّة أنّ الدّفاع عن أمن هذه المناطق هو خط الدّفاع الأوّل عن روسيا, ومن جهة أخرى تسعى روسيا لتعزيز نفوذها في هذه الدّول للعمل على خلق المناخات المناسبة للتّوسّع اقتصاديًّا فيها. لهذه الأسباب, وبالإضافة إلى المعطيات التّاريخيّة, فإنّ روسيا تعتبر أنّ لديها مسؤوليّات كبيرة لتعزيز الأمن في هذه المنطقة. ونتيجة للأزمات الاقتصاديّة الّتي كانت تمر بها البلاد, بالإضافة إلى السّياسة القريبة من الغرب الّتي انتهجها الرّئيس الأسبق بوريس يلتسن, لم يكن لموسكو سياسة واضحة تجاه بحر قزوين. ولكن التّدخّل الغربي في البلقان, والحرب في الشّيشان, بدأتا تُشعران روسيا أنّها محاصرة, ما أدّى إلى بروز تحوّلات في السّياسة الخارجيّة الرّوسيّة[13].

واعتُبر توقيع اتّفاقيّة خط أنابيب «باكو- جيهان» هزيمة كبيرة لموسكو, وهذا ما ذهب إليه أندريه أورنوف رئيس مجموعة العمل حول قزوين, وبحسب رأيه «فإن هناك قوى خارجيّة تعمل على إضعاف موقع روسيا في بحر قزوين, عبر دق إسفين بين موسكو والدّول المشاطئة للبحر». ومع وصول فلاديمير بوتين إلى سدًة الرئاسة في روسيا في العام 2000, حدثت مراجعة للسياسة الروسية تجاه قزوين عبًر عنها بوتين نفسه في كلمة ألقاها في اجتماع مجلس الأمن الرّوسي ً لمناقشة الوضع في بحر قزوين قال فيها: «إنّ علينا الفهم أنّ اهتمام شركائنا في الدّول الأخرى (تركيا, بريطانيا والولايات المتّحدة) في بحر قزوين ليس مصادفة, وهذا لأنّنا غير فاعلين... هذه منافسة, وعلينا أن نكون منافسين»[14].

نتيجة هذه المعطيات أصبحت قضيّة قزوين من القضايا الأساس في السّياسة الخارجيّة الرّوسيّة الّتي تؤكّد على ضرورة تطوير التّعاون الاقتصادي بين دول بحر قزوين, عبر اتّخاذ عدد من الإجراءات, بما فيها إنشاء منطقة تجارة حرّة, فالإستراتيجيّة الرّوسيّة في بحر قزوين تهدف إلى تحقيق هدفين أساسيين: الأوّل السّيطرة على عمليّات التّنقيب, وتطوير مصادر الطّاقة في هذا البحر ونقلها, والثّاني العمل على الحفاظ على موقعها كالدّولة الأكثر تأثيرًا في المنطقة[15].

لكن أحداث 11 أيلول/سبتمبر والهجمة الأميركيّة على المنطقة بعد احتلال أفغانستان, جعلت الرّوس يقلقون, خصوصًا وأنّ الأميركيين ما انفكّوا يحاولون كسر الاحتكار الرّوسي لنقل مصادر الطّاقة وهو ما ترافق مع تعزيزات عسكريّة أميركيّة في أوزبكستان وقرغيزستان, لكن مصالح روسيا جعلتها تتقبّل الدّور الأميركي في المنطقة, فهي شعرت بالارتياح لسقوط طالبان لأنّ من مصلحتها استقرار أفغانستان, كما أنّ تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر وبدء "الحرب الأميركيّة على الإرهاب, أعطتها فرصة لخوض حربها مع المتمرّدين الشّيشان[16].

إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ روسيا كانت مرتاحة للتّوسّع الأميركي, بل على العكس فإن موقف موسكو يبدو أكثر تشدّدًا مع مرور الوقت, وهو ما عكسه الدّور الكبير الّذي أخذت منظّمة شنغهاي[17] تقوم به حتّى أصبح من الواضح أنّها تسعى إلى الاضطلاع بدور موازٍ للولايات المتّحدة. ففي العام 2003 أجرى أعضاؤها أوّل تدريبات عسكريّة مشتركة, أعقبها في تمّوز/يوليو 2005 صدور بيان يدعو الولايات المتّحدة إلى وضع جدول زمني لسحب قوّاتها من المنطقة, أضف إلى ذلك دعم المنظّمة لموقف الصّين في صراعها مع تايوان, ووقوفها إلى جانب روسيا في معارضة مشروع الدّرع الصّاروخي الأميركي[18].

وشكّل صعود بوتين إلى السّلطة رافعة للاقتصاد الرّوسي الّذي نجح في تحقيق نسب نمو عالية خلال سنوات متتالية نتيجة ارتفاع أسعار النّفط والغاز الّذي استفادت منه الحكومة الرّوسيّة باتّجاهين: الأوّل عبر صادراتها النّفطيّة, والثّاني عبر إعادة تصدير شحنات الطّاقة القادمة من قزوين والقوقاز وهو ما سمح للحكومة الرّوسيّة بتمويل خططها الاقتصاديّة. من هنا كان الإصرار الرّوسي دائمًا على العمل على بقاء الأراضي الرّوسيّة الممر الأساسي وشبه الوحيد لمصادر الطّاقة القادمة من آسيا الوسطى وقزوين. أمام هذا الواقع لا تبدو روسيا مستعدّة للتّنازل في هذه المسألة, وبحسب الكاتب مارشال غولدمان فإنّ موسكو تخوض «مباراة شطرنج عظمى» تسعى خلالها للتّصدّي لمحاولات الولايات المتّحدة بناء خطوط أنابيب تتجاوز موسكو[19]. وانطلاقًا مما تقدّم يظهر أن روسيا تملك العديد من الأوراق الرّابحة لتبقى اللاّعب الأوّل في هذه المنطقة, على الأقل في المستقبل المنظور.

 

الولايات المتّحدة

على الرّغم من بُعدها عن المنطقة إلاّ أنّ الولايات المتّحدة تملك الكثير من أوراق القوّة في آسيا الوسطى وبحر قزوين. فتدريجيًّا, وبعد انتهاء الحرب الباردة, بدأت اهتمامات الولايات المتّحدة ومخاوفها تأخذ أبعادًا أكثر عمقًا, وهي استمرّت زهاء عقدٍ من الزّمان حتّى بلورت سياسة خارجيّة تعبّر عن مصالحها.

وتعود جذور السّياسة الأميركيّة تجاه بحر قزوين إلى العام 1993 حين قام عدد من شركات النّفط الأميركيّة بتوقيع عقود ضخمة مع حكومات كل من كازاخستان وآذربيجان, وبالتّالي فإنّ مصالح الشّركات الأميركيّة كانت المحرّك الأوّل لصانعي السّياسات الأميركيّة لوضع استراتيجيّاتهم في بحر قزوين وآسيا الوسطى, وذلك حين أوصلتهم استنتاجاتهم إلى أنّ احتياطات الطّاقة في بحر قزوين يمكن أن تجعله مصدرًا أساسًّا للنّفط والغاز في العالم[20].

لكن في هذه المرحلة لم تكن المقاربة الأميركيّة لآسيا الوسطى وبحر قزوين موحّدة, فكل فرع من فروع الإدارة الأميركيّة كان له مقاربة خاصّة للأوضاع في هذه المنطقة, فمثلاً كانت مقاربة الوكالة الأميركيّة للتّنميّة مخالفة كلّيًّا لرؤية وزارة الخارجيّة, أضف إلى ذلك أنّ الرّؤية داخل البنتاغون كانت مختلفة بين قسم وآخر. وفي ظل غياب رؤية واضحة من السّلطة المركزيّة الأميركيّة كانت كل دائرة من هذه الدّوائر تضع سياساتها وتنفّذها, وكان من الصّعب في هذه المرحلة من الفوضى التّوصّل إلى رؤية أميركيّة موحّدة تجاه هذه المنطقة[21].

وفي محاولة للخروج من هذه المعضلة عمدت إدارة كلينتون إلى إنشاء مجموعة حوض قزوين تابعة لمجلس الأمن القومي وذلك بهدف التّنسيق بين مقاربات الوزارات والهيئات المختلفة. وكان لمجلس الأمن القومي الدّور الأكبر في هذه المجموعة, خصوصًا لناحية مقاربة المخاطر الّتي سوف تواجه الولايات المتّحدة من جرّاء دخولها بحر قزوين[22]. واضطلعت المصالح السّياسيّة بدور مهمٍ في بلورة السّياسة الأميركيّة في المنطقة, ويمكننا تحديد هدفين أساسيّين لواشنطن يتمثّل الأوّل بحماية مصالح شركات النّفط الأميركيّة في بحر قزوين, فيما يتمثّل الثّاني بتنويع مصادر استيراد الطّاقة. ومع مرور الوقت أُضيف إليهما هدف جيوستراتيجي جديد يتمثّل بإبعاد النّفوذين الرّوسي والإيراني. فعلى الرّغم من أهمّيّة مصادر الطّاقة للولايات المتّحدة إلاّ أن المقاربة الأميركيّة في المنطقة استمرّت خاضعة لأولويّات السّياسة الخارجيّة وبالتّحديد للعلاقة مع روسيا وإيران[23].

وجاء الغزو الأميركي لأفغانستان ليُدخل المنطقة في مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا من سابقتها, فعلى الرّغم من تراجع التّوقّعات حول حجم الاحتياطات الإستراتيجيّة في بحر قزوين إلاّ أنّ الاهتمام الأميركي في المنطقة لم يتراجع, بل نتيجة "الحرب على الإرهاب" أصبح متعدّد الأبعاد. أوّلًا, تمكّنت الولايات المتّحدة من الحصول على تعاون دول آسيا الوسطى وبحر قزوين المستقلّة عن الاتّحاد السّوفياتي في "حربها المعلنة على الإرهاب". ثانيا,ً إن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة يهدف بالأساس إلى إزالة جميع العوائق السّياسيّة والاقتصاديّة والقانونيّة الّتي تقف حائلًا أمام التّدفّق الحر والمستمر للنّفط والغاز. ثالثًا, إنّ الوجود الأميركي المباشر يساعد الإدارة الأميركيّة وشركاتها على تأمين طرق بديلة لتصدير النّفط بواسطة شبكة أنابيب عبر أفغانستان[24].

وتسعى الولايات المتّحدة إلى ضمان استقرار هذه الدّول خوفًا من تحوّلها إلى دول فاشلة تصبح ملاذًا آمنًا للمجموعات "الإرهابيّة",[25] إلاّ أنّ إدارة الرّئيس باراك أوباما تواجه أساساَ عقبتين في هذه المنطقة: أوّلًا, الوضع المتدهور في أفغانستان وثانيًا, الأوضاع الاقتصاديّة لدول حوض قزوين وآسيا الوسطى, خصوصًا وأنّها تؤدّي بشكل كبير إلى توّتر داخل مجتمعات هذه الدّول, ولاسيما في ظل الفساد المستشري فيها[26].

ويرى العديد من الخبراء أنّ النّظام العالمي الّذي ساد بعد الحرب الباردة, وهيمنت فيه الولايات المتّحدة يتطلّب حضورًا أميركيًّا مباشرًا, ليس من خلال نشر سياساتها الاقتصادية "النّيوليبراليّة", فقط بل أيضًا عبر الحضور العسكري المباشر في المناطق الحيويّة بالنّسبة لها, مثل منطقة الخليج الفارسي وبحر قزوين. وإذا كان وجود القوّات العسكريّة الأميركيّة في المنطقة يوفّر لواشنطن موقعًا أكثر قوّة وفعاليّة في مواجهتها مع روسيا والصّين وإيران فإنّه بالمقابل يؤدّي إلى إدخال المنطقة في حال من عدم الإستقرار بدلاً من المساهمة في استقرارها[27].

 

الـصّـيـن

في ظل هذا الصّراع تبرز الصّين كلاعب أساس في المنطقة, لكن, وعلى الرّغم من ذلك, فإن المقاربة الصّينيّة للواقع في بحر قزوين وآسيا الوسطى لم تكن واضحة المعالم, خصوصًا في النّصف الأوّل من تسعينيات القرن الماضي, وقد اقتصرت اهتمامات الحكومة الصّينيّة على عنصرين أساسيين الأوّل هو أمن حدودها, والثّاني هو الحفاظ على استقرار المنطقة. وعلى الرّغم من الأهمّيّة الكبيرة لبحر قزوين كمصدر أساس للطّاقة, إلا أنّ هذا الأمر لم يكن من أولويّات الحكومة الصّينيّة لسببين أساسيين, الأوّل, هو أنّ الصيّن وعلى الرّغم من حاجتها لمصادر الطّاقة, فإنّ ضعف الطّلب العالمي في تلك المرحلة, مقارنة مع الإنتاج, سمح لها بتأمين احتياجاتها من الأسواق العالميّة, والسّبب الثّاني هو أنّ سعر النّفط المنخفض لم يشجّع الصّين على الدّخول في صراع على مصادر الطّاقة العالميّة. أمّا من الناحية الجيوبوليتيكيّة, فإنّ الصّين في تلك المرحلة لم تشعر بتهديد حقيقي, خصوصًا وأن الولايات المتّحدة لم تكن قد دخلت بقوّة إلى المنطقة[28].

لكن ومنذ العام 2001 بدأت الإستراتيجيّة الصّينيّة في المنطقة تأخذ أبعادًا مختلفة, فقد كان لتفجيرات 11 أيلول/سبتمبر دور أساسي في بلورة المقاربة الصّينيّة الجّديدة. والدّخول الأميركي إلى أفغانستان وآسيا الوسطى والسّيطرة على مصادر الطّاقة أدّيا إلى تحوّلات كبيرة في أسواق الطّاقة العالميّة كانت سمتها الأساسيّة الارتفاع المستمر في الأسعار العالميّة. ومع الازدياد الكبير في احتياجاتها إلى الطّاقة بدت الصّين أكثر اهتمامًا من ذي قبل بمصادر جديدة, لإدراكها أنّ الدّخول الأميركي إلى آسيا الوسطى وغزو العراق والضّغوط على إيران جعلها تتيقّن أنّ واشنطن تسعى إلى السّيطرة على مصادر الطّاقة الأساسيّة في العالم[29].

هذه المعطيات دفعت الصّين إلى الاهتمام أكثر فأكثر بمصادر الطّاقة في بحر قزوين, ويمكن هنا الاستناد إلى واقعتين أساسيّتين: الأولى, قرار شركة النّفط الوطنيّة الصّينيّة توسيع استثماراتها في أحواض بحر قزوين وآسيا الوسطى, والثّانيّة, استعداد الصّين لبناء خط أنابيب من كازاخستان تلبية لاحتياجاتها النّفطيّة. وبالنّسبة للصّين, فإنّ مصادر الطّاقة في هذه المنطقة مهمّة لعدّة أسباب,: إن بحر قزوين قادر على تلبيّة جزء مهم من احتياجات الصّين المتزايدة للطّاقة, وثانيًا, إن الصّين تسعى إلى تنويع مصادر استيراد النّفط والغاز, وبالتّالي فإن بحر قزوين سوف يعزّز هذا الهدف الّذي يُعتبر جزءًا من الاستراتيجيّة الصّينيّة[30].

ولا تقتصر الاهتمامات الصّينيّة في بحر قزوين وآسيا الوسطى على موضوع مصادر الطّاقة, بل يتعدّاه إلى مواضيع أخرى تُعتبر أساسيّة بالنّسبة إلى الصّين: فأوّلًا, هناك موضوع التّوسّع الأميركي العسكري والاقتصادي في المنطقة والّذي ترى فيه بكين تهديدًا مباشرًا لأمنها ومصالحها, وثانياّ, هناك التّصدّي للحركات الانفصاليّة والمجموعات المتمرّدة, وخصوصًا منظّمة تركستان الشّرقيّة, وضمان أمن إقليم سينكجيانغ (Xinjiang), وثالثًا, هناك بناء علاقات قويّة مع دول المنطقة بما يسمح للصّين بتحقيق مصالحها الاقتصاديّة والتّجاريّة[31].

وإذا كان بعض المحلّلين يعتبر أنّ الصّين لا تسعى إلى السّيطرة وفرض هيمنتها على المنطقة لأنّها تريد علاقات جيّدة مع مختلف القوى الدّوليّة والإقليميّة, فإن سعي الصّين إلى المحافظة على مسارها التّصاعدي اقتصاديًّا وسياسيًّا يدفعها بطبيعة الحال إلى التّشدّد تجاه مساعي هذه القوى للتّوسّع في مناطق نفوذها[32].

 

إيـران وتـركـيـا

تحتل إيران موقعًا جغرافيًّا مميّزًا في المنطقة, فهي فمن جهة مطلّة على الخليج الفارسي, ومن جهة ثانية محاذية لآسيا الوسطى, وفي نفس الوقت مشاطئة لبحر قزوين. هذا الموقع يجعل من إيران لاعبًا مهمًّا على صعيد مصادر الطّاقة في بحر قزوين, خصوصًا أنّها تستطيع أن تكون لهذه المنطقة الحبيسة منفذًا أساسيًّا إلى البحر عبر الخليج الفارسي وبحر عمان.

ومنذ بروزها كساحة تنافس دولي كانت السّياسة الإيرانيّة تجاهها تتّصف بالواقعيّة والبراغماتيّة, خصوصًا وأنّ إيران تملك العديد من المصالح في هذه المنطقة الّتي تعتبر حيويّة بالنّسبة لها. فمن ناحية, ترى إيران أنّ عدم الاستقرار يشكّل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي, ومن ناحية أخرى, فإنّها تشكّل لإيران سوقًا مهمًّا خصوصًا لصادراتها غير النّفطيّة ومصدرًا للمواد الأوّليّة الضّروريّة لصناعاتها. وفي مواجهة التّحدّيات الّتي تواجهها في بحر قزوين كانت السّياسة الإيرانيّة تتدرّج لتتكيّف مع التّطوّرات الّتي تطرأ, وتستند هذه السّياسة إلى نقطة أساس ألا وهي تعزيز التّعاون مع دولها[33]. وعلى الرّغم من العزلة الّتي تحاول الولايات المتّحدة فرضها على إيران إلا أنّ هذه الأخيرة تستمر في السّعي إلى تعزيز نفوذها في المنطقة حيث تتّسم سياستها تجاه بحر قزوين بعدد من الخصائص, أهمّها[34]:

التّوصّل إلى اتّفاق بين دول حوض قزوين يحكم الأنشطة الّتي تجري على سطحه وفي أعماقه.

أي نظام يحكم بحر قزوين لابدّ أن يأخذ بالإعتبار مصالحها الاقتصاديّة وهواجسها الأمنيّة.

رفض أي إجراءات تتّخذها أي دولة مشاطئة لبحر قزوين بشكل أحادي.

رفض وجود أي قوى عسكريّة من خارج المنطقة تهدّد الاستقرار.

هذه الثّوابت تُعزّزها السّياسات الّتي تتّخذها إيران في مقاربتها للواقع في بحر قزوين, فمن جهة تسعى للاستفادة من مصادر الطّاقة في المنطقة والمساهمة في تطوير قطاع الطّاقة هناك, خصوصًا في الدّول المستقلّة حديثًا. ومن جهة ثانية فإنّ إيران تنظر بعين القلق إلى تغلغل الولايات المتّحدة في المنطقة, وتعتبر أنّ الانتشار العسكري الأميركي والإستثمارات الضّخمة لا تهدف فقط إلى وضع اليد على مصادر الطّاقة فيها, بل تهدف بالأساس إلى إضعاف الدّور الإيراني[35].

وفي المقابل تُعتبر تركيا لاعبًا مهمًّا على ساحة بحر قزوين وآسيا الوسطى بشكل عام, وعلى الرّغم من عدم مشاطأتها للبحر, إلاّ أنّ السّياسة التّركيّة في المنطقة تنطلق من نقطتين: الأولى, وتتمثًل بالرّوابط التّاريخيّة, والثّانية, وتتمثًل بالمصالح الاقتصاديّة. ومن البداية سعت تركيا إلى الاستفادة من الصّلات الّتي تجمعها بعدد من دول المنطقة الّتي تشترك معها بروابط عرقيّة وتاريخيّة, وذلك في محاولة لجعل المنطقة ضمن دائرة نفوذها بدعم أميركي برز خصوصًا بعد 11 أيلول/سبتمبر, عبر التّرويج لما اصطلح على تسميته "بالنّموذج التّركي" (الدّيمقراطيّة والعلمانيّة والنّظام الاقتصادي الرّأسمالي) والّذي سعت الولايات المتّحدة إلى تطبيقه على عدد من دول حوض قزوين[36].

أمّا من النّاحية الإقتصاديّة فإنّ بحر قزوين يشكّل فرصة مهمّة لتركيا لما تملكه هذه المنطقة من امكانات, خصوصًا في مجال الطّاقة. فمن جهة تبدو تركيا, في ظل نمو اقتصادها في حاجة إلى مصادر الطّاقة, وفي هذا الإطار يشكّل بحر قزوين فرصة كبيرة أمامها. ومن جهة ثانية فإنّ تركيا تريد أن تتحوّل إلى ممرّ أساسي لمصادر الطّاقة القادمة من بحر قزوين وآسيا الوسطى, والمتّجهة إلى أوروبا عبر سلسلة من الأنابيب قد تجعلها لاعبًا أساسًّا في هذه المجال[37].

ولكن من الصّعب على تركيا أن تسعى إلى فرض "أجندتها" الخاصّة على بحر قزوين على الرغم من الرّوابط الّتي تجمعها مع دول المنطقة, ذلك أنّ أي سياسة مستقلّة تسعى إلى تحقيقها سوف تصطدم مباشرة بالصراع بين الدّول الكبرى, خصوصًا وأنّ أنقرة لا تملك الأدوات الكافية للتّأثير فيه. من هنا تبدو أنّ المقاربة التّركيّة تتخذ اتّجاهين أساسيين, الأوّل يتمثّل بالانسجام مع السّياسة الغربيّة, وخصوصًا الأميركيّة. والثّاني يتمثّل بالتّركيز على تعزيز التّعاون الاقتصادي مع دول المنطقة عوضًا عن الدّخول في الصّراع الدّائر بين هذه الدّول. ولعلّ هذه المقاربة تبدو الأمثل لتركيا في هذه المرحلة الّتي يمكن أن تتيح لها تعزيز مصالحها الاقتصاديّة في المنطقة بشكل عام والابتعاد ما أمكن عن الصّراعات القائمة[38].

 

الوضع القانوني لبحر قزوين

تُعتبر مسألة النّظام القانوني لبحر قزوين من الأمور الأكثر تعقيدًا, فتفكّك الاتحاد السّوفياتي أدخل المنطقة في حال نزاع كان الموضوع القانوني أحد الأوجه الأساسيّة له. فتاريخيًّا كان البحر يُعتبر حوضًا روسيًّا- إيرانيًّا, وأوّل معاهدة دوليّة في هذا الشّأن تمّ توقيعها بين روسيا والإمبراطوريّة الفارسيّة كان في العام 1732, وعُرِفت بمعاهدة "رشت", أعقبها توقيع مجموعة من المعاهدات. ولكن بعد نجاح الثّورة الشّيوعيّة قرّرت القيادة السّوفياتيّة, بالاتّفاق مع القيادة الإيرانيّة, التّوقيع على معاهدات جديدة كان أبرزها معاهدة الصّداقة في العام 1921 ومعاهدة الملاحة والتّجارة في العام 1940. وشكّلت هاتان المعاهدتان الإطار القانوني لبحر قزوين طوال مرحلة الحرب الباردة, لكنّ تفكّك الاتحاد السّوفياتي أحدث تحوّلات كبيرة وأنتج واقعًا سياسيًّا وقانونيًّا جديدًا[39].

مدى قانونيّة استمرار العمل باتّفاقيّة عامي 1921 و1940

تبرز في هذا الإطار عدّة نقاط, فمن جهة استبعد العديد من القانونيّين إمكان استمرار العمل بهذه الاتفاقات بعد نشوء الواقع الجديد في المنطقة, وبسبب محدوديّة هاتين الاتّفاقيّتين واقتصارهما على المواضيع العسكريّة والملاحيّة والتّجاريّة, وبالتّالي فهما لا تشملان العديد من المواضيع الخلافيّة الأساسيّة, خصوصًا ما يتعلّق بالموارد الطّبيعيّة في باطن البحر. بالمقابل هناك وجهات نظر تقول بضرورة الالتزام بالاتفاقيّتين قانونيًّا بهما إلى حين التّوصّل إلى إطار قانوني جديد لبحر قزوين.

تقول المادّة 34 من اتّفاقيّة فيينا في العام 1978, والّتي تتعلّق بموضوع خلافة الدّول, إنّه في حال انفصال جزء أو أكثر من دولة أو من عدّة دول, فإنّ أي اتّفاقات كانت قد عقدتها الدّولة الأساس تبقى ملزمة لجميع الكيانات الّتي انسلخت عنها. وبالاستناد إلى اتّفاقيّة "مينسك"1991, والّتي أسّست لمجموعة الدّول المستقلّة (Commonwealth of Independent States) والّتي شملت جميع جمهوريّات الاتّحاد السّوفياتي ما عدا دول البلطيق, اعتبرت في المادة 12 منها أنّ الدّول الموقّعة على هذه الاتّفاقيّة تتعهّد بالوفاء بجميع الالتزامات المتوجّبة عليها من جرّاء الاتفاقيات الّتي عقدها الاتّحاد السّوفياتي[40].

وبالاستناد إلى اتّفاقيّة فيينا في العام 1978 والّتي تتعلّق بموضوع خلافة الدّول, فإنّ الاتّفاقيات الدّوليّة لا تتأثّر بموضوع تفكّك الدّولة, بمعنى آخر فإنّ اتّفاقيّة فيينا في العام 1978 أقرّت مبدأ الاستمراريّة في موضوع الاتّفاقيات الدّوليّة في حال تفكّك الدّولة, وبالتّالي فإنّ الدّول المستقلّة عن الاتّحاد السّوفياتي تُعتبر مُلزَمة بالاتّفاقيات الّتي أبرمها هذا الأخير. أمّا مبدأ التّغيير الجّذري للظّروف (Principle of Rebus Sic Stantibus) كسبب لإبطال المعاهدة فلا يمكن الاستناد إليه, ذلك أن طبيعة التّغيير الّذي طرأ لا يسمح بإعلان بطلان المعاهدات السّابقة, كما أنّ بعض الخبراء يرى أنّ اتّفاقيّة فيينا في العام 1962 حول قانون الاتّفاقيّات في المادّة 62 تعتبر أنّه لا يمكن الاستناد إلى التّغيير الجذري كسبب لإبطال المعاهدة في حال رسمها لحدود, وعلى الرّغم من أنّ اتّفاقيّتي العام 1921 و1940 لم ترسما أي حدود إلاّ أنّهما تناولتا موضوع تحديد المجال البحري بين إيران والاتّحاد السّوفياتي وبالتّالي تناولت شأنًا حدوديًّا ما يجعل من موضوع إبطالهما أمرًا صعبًا وبالتّالي فهما ملزمتان لجميع الدّول المشاطئة للبحر[41].

 

إشكاليّة النّظام القانوني الجديد لبحر قزوين

أظهر الواقع الجديد أن استمرار التّظام القانوني القديم لبحر قزوين لا يتماشى مع التّطوّرات الجيوسياسيّة للمنطقة, فهذا النّظام لا يعالج العديد من القضايا السّياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة والبيئيّة خصوصًا مع بروز معطيات جديدة في المنطقة متمثّلة بمصادر الطّاقة الّتي تُعتبر المحرّك الأساس لهذا النّزاع. هذه المعطيات تبرز أهمّيّة التّوصّل إلى إطار قانوني جديد ينظّم العلاقة بين الدّول المشاطئة لبحر قزوين. لكن هذه المهمّة تبدو صعبة ومعقّدة, فحل هذه الخلافات هو بين أيدي الدّول المعنيّة لكن التّوصّل إلى حل يرضي جميع الأطراف لن يكون بالأمر اليسير في ظل تعدّد المقاربات القانونيّة والتناقض في ما بينها في الكثير من الأحيان.

 

المرحلة الأولى من المفاوضات المتعدّدة الأطراف (1991-1994)

بدأت هذه المرحلة في أعقاب الحديث عن الاكتشافات الكبيرة لمصادر الطّاقة في بحر قزوين, حيث سعت الدّول المستقلّة حديثًا إلى استغلال هذه الموارد لتحسين أوضاعها الاقتصاديّة المتدهورة بعد تفكّك الاتحاد السّوفياتي. وتميّزت هذه المرحلة بخاصّيّتين, الأولى سعي كل من روسيا وإيران إلى الحفاظ على موقعهما المهيمن على البحر, والثّانية محاولة الدّول المستقلّة التّخلّص من هذه الهيمنة, من هنا بدأ الوضع القانوني لبحر قزوين يتحوّل إلى إشكاليّة حقيقيّة.

لقد مثّلت هذه المرحلة الخطوة الأولى باتّجاه البحث عن إطار تنظيمي جديد لبحر قزوين واستمرّت من العام 1991 إلى العام 1994, وشهدت عقد مجموعة من المؤتمرات ضمّت الدّول المشاطئة لبحر قزوين وتقديم العديد من المقترحات. لكن هذه المجهودات سرعان ما تعرّضت للانتكاسة بعد قيام آذربيجان في العام 1994 بالتّوقيع على مجموعة عقود مع تجمّع شركات نفط غربيّة للتّنقيب عن مصادر الطّاقة في مناطق حدّدتها منفردة[42].

وكانت إيران أكثر الدّول الفاعلة في هذه المرحلة, ففي خلال انعقاد مؤتمر منظّمة التّعاون الاقتصادي في 17 شباط/فبراير1992, قامت, ولأوّل مرّة, بطرح فكرة إنشاء "منظّمة قزوين" لتعزيز التّعاون في مجال التّنقيب واستغلال ثروات المنطقة. وجاء الإعلان النّهائي للمؤتمر ليتبنّى فكرة إنشاء آليّة إقليميّة فاعلة تبحث في المسائل المتعلّقة باستغلال الموارد الطّبيعيّة للمنطقة, لكن بالمقابل كانت كل من آذربيجان وكازاخستان قد اتّخذتا قرار العمل بشكل منفرد[43].

 وفي الاجتماع الّذي عُقد في أيلول/سبتمبر 1992 في طهران طُرِحت لأوّل مرّة مسألة تحديد الوضع القانوني لبحر قزوين من قبل ممثّل دولة آذربيجان . وفي مؤتمر "رشت" في إيران عام 1993, والّذي حضره خبراء, حدث أوّل صدام بين دول حوض قزوين بسبب محاولة آذربيجان تعريف بحر قزوين على أنه "بحيرة", وهو ما وجد موقفًا رافضًا من كلّ من روسيا وإيران, في حين كان موقف المندوب التركماني غير مبالٍ وبالمقابل كانت كازاخستان أقرب إلى موقف آذربيجان. وهكذا تمَّ تأجيل البت بهذا المشروع بحجّة دراسته[44].

واستمرّت المحاولات السّاعية إلى التّوصّل لأرضيّة مشتركة بين دول بحر قزوين من خلال عقد عدّة لقاءات لم تؤدّ إلى نتيجة تذكر. ولكنّ التّحوّل الأساس بدأ في المؤتمر الّذي انعقد في موسكو في كانون الأوّل/يناير 1994, وكان هدفه مناقشة مسودات مشاريع حول الوضع القانوني لبحر قزوين قدّمتها كل من روسيا وآذربيجان وكازاخستان, كلٌّ على حدة[45].

وتضمّن المشروع الآذري تعريفًا واضحًا لبحر قزوين على انّه "بحيرة حدوديّة"[46], ويقضي المشروع باعتبار أنّ نشاطات الدّول المشاطئة للحوض, وآليّات التعاون في ما بينها, يجب أن تتم بموجب مقتضيات مبادئ القانون الدّولي. كما تضمّن المشروع تقسيم البحر بشكل متناسب على الدّول المشاطئة على أن يتم ترسيم هذه الأقسام انطلاقًا من اتّفاقات ثنائيّة أو متعدّدة الأطراف, أضف إلى ذلك أنّ المشروع الآذري اعتبر أنّ قوانين الدّولة المشاطئة هو الذي يسود على القسم التّابع لها ما لم تنص الإتّفاقيات الثّنائيّة على غير ذلك[47].

وسعت آذربيجان, من خلال اعتبار قزوين بحيرة ورفض جميع المقاربات الأخرى, إلى السّيطرة على جميع الحقول الأساسيّة في البحر مثل حوض "أسفيرون" وحوض "أزاري", وحوض "شيراغ", واستندت باكو في مقاربتها هذه إلى قرار كانت قد اتّخذته وزارة البترول السّوفياتيّة في العام 1970 بتقسيم بحر قزوين على الجمهوريّات السّوفياتيّة الأربع, وعمدت الحكومة الآذريّة إلى تطبيق هذه الرّؤية من دون الحصول على موافقة الدّول الأخرى التي سارعت إلى توقيع عقود التّنقيب واستخراج النّفط من الحقول الكبرى الأساس.[48] إلا أنّ القرار الآذري شكّل معضلة جديد فقد سمحت العقود الموقّعة للشّركات بالتّنقيب عن النّفط حتّى مسافة 120 كلم من شواطئها, ما يدخلها إلى المناطق الّتي تعتبرها تركمانستان خاضعة لسيادتها[49].

واستندت آذربيجان في مقاربتها لبحر قزوين على أساس أنّه "بحيرة حدوديّة" في ما اعتبرت كازاخستان أنّ قزوين هو "بحر" وبالتّالي يخضع لقانون البحار (UNCLOS)[50] بما يترتّب على ذلك من وجود المياه الإقليميّة والمنطقة الاقتصاديّة الحصريّة.[51] إلا أنّ هذه المقاربة لم تلق حماسة كبيرة في مؤتمر موسكو حيث نظرت إليها كل من روسيا وإيران بريبة لأنّ هذه المقاربة لا تتناسب ومصالحهما, فالموافقة على اعتبار حوض قزوين بحرًا يعني خضوعه لقانون البحار للعام 1982, ويصبح ترسيم الحدود البحريّة خاضعًا للقانون المذكور[52].

إنّ تبنّي مبادئ القانون الدّولي للبحار لتطبيقها على بحر قزوين يعني حصول كل دولة مشاطئة على حدود بحريّة إقليميّة على أن لا يتجاوز عرض بحرها الإقليمي 12 ميلًا بحريًّا بالإضافة إلى المنطقة الاقتصاديّة الخالصة الّتي لا يتجاوز امتدادها 200 ميل بحري وجرف قارّي. لكن نظرًا لعدم وجود نقطة في بحر قزوين تتجاوز فيها المساحة بين سواحل دولتين متواجهتين 400 ميل فإن ترسيم هذه الحدود انطلاقًا من القانون الدّولي للبحار, يواجه مجموعة من العقبات, خصوصًا وأنّ هذا القانون لم يقدّم مبادئ لكيفيّة ترسيم الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدّول المتجاورة والمتواجهة. ولكن الاجتهاد وضع عدّة مبادئ لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القارّي, فمن جهة هناك مبدأ خط الارتكاز (الوسط) الّذي يفصل بالأساس بين الجرف القاري للدول ذوات السّواحل المتقابلة, وينطلق من اعتبار أنّ كل نقطة من هذا الخط هي على مسافة متساوية من السّاحلين المتقابلين, في حين أنّ المبدأ الثّاني هو خط المسافة المتساوية (equidistance line) الّذي يرسّم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القارّي بين دولتين سواحلهما متجاورة, ويتم رسمه بخط عمودي ليشكّل زاوية 90º مع خط أساس البحر الإقليمي للدوّلتين المعنيّتين[53].

وفي المقابل ركّزت الرّؤية الرّوسيّة في المؤتمر على مبدأ «التّعاون الإقليمي» بين الدّول المشاطئة لبحر قزوين. وتقول الورقة الرّوسيّة أنّ من الصّعب تحديد ماهيّة حوض, وبالتّالي اقترحت روسيا تأجيل هذه المسألة إلى وقت لاحق, وحتّى ذلك الوقت يجب الإلتزام بالنّظام القانوني السّائد والقائم بالأساس على أحكام الاتّفاقيّتين السّوفياتيّتين-الإيرانيّتين للعامين 1921 و1940. واقترحت الورقة الرّوسيّة أيضًا إنشاء منظّمة تتعامل مع مشاكل بحر قزوين. ولقيت وجهة النّظر الرّوسيّة تأييدًا إيرانيًّا لكنّها وجدت معارضة من كازاخستان وتركمانستان وآذربيجان[54].

تقسيم قزوين استنادًا إلى المشروعين الآذري والكازاخي[55]

وسبق لروسيا أن اعترضت على توقيع آذربيجان للعقود مع شركات النّفط العالميّة وقامت وزارة الخارجيّة الرّوسيّة بتوجيه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتّحدة في 5 تشرين الأوّل/أكتوبر 1994, قالت فيها أنّ قزوين هو حوض مائي مغلق لا تحكمه مبادئ قانون البحار وإنّ إدّعاءات الدّول المشاطئة للبحر لا يمكن اعتبارها قانونيّة. وختمت الخارجيّة الرّوسيّة الرّسالة بالقول أنّ روسيا تحتفظ لنفسها باتّخاذ الإجراءات الّتي تراها مناسبة لإعادة الوضع إلى ما كان عليه[56].

أمّا تركمانستان فقد اعتبرت في هذه المرحلة أنً بحر قزوين يخضع للقانون الدّولي للبحار, وانطلاقًا من هذا الاعتبار سعت إلى تأسيس إطار قانوني يسمح لها بالتّنقيب عن الموارد الطّبيعيّة, خصوصًا وأنّها تملك أحد أكبر احتياطات الغاز الطّبيعي في العالم. ولكن نظرًا لأنّ المسافة بين السّواحل التركمانيّة والآذرية أقل من 400 ميل فإنّه من الصّعوبة بمكان تطبيق مبادئ القانون الدّولي للبحار[57].

وهكذا يتبيّن أنّ المرحلة الأولى من المفاوضات متعدّدة الأطراف عرفت تباينًا واضحًا بين الدّول المشاطئة لبحر قزوين, فقد سعت كل دولة إلى تبنّي الموقف الّذي يتناسب ومصالحها, ولم يكن هناك مجال لوجود أي رؤية مشتركة تكون نقطة انطلاق نحو وضع نظام قانوني جديد للمنطقة في ظل التشبّث بالمواقف والتضارب الكبير في المصالح.

المرحلة الثّانية من المفاوضات متعدّدة الأطراف (1995-1999)

يمكن وصف هذه المرحلة بأنّها "لعبة جيوبوليتيكيّة" تتعدّى في إطارها الجغرافي منطقة بحر قزوين, فموضوع وضع نظام قانوني لقزوين أصبح أمرًا مهمًّا ليس فقط للدول المشاطئة, بل لعدد من الدّول الأخرى في أميركا وأوروبا وآسيا. كما تميّزت هذه المرحلة بكثافة الاجتماعات الرّسميّة والعلميّة, بالإضافة إلى التّبدّلات المستمرّة في مواقف الدّول المشاطئة وأولويّاتها والصّدامات الكبيرة في ما بينها.

أوّل هذه الاجتماعات عُقِدَ في عشق أباد في تركمانستان في كانون الثّاني/ يناير1995, بهدف تنظيم وضع الصّيد والمصائد في البحر, حيث تمّ التّوصّل إلى اتّفاق حول كيفيّة الاستعمال والمحافظة على الموارد الطّبيعيّة. وكانت آذربيجان الدولة المعترضة الوحيدة, فقد اعتبرت أنّ الموافقة على هذه الاتّفاقيّة سوف تكون بمنزلة إقرار للنّظام القانوني لبحر قزوين. والاجتماع الثّاني عُقِدَ في أيّار/ مايو من نفس العام في "ألماآتا", شارك فيه ممثّلون رسميّون بالإضافة إلى علماء وأصحاب اختصاص, وانعقد على هامش اجتماع نواب وزراء خارجيّة الدّول المشاطئة لبحر لقزوين بغياب تركمانستان[58].

ولم تشهد المواقف أي تغيير, فقد أصرّ كل فريق على مواقفه السّابقة, حتّى أنّ موضوع بحر قزوين أثّر في العلاقات الثّنائيّة بين هذه الدّول فأخذت تتدهور شيئًا فشيئًا[59]. ولاحقًا بدأت المقاربة الرّوسيّة تتبدّل تدريجيًّا, وهذا التّحوّل ظهر عبر الاقتراح الّذي تقدّم به المسؤولون الرّوس في اجتماع لوزراء خارجيّة دول حوض قزوين في عشق أباد, وقضى بحصول كل دولة على حقوق سياديّة من الموارد الطّبيعيّة لمسافة 45 ميلًا من شواطئها, أمّا في ما هو أبعد من هذه المسافة, فتكون المناطق ملكيّة مشتركة قابلة للتّفاوض بين الأطراف المعنيّة, لكن هذا الطّرح وجد رفضًا من جميع الدّول الأخرى[60].

وبدأ النّزاع القانوني في المنطقة يستقطب اهتمامًا دوليًّا كانت أبرز تجلّياته القرار الّذي صدر عن البرلمان الأوروبي في العام 1997, وشدّد على أهميّة الاستثمارات الضّخمة الّتي قامت بها شركات النّفط الغربيّة خلال السّنوات القليلة الماضية, وطالب بضرورة تعزيز التّنسيق بين هذه الشّركات والاتّحاد الأوروبي واللّاعبين المحلّيّين, كما تمّ إرسال عدد من الخبراء إلى المنطقة لتقديم المساعدة. ومن خلال التّعاون الوثيق مع كل من الولايات المتّحدة وتركيا, كان الاتّحاد الأوروبي يعمل على إنشاء ممرّ آمن لنقل مصادر الطّاقة من بحر قزوين إلى البحر المتوسّط[61].

أدركت موسكو بعدها أنّه لابد من تطوير مواقفها, لأنّها خشيت من أن دخول الشّركات الغربيّة سوف يحد من تفوّقها في المنطقة, من هنا فضّل الرّوس الدّخول في مفاوضات مع شركائهم في حوض قزوين بهدف الحفاظ على أكبر قدر ممكن من مصالحهم, عوضًا عن فرض أمر واقع عليهم لا يتوافق ومصالحهم, خصوصًا وأنّ العديد من التّطوّرات الّتي حدثت في هذه المرحلة أقلقت روسيا, وكان أهمّها "إعلان إسطنبول" الّذي شاركت فيه كل من تركيا وآذربيجان وجورجيا وتركمانستان وكازاخستان في أوائل آذار/ مارس 1998, وتقرّر فيه نقل النّفط والغاز من قزوين عبر الأراضي التّركيّة. وأعقبه اجتماع آخر برعاية الاتّحاد الأوروبي في أيلول/سبتمبر من العام نفسه, تمّت خلاله مناقشة ترتيبات إنشاء ممر لنقل الطّاقة إلى أوروبا والقوقاز وآسيا حضرته 35 دولة[62].

من هنا جاء تفعيل آليّات التّفاوض الثّنائيّة والّتي أدّت في 6 تمّوز/يوليو 1998 إلى توقيع اتّفاقيّة بين روسيا وكازاخستان لتقسيم أعماق الجّزء الشّمالي من بحر قزوين وباطنه. وجاء هذا التّقسيم بناءً على مبدأ خط الوسط المعدّل (Modified Median Line) الّذي اقترحته روسيا ولاقى قبولاً لدى الكازاخ. ويقوم هذا المُقترح على أساس تعديل مبدأ خط الوسط حيث تقسّم أعماق بحر قزوين على أساس أنّه كلّما زاد طول سواحل الدّولة المشاطئة زادت المساحة الّتي تحصل عليها من البحر, على أن يبقى سطح البحر مخصّصًا للاستخدام المشترك[63].

هذا الأمر أزعج كُلًا من إيران وتركمانستان, فموافقة إيران على اعتبار قزوين بحيرة, وتقسيمه على هذا الأساس تعني أنّ حصّة إيران ستنحسر إلى حوالى 12% من المساحة الإجماليّة للبحر. ولكن بعد أن توافقت الدّول الأخرى في الاجتماع الّذي انعقد أواخر العام 1998 على ضرورة تقسيم البحر, سعت إيران إلى البحث عن مقاربة جديدة تحقّق من خلالها مصالحها, لذا اقترحت تقسيم بحر قزوين إلى خمسة أجزاء متساوية تحصل كل دولة بموجبها على 20% من مساحة البحر, وهو اقتراح لاقى رفضًا من الدّول الأخرى[64].

وكان الرّفض التّركماني للاتّفاق الرّوسي الكازاخستاني أمرًا متوقّعًا إلاّ أنّه لم يكن مبنيًّا على أُسس واضحة لأنّ تركمانستان طوال هذه المرحلة لم تكوّن رؤية متكاملة للمسألة القانونيّة لبحر قزوين. فبعد تبنّيها للموقف الكازاخي ولاحقًا للموقف الآذري, جاء الموقف التّركماني هذه المرّة ليتوافق والمقترح الإيراني والتّسليم بأنّ اتّفاقيّتي العامين 1921 و1940 تحكمان الوضع القانوني لبحر قزوين, بالإضافة إلى الدعوة إلى تقاسمه وثرواته بشكل متساوٍ[65].

وعلى الرّغم من عدم التّوصّل إلى اتّفاق حول الإطار القانوني لبحر قزوين, إلا أنّ هذه المرحلة عرفت تطوّرًا مهمًّا وجذريًّا تمثّل بموافقة جميع الدّول المشاطئة لبحر قزوين على تقسيم البحر. إلا أنّ الهوّة تبقى شاسعة بين هذه الدّول حول كيفيّة هذا التقسيم, لأنّ كل دولة بطبيعة الحال تبنّت الآليّة الأكثر ملاءمة لمصالحها, فالتّوصّل إلى إجماع في هذه الحالة لن يكون بالأمر اليسير, لكن الخطوات أحاديّة الجانب بالمقابل لن تؤدّي إلا إلى رفع مستوى التّوتّر في المنطقة.

 

المرحلة الثّالثة من المفاوضات متعدّدة الأطراف (2000-2012)

طبعت هذه المرحلة عددًا من السّمات الأساس الّتي أدّت إلى تحوّل كبير في طريقة مقاربة كل دولة لموقفها من مسألة بحر قزوين. فالسّمة الأولى تمثّلت بالدّور الرّوسي الفاعل, وذلك بعد أن أصبحت قضيّة بحر قزوين من المسائل الأساس بالنّسبة لروسيا, أمّا السّمة الثّانية فهي تركيز النّقاش على الوضع القانوني لبحر قزوين (توصيفه بأنّه كبحر أو بحيرة), وإهمال مناقشة النّظام القانوني للبحر (الصّيد, الإبحار, أنابيب النّفط), في حين أنّ السّمة الأخيرة تمثّلت بتفاقم الخلافات بين الدّول المشاطئة وتشبّث كلّ منها بموقفها. وعلى الرّغم من الاجتماعات الدّوريّة الّتي عقدتها هذه الدّول إلاّ أنّها لم تنجح في التّوصّل بالحد الأدنى إلى رؤية مشتركة تشكّل نقطة عبور نحو تفاهمات تؤسّس لنظام قانوني مستقر.

وصعود فلاديمير بوتين إلى سدّة الرّئاسة شكّل نقطة مهمّة في الموقف الرّوسي تجاه بحر قزوين, فهو عمد إلى تبنّي سياسة أكثر واقعيّة بدأت ملامحها تتبلور منذ العام 1998, تاريخ توقيع المعاهدة مع كازخستان. ودعمًا لهذا الموقف عمدت روسيا إلى توقيع اتّفاقيّة شبيهة بها مع آذربيجان في العام 2001[66]. وتبنّت المقاربة الرّوسيّة الجديدة تقسيم أعماق حوض قزوين إلى أجزاء وطنيّة استنادًا إلى مبدأ خط الوسط المعدّل, على أن يبقى السطح للاستخدام المشترك[67].

وقامت روسيا في أيّار/ مايو 2002 بالتّوقيع على اتّفاقيّة جديدة مع كازاخستان لتقسيم الجّزء الشّمالي من أعماق بحر قزوين, استنادًا إلى خط الوسط المعدّل, وكانت نتيجة هذا الاتّفاق حل إشكاليّة الحقول النّفطيّة الّتي تمتد على جانبي الخط (كورمانجازي وتسنترالنو وخافلنسكو), من خلال تشغيلها بصورة مشتركة. وفي أيلول/ سبتمير 2002, قامت روسيا بالتّوقيع على اتّفاق آخر مع آذربيجان تمّ بموجبه تقاسم الموارد الطّبيعيّة في البحر استنادًا إلى القانون الدّولي والممارسات التّاريخيّة. من هنا يمكن القول بحصول تحالف موضوعي بين هذه الدّول الثّلاث في شمال البحر تجسّد في 14 أيّار/ مايو 2003 عبر توقيع هذه الدّول لاتّفاق ثلاثي الأطراف لتقاسم ثروات الجزءين الشّمالي والأوسط[68].

وفي المقابل, رفضت إيران المقاربة الرّوسيّة وعارضت الإتفاقيات الثّنائيّة الموقّعة بين عدد من الدّول المشاطئة لأنّها اعتبرتها مخالفة للتعهّدات الّتي تقضي بأنّ التّوصّل لأي صيغة للنّظام القانوني لبحر قزوين لا يمر إلاّ بالإجماع. لكن الموقف الإيراني في الحقيقة اقتضته عدّة أسباب: فمن جهة تدرك طهران أنّه بسبب قصر سواحلها نسبيًّا فإنّها في حال تقسيم بحر قزوين على أساس خط الوسط المعدّل, لن تحصل سوى على حصّة صغيرة من مساحة البحر. من جهة ثانية أظهرت المعطيات الأوّليّة أنّ السّواحل الإيرانيّة لا تحوي كميّات تجاريّة من النّفط والغاز الطّبيعي. وأخيرًا لا تريد إيران أن يتحوّل بحر قزوين إلى ما يشبه "الخليج الفارسي" حيث تعتبر أنّ سياسة "الباب المفتوح" سوف تؤدّي إلى تدخّل أميركي مباشر في المنطقة. من هنا فإنّ الموقف الإيراني من الوضع القانوني في بحر قزوين في تلك المرحلة تمثّل بالآتي[69]:

أي خطوات أحاديّة الجانب يجب أن تتوقّف إلى حين التّوصّل إلى نظام قانوني متكامل.

جميع العقود الموقّعة أحاديًّا مع شركات النّفط تعتبر باطلة استنادًا إلى القانون الدّولي.

أي نظام قانوني جديد لقزوين يجب أن يستند إلى المعاهدات السّوفياتيّة-الإيرانيّة.

أي اتّفاق على نظام قانوني لبحر قزوين يجب أن يحصل بالإجماع .

البديل من هذه الآليّة هو تقسيم بحر قزوين وأعماقه بشكل متساوٍ بين الدّول المشاطئة.

وبالمقابل, دعت باكو منذ البداية إلى تقسيم بحر قزوين على أساس مناطق وطنيّة خاضعة لسيادة كل دولة, من هنا تبنّيها لمبدأ تقسيم البحر على اعتبار أنّه بحيرة حدوديّة, وهي كانت موافقة على أي اقتراح يحقّق لها هذه الغاية, ويأتي موقفها المؤّيد للمقترح الرّوسي, الدّاعي لاعتماد مبدأ خط الوسط المعدّل ليصب في هذا الإطار, فقد قام الطّرفان بالتّوقيع على معاهدة في العام 2001 تقضي بتقسيم قاع البحر بين البلدين, أضف إلى ذلك قيام كل من آذربيجان وكازاخستان بالتّوقيع على معاهدة مشابهة. وبناءً على هذه المعطيات, تمّ تقسيم الجزء الشّمالي لبحر قزوين, وأصبح له إطار قانوني مبني على عدد من المعاهدات الثّنائيّة التي أدّت إلى تقسيم 66% من بحر قزوين بين ثلاث دول؟؟؟؟ (الرجاء التوضيح عن الدول الثلاث) به+وف يوسّع منطقة النّفوذ الإيرانيّة بحوالى 80 كلم طولًا ما يسمح لها بالوصول إلى عدد من الأحواض الّتي تقوم الحكومة الآذريّة بتطويرها, مثل «ألوف» و»أراز» و»شارغ». كما أنّ المقترح الإيراني سوف يوسّع المنطقة التّركمانيّة لتصل إلى حوض «شارغ» وهو أمر لن ترضى به الحكومة الآذريّة . هذا الموقف شاركتها فيه كازاخستان كون المقترحات الإيرانيّة المختلفة تقلّص من حصّتها بشكل كبير[70].

غير أنّ تقسيم الجزء الشّمالي من بحر قزوين انطلاقًا من معاهدات ثنائيّة وثلاثيّة الأطراف لا ينهي الإشكاليّة المتعلّقة بالنّظام القانوني لقزوين, لأنّ هذه المعاهدات تفتقر إلى قوّة الاتفاق المتكامل باعتبار أنّ ثلاثًا من أصل خمس دول فقط هي الموقّعة عليها. أضف إلى ذلك أنّ هذه الاتّفاقيات تتناول فقط موضوع تقسيم أعماق بحر قزوين وباطنه, ولا تتناول موضوع تحديد الوضع القانوني للبحر, وبالتّالي فإنّ هذه الاتّفاقيات شكّلت حلًا براغماتيًا للمشكلة المتعلّقة بتقاسم مصادر الطّاقة, مع تجنّب تناول أي تسوية طويلة الأمد لمسألة بحر قزوين[71].

 

حقول النّفط والغاز في بحر قزوين[72]

ولا تبدو تركمانستان في وارد القبول بالاقتراحات المتداولة, فالاقتراح الرّوسي لن يكون متوافقًا مع المصالح التّركمانيّة لأنّ معظم الحقول الّتي تطالب بها عشق أباد ستصبح من حصّة آذربيجان. وتبدو تركمانستان في هذه المرحلة أقرب الى الموقف الإيراني في ما يتعلّق بتقسيم بحر قزوين, لكن من الصّعب القول أنّ الحكومة التّركمانيّة سوف تستمر على موقفها هذا, خصوصًا وأنّها بدأت في الآونة الأخيرة تبدي ليونة تجاه مبدأ خط الوسط المعدّل وتبقى عدّة إشكاليّات أهمّها وضع حقل كاباز[73].

ولم تشهد جولات المفاوضات في هذه المرحلة اختراقات تذكر, لكن الجديد في هذه المرحلة هو انعقاد المؤتمر الأوّل لدول حوض قزوين الّذي تحوّل إلى مؤتمر دوري ينعقد كل عدّة سنوات. وكان أوّل هذه المؤتمرات قد انعقد في 23 و24 نيسان/ أبريل 2002 في عشق أباد بحضور الدّول الخمس تحت عنوان "الوضع القانوني وتقاسم مصادر النّفط والغاز في حوض قزوين". وكان الأمر الوحيد الّذي اتّفقت عليه هذه الأطراف هو الالتزام بالمفاوضات إلى حين التّوصّل إلى اتّفاق يرضي الجميع. وشهدت المرحلة الّتي أعقبت هذا الاجتماع المزيد من التّأزم بين هذه الدّول, وذلك في أعقاب تدخّل تجمّع للشّركات النّفطيّة الخاصّة المدعومة من الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي, الّتي كانت تريد إقامة عدد من المشاريع أهمّها خط أنابيب للنّفط.

وبعد تأجيل مستمر انعقد المؤتمر الثّاني لدول بحر قزوين في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2007 في إيران وكان الشّيء الوحيد الّذي نجح هذا المؤتمر في تظهيره هو حجم الخلاف. وهكذا لم ينجح هذا المؤتمر في إعادة إحياء المفاوضات بين هذه الدّول حول النّظام القانوني لبحر قزوين. وبعد هذا الاجتماع اقتصرت المفاوضات على البعد الثنائي, فكانت مفاوضات مكثّفة – وإن فاشلة - بين آذربيجان وتركمانستان حول ترسيم الحدود البحريّة بين البلدين وبناء خط أنابيب لنقل النّفط[74].

وفي نهاية العام 2010 بدأ الموقف الإيراني يشهد تحوّلًا كبيرًا, ففي أعقاب اجتماع وزراء خارجيّة دول حوض قزوين في تشرين الثّاني/ نوفمبر2010, وفي جوابه على ما إذا كانت إيران لاتزال متمسّكة بحصّة 20%, قال المندوب الإيراني «إنّ أهدافنا تتخطّى هذا الحد»[75]. هذا الموقف شكّل مفاجأة للدّول الأخرى الّتي كانت تعتقد أنّها تستطيع عبر المفاوضات جعل طهران تتنازل عن هذه النّسبة لتحصل على 17% من مساحة البحر. ويبدو أنّ إيران تستند في هذا الموقف إلى ما يُعرف «بالحقوق التّاريخيّة», فقد رأى عدد من الخبراء إمكان العودة إلى المرحلة الّتي أعقبت تفكّك الاتّحاد السّوفياتي حيث يحصل ورثته على الحصّة السّوفياتيّة, وتحصل إيران على الخمسين بالمئة المتبقّية. وتبقى أمام هذه المقاربة إشكاليّة أخرى: وجوب الأخذ بعين الإعتبار عدد سكّان الدّول المشاطئة للبحر وحجم اعتمادهم على هذا المسطّح[76]. ومن جهة ثانية تظهر المعطيات أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة تمكّنت من اكتشاف حوالى 46 حوضًا جديدًا, وقد أعلن وزير النّفط الإيراني غلام حسين نوزاري أنّ 8 من هذه الحقول تُعتبر جاهزة للشّروع بعمليّات الاستكشاف والتّنقيب[77].

ولم تقتصر المفاوضات في هذه المرحلة على الوضع القانوني لبحر قزوين, بل كانت تتناول عددًا من المواضيع الخلافيّة الأخرى مثل الموارد البيولوجيّة والملاحة والصّيد... وعلى الرّغم من نجاح هذه الدّول في 18 تشرين الثّاني/ نوفمبر 2010 في التّوصّل إلى اتّفاق حول التّعاون الأمني, إلاّ أنّ الخلافات استمرّت حول موضوعي الصّيد وحال البيئة البحريّة وحمايتها[78]. وجاء مؤتمر دول بحر قزوين الأخير في كانون الأوّل/ دسمبر 2012 في عشق أباد مشابهًا للمؤتمرات الّتي سبقته حيث فشلت هذه الدّول في التّوصّل إلى تفاهمات حول النّظام القانوني لبحر قزوين, وانتهى المؤتمر بالدّعوة إلى التّوصّل إلى اتّفاق عبر الدّبلوماسيّة وبالإستناد إلى القانون والأعراف الدّوليّة[79].

في ظل الفشل في التّوصّل إلى اتّفاق بدأت في السّنوات الأخيرة عمليّة عسكرة بحر قزوين من معظم الدّول المشاطئة, وفي مقدّمتها بطبيعة الحال روسيا الّتي تعمل على تجديد أسطولها بالكامل في هذا البحر بالإضافة إلى محاولات كازاخستان وتركمانستان تعزيز قوّتهما البحريّة وسعي آذربيجان لتحديث راداراتها البحريّة, في حين عمدت إيران في العام 2010 إلى إدخال أوّل مدمّرة لها إلى البحر. هذه المعطيات دفعت العديد من المتابعين إلى اعتبار أنّه لا وجود لحل قريب لهذه القضيّة, وبالتّالي يطرح إمكان اندلاع مواجهة عسكريّة, خصوصًا في ظل الخلافات التّركمانيّة-الآذريّة والإيرانيّة-الآذريّة [80].

 

طرق تّصدير مصادر الطّاقة من قزوين

على الرّغم من أنّ الاكتشافات النّفطيّة في بحر قزوين تعود إلى بداية التّسعينيات إلا أنّ هذه المنطقة لم تكن تملك البنى التّحتيّة اللازمة لنقل مصادر الطّاقة بطريقة تلبّي حاجات الأسواق المتصاعدة. أمام هذا الواقع برزت ثلاث طرق أساسيّة تسابقت عبرها القوى الإقليميّة والدّوليّة بهدف فرض مشروع الأنابيب الّذي تدعمه لأنّه يحقّق مصالحها السّياسيّة والاقتصاديّة: الطّريق الشّمالي وهو الذي يمرّ بالأساس عبر روسيا حيث ستكون محطّة في ميناء نوفوروسييسك على البحر الأسود, ويبدأ من باكو إلى الميناء المذكور, ومن حقل تنجيز في كازاخستان إلى الميناء نفسه, الطّريق الجنوبي وهو الّذي يمر عبر إيران وصولاً مباشرة إلى الخليج الفارسي, وطريق شرق-غرب من باكو في آذربيجان وهو الذي يمرّ عبر تبليسي في جورجيا وصولًا الى مرفأ جيهان في تركيا.[81]

 

طرق نقل النّفط من بحر قزوين

في البداية برز مشروع خط أنابيب اتّحاد أنابيب قزوين وكان رأس حربته شركة شيفرون الأميركيّة, وقد قامت كل من كازاخستان وروسيا بتطوير هذا المشروع مع تجمّع من شركات النّفط الخاصّة, وهو عبارة عن وصلة جديدة على خطوط قديمة تمّ افتتاحه في 27 تشرين الثّاني/ نوفمبر 2001 وينقل النّفط من حوض تنجيز في كازاخستان إلى ميناء نوفوروسييسك على البحر الأسود بقدرة 90000 برميل في اليوم, لكن الحكومة الرّوسيّة حدّدت الكمّيات الّتي تمرّ عبره لأسباب سياسيّة واقتصاديّة فكان ينقل بالحد الأقصى 50000 برميل في اليوم. وتكمن أهمّيّة المشروع في أنّه أوّل خط انابيب يمر في روسيا غير خاضع لسيطرة الدّولة وشركاتها. ولكنّ الدّخول الأميركي على الخط وبداية الحديث عن مشاريع الأنابيب الأكثر ضخامة أدّيا إلى تراجع أهميّة هذا الخط. ومن ناحية ثانية فإنّ خط باكو-نوفوروسييسك يُعتبر من الخطوط الأساس في هذه المرحلة, ويعود إلى الحقبة السّوفياتيّة, وينطلق من ميناء باكو في آذربيجان إلى ميناء نفوروسييك عبر جنوب روسيا على البحر الأسود. وكان هذا الخط يمرّ عبر الشّيشان, ما أدّى إلى تعرّضه لأضرار كبيرة في وصلة الشّيشان, ما أدّى إلى توقّفه عن العمل في آب/ أغسطس 1996, ولم يتم إصلاحه حتّى آب/ أغسطس 1997, بعد مفاوضات مع غروزني, إلا أنّ نتيجة الخلاف على تعرفة النّقل لم يتمّ معاودة العمل به حتّى تشرين الثّاني/ نوفمبر 1998. وفي العام 2000 لجأت الحكومة الرّوسيّة إلى تعديل مساره تفاديًا لمروره بالشّيشان[82].

وفي المقابل برز خط أتيراو-سمارا, فكانت كازاخستان تعتمد بشكل كلّي على خطوط النّقل الرّوسيّة لنقل نفطها من مدينة أتيراو عبر الحدود الرّوسيّة إلى مصافي أورسك شمال الأورال, ومنها إلى سمارا على نهر الفولغا ليتّصل بعدها بالخط الرّوسي الأساسي دروزبا. ولكن آستانة كانت تعاني من تأخير كبير في نقل إنتاجها إلى الأسواق العالميّة . ومنذ البداية كان هناك توجّه بالبحث عن خط أنابيب لنقل النّفط إلى الأسواق العالميّة يتجاوز روسيا فكانت البداية عبر الخط الّذي يمر عبر جورجيا إلى ميناء سوبسا على البحر الأسود الّذي افتتح في العام 1998, وكان عرضة لمواجهة العديد من الصّعويات الماليّة والجيوسياسيّة واللّوجستيّة, فخط باكو- سوبسا تطلّب إنشاء خطوط بطول 985 كلم بسعة 115000 مليون برميل في اليوم, بالإضافة إلى المضخّات ومحطّة التّصدير على المرفأ. كما أنّ الخط يمر بأربع مناطق تشهد نزاعًاعرقيًا في القوقاز, ما جعله عرضة للتّوقّف في أي لحظة[83].

وبالنّسبة إلى الدّول المستقلّة حديثًا فإنّ مصلحتها تكمن في إيجاد طرق تصدير تسمح لها بالإتّصال بأهم الأسواق العالميّة. وكانت الولايات المتّحدة وحلفاؤها يدركون أنّ تمكين أي دولة من السّيطرة على طرق التّصدير سيسمح لها بالحصول على نفوذ سياسي واقتصادي هائلين مثل إمكان قطع أو التّحكّم بتعرفة المرور.

وتحوّل موضوع أنابيب النّفط من إطار اقتصادي إلى أداة تسعى الدّول من خلالها إلى تحقيق أهداف سياسيّة. ففي خلال المناقشات العلنيّة للمشاريع المتعلّقة بأنابيب قزوين على الصّعيدين الإقليمي والدّولي بدت المصالح التّجاريّة للشّركات هامشيّة وثانويّة أمام الاعتبارات الأخرى. وكانت الولايات المتّحدة قد دخلت هذه المعركة منذ العام 1995 ونجحت بالضّغط لبناء خط أنابيب لنقل نفط قزوين من باكو إلى مرفأ سوبسا, بالإضافة إلى الإسراع ببناء أنبوب النّفط من باكو إلى المتوسّط عبر المرفأ التّركي جيهان. وكان مجلس الأمن القومي الأميركي هو من وضع أولويّة بناء هذه الأنابيب وليس وزارة التّجارة الأميركيّة أو حتّى شركات النّفط الخاصة وذلك في دلالة واضحة إلى أنّ أنابيب النّفط أصبحت أداة استراتيجيّة عوضًا عن أداة تجاريّة[84].

وكانت العلاقة الأميركيّة مع كل من روسيا وإيران هي المحدد الأساس لسياستها تجاه قزوين وآسيا الوسطى, وهذه العلاقة دفعت الولايات المتّحدة إلى وضع هدف يتمثّل بإنشاء ممر لنقل النّفط باتّجاه محور شرق-غرب. ولا يمكن القول أنّه من المصلحة الاقتصادية للولايات المتّحدة إيصال النّفط الآذري والكازاخي إلى ميناء جيهان في تركيا, لكن عبر دعمها لخطوط الأنابيب باتّجاه الغرب فإنّ واشنطن تحقّق هدفها السّياسي في المنطقة, وهو إبعاد كل من روسيا وإيران عن المشهد السّياسي والاقتصادي للمنطقة[85].

ودأبت واشنطن على الإلحاح على دول آسيا الوسطى وبحر قزوين بالابتعاد عن كل من موسكو وطهران خصوصًا في ما يتعلّق بموضوعي النّفط والغاز الطّبيعي, من هنا خاضت واشنطن في تشرين الأوّل/ أكتوبر 1999 معركة دبلوماسيّة عمدت من خلالها إلى تذليل جميع العقبات الّتي اعترضت سبيل توقيع اتّفاق أنابيب باكو-تبليسي-جيهان حيث تصدّرت الإدارة الأميركيّة واجهة المفاوضات, والتّمويل وحل الخلافات بين الدّول المشاركة في الخط[86]. وفي أيّار/ مايو 2005 تمّ افتتاح هذا الخط الّذي يبلغ طوله 1760 كلم وتبلغ سعته 50 مليون طن سنويًّا (مليون برميل يوميًّا)[87].

 

أنابيب النّفط والغاز الّتي تنقل النّفط والغاز من بحر قزوين عبر باكو إلى الأسواق الأوروبيّة[88]

حقّق هذا الخط عددًا من الأهداف الحيويّة للسّياسة الخارجيّة الأميركيّة, أوّلًا أدّى إلى تعزيز عزلة إيران في قزوين كما في الخليج الفارسي وذلك بعد تبنّي قرار العقوبات على إيران وليبيا في آب/ أغسطس 1996 من قبل الكونجرس الأميركي. وثانيًا كافأ تركيا على دعمها للولايات المتّحدة خلال حرب الخليج, فمرفأ جيهان في تركيا الّذي يقع على المتوسّط كان إحدى المحطّات الأساس للنّفط العراقي وبعد حرب الخليج توقّفت الصّادرات العراقيّة إلى المرفأ وانعكس ذلك سلبًا على الاقتصاد التّركي. وثالثًا عزّز هذا الخط الخيارات المتاحة لتصدير النّفط والغاز بعيدًا عن روسيا[89].

وتتعامل روسيا مع موضوع طرق تصدير مصادر الطّاقة من بحر قزوين بجدّيّة كبيرة, فبالنّسبة إلى غالبيّة الباحثين الأميركيين فإنّ موسكو تنظر إلى منطقة بحر قزوين كحديقتها الخلفيّة وإنّ التّدخّل الأميركي في المنطقة يُعتبر بالنّسبة للرّوس تهديدًا لمصالحهم في المنطقة. وهذه المقاربة هي الّتي دفعت الرّوس إلى الدّخول في موضوع التّنافس على أنابيب النّفط بقوّة, فكان أوّلًا بناء الخط على ميناء نوفوروسيسك, وأعقبه إنشاء خط تنجيز- شفرون, وخط اتّحاد بحر قزوين[90].

وعمدت روسيا إلى الضّغط على كل من آذربيجان وكازاخستان وتركمانستان من أجل نقل النّفط عبر شبكة الأنابيب الرّوسيّة بدلاً من تأييد الخيار المدعوم أميركيًّا. أضف إلى ذلك سعي موسكو إلى استحداث عدد من الممرّات الجديدة الّتي تهدف إلى نقل النّفط الرّوسي أوّلاً, والقزويني ثانيًا, عبر السّواحل الغربيّة للبحر الأسود إلى المتوسّط والأدرياتيكي, على سبيل المثال, وخلال اجتماع وزراء الطّاقة في كل من روسيا-اليونان وبلغاريا في آذار/ مارس 2007, وقّعت هذه الدّول اتّفاقًا يسمح ببناء خط أنابيب روسي بطول 175 ميلاً من مرفأ بورغاس البلغاري على البحر الأسود إلى ألكسندرابوليس شمال اليونان[91].

من النّاحية التّركيّة فإنّ هذا المشروع يدعم العديد من المصالح التّركيّة, فمشروع باكو-جيهان ينتهي عند نقطة كانت بالأساس مجهّزة ومحطّة ضخمة معدّة لاستقبال كميّات كبيرة من النّفط والغاز الطّبيعي, ما يعطي أنقرة ميزة جيوبوليتيكيّة كبيرة, ثمَّ إنّ هذا الخط يمر بالأساس عبر الأراضي التّركيّة وهو ما يعطي أنقرة ميزة اقتصاديّة إضافيّة متمثّلة بعوائد نقل النّفط عبر أراضيها. وأخيرًا هذا الخط سوف يلبّي الطّلب التّركي المتصاعد على مصادر الطّاقة[92].

أمّا بالنّسية إلى دول بحر قزوين الأخرى, وبالتّحديد كل من آذربيجان وتركمانستان, فإنّ خط باكو-تبليسي-جيهان شكّل نقطة تحوّل كبيرة في طريق تحوّلهما إلى مصدّرين أساسيّين للطّاقة. فبالنّسبة إلى آذربيجان يُشكّل نجاحها في تصدير الطّاقة إلى أوروبا, من دون المرور بروسيا, امتيازًا, فجُل الخطوط السّابقة كانت توصل معظم نفط بحر قزوبن إلى مرافئ جنوب أوروبا, وبالتّالي إلزاميّة مرورها بالبوسفور. ولكن مع بناء خط باكو-تبليسي-جيهان يتم نقل النّفط من باكو إلى المتوسّط عبر مرفأ جيهان, وبالتّالي تجنّب إزدحام البوسفور لا يعني دخولًا أسهل وأسرع إلى الأسواق الأوروبيّة. وستكون هناك حصّة لخط باكو-سوبسا الّذي سيصل إلى أوكرانيا ورومانيا, ومنها إلى الاتّحاد الأوروبي بعد وصله بخط أوديسا-برودي الأوكراني, الّذي سيتم توسيعه من أجل استقبال هذه الكمّيّات[93].

أمّا بالنّسبة إلى كازاخستان فقد شكّل خط باكو-تبليسي-جيهان فرصة لها لتصدير نفطها إلى الأسواق الأوروبيّة خصوصًا مع الارتفاع الملحوظ في حجم إنتاجها من النّفط حيث تظهر الأرقام أنّه في العام 2015 سيتجاوز3 مليون برميل في اليوم. كما أنّ هناك خط كازاخستان-الصّين الّذي تمّ بناؤه على ثلاث مراحل في بداية العام 2003 وانتهى في العام 2009[94]. وهو يصل أتاسو وسط كازاخستان بشمال غرب سينكجيانغ (Xinjiang)[95].

 

خيارات تصدير الغاز من بحر قزوين

مع الارتفاع الكبير في الطّلب على الغاز في أوروبا أصبح من المهم البحث عن خيارات بديلة للحصول على الغاز الطّبيعي, وتشكّل احتياطات الغاز في بحر قزوين خيارًا مناسبًا في هذا الإطار. ومن هنا أخذت الدّول الأوروبيّة تبحث عن خيارات بديلة لنقل الغاز من قزوين إلى أوروبا. وفي المقابل تسعى روسيا إلى تغطية الارتفاع في حجم الطلب عبر احتياطاتها, أو عبر الغاز من تركمانستان, أوزبكستان وكازاخستان, خصوصًا وأنّ هذه الدّول لا تملك خيارات أخرى لنقل إنتاجها إلى الأسواق العالميّة.

وتسعى دول بحر قزوين إلى نقل إنتاجها إلى الأسواق العالميّة, وفي نفس الوقت تتفادى العبور في الممر الرّوسي, وذلك لعدّة أسباب: فهذه الدّول تعاني من تعرفة الغاز الّذي تبيعه لروسيا وتخوض صراعًا كبيرًا على الأسعار, فعلى سبيل المثال تقوم روسيا بشراء الغاز من هذه الدّول بنصف الثّمن الّذي تبيعه إلى الأسواق الأوروبيّة, وبالتّالي تبدو هذه الدّول في حال مفاوضات شبه دائمة حول هذا الموضوع[96]. أضف إلى ذلك أنّ هذه الدّول تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الغرب, وقد وجدت في المفاوضات حول الأنابيب وسيلة لبناء روابط مع الاتّحاد الأوروبي, وعلاقات إستراتيجيّة مع الولايات المتّحدة وعضويّة في النّاتو[97].

من هنا تسعى هذه الدّول إلى البحث عن طرق بديلة لنقل صادراتها, فالغاز في هذه المنطقة مهم استراتيجيًّا لعدّة أسباب: أوّلًا, لأنّ احتياط الغاز الكبير الّذي تملكه هذه الدّول, وبالتّحديد كل من آذربيجان وتركمانستان, مقابل قلّة الإستهلاك في الأسواق المحلّيّة يجعلها خيارًا مغريًا للأسواق الأوروبّية, خصوصًا على المدى البعيد, وثانيًا فإنّ الحصول على الغاز من هذه الدّول يحقّق لأوروبا التّنوّع في واردات الغاز[98].وشكّل خط باكو-تبليسي أرزورم شريانًا مهمًّا لأوروبا في سعيها لتنويع مصادر الطّاقة. وتمّ افتتاحه في حزيران/ يونيو 2006‘ وبطول يتجاوز 890 كلم, مع سعة قصوى تصل إلى حوالى 16 مليار متر مكعب سنويًّا. ومع تطوير حقل شاه دنيز الآذري للغاز الّذي من المتوقّع أن تصل احتياطاته إلى أكثر من تريليون متر مكعب, يتحوّل هذا الخط إلى جزء من الممر الإستراتيجي الّذي يُطلق عليه شبكة آذربيجان -جورجيا-تركيا أو ممر شرق-غرب والهدف الأساس منه التّخلّص من السّيطرة الرّوسيّة على طرق النّقل[99].

ويُعتبر هذا الخط ممرًّا أساسيًّا للغاز الطّبيعي إلى أوروبا, ولكن لايزال ينقصه الرّابط الّذي سيصله بأوروبا حيث سيغطّي خط نابوكو هذا الفراغ الّذي يُعتبر جزءًا حيويًّا من مشروع ممر شرق-غرب.هذا الخط ينطلق من تركيا ليصل إلى النّمسا عبر كل من بلغاريا ورومانيا, وهنغاريا حيث قامت خمس شركات (بوتاس من تركيا-بلغارغاز من بلغاريا-ترابزغاز من رومانيا MOL من هنجاريا-وOMV من النّمسا) بتوقيع اتّفاق تعاون في العام 2002 لنقل الغاز من تركيا والبلقان إلى وسط أوروبا وغربها قبل أن تقوم في العام 2005 بإنشاء شركة (Nabucco Gas Pipeline International Ltd), لتعود شركة RWE الألمانيّة للانضمام إلى المشروع. وتتولّى هذه الشّركة مسؤوليّة تمويل المشروع الّذي سيصل طوله إلى حوالى 3300 كلم مع إمكان نقل 31 مليار متر مكعب من الغاز الطّبيعي في السّنة[100].

 

مشروع خط أنابيب نابوكو[101]

ولكن يقف في وجه هذا المشروع عدد من العوائق التي حالت دون تنفيذه, فمن جهة أولى واجهت هذه الشّركات إشكاليّة تزويد هذا الأنبوب بالكمّيّات الكافية من الغاز الطّبيعي. ومن ناحية ثانية أبرزت قدرة استيعاب خط باكو-أرزورم المعضلة الأولى حيث أنّ سعته القصوى وصلت في أحسن التّقديرات إلى 16 مليار متر مكعب, أي نصف قدرة خط نابوكو الاستيعابيّة, الّذي سيتّصل به, من هنا بدأ السّعي إلى توسيع هذا الخط. ومن ناحية ثالثة شكّلت الاكتشافات النّفطيّة في آذربيجان حجر الأساس في هذا المجال. ولكن المعطيات على أرض الواقع أظهرت أنّ قدرة حقل شاه دنيز تصل في أقصى أحوالها إلى حوالى 12 مليار متر مكعب في العام, وبالتّالي ليست قادرة على تلبية خط نابوكو وخط تركيا-اليونان-إيطاليا, الّذي تبلغ قدرته الاستعابيّة الأوّليّة حوالى 8 مليار متر مكعب, يأتي معظمها من هذا الحقل[102].

أمام هذا الواقع برز الخيار التّركماني لتعويض هذا النّقص, فتركمانستان كانت جزءًا من ممر شرق-غرب, ولكن مع الاكتشافات الّتي حصلت في آذربيجان, وتحوّلها إلى ممر ومنتج في الوقت نفسه, تراجع الدور التركمانستاني, خصوصًا في ظل تشكيك دول الاتّحاد الأوروبي بقدرة تركمانستان على الإيفاء بالتزاماتها في ظل التّعاون التّركماني مع الشّركات الصّينيّة. ولكن الحصول على الغاز التّركماني يتطلّب بناء خط عبر قزوين من تركمانستان إلى آذربيجان وعبرها إلى تركيا لتزويد نابوكو بالغاز التّركماني. إلا أنّ مشروع عبر قزوين يواجه العديد من الصّعوبات, فهو أكثر المشاريع كلفة من بين جميع المشاريع المطروحة, وهناك الاعتراض الرّوسي الإيراني على مشروع الأنابيب لاعتبارات بيئيّة. وهناك المشاكل اللّوجستيّة النّاتجة من إنشاء الخط تحت الماء. وهناك عدم التّوصّل إلى حل نهائي للمشاكل القانونيّة لذلك البحر[103].

وفي كانون الثّاني/ يناير2011 قام الرّئيس التّركماني (غوربانغولا برديمكوخامدوف) ورئيس المفوضية الأوروبيّة (خوسيه مانويل باروسو), بالإعلان عن استعداد الاتّحاد الأوروبي لشراء الغاز التّركماني. ولكن تبقى إشكاليّة إضافيّة وهي أنّ الصّين تسعى للحصول على هذا الغاز نظرًا لوجود اتّفاق يقضي بأن تزوّد عشق أباد بكين بحوالى 30 مليار متر مكعب سنويّا من الغاز لمدّة 30 عام.[104]

هذه الإشكاليّات أعادت إلى السّاحة مشروع خط الأنابيب عبر أفغانستان, والّذي يوصل الغاز التّركماني إلى الهند عبر كل من أفغانستان وباكستان (TAPI), وهو الحاصل على التّأييد والدّعم الأميركي. هذا الخط يبلغ طوله 1700 كلم بكلفة تقدّر بحوالى 8 مليارات دولار أميركي[105]. وسعت كل من أوروبا والولايات المتّحدة إلى دعمه والتّرويج له, وذلك في إطار البحث عن طرق إمداد بديلة خوفًا من تكرار المشكلة بين روسيا وأوكرانيا, في شتاء 2005-2006, والّتي أدّت إلى قطع إمدادات الغاز عن أوروبا. وفي هذا الإطار بدأ عدد من الشّركات دراسة هذا المشروع, وعلى سبيل المثال, قامت الشّركة النّمساويّة OMV والشّركة الألمانيّة RWE AG في كانون الأوّل/ دسمبر 2008 بتأسيس شركة بحر قزوين بهدف تقييم إمكانات هذا المشروع والبحث في طرق تمويله. لكن تقف أمام هذا المشروع عقبتان, الأولى الوضع الأمني في أفغانستان, خصوصًا وأنّ هذا المشروع يقتضي المرور يمر بأكثر مناطقها توتّرًا, والثّانية, تردّد نيودلهي في الاعتماد على إسلام أباد بهدف تأمين أمن الطّاقة لديها, نظرًا لطبيعة العلاقة الّتي تجمع الدّولتين[106].

وتدرك كل من روسيا وإيران أنّ جُل هذه المخطّطات تهدف إلى عزلهما, لذلك كان من الطّبيعي أن تتّخذ كل دولة منهما إجراءاتها لمواجهتها. فالحكومة الرّوسيّة استفادت بشكل كبير من الارتفاع الهائل الّذي شهدته أسعار النّفط والغاز لتحقيق النّمو وتمويل خططها الاقتصاديّة. ومن هنا ترى موسكو أنّ بحث الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي عن بدائل للغاز الرّوسي هدفه بالأساس سياسي, وهو منعها من الاضطلاع بدورٍ فاعل على السّاحة الدّوليّة. فروسيا في البداية كانت تملك لنقل الغاز إلى أوروبا خطّين عبر البلقان, بالإضافة إلى خط يامال, ولكن مع المحاولات الغربيّة لبناء شبكة أنابيب غاز تتجاوزها, عمدت موسكو إلى المبادرة بدورها عبر مشروع بلوستريم الّذي ينطلق عبر البحر الأسود وصولاً إلى أوروبا والّذي تمّ افتتاحه في العام 2005 ووصلت سعته في العام 2010 إلى 16 مليون متر مكعب[107].

 

أنابيب الغاز الموجودة, قيد الإنشاء والمقترحة في منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين[108]

تطرح موسكو عددًا من مشاريع الأنابيب الأخرى (مثل بلوستريم 2) الّذي يتبع طريق (بلوستريم 1) ذاتها, بالإضافة إلى مشروع ساوثستريم الذي ينطلق من شواطئ البحر الأسود وعبر أعماقه وصولاً إلى بلغاريا مع قدرة استيعاب تصل إلى 30 مليار متر مكعب سنويًّا, وهو الخط المنافس لنابوكو. وتقوم شركة غازبروم بالتّسويق لهذا المشروع في كل من النّمسا وهنغاريا لتكونا مركزًا رئيسًّا للغاز الرّوسي في وسط أوروبا إذا ما التزمتا بمشروع (بلوستريم 2) بدلاً عن مشروع نابوكو[109]. وفي 12 نيسان/ أبريل 2012 أعلن وزير الخارجيّة الهنغاري (فيكتور أوربن) أنّ شركة MOL تنوي الانسحاب من مشروع نابوكو, كما أعلن النّاطق بإسم شركة النّفط الألمانيّة RWE في 13 أيّار/ مايو أنّ الشّركة تفكّر في الانسحاب من المشروع بسبب تضاعف كلفته وعدم اليقين من وصول الغاز التّركماني, ما يعزّز من فرص المشروع الرّوسي على حساب نابوكو[110].

وعلى الرّغم من الحصار الغربي لها إلاّ أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة تمكّنت من استغلال موقعها الإستراتيجي للحد من تأثير هذا الحصار. فخط تبريز-أنقرة الّذي افتُتح في العام 2001 منح إيران في البداية فرصة الدّخول بقوّة إلى أسواق الغاز العالميّة. ولكن في العام 2002 توقفت تركيا عن استيراد النّفط من إيران بسبب الأسعار المخفّضة الّتي قدّمتها روسيا لها, لتعود في العام 2004 لتطلب من إيران شراء الغاز بأسعار مخفّضة, لكن طهران رفضت بسبب أنّ انقرة كانت تريد إعادة بيع هذا الغاز إلى أوروبا بهدف تحقيق الأرباح. وبالمقابل تدور مفاوضات بين كل من إيران والهند وباكستان لبناء خط أنابيب IPI لتأمين الغاز الإيراني لهذه الدّول, وتقدّر كلفة المشروع بحوالى 7.5 مليار دولار. لهذا الخط إمكانات كبيرة لمنافسة خط TAPI , فهو بكلفة مشابهة وسوف يتيح تزويد كل من باكستان والهند الغاز من دون المرور بالمخاطر الموجودة في أفغانستان[111].

وبطبيعة الحال تعارض الإدارة الأميركيّة هذا المشروع, وقد صرّح المسؤول في الخارجيّة الأميركيّة ستيفن مان, " أنّ الإدارة الأميركيّة تدعم عددًا من خطوط الأنابيب من بحر قزوين, لكنّها تبقى معارضة بشكل كامل لخطوط أنابيب تتضمّن إيران". فالإدارة الأميركيّة تخشى تحوّل هذا الخط إلى بوّابة لتصدير الغاز الإيراني إلى الأسواق العالميّة[112].

على الرّغم من استمرار الخلاف على حوض بحر قزوين, إلا أنّه من المستبعد في المستقبل القريب تحوّل هذا النّزاع إلى مواجهة عسكريّة, أضف إلى ذلك, فالصراع هو بالأساس على النّفط وليس على الأراضي, فإنّ القوّة العسكريّة في هذه الظّروف لا تعود بذات التّأثير لأنّ أي مواجهة عسكريّة, مهما كان حجمها, ستنعكس سلبًا على عمليّة التنقيب عن النّفط واستخراجه, وبالتّالي سوف تدفع المستثمرين إلى الخروج من المنطقة, ما يعني أنّ أي مواجهة عسكريّة ستكون كلفتها أكثر من مردودها. لكن بالمقابل تبدو آفاق الحل شبه منعدمة في المدى المنظور, فتمسّك كل طرف بموقفه يجعل من الصّعب التّوصّل إلى تسوية. ونجاح كل من روسيا وكازاخستان وآذربيجان بالتّوصّل إلى اتّفاق لتقسيم الجزء الشّمالي لبحر قزوين لا يعني إنهاء الخلاف على الوضع القانوني, كون هذا التّقسيم يقتصر فقط على موضوع البحث والتّنقيب عن النّفط والغاز, في حين أنّ وضع إطار قانوني شامل لبحر قزوين هو أشدّ تعقيدًا من ذلك, خصوصًا بعدما تحوّل الخلاف القانوني إلى غطاء لصراعات إقليميّة ودوليّة.

أخيرًا, ومن خلال مراقبة مجريات الأحداث, بالمقابل يبدو أن الوضع الأمني والسّياسي مرتبط بالأساس بالقيمة الإستراتيجيّة للمنطقة لما تحويه من مصادر طاقة, من هنا يرى العديد من المراقبين أنّ المستقبل هناك مرتبط إلى حد كبير بعمليّات الاستكشافات الجارية في بحر قزوين, فإذا كانت نتائج الاكتشافات مشجّعة لناحية كمّيّات احتياطات النّفط والغاز, فإن هذا الأمر سيدفع المنطقة نحو مزيد من التّوتّر, وذلك لأنّ القوى الإقليميّة والدّوليّة ستسعى للحصول على أكبر حصّة من النّفط والغاز. وبالمقابل إذا لم تأتِ عمليّات الاستكشاف على قدر التّوقّعات, فإنّ الاهتمام بالمنطقة سوف يتراجع, وبالتّالي فإن حدّة التّوتّر سوف تتراجع هي الأخرى.

 


[1]-     Rajan Menon, "Introduction: Central Asia in the Twenty-First Century", in Central Asia: Views From Washington, Moscow & Beijing, M.E. Sharpe, New York, 2007, pp 3-17

 

[2]-     Zbigniew Brzezinski, "The Grand Chessboard", Basic Books,1997, New York, p 6, 31-34

 

[3]-     يُقصد «باللّعبة الكبرى»بحسب وصف الرّوائي البريطاني- الهندي «روديار كيبلينج»: الصّراع الإنكليزي الرّوسي في القرن التّاسع عشر حول النّفوذ في منطقة آسيا الوسطى, والذي أدّى في نهاية المطاف إلى حصول أفغانستان على استقلالها.

 

[4]-     Robert Ebel & Menon Rajan, "Energy and Conflict in Central Asia and The Caucasus", Rowman and Littlefield Publishers, New York, 2000, p 214-216

 

[5]-     المادّة 122 من مؤتمر الأمم المتّحدة حول القانون الدّولي للبحار,10/12/1982

 

[6]-     Vladimir Mamaev, "The Caspian Sea: Enclosed and with Many Endemic Species", Report, European Environmental Agency, 2002

 

[7]-     Mehmet Ogütçü, "Caspian Energy and Legal Dispute", Report, Institut français des relations internationals, June 2003

 

[8]-     Gennady Chufrin, "Introduction: The changing Caspian security environment", In The security of the Caspian Sea Region, Edited By (Gennady Chufrin), Oxford University Press, New York, 2001, pp 1-7

 

[9]-     محمّد رضا جليلي, تيري كيلر،"جيوسياسية آسيا الوسطى"، دار الإستقلال للثقافة والعلوم القانونية، بيروت، 2001، ص 214.

 

[10]-    www.asc-centralasia.edu.pk, "The Economic and Geo Strategic Importance of the Caspian Sea", Accessed on 23/10/2012

 

[11]-    محمّد رضا جليلي, تيري كيلر, مرجع سابق, ص214-215

 

[12]-    Gregory Hall & Tiara Grant, "Russia, China, and the Energy-Security Politics of the Caspian Sea Region after the Cold War", Mediterranean Quarterly, Vol 20 No 2, 2009, pp 113-137

 

[13]-Ibid

 

[14]-    Carol R Saivetz, "Caspian Geopolitics: The View from Moscow", Davis Center for Russian Studies, Harvard University, Summer/Fall 2000 – Volume VII, Issue 2

 

[15]-    Carol R Saivetz, op.cit

 

[16]-    Dmitri Trenin, "Russia and Central Asia: Interests, Policies, and Prospects", in Central Asia: Views From Washington, Moscow & Beijing, M.E. Sharpe, New York, 2007, pp 75-136

 

[17]-    تضم منظّمة شانغهاي الّتي تأسّست في العام 2001 كلاً من: روسيا, الصّين, كازاخستان, قرغيزستان, طاجكستان وتركمانستان, بالإضافة إلى وجود دول مراقبة مثل إيران, باكستان والهند.

 

[18]-    Nathan L. Burns, & Houman A. Sadri, "Russia, Iran, & Strategic Cooperation in the Caspian Region", Report, March 2008

 

[19]-    Russia, China, and the Energy-Security Politics of the Caspian Sea Region after the Cold War, Op.Cit, pp 113-137

 

[20]-    Ian Rutledge, "Addicted to Oil", I.B. Tauris, New York, 2005, pp 102-110

 

[21]-    www.brookings.edu, "A Not-So-Grand Strategy", Accessed 30/5/2011

 

[22]-    "A Not-So-Grand Strategy, Op.Cit"

 

[23]-    Ian Rutledge, Op.Cit, p 104

 

[24]-Gawdat Bahgat, "American Oil Diplomacy in the Persian Gulf and the Caspian Sea", University Press of Florida, Florida, 2003, pp 154 - 155,

 

[25]-    Eugene Rumer, "The United States and Central Asia", in Search of a Strategy central Asia, in Central Asia: Views From Washington, Moscow & Beijing, M.E. Sharpe, New York, 2007, pp 18-74

 

[26]-    Stephen J. Blank, "Challenges and Opportunities for the Obama Administration in Central Asia", Strategic Studies Institute, 2009

 

[27]-    Ozden Zeynep Oktav, "American policies towards the Caspian sea and the Baku-Tbilisi- Ceyhan Pipeline", Perceptions, Spring 2005, pp 17 - 34

 

[28]-    Zhao Huasheng, "Central Asia in China’s Diplomacy", in Search of a Strategy central Asia, in Central Asia: Views From Washington, Moscow & Beijing, M.E. Sharpe, New York, 2007, pp137-214

 

[29]-    Zhao Huasheng, Op.Cit, pp 137-214

 

[30]-    Ibid pp 137-214

 

[31]-    Ibid

 

[32]-    Russia, China, and the Energy-Security Politics of the Caspian Sea Region after the Cold War, Op.Cit

 

[33]-    Mehrdad M. Mohsenin, "The evolving security role of Iran in the Caspian region", in The security of the Caspian Sea Region, Edited By (Gennady Chufrin), Oxford University Press, New York, 2001, pp 166-177

 

[34]-    Mehrdad M. Mohsenin, Op.Cit, pp 166-177

 

[35]-    Ian Rutledge, Op.Cit, p 170

 

[36]-    Ali Karaosmanoglu, "Turkey’s objectives in the Caspian region", in The security of the Caspian Sea Region, Edited By (Gennady Chufrin), Oxford University Press, New York, 2001, pp 151-165

 

[37]-    Ali Karaosmanoglu, Op.Cit, pp 151-165

 

[38]-    Mehmet Ögütçü, "Caspian Energy, Poker Game and Turkey", Report for the Conference on International Energy Security and Regional Instabilities, Berlin, 2000

 

[39]-    Barbara Janusz, "The Caspian Sea Legal Status and Regime Problems", Report, The Royal Institute of International Affairs, Berlin, 2005

 

[40]-    L’accord portant sur la création d’une communauté des Etats indépendants, Nations Unies, Doc.A/46/771

 

[41]-    Rima Tkatova, «La Mer Caspienne et le droit international: délimitation et gestion des ressources», Mémoire, Université Jean Moulin, Lyon, 2006, pp 19-26

 

[42]-    Federico Formentini, & Tommaso Milani, "The legal status of the Caspian sea", Report, European Center for Energy Security Analysis, Working Paper No 4, 2012

 

[43]-    Ibid

 

[44]-    Rustam Mamedov, "International Legal Status of the Caspian Sea: Issues of Theory and Practice", The Turkish Yearbook of International Relations, vol. XXXII, Ankara,2002, pp 217-259

 

[45]-    Ibid

 

[46]-    بناء على الاقتراح الآذري فإنّ اعتبار بحر قزوين «بحيرة حدوديّة» يفرض تطبيق تدابير قانونيّة مختلفة عن تلك الّتي كانت موجودة سابقًا, وبالتّالي يتطلّب إبرام معاهدات بين الدّول المشاطئة للبحر. وفي ظل غياب الإتّفاقيات الدّوليّة الّتي تتناول موضوع ترسيم البحيرات الحدوديّة فإنّ الأعراف الدّوليّة تبقى المصدر الأساس لهذا الهدف حيث تظهر الممارسات السّابقة أنّ البحيرة يتم تقسيمها لتحصل كل دولة مشاطئة على سيادة كاملة على السّطح, وعلى الموارد الطّبيعيّة والإحيائيّة والملاحة داخل الحيّز الخاص بها.

 

[47]-    Ibid

 

[48]-    Faraz Sanei,"The Caspian Sea Legal Regime, Pipeline Diplomacy, and the Propsects for Iran's Isolation from the Oil and Gas Frenzy", Vanderbilt Journal of Transnational Law, May 1, 2001

 

[49]-    Rima Tkatova, Op.Cit, pp 41-43

 

[50]-    UNCLOS: United Nations Convention on the Law of the Sea

 

[51]-    Barbara Janusz, Op.Cit

 

[52]-    Federico Formentini & Tommaso Milani, Op.Cit

 

[53]-    Rima Tkatova. Op.Cit, pp 55-57

 

[54]-    Rustam Mamedov, Op.Cit, pp 217-259

 

[55]-    Rima Tkatova, Op.Cit, p 44, 49

 

[56]-    Ibid, pp 29-30

 

[57]-    المادّة 83 من المؤتمر الأمم المتّحدة للقانون الدّولي للبحار,10/12/1982

 

[58]-    Rustam Mamedov, Op.Cit, pp 217-259

 

[59]-    Federico Formentini& Tommaso Milani, Op.Cit

 

[60]-    "Caspian Energy and Legal Dispute, Op.Cit"

 

[61]-    Federico Formentini& Tommaso Milani, Op.Cit

 

[62]-    Rustam Mamedov, Op.Cit, pp 217-259

 

[63]-    www.payvand.com, "National Interests of Iran in the Caspian Sea", Accessed on 8/11/2011

 

[64]-    Caspian Energy and Legal Dispute, Op.Cit

 

[65]-    Ibid

 

[66]-    Federico Formentini & Tommaso Milani, Op.Cit

 

[67]-    National Interests of Iran in the Caspian Sea,Op.Cit

 

[68]-    Rima Tkatova, Op.Cit, 53-54

 

[69]-    National Interests of Iran in the Caspian Sea", Op.Cit"

 

[70]"Baku Summit and New Policy of Iran in the Caspian Sea", Op.Cit -

 

[71]-    Federico Formentini& Tommaso Milani, Op.Cit

 

[72]-    theseasproject.weebly.com, Accessed on 12/5/2012

 

[73]-    National Interests of Iran in the Caspian Sea", Op.Cit"

 

[74]-    www.jamestown.org, "The Caspian legal Settlement Remains Elusive", Accessed on 17/7/2010

 

[75]-    www.payvand.com, "Baku Summit and New Policy of Iran in the Caspian Sea", Accessed on 22/5/2011

 

[76]-    Ibid

 

[77]-    www.islamicinvitationturkey.com, "Iran discovers 46 oil fields in Caspian Sea", Accessed on 17/2/ 2010

 

[78]-    The Caspian legal Settlement Remains Elusive", Op.Cit"

 

[79]-    www.islamicinvitationturkey.com, "Turkmen President Calls for Diplomatic Solution to Caspian Legal Regime", Accessed on 9/1/2012

 

[80]-    www.payvand.com, "Caspian Sea: Potentials for Conflict", Accessed on 13/6/2010 - www.eurasianet.org, "Frustration Mounting, Moscow Talks about Militarizing", Accessed on 6/7/2011

 

[81]-    Mamuka Tsereteli, "Economic and Energy Security Connecting Europe and the Black Sea Caspian Region", Report, Central Asia-Caucasus Institute, Washington, 2008

 

[82]-    Faraz Sanei, Op.Cit

 

[83]-    Ibid

 

[84]-    A Not-So-Grand Strategy" Op.Cit"

 

[85]-    Viktor Sergeyev & Sevak Sarukhanyan, "Caspian Gas and Europe New Pipeline: New Pipelines Old Problems", 21 st Century, No 2, 2007

 

[86]-    John Miglietta, "American Alliances in Central Asia", Report Prepared for the International Studies Association, Montreal, 2011

 

[87]-    "The Baku-Tbilisi-Ceyhan Pipeline: Oil Window to the West"

Edited by Frederick Starr and Svante E.Cornell, Central Asia-Caucasus Institute,Washington, 2005

 

[88]-    www.novinite.com, Accessed on 3/7/2012

 

[89]-    Fiona Hill, "Pipelines in the Caspian", Goergetown Journal of International Affairs, Winter/Spring 2004

 

[90]-    Faraz Sanei, Op.Cit

 

[91]-    Mamuka Tsereteli, Op.Cit

 

[92]-    Faraz Sanei,Op.Cit

 

[93]-    Mamuka Tsereteli, Op.Cit

 

[94]-    Nicklas Norling, "Gazprom’s Monopoly and Nabucco’s Potentials: Strategic Decisions for Europe", Report, Central Asia-Caucasus Institute, Washington, 2007

 

[95]-    Irina Ionela Pop, "China’s energy strategy in Central Asia", UNISCI Discussion Papers, Nº 24, 2010

 

[96]-    Mamuka Tsereteli, Op.Cit

 

[97]-    Fiona Hill, "Russia's International Integration and Caspian Sea Oil Russia's International Integration and Caspian Sea Oil", PONARS Policy Memo 9, October 1997

 

[98]-    Nicklas Norling, Op.Cit

 

[99]-    Ibid

 

[100]-  Nicklas Norling, Op.Cit

 

[101]-  www.nabucco-pipeline.com, Accessed on 2/1/2013

 

[102]-  Nicklas Norling, Op.Cit

 

[103]-  www.noravank.am, "Trans-Caspian Gas Pipeline: Goals, Problems and Risks", Accessed on 3/7/2012

 

[104]Trans-Caspian Gas Pipeline: Goals, Problems and Risks" Op.Cit"

 

[105]-  John Foster, "A Pipeline Through a Troubled Land", Canadian Center for Policy Alternatives, June 2008

 

[106]Trans-Caspian Gas Pipeline: Goals, Problems and Risks", Op.Cit"

 

[107]-  Nicklas Norling,Op.Cit

 

[108]A Pipeline Through a Troubled Land", Op.Cit"

 

[109]-  Ibid

 

[110]Trans-Caspian Gas Pipeline: Goals, Problems and Risks", Op.Cit"

 

[111]A Pipeline Through a Troubled Land", Op.Cit"

 

[112]-  Ibid

 

 

The international competition over the Caspian Basin

Ever since the beginning of the nineties, some talks were circulating about the Asian region being transformed into a major player in the field of global energy, as the research centers and western petroleum companies have expected that the petroleum and natural gas reserves in the Caspian Sea are equivalent to those found in the Persian Gulf. In light of this situation, the governments of these new countries have endeavored to invest these riches with the aim of improving the economic situation in countries which were already facing grave economic difficulties following the collapse of the Soviet Union and the end of the “Umbrella countries” phenomena. These countries have found themselves face to face with the dilemma of establishing their economic independence after achieving political independence.

La compétition internationale sur le bassin de la mer Caspienne

Dès le début des années 90 du siècle passé, on a commencé à dire que l’Asie centrale sera un des joueurs principaux sur la scène internationale concernant l’énergie. En fait, les prévisions effectuées par les centres de recherche et les entreprises de pétrole de l’Ouest ont révélé que les réserves de pétrole et de gaz naturel dans la mer Caspienne sont équivalentes aux réserves se trouvant dans le golfe persan. Suite à ces facteurs, les gouvernements des nouveaux pays ont cherché à exploiter les ressources en vue d’améliorer leur situation économique qui souffrait de graves difficultés à la suite de la dislocation de l’Union Soviétique. Ces pays, devenus indépendants de l’Union Soviétique ont fait face à un nouveau problème, celui d’aboutir à une indépendance économique, après l’obtention de l’indépendance politique.