عبارة

الثروة الوطنيّة
إعداد: العميد علي قانصو
مدير التوجيه

مخطئٌ مَن يعتقد أنّ الثروة الوطنيّة الحقيقيّة هي العائدات الماليّة أو التجاريّة أو الموارد الماديّة كالنفط والماء وغيرها. ومع تأكيد أهميّة كلّ ذلك في نهضة البلدان وتقدّمها واستمرارها، لا سيّما لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة حادّة، فإنّ المقوِّم الأساسيّ والمورِد النفيس الذي لا يعوَّض، والذي تعوّل عليه الدول لحياتها ونموّها، هو العنصر البشريّ ولا سيّما الشباب.

 

إنّه الشباب الخلّاق المبدِع، رمز الطاقة والطموح والاندفاع والعطاء، الذي يُضْفي على المجتمع صفة النشاط والإنتاج، ويخلق أحلام المستقبل، ويكتشف الطرق والأدوات والتقنيّات لتحقيقها، وينقل وطنه إلى أعلى درجات الرقيّ والحضارة. نقول ذلك في زمنٍ بتنا نرى فيه الطائرات التي تغادر لبنان ممتلئةً بخيرة شبّاننا من ذوي العلم والثقافة والقدرات والأفكار النيّرة، فتنقلهم حيث يأملون في الحصول على فرصِ عملٍ أفضل وحياةٍ أكثر استقرارًا وسعادةً.

 

هذا، في الحقيقة، هو المورد الذي يشكّل أكبر خسارة لبلدنا. وإذا كانت هجرة اللبنانيّن قد أكسبتْنا في السابق امتدادًا بشريًّا وجغرافيًّا واقتصاديًّا واسعًا، فإنّ ارتفاع أعداد شبابنا المغادرين في هذه المرحلة يُنبئ بخطرٍ داهمٍ إذا ما استمرّ بهذا الشكل.

 

لا شكّ في أنّ لهذا الخيار ما يبرّره بفعل الضائقة المعيشيّة القائمة، لكنّ الشباب مدعوون إلى وضع الهجرة في أسفل أولويّاتهم لا على رأسها، لأنّ بلادهم تحتاج إليهم، فلا نهضة لها من دونهم. وهذا واقعٌ يعرفه الضباط والعسكريّون في الجيش حقّ المعرفة. فلولا اختيار آلاف الشبّان البقاء في أرضهم، والانخراط في صفوف المؤسّسة العسكريّة ونيل شرف الدفاع عن لبنان، لما ظلّت المؤسّسة قويّة منيعةً تجري في عروقها دماءٌ نابضةٌ متجدّدة، متحفزة إلى أداء الواجب، ولفُقِد بعدها السلم الأهليّ وضاع الوطن بغياب ركيزته الأمنيّة.

 

وكما نعمل كعسكريّين لنحفظ أرضنا الطيّبة وشعبنا الحبيب، ونهيّئَ له الاستقرار الملائم كي ينهض من محنته، فإنّ أملنا يبقى في أبنائنا اليافعين، الذين لا تكتمل دورة الحياة من دونهم، فليكن إيمانهم ببلادهم حيًّا راسخًا، وليعلموا أنّ عزيمتهم تجعل المستحيل ممكنًا.