باختصار

الثورة المضافة
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

لطالما بلغت الثورات مقاصدها من دون أن تستأذن أحدًا. الظروف المحيطة والبيئة الحاضنة والسواعد المرفوعة، هي التي تحدّد المسير وتقرّر المصير في أحيان كثيرة. والتجربة الجارية والواقع الملموس هما اللذان يعلنان النجاح، أو يشيران الى الفشل، فتتكرّر التجربة، أو تتأخر الى وقت لاحق... أو تذهب الى زمن بعيد.
الثورات كالهواء في الفضاء من حيث قدرة الانتشار، هبوبًا عاصفًا، أو دفعًا متبصّرًا معتدلًا، فمن ثورة البركان التي تبيّت غايات دفينة في الأرض، الى ثورة الريح الماطرة التي تحاول أن تلغي بدقائق معدودات آثار جفاف قديم، الى ثورة الشعب وهو يطلب حرّيته، الى ثورة بلاد تطلب الاستقلال، الى ثورة في الفن وثورة في الأدب... وثورة في كل شيء.
ويتّفق كثيرون على أنّ الأمور ذوات الصلة، وهي الأفكار والآراء ومستويات المعيشة والتعيينات الوظيفية... تتداخل عندنا. فلا تلك المجموعة السياسية في صف واحد من دون الآخر، ولا تلك الفئة الدينية في اتّجاه منفصل عن كل ما عداها من الفئات. وما يُعرف بالاصطفاف لم يكتمل في أي ظرف من الظروف ولم يقفل الباب أمام الوافدين، حتى إنّ ما كان يحصل في الماضي من اختيار للناس بالاستناد الى بطاقات هوياتهم وأماكن سكنهم، لم يعد قابلًا للحصول. الحابل في كأس النابل، والأسود ظلّ للأبيض في لوحة المجتمع، والأبيض توشيح للأسود. فأنت لا تجد الفقراء بعيدين عن الأغنياء في قسم كبير منهم، كما أنّك لن تلتقي بالأغنياء من دون أن تجد مجموعات من الفقراء تندفع اليهم داعمة مؤيّدة، سائرة خلفهم والى جانبهم وأمامهم، متباعدة بذلك عن محيطها وأهلها.
وفوق هذا المشهد، وفي كل الفصول، تخيّم الحريّة وكأنّها المناخ العام بأسره. فعندنا، هنا في بلادنا، المزيد من الحرية، ولا يخفى ذلك على أحد. وعندنا ديموقراطية معروفة، لكن، عندنا بالمقابل لاعب شيطان لا يهدأ ولا يستريح: هو الفوضى. الفوضى تلك هي المخرّب الساهر دائمًا، المتحفّز أبدًا، لملاحقة القانون وعرقلة النظام، وتهديم البناء. لا يكاد القانون يبلغ موقعًا أو زاوية أو منتدى، إلّا وتفاجئه الفوضى، التي تكون قد وصلت قبله، فأقامت المحافل، وشرّعت النوافذ، واستأنفت اللهو والثرثرة. إنّ الديموقراطية مصونة في هذه البلاد، وهي تتعافى من المرض بعد كل أزمة، وتنجو من الجرح والإصابة بعد كل موقعة، والحرّية مشرقة لا تغيب، والثورة لاعب في كل ملعب، وهي تتجاوز القيود وتتخطّى التصنيفات، إلّا أنّ ما نحتاج اليه هو خطوات ثورية من نوع آخر، نتدرّب عليها في ساحاتنا، ونحصد خيراتها من حقولنا، بعد أن نعيد ترتيب شمائلها، وننزع زوآنها من بين سنابل القمح، ثم نضيفها الى أكوام بيادرنا ونعمّم حبّاتها في الديار. نحتاج الى ثورة مضافة تضبط الإيقاع، وتغيّر ما يجب تغييره، وتسدّد الخطى في طريق آمن واضح، صحيح المعالم.
إنّ الثورة هي مجموعة خطوات وكتلة مداميك. خطوة تتبعها خطوة، ومدماك يعلو مدماكًا، وليس من الضروري في كل مرّة أن تبدأ من الأول. والثورة المضافة هي مدماك يضاف الى البناء العريق، وقفزة جريئة في الطريق الطويل، نحافظ من خلالها على ما سبق من إنجازات، ونؤكّد بواسطتها أنّ الحرية، فيما لو أسيء استخدامها، استحال نورها الى ظلام، وتحطّم فيها كل جناح.