كلمتي

الجاذبية
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مديـر التوجيـه

لعلّ في قوّة الجاذبيةّ الفعاليّة الأولى التي تربط الموجودات واحدها إلى الآخر، وبالتّالي تحدّد التوازن بين الكواكب بأسرها.
كما أنّ الجاذبيّة هي العامل الأساسي الذي يضبط حركة الأشياء في ما بينها، أو بكلمة مباشرة يجذبها إلى بعضها، ويؤمّن تماسكها في مقابل بعضها وقوفاً أو انبساطاً أو جرياناً، متصلة وملتصقة إلى الأبد.
وكم من قائل إنّ الشيء المنفرد والمنعزل عن غيره، يتآكل من تلقاء نفسه، ويتطوّر ويتغيّر، وتتفاعل ذرّاته تكسّراً وتصدّعاً وتفتّتاً من اجل أنّ يتحول إلى أشياء وأشياء، تتباعد وتتقارب... وتنجذب.
من هنا فإنّ الأشياء في تباعدها ذاك، وفي تقاربها على السواء، إنما تكون في تواصل وتتابع مدروسين ومحسوبين ومنظورين، وبعيدين أشدّ البعد عن الفوضى والضّياع والوقوع في المجهول. هذا تماماً ما يمكن أن نصف به أجنحة وطننا التي بها يتوازن ويستمر ويهتزّ ويستقرّ ويبتعد ويقترب ويعلو ويهبط في الكيان العالمي الكبير.
هلاّ رأيتم طيراً يقلع من استراحته إلى أطراف الشجر أو إلى أبعاد الفضاء، من دون أنّ يهتز كيانه استيقاظاً واستعداداً وجهوزيّة؟ ألا يبدو أمامكم، في وضوح، تصفيق الجناحين والعلوّ والهبوط بينهما، وكأنهما في صراع وتسابق إلى المجهول؟ والجناح نفسه، ألا تظهر بين ريشاته، الطويلة منها والقصيرة، تلك الثّورة المفاجئة وكأن كلّ ريشة سوف تعصف بها الريح فتقتلعها من قاعدتها وتفرّ بها إلى تيارات الأودية والسّفوح، أو فوق مجاهل المحيطات؟
إنّ كل ذلك هو التّفاعل الطبيعيّ بين مقومات الوطن وقواه، ولو خيّل إلينا، في وقت من الأوقات، أنّ في الوطن  جناحاً واحداً، لبرزت الحاجة ملحّة وحتمية إلى  جناح آخر، توزّعها تأميناً للتّوازن، وتأكيداً للتّفاعل، وإيثاراً للتّسابق والمنافسة، وكأن الكلّ طلاّب في مدرسة الحياة، تعجّ فتوتهم بالنشّاط، وتشتدّ المباراة بينهم، فتضجّ أفئدتهم بالنبض السّريع.
إنّ جاذبية الوطن، مهما اشتدّت جاذبية العصر، هي الأقوى والأمتن، وسيبقى لبنان موئل الطير ومستقره.